استقلال الإجماع في الدليلية

من ویکي‌وحدت

استقلال الإجماع في الدليلية بحث اصوليٌ في أنه هل الإجماع دليل مستقل أو لا؟ فإن کان حجة کان کأحد الأدلّة المعروفة في أصول الفقه كالكتاب والسنّة، وإن لم يکن حجةً فهو تابع للکتاب والسنة وليس له أيّ استقلالية؟

هل الإجماع دليل مستقل أم تابع؟

وقع البحث بين الأصوليين في أنّ الإجماع هل هو دليل مستقل نظير الأدلّة المعروفة في أصول الفقه كالكتاب والسنّة، أم هو تابع لهما وليس له أي استقلالية؟ توجد ثلاث اتجاهات في ذلك:

الاتجاه الأول: الاستقلال في الدليلية

وهذا الاتجاه هو لطائفة شاذة من أهل السنّة، حيث ذهبت إلى عدم اشتراط كاشفية الاجماع عن مستند، وجوزوا انعقاده عن توفيق وإلهام، بأن يوفّق اللّه‏ تعالى الأمة ويلهمها الصواب في إجماعها، فيكون الإجماع دليلاً برأسه. [١]

الاتجاه الثاني: التبعية في الدليلية

وهذا الاتجاه هو لـ الشيعة الإمامية؛ إذ إنّهم ذهبوا إلى أنّ ملاك حجّية الإجماع هو الكشف عن السنّة، وفكرة الكشف تستبطن تبعية الإجماع للسنّة في مجالي التكوّن أو الحجّية. أمّا في مجال تكوّنه؛ فلأنّ قيام الإجماع على حكم يكشف ـ تقديرا ـ عن وجود دليل عند المجمعين استندوا إليه، وأمّا في مجال حجيّته؛ فلأنّ إعطاء الاعتبار للإجماع على أساس الكشف يعني أ نّه ليس حجّة في نفسه وبما هو هو، وإنّما الحجّية للمنكشف وهو السنّة فحسب. [٢]

الاتجاه الثالث: الجمع بين الاستقلال والتبعية

وهذا الاتجاه هو لجمهور أهل السنّة، حيث إنّهم من ناحية يشترطون لزوم أن يكون للإجماع في سير تكوّنه وانعقاده تبعية وكاشفية ـ تقديراً أو فعلاً ـ عن مستند، ولايجوز انعقاده من دون مستند؛ لأنّ الأمة ليس لها صلاحية تشريع الأحكام ولا تقوم مقام النبي(ص). [٣] ومن ناحية أخرى يعتبرون للإجماع بعد تكوّنه حجّية مستقلة غير الحجّية الثابتة للمستند الشرعي الذي تكوّن على أساسه الإجماع[٤]، يقول البزدوي: «إنّ إيجاب الحكم بالإجماع قطعا لم يثبت من قبل دليله ـ أي مستنده ـ بل من قبل عينه كرامةً للأمة».[٥] وقد برزت هذه الفكرة ـ أي فكرة استقلال الإجماع في الحجّية ـ انطلاقا من ثبوت العصمة للأمة أو كرامتها كما تقدّم في أدلّة الحجّية. وعلى ضوء ما تقدّم يُعلم أنّ الاتجاهين (الثاني والثالث) يتفقان في التبعية؛ بمعنى لزوم استناد مفردات الإجماع إلى الشرع ويختلفان في التبعية؛ بمعنى أنّ حجّية الإجماع بناءً على الاتجاه الثاني حجّية طريقية بمقتضى الكشف عن السنّة، وأنّ حجّيته بناءً على الاتجاه الثالث حجّية مزدوجة وملفّقة من وجود المستند ومن عصمة الأمة، باعتبار أنّ الأمة المعصومة لاتجمع إلاّ عن أصل متلقى عنه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله. وقد سبّب هذا الاختلاف في الاتجاه بين الإمامية وجمهور أهل السنّة حصول الاختلاف بينهم في تعريف الإجماع، حيث ركزت تعاريف أهل السنّة على جانب الاتفاق[٦]، وركّزت تعاريف متأخري الإمامية على جانب الكشف ولو لم يصل إلى درجة الاتفاق. [٧]

المصادر

  1. انظر : أصول السرخسي 1 : 302، المحصول الرازي 2 : 88 ، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2 : 221، شرح مختصر الروضة 3 : 118، تيسير التحرير 3 : 254 ـ 255، إرشاد الفحول 1 : 280.
  2. انظر : معارج الأصول : 126، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 3 : 131، معالم الدين : 173، زبدة الأصول (البهائي) : 97، الوافية : 151 ـ 152، مفاتيح الأصول : 494، أصول الاستنباط : 145.
  3. انظر : المحصول الرازي 2 : 88 ، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2 : 221، شرح مختصر الروضة 3 : 118، شرح مختصر المنتهى 2 : 353، كشف الأسرار (البخاري) 3 : 481 ـ 482.
  4. انظر : المعتمد 2 : 57، ميزان الأصول 2 : 756، نهاية السُّول 3 : 307، مرآة الأصول 2 : 68.
  5. أصول البزدوي 3 : 482.
  6. انظر : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 168.
  7. انظر : دروس في علم الأصول 1 : 281، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 103، 111.