الأخوة في الإسلام

من ویکي‌وحدت

الأُخوّة في الإسلام: تعني الأخوّة في حدّ ذاتها أُلفة القلوب وانسجام المشاعر والعواطف واتّحاد المسيرة، ومبدأ الأُخوّة الإسلامية من المبادئ الممتازة لدين الإسلام، فهو يوحّد بين الذين آمنوا أيّاً كانوا وأينما كانوا، كلّ من آمن بعقيدة الإسلام والتزم حدودها ورضى بها منهجاً عملياً لحياته ومنهجاً قويماً لعبادة خالقه، فقد أصبح عضواً من أعضاء المجتمع الإسلامي وفرداً من أفراده، ليس له امتياز عن غيره إلّا بعمله وتقواه وعلمه.

وقد غلبت الأُخوّة الدينية في الإسلام كلّ صلة سواها من صلة النسب والعرق. والإخاء في الإسلام هو اللبنة الأُولى التي غرسها وأقامها سيّد المرسلين (صلّى الله عليه وآله) في بنائه للمجتمع الإسلامي الأوّل في المدينة المنوّرة عند الهجرة. وتستوجب هذه الأُخوّة الإسلامية أن يرعى المسلم أخاه، فيمدّ إليه يد المساعدة، ويشدّ عضده، ويخفّف عنه وطأة النكبات، ويشاركه في السرّاء والضرّاء، وتستوجب كذلك رعاية الضعفاء واليتامى والصغار.

وعليه يُعدّ مبدأ الأُخوّة الإسلامية أساساً من أُسس إقامة دولة الإسلام وقاعدة من قواعده المتينة في بناء الأمّة الواحدة.

صورة تعبيرية

الأخوّة لغةً واصطلاحاً

الأخوّة مصدر (أَخَا)، وهي: صِلَةُ التضامُن والمَودَّة، يُقال: بينهما علاقة أُخُوَّة، أي: رابطةٌ بين الأخ وأخيه، وهي أيضاً علاقة تضامن وصداقة مبنيَّة على المَودَّة والتعاون بين أعضاء جماعة.

أمّا في الاصطلاح فتُعرَّف بأنّها: علاقةٌ قويّةٌ مُتبادلةٌ قائمةٌ على تقوى الله سبحانه، والإيمان به، وهي تُؤدّي بأطرافها إلى المَحبّة في الله تعالى، بالإضافة إلى الحُبّ، والإخلاص، والوفاء، والثقة، والصدق، بعيداً عن السعي إلى تحقيق أيّ غرضٍ أو هدفٍ دُنيويٍّ.

فرابطة الأخوّة الإسلاميّة رابطةٌ لا مثيل لها، ذات أثرٍ عميقٍ، بخِلاف غيرها من الروابط والعلاقات. وقد جعل الله سبحانه رابطة الأخوّة الإسلاميّة بين كلّ أفراد الأمّة، فتفوّقتْ على كلّ الروابط الأخرى، وصهرتْ العصبيّات الأخرى في بَوْتَقتِها، كما صرّح بذلك أيضاً النبيّ (عليه الصلاة والسلام) بقوله: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ"، وبذلك فإنّ الأخوّة الإسلاميّة تُعدّ من أبرز مظاهر القوّة والعزّة والمَنَعة للمسلمين.

مشروعيّة الأخوّة في الإسلام

يُنظرُ إلى الأخوّة الإسلامية على أنّها تشريعٌ ربّاني، ومبدأ إسلاميٌ، انطلاقاً من دلالة قوله تعالى:(فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)، أي: أصبحتم بسبب نعمة الإسلام إخواناً في الدين.

وفي ضوء هذا الفهم فإنّ الأخوّة الإسلامية ليست تقليداً أعمى، ولا عادةً موروثةً، ولا تكتّلاً مرتبطاً بوقت أو ظرف طارئ، بل هي عقدٌ لازم، ورباط دائم بين أهل الإيمان، لا ينفسخُ ولا يسقطُ بالتخلّي.. يؤكّد هذا قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

ويرى أهل العلم أنّ رابطة الدّين أقوى من رابطة النسَب؛ لذا حرص النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند إقامة الدولة في المدينة المنوّرة بعد الهجرة على الأخوّة الإسلامية كرابط إيمانيٍ وثيق، يجتمع المسلمون تحت ظلاله الوارفة من شتّى أصولهم واختلاف منابتهم. وقد ظهر ذلك جليّاً بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وظلّت التّوجيهات الشرعية تُرسّخ هذا الفهم في مواقف كثيرة، ومناسبات عديدة؛ ففي حجّة الوداع أكّد (عليه الصلاة والسلام) على الأخوّة الإسلامية ومقتضياتها.

ثمّ إنّ الحقوق الكثيرة التي أوجبها الإسلام على أتباعه، مثل: النصرة، والتعاون، والمحبّة، لا تأتي بلا إخوّة صادقة؛ فما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.

حقوق الأُخوّة في الإسلام

اهتمّ الإسلام بالحقوق المُترتِّبة على الأُخوّة الإسلاميّة؛ فإمّا أن تكون عامّةً، أو خاصّةً:

فمن الحقوق العامّة: إفشاء السلام ورَدّه، وزيارة المريض، واتّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، والوفاء بالعهد، وتشميت العاطس، ونُصرة المظلوم، ومساعدة المكروب، وعدم تتبُّع عيوب الآخرين، والتيسير على المُعسِر، وعدم الظلم أو التحقير، وغيرها.

ومن الحقوق الخاصّة: عدم الهَجْر بما يزيد عن ثلاثة أيّامٍ لأسبابٍ شخصيّةٍ، والحرص على مساعدة الآخرين في شتّى الأحوال، وتفقُّد أحوالهم، وقضاء ما يحتاجونه، والابتعاد عن غِيبة الآخرين، أو ذِكْر عيوبهم، والحرص على التجاوُز عن الأخطاء، وتقبُّل النصيحة من الآخرين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، وغيرها.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الحقوق الخاصّة أهمّ وأعظم من الحقوق العامّة.

مظاهر الأُخوّة في الإسلام

تظهر الأُخوّة بين المسلمين في العديد من الأمور والسلوكيّات، بيان بعضها فيما يأتي:

1.التناصُر: فلا يظلم المسلم أخاه المسلم، بل يُبعد عنه أيّ شيءٍ قد يُسبّب له الأذى.. قال النبيّ (عليه الصلاة والسلام): "انْصُرْ أخاكَ ظالِماً أوْ مَظْلُوماً"، فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُوماً، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِماً كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: "تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ".

2.التراحُم: بأن يكون المجتمع المسلم مجتمعاً مُتراحماً مُتماسكاً قويّاً كالجسد الواحد، قائماً على المَودّة والرحمة، بعيداً عن المَكر أو الشرّ.

3.التعاوُن: أمر الله تعالى المؤمنين بالتعاون فيما بينهم بما يُحقّق لهم الخير والتقوى.. قال عزّ وجلّ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

ومن صُور التعاون على البِرّ والتقوى: الأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكَر، ومساعدة الآخرين بقضاء ما يحتاجون إليه، ورعاية الأيتام، وإكرام الضيوف، والوقوف إلى جانب الضعيف.. وبذلك تتحقَّق وحدة المسلمين.. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

4.التناصُح: ويقصد بها تقديم النصيحة وتقبّلها، وهو باب واسع، يتضمّن الإخلاص والصدق في الرأي لمن طلب المشورة، وإرشاد المسلمين بعضهم لما فيه مصالحهم، كما يعدّ ذبّ المسلم عن عرض أخيه إذا رأى من يريد أذاه في غيبته من باب النصح.

وسائل تعميق الأخوّة الإسلاميّة

يسعى المسلم إلى تعميق الأخوّة مع الآخرين بالعديد من الوسائل والطرق التي تُحقّق ذلك، ومنها: إخبار المسلم لأخيه المسلم بحبّه له، وطلب الدعاء منه، واستقباله بالسرور والبهجة والابتسامة، والمبادرة بالسلام عليه ومصافحته، والوقوف إلى جانبه في الظروف التي يمرّ بها، ومساندته، وإمداده بالقوّة، ومساعدته عند الحاجة، وزيارته بين الحين والآخر، وأداء ما له من حقوقٍ بشكلٍ كاملٍ.

كيفيّة الحفاظ على الأخوّة الإسلاميّة

حرص الإسلام على التآخي والتناصُح والحفاظ على علاقة الأُخوّة الإسلاميّة بشتّى نواحيها، وذلك بأن يساعد المسلم أخاه في صلاح حاله، والتحلّي بالأخلاق الحَسنة؛ فلا يصحّ أن يترك المسلم مَن كان خُلُقه سيّئاً، أو مَن كانت فيه ما يكرهه من الصفات، بل عليه أن يأخذ بالأسباب، ويُغيّرَه إلى الأفضل، وألّا يتسبّب له بظلمٍ، ولا يؤذيَه في ماله، أو يأكله دون وجه حَقٍّ، ولا في عِرضه، وألّا يبيع على بَيعه، أو يخطِب على خِطبته، وألّا يغدر به أو يخونه، بل يُغيث الملهوف، ويساعد المحتاج، ويُطعم الجائع؛ عملاً بوصيّة النبيّ (عليه الصلاة والسلام): "كُونُوا عِبادَ اللهِ إخْواناً".

الآثار الإيجابيّة للأُخوّة على الفرد والمجتمع

تترتّب على الأخوّة الإسلاميّة العديد من الآثار الإيجابية على الفرد والمجتمع على حَدٍّ سواء، ويُذكَر منها:

1.تحقيق الوحدة والمَنَعة للمسلمين؛ عملاً بقول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً" وَشَبَّكَ بيْنَ أَصَابِعِهِ.

2.زوال الفوارق القائمة على المستوى الاجتماعي والاختلاف الطبقي، وذوبان جميع هذه الفوارق، فلا ميزة لأحد على أحد إلّا بما يقدّمه المرء من جهد وعمل على أساس التقوى.

3.تحقيق التقدّم والحضارة؛ فالأخوّة لها أثرٌ كبيرٌ في تطوُّر الحضارة وازدهارها، وذلك بتحقيق وحدة أفرادها، واجتماعهم، وتعاوُنهم على البرّ والخير.

4.نَيْل رضا الله تعالى، ودخول الجنّة التي أعدّها لعباده في الآخرة؛ إذ ثبت في الصحيح عن النبي (عليه الصلاة والسلام) أنّه قال: "لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ".

5.الاستظلال يوم القيامة بظِلّ الله تعالى من حَرّ الشمس؛ إذ أخرج البخاري في صحيحه عن النبي (عليه الصلاة والسلام) أنّه قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ...ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه".

المصدر

المقال مقتبس مع تعديلات من الموقع التالي:

www.mawdoo3.com