الأمر الانتزاعي

من ویکي‌وحدت
مراجعة ١٨:٣٣، ٥ أبريل ٢٠٢٣ بواسطة Wikivahdat (نقاش | مساهمات) (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

الأمر الانتزاعي: اصطلاحٌ يستعمل في علم أصول الفقه أحياناً، والمراد به هو الاستنباط والاستخراج. وسنذکر في خلال هذا المقال مواطن البحث عنه، فأحد مواطن هذا البحث مبحث اجتماع الأمر والنهي حيث ذهب المجوزون إلى أنّ اتّحاد منشأ انتزاع الأمرين لايقتضي اتّحادهما خارجا، وبأنّ ماهية الصلاة المنتزعة من الأفراد إنّما هي منتزعة منها لاعتبار أنّها أفراد للصلاة لا للغصب[١]. وفي المقابل ذهب المانعون إلى أنّ تغاير انتزاع طبيعتي الغصب والصلاة إنّما تقتضي تغايرهما الاعتباري لا تغاير الوجود العيني الذي به تتحقّق الحقيقة في الخارج[٢].

تعريف الانتزاع لغةً

الانتزاع: من نزع، وهو على معانٍ عديدة، منها : القلع، والإزالة، والشبه، والجذب، والتمثل، والاستلاب، والاستخراج.
تقول: نزعت الشيء، أي: قلعته، وانتزعته أسرع وأخف. وتقول: نزع الرجل أخواله وأعمامه، ونزعوه ونزع إليهم، أي أشبهوه وأشبههم[٣]. ويقال: نزع الميت روحه، ونزع القوس، إذا جذبها.
وقولنا: انتزع بالآية والشعر، أي: تمثّل، ويقال للرجل إذا استنبط معنى آية من كتاب اللّه‏ عزّ وجلّ: قد انتزع معنى جديدا ونزع مثله، أي: استخرجه.
وهناك من فرّق بين نزع وانتزع، فقال: انتزع؛ استلب، ونزع ؛ حوّل الشيء عن موضعه وإن كان على نحو الاستلاب[٤].

تعريف الانتزاع اصطلاحاً

ويقرب المعنى الاصطلاحي للانتزاع من معناه اللغوي ببعض معانيه نحو: الاستخراج والاستلاب وتكلّف الجذب. فقد تعرض الأصوليون إلى الانتزاع خلال تعريف الأمر الانتزاعي وذكروا في ذلك: أنّه ـ أي الأمر الانتزاعي ـ ما لايكون له ما بإزاء في الخارج، ولا وجود له إلاّ بمنشأ انتزاعه، سواء كان منشأ انتزاعه عالم الأعيان كانتزاع العليّة من النار الخارجية والمعلولية من الاحتراق الخارجي، ممّا يكون انتزاعه من مقام الذات، أو كانتزاع الفوقية والتحتية ونحوهما ممّا لايكون انتزاعه من مقام الذات، بل العرض بقيام أحد المقولات التسع بمحلّها، أو كان منشأ انتزاعه عالم الاعتباريات، كانتزاع السببية من العقد المسبّب للملكية[٥].
ويطلق الفلاسفة الانتزاع بمعنى «التجريد» فيقولون: «الانتزاع: وهو اصطلاح تستعمله الفلسفة لعمل ذهني خاصّ يمكن تسميته أيضا بـ «التجريد». وهو يعني أنّ الذهن عندما يدرك عدّة أشياء متشابهة فهو يقيس بعضها إلى البعض الآخر ويميز بين صفاتها المختصّة وصفاتها المشتركة، ثُمّ يصوغ من الصفة المشتركة مفهوما كلّيا يصدق على كلّ تلك الأفراد، وحينئذٍ، يقال: إنّ هذا المفهوم الكلّي قد انتزع من هذه الأفراد، مثل: مفهوم الإنسان المنتزع من الصفات المشتركة بين علي وخالد وغيرهما»[٦]. ويبدو أنّ الأصوليين استعملوا الانتزاع بنفس هذا المعنى الفلسفي وهو التجريد.
ولايختلف إطلاق الأمر الانتزاعي في اصطلاح الفلاسفة عن الأمر الاعتباري، بل يطلقون الاعتباري على الأعم الشامل لهما[٧]، وأمّا مشهور الأصوليين فإنّهم يطلقون الأمر الانتزاعي في مقابل الأمر الاعتباري[٨]. وسيأتي الكلام فيه.
وقد تفرّد أصوليو الشيعة بهذا البحث، فلم نجد ـ من خلال التتبّع الوافي ـ من تعرّض له بهذا المعنى من أصوليي أهل السنّة. نعم، ورد الانتزاع في مباحث القياس وانتزاع علته، بمعنى استخراجها كما سنشير إلى مصادر ذلك في عنوان «موارد البحث في علم الأصول».

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ الخارج أو الخارجي

هو التقرر والوجود في وعاء العين، ويكون ثابتا بنفسه، لا بالاعتبار، ولا بالانتزاع، سواء كان من المادّيات أوالمجردات[٩].

2 ـ إعتبار

هو الجعل والوضع، وهو بيد الجاعل والواضع، كجعل السلطان سكة الدراهم والدنانير، فإنّ ثبوت ماليتها بنفس جعل السلطان لها[١٠].

3 ـ ذهن

هو عالم صور الأشياء عند النفس[١١].

4 ـ نفس الأمر

الوجود الذي يطلقه الحكماء في قبال الوجوديين الذهني والخارجي، ويقبل الصدق على القضايا الخارجية والقضايا الذهنية[١٢].

أقسام الانتزاع

قسمّوا الانتزاع والأمر الانتزاعي بلحاظات متعددة:

1 ـ بلحاظ منشأ الانتزاع حدوثا وبقاء

والانتزاعي هنا على قسمين:
الأوّل: ما ينتزع من وجود منشئه بحيث يدور المنتزع مدار منشأه حدوثا وبقاءً كالفوقية والتحتية المنتزعتين من محاذاة الجسمين بحيث لو ارتفع أحدهما لارتفعت.
الثاني: ما ينتزع من حدوث منشئه بحيث يبقى المنتزع بعد زوال منشأه كالفسق المنتزع من ارتكاب المعصية الكبيرة[١٣].
والأوّل على قسمين أيضا، فمنه ما يكون قارّا في حدّ نفسه ويكون باقيا بعد حدوثه من منشأ انتزاعه ما لم يطرأ عليه مزيل، كالعقود المنتزعة من الإيجاب والقبول فإنّها حادثة بحدوثهما، وتكون باقية ما لم يطرأ عليها رافع من جهة أنّها قارة في حدّ أنفسها ولاتكون في بقائها مسندة إلى منشأ انتزاعها إلاّ باعتبار حدوثها ضرورة أنه لاتأثير للصيغة في بقاء العقد وعدمه، وهكذا الأمر في الطهارة المنتزعة من الوضوء والغسل فإنّهما يوجبان حدوث الطهارة ولا تأثير لهما في بقائها وعدمه.
ومنه ما لايكون قارّا في حدّ نفسه كالتعليم والتدريس المنتزع من القاء الكلام نحو المستمع، فإنّه حادث بحدوث منشأ انتزاعه منقضيا بانقضائه[١٤]. وتارة يكون منشأ الانتزاع مجعولاً شرعا، وتارة مجعولاً غير شرعي[١٥].

2 ـ بلحاظ ماهية منشأ الانتزاع

وهو على أنحاء:
الأوّل: الأمر الانتزاعي المنتزع من الأعيان الخارجية من مقام الذات، كانتزاع العلّية والمعلولية من ذات العلة والمعلول التكوينيين الخارجيين.
الثاني: الأمر الانتزاعي المنتزع من الأعيان الخارجية لا من مقام الذات، بل العرض بقيام أحد المقولات التسع بمحلّها، كانتزاع الفوقية والتحتية ونحوهما.
الثالث: الأمر الانتزاعي المنتزع من عالم الاعتبار، كانتزاع السببية من العقد الذي صار سببا للملكية أو الزوجية[١٦].

الفرق بين الأمور الاعتبارية والأمور الانتزاعية

وقع الكلام بين الأصوليين في بيان الفرق بين الأمور الاعتبارية والأمور الانتزاعية، فنسب إلى الشيخ الأنصاري القول بترادفهما[١٧]، وهو يظهر من التزامه بجعل جميع الأحكام الوضعية إمّا أمورا منتزعة عن التكاليف التي في مواردها، وإما أمورا واقعية كشف عنها الشارع[١٨].
اعترض عليه المحقّق النائيني باعتراضين:
الأوّل: أنّ بعض الوضعيات ليس في مواردها حكم تكليفي قابل لئن يكون منشأ لانتزاعها، أمثال الطهارة والنجاسة ولزوم العقد والحجّية.
الثاني: أنّ أمثال هذه الاعتباريات متداولة قبل الشريعة وعند من لايلتزم بشرع ولا دين كالدهري والطبيعي ممّن لايرى تكليفا في حقّه يمكن انتزاع هذه الأمور منه[١٩].
وذهب المحقّق النائيني إلى الفرق بأنّ الأمور الاعتبارية خلافا للأمور الانتزاعية لها نحو من التقرر والوجود في الخارج وهو وجودها (النفس الأمري) المتحقّق بعين اعتبارها. وأمّا الأمور الانتزاعية فإنّما تكون من خارج المحمول وليس لها ما بحذاء في الخارج على أقسامها الآتي ذكرها على اختلاف منشأ انتزاعها.
وأمّا المحقّق العراقي فقد اعترض على المحقّق النائيني بأنّ الأمور الاعتبارية قوامها الاعتبار، وهو متقوّم باللحاظ ولا وجود له إلاّ في الذهن فغاية الأمر يلحظ خارجيا، وهو لايخرجه من الذهنية إلى الخارجية ولذا يقال: لا واقعية للاعتباريات إلاّ بواقع مصحح اعتبارها. ومن هنا ذهب العراقي إلى أنّ الفرق بين الاعتباري والانتزاعي هو أنّ الاعتباري تابع للجعل و الإنشاء وهو مصحّح اعتبارها ، و أمّا الانتزاعي فليس مصحّح انتزاعه جعله، بل هو قهري حاصل في موطنه[٢٠].
وربّما يردّ على العراقي أنّ النائيني لايريد بالخارجية إلاّ (النفس أمرية) والوجود النفس الأمري ـ الذي يطلقه الحكماء في قبال الذهني والخارجي ـ يقبل الصدق على القضايا الخارجية والقضايا الذهنية[٢١].

مواطن بحث الانتزاع في علم الأصول

تعرّض الأصوليون لموضوع الانتزاع في مواطن عدّة نذكر الموارد التالية على سبيل المثال لا الحصر:

1 ـ مباحث الوضع

فممّا ورد فيه الانتزاع من مباحث الألفاظ والوضع هو مسألة أنّ الألفاظ موضوعة للصور الذهنية أو للأمور الخارجية، حيث أشير خلال البحث إلى أنّه ليس في هوية الشخص إلاّ الماهية الكلّية بعد انتزاع العقل لها من الوجود ...[٢٢].

2 ـ الأحكام الوضعية

فهناك قول معروف في الأحكام الوضعية وهو كونها أو قسم منها منتزع من الأحكام التكليفية[٢٣].

3 ـ مبحث النواهي

فقد ذكروا أنّ النواهي المتعلّقة بالجامع الانتزاعي لاتنطبق عليها قاعدة أنّ الطبيعة توجد بفرد واحد ولاتنعدم إلاّ بانعدام تمام أفرادها. فإنّ الجامع الانتزاعي مثل أحدهما فيما لو قال: «أوجد أحدهما» يراد منه لزوم إيجاد أحدهما، وأمّا لو قال: «اعدم أو اترك أحدهما» فإنّه لايستفاد منه اعدام أو ترك جميعهما، ممّا تطلب المصير إلى أنّ أمثال هذه الجوامع ليست كلّيات، وإنّما هي أشباه كلّيات[٢٤]، كما ذكروا أيضا أنّ النهي عن الجامع الانتزاعي نهي عن منشأ الانتزاع[٢٥].

4ـ مبحث اجتماع الأمر والنهي

حيث ذهب المجوزون إلى أنّ اتّحاد منشأ انتزاع الأمرين لايقتضي اتّحادهما خارجا، وبأنّ ماهية الصلاة المنتزعة من الأفراد إنّما هي منتزعة منها لاعتبار أنّها أفراد للصلاة لا للغصب[٢٦]. وفي المقابل ذهب المانعون إلى أنّ تغاير انتزاع طبيعتي الغصب والصلاة إنّما تقتضي تغايرهما الاعتباري لا تغاير الوجود العيني الذي به تتحقّق الحقيقة في الخارج[٢٧].

5 ـ القياس

حيث ورد الانتزاع في كلمات الأصوليين من أهل السنّة بغير المعنى المبحوث هنا، بل بمعنى الاستخراج وتارة في مبحث ما يمتنع فيه القياس[٢٨]، وأخرى في ترجيح العلّة المنتزعة من أصول متعددة على العلّة المنتزعة من أصل واحد[٢٩].

الهوامش

  1. . أنظر: هداية المسترشدين 3: 79، فقه الصادق 4: 242.
  2. . أنظر: الفصول الغروية: 125.
  3. . العين 1: 357، 358 مادة «نزع».
  4. . لسان العرب 4: 3888 مادة «نزع».
  5. . فوائد الأصول 4: 381، الأصول العامة للفقه المقارن: 65.
  6. . أنظر: أسس الفلسفة 1: 55.
  7. . أنظر: محاضرات في أصول الفقه 1: 18 ـ 19، نهاية الحكمة: 316.
  8. . أنظر: فوائد الأصول 4: 380 ـ 381، محاضرات في أصول الفقه 1: 18 ـ 19، الأصول العامة للفقه المقارن: 65 ـ 66.
  9. . فوائد الأصول 4: 381.
  10. . المصدر السابق: 381.
  11. . أسس الفلسفة 1: 59.
  12. . أنظر: نهاية الحكمة: 21.
  13. . الفوائد العلّية 1: 218.
  14. . المصدر السابق 2: 369 ـ 370.
  15. . فوائد الأصول 1: 460.
  16. . فوائد الأصول 4: 382، الأصول العامة للفقه المقارن: 65.
  17. . فوائد الأصول 4: 380، 386 ـ 387.
  18. . أنظر: فرائد الأصول 3: 125 ـ 130، مطارح الأنظار 1: 45، 737.
  19. . فوائد الأصول 4: 387.
  20. . المصدر السابق: 382 الهامش.
  21. . أنظر: نهاية الحكمة: 21.
  22. . هداية المسترشدين 1: 360.
  23. . أنظر: كفاية الأصول: 402، تعليقة على معالم الأصول القزويني 1: 219 ـ 220، محاضرات في أصول الفقه 1: 18 ـ 19، الأصول العامة للفقه المقارن: 65 فما بعدها.
  24. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 22.
  25. . فوائد الأصول 1 ـ 2: 305.
  26. . أنظر: هداية المسترشدين 3: 79، فقه الصادق 4: 242.
  27. . أنظر: الفصول الغروية: 125.
  28. . أنظر: البحر المحيط 5: 104.
  29. . أنظر: روضة الناظر: 211.