الاعتراف بقدرة المقاومة (ملاحظة)

الاعتراف بقدرة المقاومة، عنوان ملاحظة تناقش تنفيذ خطة دونالد ترامب الخاصة بـغزة ومستقبلها، وتشير أيضًا إلى قوة قوات المقاومة وحماس[١]. لا تزال النقاشات حول تنفيذ خطة ترامب لغزة ومستقبلها مستمرة. في هذه الخطة، وردت مطالب قصوى للطرف الفلسطيني وكذلك مطالب قصوى للطرف الإسرائيلي! ومن الواضح أن تحقيق هذه المطالب معًا غير ممكن، كما وصف ترامب في تصريحاته هذه الخطة بأنها مزيج من خطة أمريكا السابقة -في أواخر عهد بايدن- والخطة المشتركة بين السعودية وفرنسا، رغم وجود اختلافات كبيرة بين هاتين الخطتين. إلى جانب هذا النقاش، هناك عدة أسئلة لم تُجب بدقة بعد؛ ما الهدف من تزيين هذه الخطة وتصوير غزة كميناء تجاري دولي مليء بالثروات والاستثمارات وبالتالي الأمن؟ وما هي المكاسب الواقعية التي تحققها هذه الخطة لـحماس وأي مكاسب لـالكيان الإسرائيلي؟ وأي الطرفين تميل موازين المصالح لصالحه؟ وأخيرًا، ما هو أفق هذه الخطة، وبعبارة أخرى، أي أجزاء من هذه الخطة من المرجح تنفيذها وأيها من المحتمل أن تبقى مجرد كلام؟ هناك نقاط سنشير إليها في ما يلي.
خطة ترامب ورسم صورة غزة الغنية

في البنود 7 و9 و10 و11 و12، أي خمسة بنود من أصل 20، تصوّر خطة ترامب إنشاء غزة غنية، حديثة، مستقرة، هادئة، حرة، ومستفيدة من أقصى النعم التي قد يحلم بها أي شعب أو مجتمع في العالم! إنشاء ميناء أو أكثر تجاري وترفيهي كبير يمكنه المنافسة بل والتفوق على أي ميناء معروف في المنطقة أو حتى في العالم! من الواضح أن أساس هذه الادعاءات مبني على دعاية مغرية. لكن لماذا خصصت هذه الادعاءات جزءًا كبيرًا من النص؟ بالطبع، هذه العبارات لم تُكتب لإرضاء الكيان الإسرائيلي لقبول الخطة، فـأمريكا لا تحتاج إلى إرضاء الكيان الإسرائيلي أو نتنياهو بشأن هذه الخطة، لأن أمرًا واحدًا من ترامب يكفي لتنسيق حكومة الاحتلال الإسرائيلي. إذن، هذه البنود الخمسة كُتبت لجذب رضا الطرف الفلسطيني وتحفيزه.
المقاومة الفلسطينية والمقاومة الإقليمية
هنا يطرح سؤال آخر؛ ما هي الصورة التي كانت لدى الأطراف الأمريكية والإسرائيلية وغيرها من الدول المشاركة إلى جانب أمريكا عند صياغة هذه الخطة عن مقاومة فلسطين والمقاومة في المنطقة؟ هل اعتبروها ضعيفة أم قوية؟ الجواب واضح جدًا، إذ تُمنح التنازلات والوعود المغرية للطرف القوي وليس الضعيف. بناءً على ذلك، يمكننا القول بثقة إن هذه الخطة صيغت في ظل اعتراف بقوة شعب غزة وبقوة المقاومة فيها، بل وبالاعتراف بقوة المقاومة الإقليمية. النتيجة من هذا النقاش هي أن مقاومة غزة وفلسطين تستطيع ويجب أن تستغل هذا الواقع لتحقيق أقصى مطالب الفلسطينيين، وعلى رأسها وقف الحرب الظالمة على غزة وطرد قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل ودائم من القطاع. مواقف حماس تدل على هذا الأمر.
مراحل الخطة الثلاث
فيما يتعلق بالتزامات الطرف الفلسطيني، أي البنود 1 و4 و6 و9 و13 و17 و19، جاءت متكاملة ومتزامنة، حيث تقول الخطة إن هذه الالتزامات ضمن جدول زمني وقبول دون شروط أو تدخل فلسطيني. لكن وبإصرار حماس قُسّمت الخطة إلى ثلاث مراحل.

- المرحلة الأولى، مرحلة عاجلة مدتها أسبوعان، تشمل وقف الحرب، تراجع جزئي للجيش الإسرائيلي من غزة، تبادل الأسرى، ودخول المساعدات الإنسانية. التزام حماس في هذه المرحلة هو تحرير الأسرى وتسليم الجثث، والتزامات إسرائيل تشمل وقف الحرب، تسليم السجناء بمن فيهم المحكومون بالسجن المؤبد والشخصيات البارزة في المقاومة، والتراجع مع أولوية ذلك على تحرير الأسرى.
- المرحلة الثانية، التي تستغرق حوالي شهرين، تتناول قضايا إدارة غزة مؤقتًا (لجنة سلام) وحضور قوات أجنبية في غزة والتراجع الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع. موقف حماس هو رفض تسليم إدارة غزة لقوة أجنبية وإصرارها على الإدارة الفلسطينية.
- المرحلة الثالثة، وهي المرحلة النهائية التي تشمل نزع سلاح المقاومة، جودة الإدارة الدائمة لغزة، إعادة بناء المناطق وإحياء المنشآت العامة والطرق، ورفع الحصار والقيود، وتستغرق أكثر من ستة أشهر. موقف حماس أن السلاح له ثلاثة فصول: السلاح الخفيف، السلاح المتوسط، والسلاح الثقيل. حماس رفضت النقاش بشأن الفصلين الأول والثاني وأرجأت النقاش حول الفصل الثالث إلى تشكيل الدولة الفلسطينية واعتبرته من صلاحياتها. قبول أمريكا وإسرائيل والدول المتحالفة معها بتقسيم خطة ترامب وتبني الصيغة التي تؤكد عليها المقاومة يُعد نجاحًا للمقاومة وإشارة واضحة إلى اعتبارها قوية من قبل الطرف الآخر. وأخيرًا، من الواضح أن خطة ترامب تحتوي على عشرات النقاط المهمة التي لن تُنفذ إلا بموافقة إسرائيل على التفاوض حولها.
الخطة المشتركة لنتنياهو وترامب

صحيح أن فلسفة وجود خطة ترامب، أو الخطة المشتركة بين نتنياهو وترامب، أو كما يسميها البعض خطة نتنياهو، تقوم على الضغط على المقاومة الفلسطينية وعلى شعب غزة المقاوم، لكنها في الوقت نفسه تعكس حاجة إسرائيل الشديدة لها. لو كان بإمكان هذا الكيان تحقيق مطالب الخطة دون تقديم تنازلات -حتى لو كانت على الورق- لما قبلوا بحماس طرفًا للحوار ولا وقعوا على وجود "دولة فلسطينية" في غزة. قبل ذلك، قال مسؤول مقرب من البيت الأبيض لفوكس نيوز: "ترامب يعتقد أن نتنياهو بعناد وبعمليات مثل عملية جدعون يدفع إسرائيل نحو الموت، وهناك احتمال في أي لحظة أن تقوم حماس بخطف أسرى من الجنود المتمركزين في غزة، مما يعيد زعزعة الأوضاع في إسرائيل". بناءً على ذلك، صيغت خطة ترامب بفلسفة إنقاذ إسرائيل عبر إجبار نتنياهو على التنازل عن أهداف حكومة إسرائيل المعلنة، وتسعى لخلق فرصة لاستمرار حياة إسرائيل. وفي خلاصة هذا النقاش، يمكن القول إن خطة ترامب، رغم خطورتها على الفلسطينيين، قد تخلق وضعًا رابحًا للطرفين؛ إذا نفذت المرحلة الأولى ووصلت إلى الثانية، تحقق حماس هدفين رئيسيين دون نزع السلاح: وقف الحرب وتراجع الجيش الإسرائيلي، وإذا تعثرت الخطة بسبب معارضة إسرائيل أو عرقلتها -وهو احتمال كبير- فإن حماس وشعب غزة، رغم أنهم حصلوا على فترة راحة مؤقتة أثناء الحرب وحلوا بعض مشاكلهم، سيدخلون في حرب تعتبر إسرائيل مسؤولة عنها، لأن المرحلة الجديدة من الحرب ستكون خالية من مبررات المرحلة السابقة (أي العملية الاستباقية "عاصفة الأقصى").
الاتفاق لحماس تكتيك لتجاوز الظروف الراهنة

حماس قبلت خطة ترامب بشكل مشروط ونسبياً في ظل الأوضاع بعد هجوم الكيان الإسرائيلي على قطر وتعريض تركيا للتهديد، وهذا يعني أن خيار التفاوض والاتفاق ليس استراتيجية لحماس، بل هو تكتيك لتجاوز الظروف الحالية، واستراتيجيتها ما زالت المقاومة. لذلك، إذا كان هناك احتمال جدي لانتهاك إسرائيل والتخلي عن التزاماتها، فهناك أيضًا نظرة حماس لهذه الخطة على أنها غير استراتيجية. حماس لا تتأثر جوهريًا بإلغاء خطة غير استراتيجية، بل يمكنها بعد ذلك تحسين الوضع الحالي في قطر وتركيا لصالحها. كما أن ما يبدو في أفق هذه الخطة ليس تنفيذًا حرفيًا أو مادياً، وبناءً على التجربة، لا يبدو أن المرحلة الثالثة ستُنفذ عمليًا. الوضع الحالي هو تخفيف التوتر وفتح قنوات المساعدة، وهذا يوضح هشاشة هذه الخطة. فمن جهة، تلمح ضمنيًا إلى أن استمرار الوضع السابق سيكلف إسرائيل كثيرًا ويواجه مخاطر كبيرة، ومن جهة أخرى، تقول إن الطرف الفلسطيني لا يسمح بتنفيذ أهم بند في الخطة وهو نزع سلاح وعزل المقاومة. وهذا هو التحدي الأكبر لخطة ترامب. توجه أمريكا والكيان الإسرائيلي إلى هذه الخطة السياسية يُعد تعديلًا في نهج "الحرب فقط" لديهم، ومع ذلك، إذا وصلت الخطة السياسية إلى طريق مسدود -وهو احتمال كبير- ستستأنف الاشتباكات بشدة أقل.
مواضيع ذات صلة
الهوامش
- ↑ بقلم: سعدالله زارعي.
المصادر
- خطة ترامب، اعتراف واضح بقدرة المقاومة (مذكرة يومية)، موقع صحيفة كيهان، تاريخ النشر: 11 أكتوبر 2025 م، تاريخ الاطلاع: 12 أكتوبر 2025 م.