داود بن أبي هند

داود بن أبي هند: من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام، وظاهره كونه إمامياً، لكنّ استظهر من سكوت ابن حجر حول مذهبه أنّه من أهل السنة. كان داود من الناحية الفقهية له مشرب أهل الحديث، ويعتقد بطريق السمع والرواية، وكان يتجنّب إعمال الرأي في مقام الفتوى‏، بل كان يعترض على‏ أهل الرأي. وقد يظهر من ترجمته أنّه كان يفتي في زمان الحسن البصري. فإذا صحّت هذه الدعوى، فإنّها تحكي عن منزلته العلمية، وتصدّره لـ الإفتاء منذ شبابه. بل قد صرّح بعضٌ بأنّ داود كان مفتي أهل البصرة.

داود بن أبي هند بن عُذافر (... ــ 140ق)

من الرواة المشتركين في مصادر أهل السنة و الشيعة.[١]
كنيته: أبوبكر، أبومحمد.[٢]
نسبه: القُشَيْري.[٣]
لقبه: البصري، السَرخَسي.[٤]
طبقته: الخامسة.[٥]
ذكر المزي والذهبي: أنّ أصله من خُراسان، ونقل عن داود أنّه قال: «ولدتُ بمرو». بينما ذكر الشيخ الطوسي أنّه من أهل سَرخَس، واعتبره البعض بصرياً.[٦] وقد حاول التستري التوفيق بينها بقوله: «يمكن الجمع بكون أصله من سرخس، سكن مدّةً البصرة أو سافر إليها فاشتهر بالبصري».[٧]
اسم أبيه: دينار، وقيل: طَهْمان، وقد كان مولى امرأةٍ من قُشَير يقال لها: بُحَيْرة بنت ضَمْرة.[٨] وكان داود خياطاً، وقيل: خزّازاً.[٩]
روي عن داود أنّه قال: «جالست الفقهاء فوجدت ديني عندهم، وجالست أصحاب المواعظ فوجدت الرقّة في قلبي بهم، وجالست كبار الناس فوجدت المروءة فيهم».[١٠] وصام داود أربعين سنة لايعلم به أهله، كان يحمل طعامه فيتصدّق به في الطريق، ويرجع عشاءً فيفطر معهم.[١١]
وقال محمد بن أبي عدي: «أقبل علينا داود بن أبي هند فقال: يا فتيان، أُخبركم لعلّ بعضكم أن ينتفع به: كنت وأنا غلام اختلف إلى‏ السوق، فإذا انقلبت إلى‏ البيت جعلت على‏ نفسي أن أذكر اللَّه إلى‏ مكان كذا وكذا، فإذا بلغت ذلك المكان جعلت على‏ نفسي أن أذكر اللَّه إلى‏ مكان كذا وكذا، حتّى‏ آتي المنزل».[١٢]
كان من الناحية الفقهية له مشرب أهل الحديث، ويعتقد بطريق السمع والرواية، وكان يتجنّب إعمال الرأي في مقام الفتوى‏، بل كان يعترض على‏ أهل الرأي، ويلاحظ هذا بوضوح في احتجاجه مع ابن شبرمة و ابن أبي ليلى‏ اللذين كانا يُعملان الرأي، قال لهما يوماً: أخبراني عمّا تجيبان فيه، أشيئاً سمعتما فيه شيئاً أم برأيكما؟ فقالا: بل برأينا، فقال داود: ما بالُ الرأي يُبادَر إليه؟!.[١٣]
وكان يتصدّى‏ للجدال مع من يخالف الاعتقاد بالقدر، ويناقش القدرية حتّى‏ كان ينجرّ الأمر أحياناً إلى‏ النزاع والعراك. وقد نقل ابن عساكر المناظرة الكلامية التي جرت بينه وبين وغيلان الدمشقي، ثم ذكر أخيراً أنّ هذه المناظرة انتهت بسكوت غيلان وهزيمته أمام داود.[١٤] ويقول حمّاد بن زيد الذي كان يعدّ أحد رواته: «قلت لداود: يا أبابكر، ما تقول في القَدَر؟ فقال: أقول كما قال مُطَرِّف بن عبداللَّه: لم تُوكَلوا إلى‏ القدر، وإلى‏ القدر تصيرون».[١٥]
وذكر الشيخ الطوسي في رجاله: أنّ داود من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام.[١٦] وقال المامقاني: «وظاهره كونه إمامياً، لكنّا لم نقف فيه على‏ مدحٍ يلحقه بالحسان».[١٧] وقد ردّ التستري مراراً مثل هذه الاستظهارات، بل استظهر من سكوت ابن حجر حول مذهبه أنّه من أهل السنة.[١٨]
وذكره آقا بزرك الطهراني في الذريعة، واستناداً إليه فقد ذكره السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة، ويبدو منهما اعتباره إمامياً.[١٩]
ونقل سُفيان بن عُيَيْنَة عن أبيه: أنّ داود بن أبي هند كان يفتي في زمان الحسن البصري.[٢٠] فإذا صحّت هذه الدعوى، فإنّها تحكي عن منزلته العلمية، وتصدّره لـ الإفتاء منذ شبابه. بل قد صرّح يزيد بن زُرَيْع بأنّ داود كان مفتي أهل البصرة. وأشار ابن عساكر إلى‏ سفره إلى‏ دمشق، ونشره للحديث هناك.[٢١]
وذكر ابن النديم: أنّ له تفسيراً يُعرف بتفسير داود بن أبي هند. وتبعه على‏ ذلك آقا بزرك الطهراني و السيد محسن الأمين، إلّا أنّ الشيخ الطوسي لم يورد اسم داود في فهرسته، ولم يشر الباقون من الرجاليّين وأهل السير إلى‏ مثل هذا الكتاب.[٢٢]
وقال حمّاد بن زيد - وكان من رواة حديثه -: «ما رأيت أحداً أفقه من داود».[٢٣] وقال ابن عُيَيْنَة: «عجباً لأهل البصرة، يسألون عثمان البتي وعندهم داود بن أبي هند!».[٢٤] وعندما سُئل أحمد عن داود قال: «مثل داود يُسأل عنه؟!».[٢٥] واعتبره الذهبي في تاريخ الإسلام من الائمة الأعلام، وفي تذكرة الحفّاظ إماماً حافظاً ثقةً.[٢٦] واعتبره ابن حبان من خيار أهل البصرة.[٢٧]

موقف الرجاليّين منه

وثّقه أصحاب الرجال من أهل السنة بالاتّفاق، ومن جملتهم: العجلي والنسائي وأبو حاتم وأحمد ويعقوب بن شيبة وابن حبان وابن سعد.[٢٨] قال الأميني: «مجمع على‏ ثقته من رجال الصحاح، غير البخاري، وهو يروي عنه في التاريخ من دون غمزٍ فيه».[٢٩] بينما، عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الباقر عليه السلام، لكنّه لم يذكر له جرحاً أو تعديلاً.[٣٠]

من روى عنهم ومن رووا عنه

روى‏ عن جماعة كثيرة، منهم: عِكرمة، الشعبي، زُرارة بن أوفى‏، أبو العالية، سعيد ابن المسيّب، الحسن البصري، ابن سيرين، مكحول الشامي، عطاء الخراساني.[٣١]
وروى‏ عنه جماعة كثيرة، منهم: شعبة بن الحجّاج، الثوري، مَسْلَمة بن عَلْقَمة، حفص بن غياث، ابن جُرَيْج، حمّاد بن زيد، حمّاد بن سَلَمة، يزيد بن هارون.
قال ابن حبان: «روى‏ عن أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وآله خمسة أحاديث لم يسمعها منه».[٣٢] وأشار ابن سعد إلى‏ كثرة أحاديثه[٣٣]، ونقل البخاري عن علي ابن المَدْيَني قوله: «إنّ له نحو مائتي حديث».[٣٤]
وقد وردت أحاديثه في صحيح مسلم، سنن الترمذي، سنن أبي داود، سنن ابن ماجة، سنن النسائي، غير البخاري الذي استشهد به فحسب.[٣٥]

من رواياته

روى‏ داود عن مكحول، عن أبي ثعلبة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي أحاسنكم أخلاقاً، وإنّ أبعدكم منّي مساوئكم أخلاقاً، الثرثارون المتشدّقون المتفيقهون».[٣٦]
وروى‏ عن الشعبي، عن جابر بن عبداللَّه قال: قدم وفد نجران على النبي صلى الله عليه وآله: العاقب والطيب، فدعاهما إلى الإسلام، فقالا: أسلمنا يا محمد قبلك، قال: كذبتما... فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه أن يغادياه بالغداة، فغدا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما، فأبيا أن يجيباه وأقرّا له بالخراج... وقال جابر: وفيهم نزلت هذه الآية: «قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم...».[٣٧]

وفاته

توفّي داود سنة 140 هـ، في طريق مكّة المكرمة، وقيل: بالبصرة.[٣٨]

الهوامش

  1. تهذيب التهذيب 3: 177، طبقات الفقهاء: 96، وفي مختصر تاريخ دمشق 8: 144: «غُدافر» بالدال.
  2. كتاب التاريخ الكبير 3: 231 - 232، الجرح والتعديل 3: 411.
  3. تهذيب الكمال 8: 462، تهذيب التهذيب 3: 177.
  4. تاريخ الإسلام 8: 413، تهذيب الكمال 8: 462.
  5. تقريب التهذيب 1: 235.
  6. تهذيب الكمال 8: 462، تاريخ الإسلام 8: 413-415، رجال الطوسي: 120، تقريب التهذيب 1: 235.
  7. قاموس الرجال 4: 230.
  8. تهذيب التهذيب 3: 177، تهذيب الكمال 8: 462.
  9. تهذيب التهذيب 3: 177، تاريخ الإسلام 8: 415.
  10. مختصر تاريخ دمشق 8: 146.
  11. تاريخ الإسلام 8: 415.
  12. المصدر السابق: 414 - 415.
  13. مختصر تاريخ دمشق 8: 145.
  14. تاريخ مدينة دمشق 17: 116. وغيلان الدمشقي هذا من مشاهير القدرية، أنظر: تاريخ الإسلام 7: 441.
  15. مختصر تاريخ دمشق 8: 145.
  16. رجال الطوسي: 120.
  17. تنقيح المقال 1: 406.
  18. قاموس الرجال 4: 230.
  19. الذريعة 4: 240، أعيان الشيعة 6: 370.
  20. تهذيب الكمال 8: 464، تهذيب التهذيب 3: 177.
  21. تاريخ الإسلام 8: 414، مختصر تاريخ دمشق 8: 144.
  22. الفهرست لابن النديم: 36، الذريعة 4: 240، أعيان الشيعة 6: 370.
  23. تاريخ الإسلام 8: 414.
  24. المصدر السابق.
  25. تهذيب التهذيب 3: 177.
  26. تاريخ الإسلام 8: 413، تذكرة الحفّاظ 6: 376.
  27. كتاب الثقات 6: 278.
  28. تهذيب التهذيب 3: 177، تهذيب الكمال 8: 465، كتاب الثقات 6: 278، الطبقات الكبرى 7: 255.
  29. الغدير 8: 318.
  30. رجال الطوسي: 120.
  31. طبقات الفقهاء: 96، تهذيب التهذيب 3: 177، تهذيب الكمال 8: 462 - 463.
  32. كتاب الثقات 6: 278، وانظر: تهذيب التهذيب 3: 177.
  33. الطبقات الكبرى 7: 255.
  34. أنظر: تهذيب الكمال 8: 464.
  35. تهذيب الكمال 8: 466، تذكرة الحفّاظ 1: 146.
  36. تذكرة الحفّاظ 1: 148. والثرثار: الكثير الكلام من غير حاجة، والمتشدّق: الذي يرفع صوته ولايبالي بكلّ ما يقوله، والمتفيهق: الذي يظهر للناس أ نّه ذو فهم وذكي ليقرّبونه ويعظّمونه.
  37. خصائص الوحي المبين: 128.
  38. تهذيب الكمال 8: 466، تاريخ الإسلام 8: 415، تهذيب التهذيب 3: 177.