العلاقة بين الإطلاق والتقييد

من ویکي‌وحدت

العلاقة بين الإطلاق والتقييد: الإطلاق هو توسعةٌ في المعنی والتقييد ضيقٌ فيه، کالرجل ورجلٌ کريمٌ. فعلی هذا العلاقة بين الإطلاق والتقييد علاقة التقابل والتقابل يمکن أن يکون تقابل التناقض أو تقابل التضاد أو تقابل العدم والملکة، والأصوليون اختلفوا في نوع التقابل من هذه العلاقة.

العلاقة بين الإطلاق والتقييد

بحث الأصوليون في العلاقة بين الإطلاق والتقييد مرّة في مرحلة الثبوت والواقع، واُخرى في مرحلة الإثبات والدلالة، فذكروا في مرحلة الثبوت ثلاث نظريات نحاول فيما يلي التعرّض لها:

النظرية الأولى

وهي أنّ العلاقة بين الإطلاق والتقييد علاقة التناقض؛ لأنّ التقييد فيه لحاظ قيد في الطبيعة الصالحة للانطباق على جميع أفرادها، ليحددها في حدود الأفراد الداخلة في القيد، وأمّا الإطلاق فليس فيه هذا اللحاظ، فالعلاقة بينهما علاقة الوجود والعدم، وهي عبارة اُخرى عن علاقة التناقض.
ويتحتّم على أساس هذه النظرية الأخذ إمّا بالإطلاق أو بالتقييد، إذ لا ثالث بين اللحاظ وعدمه، كما لا ثالث بين الوجود والعدم. [١]

النظرية الثانية

هي أنّ بينهما علاقة التضاد؛ لأنّ في التقييد لحاظ القيد، وفي الإطلاق لحاظ عدمه، فهما لحاظان وجوديان متضادان؛ لأنّ الصفات والخصوصيات إمّا أن يكون وجودها ملحوظا في الطبيعة فيتحقّق التقييد؛ وإمّا أن يكون عدمها ملحوظا فيها فيتحقّق الإطلاق. [٢]
وعليه يمكن تصوّر حالة متوسطة بين اللحاظين المذكورين، وهي المعبّر عنها بحالة الإهمال وعدم لحاظ الوجود أو العدم. [٣]
وقد نفى بعضهم إمكان تصوّر حالة متوسّطة في حقّ المشرّع الحكيم الملتفت لحدود موضوع الحكم ومتعلّقه سعة وضيقا، وإن أمكن تصوّره في المشرّع العادي. [٤]

النظرية الثالثة

هي أنّ العلاقة بينهما علاقة الملكة وعدمها؛ لأنّ الإطلاق عبارة عن عدم لحاظ قيد في مورد يمكن لحاظه فيه، فهما كالبصر والعمى، فكما لايصدق العمى على الجدار لعدم قابليته على الإبصار، كذلك لايصدق الإطلاق على ما كان غير قابل للتقييد. [٥]
ولازم هذه النظرية إمكان تصوّر حالة متوسّطة ينتفي فيها الإطلاق والتقييد معا. [٦]
واُورد عليه:
أوّلاً: بأنّ الإطلاق الثبوتي الواقعي لايشترط فيه أن تكون الماهية قابلة للتقييد؛ لأنّ سعة الماهية وانطباقها على تمام أفرادها أمر ذاتي لها ما لم تثبت إضافة القيد في مقام اللحاظ. نعم، الإطلاق الإثباتي في مقام الدلالة الثابت بـ مقدّمات الحكمة منوط بقابلية المورد على التقييد. [٧]
وثانيا: بأنّ الإهمال في واقع الأحكام مستحيل في حقّ المشرّع الحكيم؛ لاستلزامه الجهل بمتعلّق حكمه أو موضوعه سعة وضيقا، وبالتالي إلى تردّده فيه، وهو غير معقول، فلابدّ أن يكون الحكم الصادر من قبل المولى ـ الملتفت إلى جميع ظروفه وملابساته ـ إمّا مطلقا بإطلاق موضوعه أو متعلّقه، وإمّا مقيّدا بتقييدهما، ولا ثالث بينهما. [٨]
ولعلّه إلى ذلك أشار الشيخ الأنصاري من أنّه إذا استحال التقييد وجب الإطلاق. [٩] هذا كلّه في مرحلة الثبوت.
وأمّا في مرحلة الإثبات فلا إشكال في أنّ التقابل هو تقابل الملكة وعدمها، بمعنى أنّ الإطلاق هو عدم ذكر قيد في مورد يمكن ذكره فيه، وإلاّ فلو كان هناك مانع من البيان أو مصلحة في عدم البيان، فلاينعقد حينئذٍ للكلام إطلاق[١٠]؛ وذلك من قبيل قوله تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ»[١١]، فإنّها في مقام تشريع صلاة القصر، وقد اُهملت المسافة التي يجب فيها القصر في الصلاة، فلايصحّ التمسّك حينئذٍ بالإطلاق لإثبات مشروعية القصر في السفر من دون تقييده بمسافة معيّنة. [١٢]

المصادر

  1. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 410 ـ 411.
  2. محاضرات في أصول الفقه 2: 177 ـ 178.
  3. دروس في علم الأصول 2: 104.
  4. محاضرات في أصول الفقه 2: 177.
  5. فوائد الأصول 1ـ2: 566، أجود التقريرات 2: 416 ـ 417.
  6. دروس في علم الأصول 2: 104.
  7. بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 410.
  8. محاضرات في أصول الفقه 2: 177 ـ 178.
  9. مطارح الأنظار 1: 302 وأنظر: محاضرات في أصول الفقه 2: 178.
  10. أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 117، محاضرات في أصول الفقه 2: 172 ـ 173، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 3: 427.
  11. النساء: 101.
  12. محاضرات في أصول الفقه 2: 178 ـ 179.