التفويض

من ویکي‌وحدت

التفويض: وهو توکيل الله الأحکامَ وتشريعَها إلی النبي(ص) أو الأئمة(ع) من دون أن يكون له تعالى دخل في إيجادها، واختلف الفقهاء و المتکلمون في جواز ذلک. والتفويض قسمان: تشريعي وتکويني ومحل البحث هو القسم الأول.

تعريف التفويض لغةً

إيكال الشيء إلى الغير وجعله في عهدته[١]، ومنه قوله تعالى: «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ»[٢].

تعريف التفويض اصطلاحاً

له إطلاقان: أحدهما : تشريعي ، وهو إيكال اللّه‏ الأحكام إلى النبي(ص)[٣] أو بعض الأوصياء [٤] أو إلى مجتهد من المجتهدين[٥]، من دون أن يكون له تعالى دخل في إيجادها.
وهو غير ما يعتمده الفقيه في استنباط الأحكام من طرق كالإجماع والعقل وغيرهما؛ لأنّ الأحكام الحاصلة من ذلك ترجع إلى جعل اللّه‏ تعالى وتشريعه مباشرة، ولا علاقة لها بالتفويض[٦].
ثانيهما: تكويني، وهو إيكال أفعال العباد إلى إرادتهم واختيارهم، من دون أن يكون له دخل في إيجادها[٧].

الحكم الإجمالي للتفويض

ذهب جماعة من جمهور أهل السنّة و الإمامية إلى جواز التفويض بالمعنى الأوّل، وهو الإيكال التشريعي للنبي(ص) [٨] ، أو الأئمة المعصومين عليهم‏السلام [٩] ، أو أحد المجتهدين[١٠].
واستدلّوا له بعدّة اُمور[١١]:
الأوّل: قوله تعالى: «إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ»[١٢]، فإنّ من الواضح أنّ يعقوب عليه‏السلام لايستطيع أن يحرّم شيئا إلاّ بتفويض من اللّه‏.
الثاني: قوله (ص) : «لولا أن أشقّ على اُمتي لأمرتهم بالسواك»[١٣].
الثالث: بعض الروايات التي استدلّ بها بعض الإمامية[١٤] كرواية زرارة عن الإمام الباقر عليه‏السلام، قال: «وضع رسول اللّه‏ (ص) دية العين ودية النفس، وحرّم النبيذ وكلّ مسكر، فقال له رجل: وضع رسول اللّه‏ (ص) من غير أن يكون جاء فيه شيء؟ فقال: نعم، ليعلم من يطيع الرسول ممّن يعصيه»[١٥]، وغيرها من الروايات الدالّة على تفويض أحكام اللّه‏ تعالى إلى نبيه.
وفي المقابل ذهب جماعة من أهل السنّة[١٦] و الإمامية[١٧] إلى أنّ جميع أحكام الشريعة موحاة من اللّه‏ تعالى، فهو المشرّع الوحيد لها، وليس للنبي أو وليّه أو غيرهما إلاّ البلاغ، مستدلّين عليه بانتظار النبي الوحي لتغيير جهة القبلة في قوله تعالى: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا»[١٨]. لنفسك.
وبقوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»[١٩]. الدالّ على أنّ الشريعة بمجملها من اللّه‏ تعالى؛ إذ لو كان بعضها منه وبعضها من غيره لما صحّ نسبة التكميل إليه تعالى.
وأمّا ما استدلّ به لاثبات التفويض فقد حاولوا توجيهه والتخلّص منه بأنّ اللّه‏ تعالى شرّع أحكاما خيّر أنبياءه في انتخاب أحدها، فاختار نبينا (ص) مثلاً ألاّ يأمر اُمته بالسواك، واختار إسرائيل عليه‏السلام أن يحرّم على نفسه بعض الأشياء وهكذا، جعلهم في فسحة من اختيار ما يرون تطبيقه مناسبا من أحكام من دون أن يكون ذلك خارجا عن دائرة الوحي وتشريع اللّه‏ تعالى[٢٠]، فلا بدّ من حمل ظاهر الأدلّة السابقة على الآيات والروايات النافية للتفويض كقوله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ»[٢١]. وكقول الإمام الصادق عليه‏السلام: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه‏، وحديث رسول اللّه‏ قول اللّه‏ عزّ وجلّ»[٢٢]. هذا بالنسبة للتفويض التشريعي.
وأمّا التفويض التكويني فقد اختلف علماء الإسلام فيه لاختلافهم في منشأ أفعال الإنسان وفي رجوعها إلى إرادته، من دون دخل لإرادة اللّه‏ في فاعليتها، كما هو مذهب المعتزلة أو رجوعها إلى إرادة اللّه‏ ولا دخل لإرادة الإنسان فيها، كما هو مذهب الأشعرية الجبرية، أو أنّ لكلّ من الإرادتين تأثير في إيجادها، كما هو مذهب الإمامية المعروف بالأمر بين الأمرين[٢٣].
وتفصيل البحث في ذلك موكول إلى علم الكلام.

المصادر

  1. . لسان العرب 3: 3096 مادّة «فوض»، المصباح المنير: 483، مادّة «فوض».
  2. . غافر: 44.
  3. . أصول الفقه محمد أبو النور زهير 3 ـ 4 : 457 ، فوائد الأصول 4 : 734.
  4. . فوائد الأصول 4: 734.
  5. . التحبير في شرح التحرير 8: 3995.
  6. . المصدر السابق: 3995.
  7. . أنظر: موقف أهل البيت لا جبر ولا تفويض: 135.
  8. . العدّة أبو يعلى: 442، أصول الفقه (أبو النور) 3 ـ 4: 457.
  9. . أجود التقريرات 4: 299، منتهى الدراية 8: 574.
  10. . نقله في التحبير في شرح التحرير 8: 3995.
  11. . العدّة أبو يعلى 2: 442، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 434 ـ 435.
  12. . آل عمران: 93.
  13. . الوسائل 2: 17، كتاب الطهارة، باب 3، ح 4، مسند أحمد 1: 130 ح 608 مسند علي بن أبي طالب.
  14. . منتهى الدراية 8: 574.
  15. . الوسائل 25: 354، باب 24 باب تحريم النبيذ، ح 2.
  16. . التحبير شرح التحرير 8: 3995، أصول الفقه أبو النور زهير 3 ـ 4: 457.
  17. . هداية المسترشدين 1: 410، مطارح الأنظار 12: 357 ـ 359.
  18. . البقرة: 144.
  19. . المائدة: 3.
  20. . التحبير في شرح التحرير 8: 3999.
  21. . الكهف: 110.
  22. . الوسائل 27: 83 كتاب القضاء باب 8 من وجوب العمل بأحاديث النبي(ص)، ح26.
  23. . محاضرات في أصول الفقه الخوئي 2: 82 ، المباحث الأصولية (الفياض) 3: 40.