الشركة

من ویکي‌وحدت

الشركة: وهي المشارکة وخلط الملکين، ولصحتها شروط و أحكام سنذکرها تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.

الشركة

ومن شرط صحتها أن يكون في مالين متجانسين إذا خلطا اشتبه أحدهما بالآخر وأن يخلطا حتى يصيرا مالا واحدا وأن يحصل الإذن في التصرف في ذلك[١]، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : تنعقد الشركة بالقول ، وإن لم يخلطاهما ، بأن يعينا المال ويحضراه ، ويقولا : قد تشاركنا في ذلك ، صحت الشركة. [٢]
وإذا أخرج أحدهما دراهم ، والآخر دنانير ، انعقدت عند أبي حنيفة الشركة بينهما ، خلافا لنا وللشافعي. [٣] لنا أنه لا خلاف في انعقاد الشركة ، بتكامل ما ذكرناه ، وليس على انعقادها مع عدمه أو إخلال بعضه دليل. [٤]
العروض التي لها أمثال ، مثل : المكيلات ، والموزونات تصح الشركة فيها ولأصحاب الشافعي فيه قولان . لنا أن الأصل جوازه ولا مانع منه. [٥]
وهذه الشركة التي تسميها الفقهاء شركة العنان . وعلى ما قلناه لا يصح شركة المفاوضة وهي : أن يشتركا في كل ما لهما وعليهما ، وما لهما متميزان[٦] وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : هي صحيحة إذا صحت شرائطها وموجباتها ، و شروطها أن يكون الشريكان مسلمين حرين ، فإن كان أحدهما كافرا أو مكاتبا لم تجز ، وأن يتفق قدر المال الذي تنعقد الشركة في جنسه ، وهو الدراهم والدنانير ، فإن كان أحدهما أكثر لم تصح . وأما موجباتها فهي أن يشارك كل واحد منهما صاحبه فيما يكتسبه ، قل ذلك أم كثر ، وفيما يلزمه من غرامات بغصب وكفالة بمال .
لنا أن هذه الشركة لا دلالة على صحتها في الشرع فتكون غير صحيحة. [٧]
ولا [ تصح ] شركة الأبدان وهي الاشتراك في أجرة العمل[٨] مثل أن يشترك الصانعان على أن ما يرتفع لهما من كسبهما فهو بينما على حسب شرطهما ، سواء كانا مختلفي الصنعة ، كالنجار والخباز ، أو متفقي الصنعة كالنجارين ، وفاقا للشافعي . وقال أبو حنيفة : يجوز مع اتفاق الصنعة واختلافهما ، ولا يجوز في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد . وقال مالك : يجوز مع اتفاق الصنعة لامع اختلافها ، وقال أحمد : يجوز في جميع ذلك. [٩]
ولا تصح شركة الوجوه وهي أن يشتركا على أن يتصرف كل واحد منهما بجاهه لا برأس ماله ، على أن يكون ما يحصل بينهما من فائدة تكون بينهما[١٠] وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : تصح فإذا عقداها كان ما يرتفع لهما على حسب ما شرطا .
لنا على بطلان هذه الشركة أنه لا دلالة في الشرع عليه والعقود الشرعية تحتاج إلى أدلة شرعية. [١١] ويدل على فساد هذه الشركة أيضا أنه ( عليه السلام ) نهى عن الغرر وهو حاصل فيها ، لأن كل واحد من الشريكين لا يعلم أيكسب الآخر شيئا أم لا ، ولا يعلم مقدار ما يكسبه ، ويدخل في شركة المفاوضة أن يشاركه فيما يلزمه بعدوان وغصب وضمان ، وذلك غرر عظيم. [١٢]
وإذا انعقدت الشركة اقتضت أن يكون لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار رأس ماله ، وعليه من الوضيعة بحسب ذلك ، فإن اشترطا تفاضلا في الربح ، أو الوضيعة مع التساوي في رأس المال ، أو تساويا في ذلك مع التفاضل في رأس المال ، لم يلزم الشرط ، وكذا إن جعل أحد الشريكين للآخر فضلا في الربح بإزاء عمله لم يلزم ذلك ، وكان للعامل أجرة مثله ومن الربح بحسب رأس ماله ، ويصح كل من ذلك بالتراضي ، ويحل تناول الزيادة بالإباحة دون عقد الشركة ، ويجوز الرجوع بها لمبيحها مع بقاء عينها ، لأن الأصل جواز ذلك والمنع يفتقر إلى دليل .
فإن قال المخالف : اشتراط الفضل في الوضيعة بمنزلة أن يقول : ما ضاع من مالك فهو علي ، وهذا فاسد ، قيل له : ما أنكرت أن يكون بمنزلة من قال : ما ضاع فهو من مالي ومالك إلا أني قدر رضيت أن يكون من مالي خاصة ، وتبرعت لك بذلك ، فهذا لا مانع منه ، ويلزم أبا حنيفة على ذلك أن لا يجيز اشتراط التفاضل في الربح ، لأنه بمنزلة أن يقول : ما استفيد في مالي فهو لك. [١٣]
لا فرق بين أن يتفق المالان في المقدار أو يختلفا ، فيخرج أحدهما أكثر مما أخرجه الآخر ، فإنه لا دلالة على بطلان هذه الشركة ، والأصل جوازها . وبه قال أكثر أصحاب الشافعي ، وقال الأنماطي[١٤] من أصحابه : إذا اختلف مقدار المالين بطلت الشركة. [١٥]
ولا يجوز أن يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال ، ولا أن يتساويا فيه مع التفاضل لأنه لا دلالة على جوازه وبه قال الشافعي. [١٦]
وفي الخلاصة الشرط المغير له أو للمذكور فاسد ، وقال أبو حنيفة : يجوز ذلك.
والتصرف في مال الشركة على حسب الشرط ، إن شرطا أن يكون لهما معا على الاجتماع ، والانفراد ، فهو كذلك ، وإن شرطا التصرف لأحدهما لم يجز للآخر إلا بإذنه .
وكذا القول في صفة التصرف في المال ، من السفر به ، و البيع بالنسيئة ، والتجارة في شئ معين ، ومتى خالف أحدهما ما وقع عليه الشرط كان ضامنا .
والشركة عقد جائز من كلا الطرفين ، يجوز فسخه لكل واحد منهما متى شاء ، ولم يلزم اشتراط التأجيل فيها ، وتنفسخ بالموت .
والشريك المأذون له في التصرف مؤتمن على مال الشركة ، والقول قوله ، فإن ارتاب به شريكه حلف على قوله .
وإذا تقاسم الشريكان لم يتقسم الدين ، بل يكون الحاصل منه بينهما والمنكسر عليهما ، ولو اقتسماه فاستوف أحدهما ولم يستوفي الآخر ، لكان له أن يقاسم شريكه على ما استوفاه[١٧]، وعليه إجماع الإمامية وللشافعي فيه قولان : الأظهر عندهم أنه لا يشاركه فيه. [١٨]
وإذا باع من له التصرف في الشركة ، وأقر على شريكه الآخر بقبض الثمن - مع دعوى المشتري ذلك وهو جاحد - لم يبرأ المشتري من شئ منه ، أما ما يخص البايع فلأنه ما اعترف بتسليمه إليه ولا إلى من وكله على قبضه ، فلا يبرأ منه ، وأما ما يخص الذي لم يبع ، فلأنه منكر لقبضه ، وإقرار شريكه البائع عليه لا يقبل[١٩]، لأنه وكيله ، وإقرار الوكيل على الموكل بقبض الحق الذي وكله في استيفائه ، لا يقبل وبه قال الشافعي غير أن له في إقرار الوكيل على موكله بقبض ما وكل فيه قولين : أحدهما : لا يقبل مثل ما قلناه . والثاني : يقبل وبه قال أبو حنيفة. [٢٠]
ولو أقر الذي لم يبع ، ولا أذن له في التصرف ، أن البايع قبض الثمن ، برئ المشتري من نصيب المقر بلا خلاف .
وتكره شركة المسلم للكافر بلا خلاف إلا من الحسن البصري ، فإنه قال : إن كان المسلم هو المنفرد للتصرف لم تكره. [٢١]
وعند الحنفية لا تجوز الشركة بين الحر والمملوك ولا بين الصبي والبالغ ولا بين المسلم والكافر[٢٢] كما ذكرنا قبل .
إذا عقدا شركة فاسدة ، إما بأن يتفاضل المالان ويتساوى الربح ، أو يتساوى المالان ويتفاضل الربح ، وتصرفا ، وارتفع الربح ، ثم تفاضلا ، كان الربح بينهما على قدر المالين ، ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله ، بعد إسقاط القدر الذي يقابل عمله في ماله ، وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يرجع واحد منهما على صاحبه بأجرة عمله ، لأن هذه الأجرة لم تثبت في الشركة الصحيحة ، وكذلك في الفاسدة .
لنا أن كل واحد منهما قد شرط في مقابلة عمله جزءا من الربح ، ولم يسلم له لـ فساد العقد ، وقد تعذر عليه الرجوع إلى المبدل ، فكان له الرجوع إلى قيمته ، كما لو باع منه سلعة بيعا فاسدا وتلفت في يد المشتري رجع عليه بقيمتها ، لأن المسمى لم يسلم له ، وقد تعذر عليه الرجوع في السلعة بتلفها فكان له الرجوع في قيمتها ، ويفارق ذلك الشركة الصحيحة ، لأن المسمى قد سلم له فيها ، وفي الفاسدة لم يسلم له المسمى وقد تعذر عليه الرجوع إلى المبدل فيرجع إلى عوض المثل. [٢٣]

الهوامش

  1. الغنية : 263 .
  2. الخلاف : 3 / 327 مسألة 2 .
  3. الخلاف : 3 / 328 مسألة 2 .
  4. الغنية : 263 ، وكان في النسخة كتب أولا : " انعقدت الشركة بينهما وفاقا للشافعي " ثم غيرها وكتب " خلافا لنا وللشافعي " . وتكررت المسألة بصورة أخرى في الخلاف في المسألة 4 فلاحظ .
  5. الخلاف : 3 / 328 مسألة 3 .
  6. الغنية : 263 .
  7. الخلاف : 3 / 329 مسألة 5 .
  8. الغنية : 263 .
  9. الخلاف : 3 / 330 مسألة 6 .
  10. الغنية 263 .
  11. الخلاف : 3 / 331 مسألة 7 .
  12. الغنية : 264 .
  13. الغنية : 264 .
  14. أبو القاسم الأنماطي البغدادي الأحول ، أحد أئمة الشافعية ، أخذ الفقه عن المزني والربيع ، وأخذ عنه أبو العباس بن سريج والاصطخري وابن الوكيل مات سنة ( 288 ) . طبقات الشافعية : 1 / 180 رقم 25 .
  15. الخلاف 3 / 332 مسألة 8 .
  16. الخلاف : 3 / 332 مسألة 9 .
  17. الغنية : 264 .
  18. الخلاف : 3 / 336 مسألة 15 .
  19. الغنية : 265 .
  20. الخلاف : 3 / 333 مسألة 11 .
  21. الغنية : 265 .
  22. اللباب في شرح الكتاب : 2 / 122 .
  23. الخلاف : 3 / 336 مسألة 14 .