العنصرية
العنصرية أو "الراسيزم" مشتقة من كلمة (Race) التي تعني العرق. العنصرية هي نظرية ضد علمية وتخلفية تفترض عدم المساواة بين الأعراق المختلفة من حيث القدرات والقوة الفكرية. هذا المذهب غير العلمي يقوم على الاعتقاد بتفوق بعض الأعراق على أخرى، ويبرر الخصائص القومية والثقافية والوطنية بناءً على معايير عرقية.[١] العنصريون وفق هذا المذهب ينكرون مساواة البشر وحقوقهم المتساوية. العنصرية هي استغلال دائم ومعمم للفروق البيولوجية الحقيقية أو الوهمية من قبل من يدعي التفوق العرقي على حساب الضحية لتبرير الاعتداء.[٢]
من أبرز أمثلة العنصرية تطبيق سياسات غير إنسانية من قبل أمريكا ضد الهنود الحمر في البلاد. كما تعرض السود في روديسيا وجنوب أفريقيا مرات عديدة لسياسات غير إنسانية من قبل إنجلترا. كما أرسل هتلر زعيم ألمانيا النازية ملايين الأشخاص إلى معسكرات الإبادة تحت شعار العرق المتفوق.[٣]
العنصرية من منظور القرآن الكريم
على الرغم من نزول القرآن المجيد في بيئة مغلقة تهيمن عليها مسائل العرق والحياة القبلية في جميع جوانبها، والتي من المفترض أن تعكس طابعاً قبلياً أو عربياً، إلا أن قوانين القرآن لا تحمل هذا الطابع إطلاقاً، ولا توجد حتى مرة واحدة مخاطبة بـ "أيها العرب" في القرآن. جميع الخطابات في القرآن موجهة لجميع البشر بصيغة "يا بني آدم" (يا أبناء آدم)، و"يا أيها الناس" (يا أيها الناس)، و"يا أيها الذين آمنوا" (يا أيها الذين آمنوا)، و"يا عبادي" (يا عبادي)، و"يا أيها الإنسان" (يا أيها الإنسان). بالتالي، مخاطبو القرآن هم كل البشر، وقوانينه تشمل الجميع.[٤]
ألغى القرآن كل الامتيازات العرقية في تلك البيئة العنصرية كلياً، وبالمنطق الجميل "أنكم جميعاً من بني آدم وخلقناكم من ذكر وأنثى" يخاطب الجميع ويعلنهم إخوة ومنتمين إلى عائلة واحدة، ويقوي رابطة الأخوة الإنسانية ويقول:
- "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِل لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ"؛ أيها الناس! خلقناكم من رجل وامرأة وجعلناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم؛ إن الله عليم خبير.[٥]
وفي موضع آخر، ينفي جميع الروابط المحدودة ويعتبر رابط الإيمان بين الناس من كل عرق ولغة وزمان ومكان رابط أخوة وأقرب الروابط على أساس المساواة والعدل. يكتب العلامة طباطبائي في تفسير هذه الآية: "إذا قبلنا شمولية الآية، فإن القرآن ينفي جميع الفروق الطبقية التي تؤدي إلى التفاخر، ولا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى".[٦]
سبب نزول الآية الكريمة
ورد في سبب نزول الآية ما يوضح هذا المعنى:
- رُوي أن أحد موالي قبيلة بني بياضة طلب إحدى بناتهم، فأمر النبي (ص) أهل الفتاة بالموافقة، فردوا: يا رسول الله، هل نعطي بناتنا لمواليّنا (عبيدنا)؟ فنزلت هذه الآية التي تنفي هذه الفروقات الطبقية.[٧]
- وكذلك نقل عن عبد الله بن عباس أنه بعد فتح مكة أمر النبي بلال الحبشي أن يرفع الأذان على الكعبة، فلما أذن، قال عتاب بن أسيد: الحمد لله الذي توفي والدي ولم ير هذا اليوم. ثم قال حارث بن هشام: ألم يجد محمد مؤذناً غير الغراب الأسود؟ قال أبو سفيان: لا أقول شيئاً، خشية أن يخبره رب السماء. ثم نزل جبريل على النبي ونهى عن التفاخر بالنسب والتكاثر في المال واحتقار الفقراء، وأعلن أن أساس التفوق هو التقوى.[٨]
سلوك العنصريين من منظور القرآن الكريم
يربط القرآن الكريم سلوك العنصرية بتفوق الجنس واستكبار العنصريين. يمكن استنتاج ذلك من الآيات التالية:
أولاً: التفوق الجنساني
- وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ؛.[٩]
كان إبليس يعتقد أن النار أفضل من الطين، وهذا من أكبر أخطائه، وربما لم يكن خطأً بل كذباً متعمداً، لأننا نعلم أن الأرض مصدر كل البركات والمواد الحيوية وأهم وسيلة لاستمرار حياة الكائنات الحية، بينما النار ليست كذلك.
- "إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ، قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ، قَالَ لَمْ أَكُن لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ"؛ (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين، فقال له الله: يا إبليس، لماذا لا تكون مع الساجدين؟ قال: لم أكن أسجد لبشر خلقته من طين جاف).[١٠]
- "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَن خَلَقْتَ طِينًا"؛ (تذكر عندما أمرنا الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا جميعاً إلا إبليس قال: هل أسجد لمن خلقته من طين).[١١]
ثانياً: الاستكبار
- فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ؛.[١٢]
يفسر الميزان في تفسير القرآن سبب تعالي إبليس بأنه تكبره، ويقول: "تكبر إبليس وامتنع عن السجود وكان كافراً سابقاً".[١٣] العنصرية تضمن السيطرة والتحكم، وعادة ما تمارسها الجماعات العرقية الغالبة على الأقليات. السبب الرئيسي هو خوف الأغلبية من تمكين الأقليات، فتستخدم تسلسل السلطة والبيروقراطية لتشويه صورة الأقلية وإظهارها بصورة سيئة ومرفوضة ودونية في المجتمع.[١٤]
تجنب العنصرية في الأحاديث
رسول الإسلام خلال رسالته التي امتدت 23 سنة، كان يحذر العرب من التفاخر بالنسب والقبائل. قال علي بن موسى الرضا في رواية عن النبي:
- "... وقال رسول الله (ص) لبني عبد المطلب: أتوْنِي بأعمالكم لا بأنسابكم وأحسابكم، قال الله تبارك وتعالى: فإذا نُفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون"[١٥] "لا تأتوا إليّ بأنسابكم بل بأعمالكم".[١٦]
وبعد فتح مكة وفي لحظة خطبة حساسة أعلن المساواة الإسلامية للجميع:
- "يا أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أبوكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: ليبلغ الشاهد الغائب"؛ أيها الناس! اعلموا أن ربكم واحد وأبوكم واحد، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا العكس، ولا لأبيض على أسود ولا العكس إلا بالتقوى. هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب.[١٧]
وفي خطبة وداعه في حجة الوداع أكد مرة أخرى هذه الحقيقة:
- "أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أبوكم واحد. كلّكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى..."[١٨]
الهوامش
- ↑ علي بابايي، غلامرضا، "ثقافة العلوم السياسية"، طهران، نشر ويس، 1369، الجزء 1، صفحة 329.
- ↑ آقابخشي، علي، "ثقافة العلوم السياسية"، طهران، نشر چاپار، الطبعة الثالثة، 1389، صفحة 463.
- ↑ علي بابايي، غلامرضا، "ثقافة العلوم السياسية"، طهران، نشر ويس، 1369، الجزء 1، صفحة 329.
- ↑ مكارم شيرازي، ناصر، "رسالة القرآن"، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1386، الجزء 8، صفحة 245.
- ↑ سورة الحجرات، الآية 13.
- ↑ طباطبائي، محمد حسين، "الميزان"، ترجمة سيد محمد باقر موسوي همداني، قم، نشرات إسلامية، الطبعة الخامسة، 1375، الجزء 18، صفحات 487-490.
- ↑ حقي بروسوي، إسماعيل، "تفسير روح البيان"، بيروت، دار الفكر، بلا تاريخ، ج 9، ص 90. مکارم شيرازي، ناصر، "تفسير نمونه"، طهران، دار الكتب الإسلامية، 137، ج 22، ص 199-200.
- ↑ حقي بروسوي، إسماعيل، "تفسير روح البيان"، بيروت، دار الفكر، بلا تاريخ، ج 9، ص 90. مکارم شيرازي، ناصر، "تفسير نمونه"، طهران، دار الكتب الإسلامية، 137، ج 22، ص 199-200.
- ↑ سورة الأعراف، الآيات 11-12.
- ↑ سورة الحجر، الآيات 31-33.
- ↑ سورة الإسراء، الآية 61.
- ↑ سورة ص، الآيات 73-74.
- ↑ طباطبائي، محمد حسين، "الميزان"، ترجمة سيد محمد باقر موسوي همداني، قم، نشر إسلامي، الطبعة الخامسة، الجزء 17، صفحة 343.
- ↑ موقع [١]
- ↑ سورة المؤمنون، الآية 101.
- ↑ مجلسي، محمد باقر بن محمد تقى، "بحار الأنوار"، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ، الجزء 46، صفحة 177.
- ↑ القرطبي، محمد بن أحمد، "الجامع لأحكام القرآن"، طهران، ناصر خسرو، 1364 هـ، الجزء 16، صفحة 342. صالحی شامي، محمد بن يوسف، "سبل الهدى"، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414 هـ، الجزء 8، صفحة 482.
- ↑ حراني، حسن بن شعبه، "تحف العقول"، قم، "إصدارات إسلامية مجتمع المدرسين"، الطبعة الثانية، 1404 هـ، صفحة 34. تقي الدين أحمد بن علي، "الامتاع الاسماع"، تحقيق محمد عبد الحميد نميسي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1420 هـ، الجزء 1، صفحة 393.