أفعال الرسول (ص)
أفعال الرسول: خصوصيةُ فعل الرسول ناشئة عن حجيته واعتباره، وإلا لم يکن فرق بين فعل الرسول وفعل سائر الناس، ولهذه الخصوصية في فعل النبي يبحث في علم الأصول عن مدی درجة اعتبار هذا الفعل هل هو حجة مطلقا ويجب العمل به أو لا؟
تعريف الفعل لغةً
فَعَل يَفْعَلُ فَعْلاً وفِعْلاً، فالفَعْلُ: المصدر، والفِعْلُ: الاسم[١]. الفعل: كناية عن كلّ عمل متعدٍّ أو غير متعدٍّ[٢].
تعريف أفعال الرسول اصطلاحاً
جُلّ الأصوليين لم يذكروا تعريفا اصطلاحيا لأفعال الرسول، ويبدو ذلك لوضوح معنى الفعل، فإنّ الفعل لا فرق فيه بين صدوره من الرسول أو غيره إلاّ من حيث حجّيته إذا صدر عن الرسول. لكن المأثور عن بعضهم التعاريف المحدودة التالية:
ـ ما حدث وقد كان مقدورا قبله[٣].
ـ ما وجد بعد أن كان مقدورا[٤].
والظاهر أنّ هذين التعريفين تعريفان لنفس الفعل لا الفعل الصادر من الرسول فحسب.
الفعل نوع بيان
نفى البعض جواز البيان بالفعل، وحُكي هذا عن أبي إسحاق الإسفراييني وأبي الحسن الكرخي[٥]، إلاَّ أنَّ جلَّ الأصوليين يرون صحَّة بيان الرسول بالفعل[٦].
إنَّ البيان من وظائف الرسول الأساسية، كما ورد في الآية الكريمة: «وَأنْزَلْنَا إليْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نَزَلَ إلَيْهِمْ»[٧] وقد كان يبيِّن ويبلّغ الأحكام بأفعاله كما يبلّغ بأقواله، وقد صرَّح القرآن الكريم بذلك في مواطن، من قبيل: «زَوَّجْنَاكَها لِكَيْلا يَكون عَلى المُؤْمِنينَ حَرَجٌ»[٨] كما أنَّ الرسول صرَّح أو أشار إلى هذا في عدّة موارد، من قبيل قوله: «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي»[٩] وقوله «ألا أخبرتِه أنّي أفعل ذلك؟»[١٠] في جواب اُمّ سلمة عندما سألها رجل عمَّن قبَّل امرأته وهو صائم.
وأحيانا يكون بيانه بالإقرار أو الإنكار، فقد أقرَّ موارد كثيرة من قبيل أنَّ رسول اللّه رأى قيسا يصلّي ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فلم ينكر عليه[١١]. أو أنَّه روي إنَّ معاذا كان يصلّي العشاء مع النبي (ص) ثُمَّ يأتي قومه في بني سلمة فيصلّي بهم، وهي له تطوّع ولهم فريضة العشاء ولم ينكر عليه[١٢].
كما أنكر الرسول موارد، من قبيل إنكاره أكل لحوم الحمر من خلال أمره بإكفاء القدور التي طبخت فيه[١٣].
الفعل أبلغ من القول بيانا
باعتبار أنَّ الفعل يتزامن مع بيان الكيفيات الخاصّة بالعمل الشرعي فهو أبلغ من القول؛ وذلك لأجل ما يمكن أن تحفَّ به من إجمال أحيانا وقصور عن بيان الجزئيات بحذافيرها أحيانا اُخرى، والفعل يحكي أمورا لايمكن استنطاقها من القول، فقياس آيات الصلاة مع فعله يظهر الفرق بينهما بوضوح، وكذلك مناسك الحجّ والوضوء، ولأجل ذلك ورد على لسان الرسول لزوم اتّباعه في الصلاة والحجّ[١٤].
مصاديق للأفعال
الأكثر أطلق عنوان الأفعال دون تحديد المراد منها بالضبط. ومن المسلَّم به أنَّه لا اختلاف في كون الفعل الواضح المعنى داخلاً في صلب بحث الأفعال، غاية الأمر أنَّ البعض أفرد عنوانا خاصَّا لبعض المصاديق أو ناقش أو تجاهل إدراجها تحت الفعل، وهي عبارة عمَّا يلي:
1 ـ التقرير
وهو سكوت الرسول عن فعل أو قول صدر من الصحابة، فالبعض مثل السيّد المرتضى[١٥] والآمدي[١٦] أدرجه تحت الأفعال، وهكذا فعل صاحب «الإبهاج» معلّلاً ذلك بكونه كفّا عن الإنكار، والكفّ فعلٌ، على ما يختاره السبكي[١٧]، بينما أفرد أبو اسحاق الشيرازي[١٨] بحثا مستقلاً له، وكذلك الغزالي[١٩] والزركشي[٢٠] والشوكاني[٢١]، ممَّا قد يبدو منهم التفريق بين الفعل والتقرير.
ومثاله العقود التي كانت دارجة عهد الجاهلية ولم يصدر من الرسول ما يدلُّ على بطلانها.
2 ـ السكوت
وهو الكفّ عن القول في مورد يستدعيه، فهو ذات التقرير لدى أكثر الأصوليين لكنَّ هناك من يفرّق بينهما[٢٢]، وعلى أيَّة حال فإنَّ فيه دلالة يمكن استفادتها على غرار ما يمكن استفادته من التقرير. البعض أدرجه ضمن الأفعال ولم يفرّق بينهما، وهو شأن أكثر الأصوليين، إذ لم يتعرّضوا للفوارق ولم يفردوا بحثا خاصّا بالسكوت وقد لايكون ذلك لعدم التفريق بل طلبا لاختصار البحث، بينما آخرون مثل أبي إسحاق الشيرازي فرَّق بينه وبين الفعل لكنَّه أدرجه مع التقرير تحت عنوان واحد[٢٣]، وهكذا فعل الزركشي[٢٤].
3 ـ الترك
الترك هو عدم الفعل، وتارة يكون غير مقصود، فهو عندئذٍ خارج عن محلّ النزاع، ولايطرح فيه بحث التأسي والاقتداء، وهو خارج عن كونه فعلاً أصلاً[٢٥]. وتارة اُخرى يكون مقصودا، وهو الذي يُدعى الكفّ والإمساك والامتناع، وقد اختلف في عدِّه فعلاً، من قبيل ترك الرسول أكل الضبّ بعد ما قدِّم له، فأمسك عنه الصحابة وتركوه إلى أن قال لهم: إنّي أعافه[٢٦]. فالبعض عدَّه فعلاً[٢٧]، فيما نسب إلى بعض آخر كأبي هاشم الجبائي كونه ليس فعلاً[٢٨].
وعلى فرض كونه من الفعل يكون حكمه حكم الفعل من حيث التأسي دون فرق بينهما، وما ثبت للفعل يثبت للترك، كما يذهب إلى ذلك الكثير من الأصوليين[٢٩].
ويتفرَّع على هذا أنَّ الرسول إذا لم يحكم في حادث بحضوره جاز أن نعمِّم الحكم إلى نظائره، كما يرى ذلك أبو يعلى، أو وجب تعميم الحكم إلى نظائره، كما يذهب إلى ذلك بعض المتكلّمين[٣٠].
لكنَّ القاضي عبد الجبّار فرَّق في التأسي بين الفعل والترك، من حيث إنَّ الفعل يُتأسَّى به على كلّ حال، حتَّى لو كان مجهول الحكم، بسبب إمكان اعتباره مندوبا إذا استظهر منه قصد القربة، وإن لم يستظهر منه وجه القربى استظهرت الإباحة منه، أمَّا الترك فلايمكن التأسّي به إلاَّ إذا كان معلوم الحكم؛ وذلك لأنَّه عند عدم العلم به لايمكن استفادة وجه الفعل منه إلاَّ بضمِّ قرينة زائدة عليه تفيد وجوبه أو غير ذلك[٣١].
4 ـ الإنكار
الإنكار يقابل الإقرار، وهو على نوعين: قولي وفعلي، فالقولي من قبيل ما روي عن النبي(ص) أنَّه أعطى عبد اللّه بن الزبير دم الحجامة ليريقه فذهب فشرب الدم فشعر الرسول بذلك فقال له: «ويل لك من الناس، وويل للناس منك»[٣٢] وقد يكون فعليا، ككسر دنان الخمر بسكين[٣٣]. وكلا الوجهين يتّخذان حكم أفعال الرسول، وشأنها من هذه الجهة شأن التقرير.
5 ـ الهمّ والعزم
الهمّ هو ترجيح قصد الفعل على قصد الترك، ويبدو أنَّه متَّحد مع العزم ولذلك لم يفرد أحد من الأصوليين ممَّن تناول موضوع الهمّ عنوانا مستقلاً للعزم، بل جلّهم أعرض عن التعرُّض لموضوع العزم، لكنَّ البعض أقرنه بالهمّ[٣٤]، وبعض قليل فرَّق بينهما[٣٥].
وقد ناقش بعض الأصوليين في الطابع الشرعي للفعل الذي همَّ به الرسول، وفي المجال رأيان:
الرأي الأوّل: كونه حجَّة، ذهب إليه الزركشي وذكر له مصداقا، وهو ذهاب الشافعي[٣٦] إلى استحباب تنكيس الرداء مع تحويله بالنسبة إلى الخطيب عند الاستسقاء، محتجّا بما ورد من: «أنَّ النبي(ص) استسقى وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فلمَّا ثقلت قلبها على عاتقه»[٣٧].
وبذلك جعل الزركشي الهمّ من السنَّة واعتبره حجّة وذات دلالة. وفي مقام التعارض نقل عن الشافعية ومنهم الرافعي قولهم بتقديم القول على الفعل ثُمَّ الهمّ[٣٨].
الرأي الثاني: كونه غير حجّة، ذهب إلى ذلك الشوكاني، ولم يعتبره من أقسام السنَّة، معلِّلاً ذلك بأنَّه مجرّد خطور شيء على البال من دون تنجيز له، ولايكون مصداقا لما آتانا الرسول ولا ممَّا أمر اللّه سبحانه وتعالى بالتأسي به. مضافا إلى أنَّ الرسول(ص) أحيانا يخبر بما همَّ به للزجر عنه[٣٩]، كما ورد أنَّه قال: «لقد هممت أن اُخالف إلى قوم لايشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم»[٤٠].
6 ـ الإشارة
الإشارة حركة أحد أعضاء البدن، من قبيل الإشارة بالرأس أو اليدين للدلالة على الموافقة أو المخالفة أو أي أمر زائد، وقد أفرد الزركشي للإشارة عنوانا ضمن عناوين أفعال الرسول[٤١]، ويبدو أنَّه لا خلاف في أنَّ الإشارة فعل من الأفعال التي تندرج تحت عنوان السنَّة، ولا خلاف في أنَّه حجَّة[٤٢].
ويذكر أنَّ الرسول(ص) أشار بأصابعه العشر إلى أيَّام الشهر ثلاث وقبض في الثالثة أحد الأصابع في إشارة له إلى أنَّه تسعة وعشرون يوما[٤٣].
ونقل الزركشي عن السمعاني أنَّه قطع بصحّة البيان بالإشارة، ونقل عن البعض نفي الخلاف في الكتابة والإشارة من حيث وقوع البيان بهما[٤٤].
7 ـ الكتابة
اختلف الأصوليون في عدّ الكتابة من الأفعال أو الأقوال أو شيئا ثالثا، فالقرافي عبَّر عنها بالفعل[٤٥]، وكذلك ابن حبَّان[٤٦]، واعتبرها القاضي أبو يعلى من الأقوال[٤٧]، بينما القاضي عبد الجبّار اعتبرها قسيما للأقوال والأفعال[٤٨]، ونسب هذا إلى أبي الحسين البصري[٤٩].
وعلى أيّة حال فإنَّ كتابات الرسول محدودة، وقد اقتصرت على موارد من قبيل رسائله إلى بعض الملوك، فناقش البعض في استفادة أحكام قليلة منها، من قبيل أنَّ تضمُّن رسائله إلى بعض الملوك الكفرة آيات من القرآن، يكشف عن جواز لمس الكافر الكتاب الذي يتضمَّن آيات ككتب التفسير أو الفقه[٥٠]، أو أنَّ ابتداءه الرسالة باسمه، إذ ورد فيها: (من محمّد رسول اللّه إلى فلان) يكشف عن استحباب البدء باسم الكاتب[٥١].
أفعاله قبل البعثة وبعدها
باعتبار أنَّ الرسول لم يكن على اتّصال بـ الوحي قبل البعثة وكان كباقي البشر من هذه الناحية لم يطرح بحث وجوب التأسي والاقتداء بأفعاله قبل البعثة، لكنَّ البعض من الأصوليين طرح موضوع ما إذا كان الرسول ذاته متعبِّدا في ذلك الحين بالشرائع السابقة أم لا؟
أصوليو الشيعة والكثير من أصوليي أهل السنَّة اختاروا عدم تعبُّده بالشرائع السابقة[٥٢]. والذين اختاروا تعبُّده بالشرائع السابقة انقسموا إلى طوائف ثمانية من حيث التفصيل بين الشرائع والأفعال[٥٣].
ويبدو أنَّه بحث قليل الفائدة؛ لأنَّه لا تأثير لنتائجه على اُمَّته[٥٤]، والبحث المطروح تحت عنوان أفعال الرسول يستهدف بحث أفعاله ما بعد البعثة.
رؤيته في المنام يفعل
وردت أحاديث عن السنّة والشيعة في أنّ الذي يراه(ص) في المنام فقد رآه حقيقة؛ لأنّ الشيطان لايتمثّل به ولايتصوّر بصورته(ص) [٥٥]. وباعتبارها دار نقاش بين بعض الأصوليين في حجيَّة فعله المرئي في المنام، فهل يترتَّب عليه حكم شرعي بالنسبة إلينا أم لا؟
نقل الشوكاني عن أبي إسحاق أنَّ رؤيته في المنام حجّة[٥٦]، لكنَّ جمهور العلماء يرفض هذا، وقد وردت عدّة ردود عليه:
منها: أنَّ الخبر ضعيف بل يراه السيّد المرتضى من أضعف أخبار الآحاد[٥٧].
ومنها: أنَّه مؤول بمن رأى الرسول في اليقظة لا في المنام[٥٨].
ومنها: رغم أنَّ الرؤيا حقٌّ لكنَّ حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمع الرائي، مع أنَّ الضبط واليقظة وعدم الغفلة من شروط قبول الراوي، وهي غير متوفّرة لدى النائم، كما ذهب إلى ذلك النووي[٥٩].
ومنها: أنَّ التكليف والقلم مرفوع عن النائم، كما في حديث الرفع الذي عُدَّ فيه النائم، فلايُعمل بشيءٍ من رؤياه، كما ذهب إلى هذا ابن الحاجّ[٦٠].
ومنها: أنَّ الشرع حثَّ على التمسّك بـ الكتاب والسنَّة، فإذا خالفها رؤيا ينبغي طرحه. قال به ابن الحاجّ[٦١].
ومنها: أنَّ المرئي قد يكون غير النبي، لكنَّ الرائي ظنَّ أنَّه النبي، ذهب إلى هذا ابن رشد[٦٢].
ومنها: أنَّ التشريع قد انتهى وأنَّ الشارع قد أكمل شرعه وأقرَّ ذلك بقوله: «اليَوْم أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»[٦٣] وعليه فلا حجيَّة لما قد يُدَّعى أنَّه يكمل الشريعة[٦٤].
أقسام أفعال الرسول
تعدَّدت تقسيمات الأصوليين للأفعال، ورغم تعدُّد الاعتبارات التي قسِّمت وفقها إلاَّ أنَّه بإمكاننا أن نضمّنها في الأقسام التالية:
القسم الأوّل
هواجس النفس وحركاته البشرية اللاإرادية، كتصرُّف الأعضاء، ولا معنى للتأسي فيها؛ لأنَّه لايتعلَّق بها أمر ولا نهي، لكن يقال بدلالتها على الإباحة[٦٥].
القسم الثاني
الأفعال الجبلِّية، كالقيام والقعود والأكل والشرب، فلا نزاع في دلالتها على الإباحة بالنسبة إلى الرسول وإلى اُمَّته[٦٦]. ونقل القاضي أبو بكر الباقلاني عن قوم دون تحديدهم استحباب التأسي بهذا الصنف من الأفعال[٦٧]، ونسب أبو حامد الغزالي هذا القول إلى بعض المحدثين، وخطَّأهم عليه؛ باعتباره لايرى دلالة لهكذا أفعال على حكم[٦٨].
القسم الثالث
ما احتمل خروجه عن الجبلَّة إلى التشريع بسبب مواظبته عليه بوجه خاصّ، كالأكل والشرب واللبس والنوم، فهي دون ما ظهر منها قصد القربة وفوق ما ظهر منها الجبلَّة.
وهذا القسم موضع خلاف، فقد نقل عن الشافعي فيه قولان، قول بكونه ليس تشريعا؛ ترجيحا للأصل القاضي بعدم كون الفعل تشريعا، وقول بكونه تشريعا؛ ترجيحا للظاهر من الفعل، وهو كونه تشريعا. ومُثِّل له بأنَّ الشافعي قال لبعض أصحابه: اسقني الماء قائما، فإنَّ النبي شرب قائما. ونسب حكاية الاُستاذ أبي إسحاق القول بكونه مندوبا عن أكثر المحدّثين[٦٩]. لكنّه حكاه في شرح اللمع والتبصرة عن الصيرفي والقفال والقاضي أبي حامد[٧٠].
القسم الرابع
ما ثبت كونه من خواصّه التي لايشاركه أحد، فلا تدلُّ على التشريك بيننا وبينه إجماعا، كاختصاصه بوجوب الضحى ويوم الأضحى والوتر والتهجُّد باللّيل والتخيير لنسائه[٧١].
وقسَّم الماوردي والروياني هذا الصنف من الأفعال إلى الأقسام التالية:
1 ـ ما اُبيح له وحظر علينا، من قبيل جواز نكاحه أكثر من أربع.
2 ـ ما اُبيح له وكُرِه لنا أو حرم علينا، كالوصال.
3 ـ ما وجب عليه واستحبَّ لنا ، كالسواك والوتر والضحى[٧٢].
القسم الخامس
ما يفعله لانتظار الوحي، كابتداء إحرامه بالحجّ، فإنَّه أبهمه ولم يحدّد ابتداءه ولا نوعه حتَّى نزل عليه الوحي. ومن الواضح أنَّ هكذا فعل ليس أهلاً للتأسي، ويعدُّ ممَّا يختصُّ به الرسول[٧٣].
القسم السادس
ما يكون فعله من مقتضيات العقل أو مقتضيات مصالح الدنيا، وهو أيضا لا دخل له بهذا الباب[٧٤].
القسم السابع
ابتداء شرع، وهو جميع الأفعال التي اُريد بها بيان حكم شرعي لم يُبيَّن من ذي قبل. وقد حدَّدها السيد المرتضى بما لايصدق عليه كونه امتثالاً أو بيانا لحكم[٧٥].
القسم الثامن
ما يكون امتثالاً للخطاب، وذلك خاصٌّ بما هو مُبيَّن في الكتاب[٧٦]، وذلك لا مدخل له في هذا الباب؛ لأنَّه من الواضح امتثال الخطاب العام الذي يتناوله ويتناولنا[٧٧].
القسم التاسع
ما يفعله مع غيره عقوبة للغير، كتصرّفه بأموال الغير، ولا شكَّ في اندراج هذا الصنف من الأفعال في موضوع البحث إذا كان المستفاد منه الوجوب أو الإباحة أو الندب.
لا خلاف في أنَّ هذا الصنف من الفعل كان واجبا عليه وإلاَّ لما فعله، وإنَّما الاختلاف في وجوبه على غيره من اُمته قياسا على الرسول أو عدم وجوبه قياسا على الظاهر في أنَّه غير واجب إلاَّ عليه.
يُنقل عن الاُستاذ أبي إسحاق قوله: إذا كان الرسول أحد طرفي الفعل كالبيوع والأنكحة فهو محمول على الجواز، كما عليه جمهور الفقهاء، وإن فعله بين شخصين متداعيين أو على جهة التوسّط فهو محمول على الوجوب بلا خلاف، ويجري مجرى القضاء[٧٨].
القسم العاشر
ما يفعله مع الغير عطاءً منه، من قبيل الرضخ للعبيد والنساء. فهذا أيضا يندرج في موضوع الأفعال وممَّا يمكن استفادة حكم منه، ولذلك حكي عن الرافعي استحباب أو وجوب الرضخ للعبيد والنساء والصبيان[٧٩].
القسم الحادي عشر
ما عُرف بكونه بيانا لنا[٨٠]، بصريح قوله: «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي»[٨١] و«خذوا عنّي مناسككم»[٨٢] أو بقرائن الأحوال، من قبيل ورود عام أو مجمل اُريد الخصوص والتقييد فيه، من قبيل قطعه يد السارق من الكوع بيانا لقوله تعالى: «فَاقْطَعُوا أيْدِيَهُما»[٨٣] وكتيمُّمه إلى المرفقين بيانا لقوله تعالى: «فَامْسَحُوا بِوجُوهِكمْ وأيْديَكُمْ»[٨٤].
ويعرف كونه بيانا بوجهين:
أ ـ أن يتقدَّم فعله خطاب يفتقر إلى بيان ويعدم ما يمكن أن يكون بيانا له.
ب ـ أن ينصَّ على كون فعله بيانا لخطاب[٨٥].
وينقسم هذا إلى عدّة أقسام:
1 ـ بيان مجمل، كبيانه لتفاصيل الصلاة الوارد الأمر بها في القرآن.
2 ـ بيان التخصيص، كنهيه عن الصلاة في أوقات مخصوصة.
3 ـ بيان نسخ، مثل ما روي من قوله: «إذا رأيتموني اُصلي جالسا فصلّوا جلوسا أجمعين» فنسخ بآخر صلاة جماعة صلاَّها جالسا دون المأمومين، وذلك للمرض الذي مات إثره[٨٦].
4 ـ بيان زيادة لاحقة لا بدَّ منها، من قبيل زيادة السنن في الطهارة.
5 ـ بيان قول محتمل كبيان ما يدلُّ بفعله على أحد المرادين من قوله[٨٧].
القسم الثاني عشر
ما لم يقترن بما يدلُّ على كونه بيانا أو غير بيان، وله قسمان:
أ ـ أن يظهر فيه قصد القربة، وقد انقسم الأصوليون في هذا إلى أقوال:
منهم من قال: إنَّه محمول على الوجوب في حقِّه وحقِّنا، كابن سريج والاصطخري وابن أبي هريرة وابن خيزران والحنابلة وجماعة من المعتزلة.
ومنهم من قال: إنَّه يدلُّ على الندب، وهو للشافعي و إمام الحرمين.
ومنهم من قال: إنَّه للإباحة، وهو مذهب مالك.
ومنهم من قال بالوقف، وهو مذهب جماعة من أصحاب الشافعي، كالصيرفي وجماعة من المعتزلة.
ب ـ ما لم يظهر فيه قصد القربة، اختلفوا فيه مثل ما اختلفوا فيما يظهر فيه قصد القربة[٨٨].
تقسيم الأفعال إلى صريحة وغير صريحة
بعض المعاصرين قسَّم أفعال الرسول بنحو آخر، وهو تقسيمها إلى صريحة، وهي الأفعال التي لايختلف في كونها فعلاً كالمشي والضرب، وإلى غير صريحة ويندرج تحتها كلّ ما يتردَّد في اعتباره فعلاً كالكتابة والإشارة والترك الإيجابي (الكف) والسكوت والتقرير والهمّ بالفعل[٨٩].
تقسيم الأفعال على أساس وجه الفعل
وهناك تقسيم آخر لهذا الصنف من الأفعال، إذ قسِّم من حيث الوجه الذي جاء الرسول على أساسه بالفعل، فقسِّم إلى ما هو واجب أو محرَّم أو مندوب أو مباح أو مكروه.
الفعل الواجب
وهو الفعل الذي لم يسوِّ بينه وبين غيره من الأحكام، فلايتركه ولايتسامح في تركه البتة[٩٠].
ويعلم وجهه من خلال الطرق التالية:
1 ـ أن ينصَّ على الوجوب.
2 ـ أن يكون فعله بيانا لواجب ثابت بدليل آخر كآية.
3 ـ أن يقترن مع فعله أمارة تدلُّ على الوجوب.
4 ـ أن يكون فعله بدلاً عن واجب ثابت، أي هناك قرينة تدلُّ على كونه مخيَّرا بين فعله وفعل واجب آخر ثبت بدليل آخر.
5 ـ أن يكون فعله قبيحا لو لم يكن واجبا، كركوعين في ركعة.
6 ـ أن يقع امتثالاً لآية دالَّة على الوجوب.
7 ـ أن يكون جزاءً لشرط، كفعل ما وجب بالنذر.
8 ـ أن يكون قضاءً لعبادة ثبت وجوبها[٩١].
الفعل المحرّم
وهو الذي يتركه تركا مطلقا ولايتسامح في فعله البتة[٩٢]، وتركه بهذا النحو يكشف عن حرمته. وقد حذف البعض هذا القسم مثل: الآمدي[٩٣] والزركشي[٩٤] والمحقّق الحلّي[٩٥]؛ وقد يكون ذلك باعتبار عدم عدّ الترك من مصاديق الفعل.
الفعل المندوب
ويعرف من خلال الاُمور التالية:
1 ـ أن ينصَّ على استحبابه.
2 ـ أن يعلم أنَّ له صفة زائدة على حسنه، ولا قرينة تدلُّ على وجوبه.
3 ـ أن يكون بيانا لخطاب دلَّ على استحبابه.
4 ـ أن يكون امتثالاً لخطاب دالٍّ على الاستحباب.
5 ـ أن يعلم أنَّ الرسول(ص) قصد القربة منه، ممَّا يدلُّ على كونه راجح الوجود، وبحكم استصحاب عدم الوجوب ينتفي الوجوب فيثبت الندب.
6 ـ أن ينصَّ على أنَّه كان مخيَّرا بينه وبين فعل ما ثبت كونه مندوبا؛ لأنَّ التخيير لايقع بين الندب وبين ما ليس بندب.
7 ـ أن يقع قضاءً لعبادة مندوبة.
8 ـ أن يداوم على الفعل، ثُمَّ يُخِلُّ به من غير نسخ[٩٦].
الفعل المکروه
وله حالتان:
أ ـ حالة الجهل به فيترك لبيان كراهته.
ب ـ حالة كونه مظنّة الاعتقاد بكونه محرَّما، فيؤتى به لرفع هذا الاعتقاد من الأذهان[٩٧].
لكنَّ الشيعة[٩٨] وكذلك بعض أصوليي السنَّة مثل: الزركشي[٩٩] والغزالي[١٠٠] والآمدي[١٠١]، لم يدرجوا المكروه ضمن أفعاله؛ وذلك لعدم صدور المكروه منه.
الفعل المباح
ويعرف من خلال الاُمور التالية:
1 ـ أن تعلم الإباحة بقصده إمَّا بنصٍّ أو أمارة.
2 ـ أن يكون هناك ما يدلُّ على حسنه ولا دلالة على وجوبه أو ندبه، وهما منتفيان بكون الأصل عدمهما.
3 ـ أن يكون بيانا لخطاب دالٍّ على الإباحة.
4 ـ أن يكون امتثالاً لخطاب دالٍّ على الإباحة[١٠٢].
حكم أفعال النبي
دلالة الأفعال على الأحكام التكليفية والوضعية
لا شكَّ في دلالة بعض الأفعال على الأحكام التكليفية كالوجوب و الاستحباب، أمَّا دلالتها على الأحكام الوضعية، كالشرطية والمانعية والصحّة والفساد، فهي ممكنة مع اقترانها بقول يوضّح دلالتها على الحكم الوضعي، من قبيل ما ورد في أ نّه (ص) قاء فتوضَّأ[١٠٣]، فاستفاد منه البعض سببية القيء للوضوء، أو من قبيل ما ورد من أنَّه كان لايقيم الجمعة في السفر[١٠٤]، فيستفاد منه شرطية الإقامة لـ صلاة الجمعة، أو من قبيل إجرائه البيع دون إشهاد فيه، فيعلم منه عدم شرطية الإشهاد في البيع[١٠٥].
توقُّف قضيَّة أفعال الرسول على عصمته
رغم أنَّ قضيَّة عصمة الرسول قضيَّة كلامية إلاَّ أنَّ بعض الأصوليين قدَّمها على بحث أفعال الرسول، وتناول عصمة الرسل عموما والنبي خصوصا[١٠٦]، ومن المعروف لدى الشيعة أنَّ الأنبياء معصومون عن الذنوب مطلقا صغيرها وكبيرها قبل البعثة وبعدها بل حتَّى المكروهات، لكنَّ أهل السنَّة يختلفون في ذلك ويجيز بعضهم الذنوب الصغيرة للأنبياء[١٠٧]، إلاَّ أنَّ بعضا منهم منع حتَّى فعل المكروه على الرسول، خلافا للحنفية الَّذين حملوا توضّؤ الرسول بسؤر الهر على الكراهة لأجل بيان جواز هذا الفعل[١٠٨].
تقديم هذا الموضوع على موضوع أفعال الرسول في محلّه؛ باعتبار أنَّا لو احتملنا معصية الرسول في أفعاله ما أمكن التأسّي بأيٍّ منها؛ لاحتمال كونها من المعاصي التي ارتكبها الرسول، فوجوب التأسّي مبني على ثبوت عصمته كما صرَّح بذلك الزركشي[١٠٩].
حجّية أفعال الرسول
حجيَّة الأفعال ودلالتها على الأحكام على نحو الإجمال ممَّا ذهب إليه جلّ الأصوليين[١١٠]؛ وذلك لأنَّ تجويز البيان بالفعل يلزم منه القول بحجيَّته وإلاَّ كان عبثا، ولذلك نقل البعض الاتّفاق على ذلك[١١١]، لكنَّ الآمدي ينقل مخالفة البعض لهذا الأمر ولم ينسبه إلى أحد، ويَنسب إلى أبي علي الخلاَّد التفصيل، فجوّز التأسّي في العبادات دون غيرها[١١٢].
إنَّ جميع الأدلَّة القرآنية والعقلية وغيرها من الأدلَّة الدالَّة على حجّية السنَّة دالٌّ على حجّية أفعال الرسول بالتبع كذلك؛ لأنَّ الأفعال من السنّة وليست أمرا خارجا عنها، وكلّ ما يمكن أن يثبت أو لايثبت بالسنَّة يثبت أو لايثبت بالفعل كذلك، والبحث في كلا الموضعين واحد.
إلاَّ أنَّ بعض المعاصرين يعارض الاستدلال المزبور بدليلين:
الأوّل: لم تثبت كون الأفعال حجَّة، وثبوت كونها سنَّة متوقِّف على ثبوت حجّيتها.
الثاني: أنَّ الثابت حجّيته من السنَّة بدلالة الكتاب هو القوليَّة فقط دون الفعليَّة وتعديتها إلى الفعلية فيه خفاء وبحاجة إلى دليل. رغم ذلك فهو يرى حجّية الأفعال بأدلَّة قرآنية وأحاديث نبويَّة والإجماع[١١٣].
لكنَّ هناك تفصيلاً بين الأصوليين في دلالة الأفعال على الأحكام وفقا لتقسيمها إلى ما ورد فيه قرينة وإلى ما لم يرد فيه قرينة، ونوعية الفعل وما إذا كان من خواصّه أو لم يكن وغير ذلك من التقسيمات التي ورد ذكرها في بحث الأقسام، وهناك نقاش أساسي في هذا المجال خاصّ بالأفعال التي لم تقترن بقرينة تثبت اشتراك حكمها بين الرسول واُمَّته، ترد تحت جهتين: ما عرف وجهه وما لم يعرف وجهه.
الجهة الأولى: حكم ما عرف وجهه
تشارك الاُمَّة الرسول(ص) في الأفعال التي عُرف وجهها من الوجوب والندب والإباحة[١١٤]. لكنَّ بعض الأشعريَّة، مثل: أبو بكر الدقّاق خالف في ذلك، وقال: بعدم المشاركة، وأنَّ الفعل الصادر عن الرسول لايكون تشريعا لنا إلاَّ بدليل[١١٥].
أدلَّة اشتراك أفعال النبي
1 ـ الآية الكريمة: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة»[١١٦]. ومقتضى الأسوة اشتراك الأفعال ولزوم تطابقها مع بعضها الآخر.
2 ـ الآية الكريمة: «فَاتَّبِعُوهُ»[١١٧]. وهي تدلّ على لزوم متابعة الرسول مطلقا حتّى في الأفعال.
3 ـ الآية الكريمة: «فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ وطرا زوَّجنَاكَهَا لِكَيْلا يَكُون عَلَى المُؤْمِنينَ حَرَجٌ في أزْواجِ أدْعِيائِهِمْ إذَا قَضوا مِنهنَّ وطْرا»[١١٨].
فالآية صريحة في أنَّ فعله هنا لرفع الحرج والمانع عن المؤمنين للزواج من امرأة مَن تبنّوه.
4 ـ ما روي من أنَّ رجلاً سأل اُم سلمة رضي اللّه عنها عمَّن قبَّل امرأته وهو صائم، فقال لها النبي(ص): «ألا أخبرتِه أنّي أفعل ذلك؟»[١١٩].
وهذا الحديث يعكس أنَّ ما يكون مباحا له يكون مباحا لاُمَّته كذلك.
5 ـ رجوع الصحابة عند الاستدلال إلى أفعال الرسول[١٢٠].
أدلَّة عدم اشتراك أفعال النبي
الَّذين خالفوا اشتراك الاُمَّة معه في أفعاله استدلّوا بدليلين:
1 ـ من المحتمل أن يكون فعله خاصّا به ولا مصلحة في الإتيان به لغيره.
ورُدَّ بأنَّ الشرع أمر باتِّباع الرسول والتأسّي والاقتداء به، ولو كانت هناك مصلحة من هذا القبيل لما دعا الشارع للتأسّي والاقتداء.
2 ـ أنَّ الفعل لم يصدر من غيره، وما اُمر به لايشمل غيره، فلا مشاركة.
ورُدَّ بأنَّ الأدلَّة الواردة على وجوب الاتّباع تعني التسوية بينه وبين الاُمَّة[١٢١].
الجهة الثانية: حكم ما لم يُعرف وجهه
في هذا الصنف من الأفعال، حيث لا تكون هناك قرائن تحدِّد وجه الفعل وردت عدَّة آراء:
الرأي الأوّل: التوقُّف
أصحاب هذا الرأي يذهبون إلى ضرورة التوقُّف حتَّى يقوم دليل، وهو لأكثر المتكلِّمين وأبي بكر الدقّاق[١٢٢]، واعتبره الزركشي رأي جمهور الشافعية[١٢٣]، واختاره الرازي وحكاه عن الصيرفي وأكثر المعتزلة[١٢٤].
والقائلون بالتوقُّف اختلفوا في تفسيره، فقد فسَّروه بنحوين:
الأوّل: الوقف في تعدية حكم الفعل إلى الاُمة.
الثاني: الوقف في تعيين جهة الفعل من كونه مستحبّا أو واجبا[١٢٥].
استدلَّ على التوقُّف بالاُمور التالية:
1 ـ صورة الفعل في الجميع واحدة، والفعل يحتمل الوجوب والاستحباب والإباحة، وحمله على بعضها دون البعض الآخر ترجيح بلا مرجِّح، فوجب التوقُّف[١٢٦]. وهذا الدليل ينسجم مع المعنى الثاني للتوقّف.
2 ـ الَّذين قالوا بعدم عصمة الرسول عن الخطأ يحتملون أن يكون فعله ذنبا من ذنوبه، فيكون ذنبا بالنسبة إلينا كذلك، فلايجوز فعله[١٢٧]. وهذا الدليل ينسجم مع المعنى الأوّل والثاني.
الرأي الثاني: الحمل على الندب
نسب الرازي هذا القول إلى الشافعي[١٢٨]، وحكاه أبو اسحاق عن أبي بكر الصيرفي والقفّال والقاضي أبي حامد[١٢٩]، ونسبه الزركشي إلى أكثر الحنفية و المعتزلة[١٣٠].
استدلَّ على هذا الرأي بالموارد التالية:
1 ـ قوله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ»[١٣١] وحسن التأسّي يقتضي الندب و الاستحباب، وهذا هو الظاهر من «لَكُمْ» ولو كان الإيجاب هو المراد لقال: (عليكم) [١٣٢].
رُدَّ هذا بأنَّ التأسّي مطابقة الفعل، والمورد هنا لايعلم منه صورة الفعل، أي استحبابه أو وجوبه، وعليه فيدلّ على التوقُّف[١٣٣].
2 ـ لايخلو فعل الرسول من أن يكون راجح العدم (مكروها أو محرما) أو مباحا أو مرجوح العدم (مستحبّا أو واجبا)، والكراهة والحرمة منفيان عن الرسول، والفعل المباح عبث، وهو منفي عنه أيضا، فيبقى الوجوب والندب، والندب هو القدر المتيقن؛ لكونه أقلّ أحوال القرب، فأفعاله لاتخلو إمَّا أن تكون مندوبة أو واجبة، وعدم الوجوب بالنسبة إلينا ثابت بمقتضى الأصل، فيثبت الآخر؛ باعتباره القدر المشترك للعمل[١٣٤].
رُدَّ بأنَّ الاحتياط هنا يقتضي الحمل على الواجب لا الندب، مع أنَّا لا نسلِّم كون فعل المباح عبثا، فقد يكون فيه غرضٌ ما ينفي العبثيَّة[١٣٥].
3 ـ أطبق أهل الأعصار على الاقتداء بأفعال الرسول(ص) وهو يدلُّ على الإجماع على إفادته الندب[١٣٦].
رُدَّ بأنَّا لا نعلم بالضبط أنَّ إطباقهم ناشئ عن الفعل بمجرّده، فمن المحتمل أنَّ عملهم قد استند إلى قرائن اُخرى[١٣٧].
الرأي الثالث: الحمل على الوجوب وأدلته
وهو لابن سريج وأبي سعيد الاصطخري وأبي علي بن خيزران[١٣٨]، ونسبه أبو إسحاق الشيرازي لمالك[١٣٩].
استُدلَّ على هذا الرأي باُمور كثيرة منها:
الدليل الأول: الآيات القرآنية
وردت عدَّة آيات يبدو منها وجوب المتابعة:
منها: قوله تعالى: «فَاتَّبِعُوهُ»[١٤٠].
رُدَّ هذا الدليل بأنَّ الاتّباع يقتضي مثل فعل الرسول تماما، حتَّى في الوجه، بحيث لو جئنا بالفعل على وجه الندب وكان الفعل على وجه الوجوب ما كان الاتّباع حاصلاً، والاتّباع يتوقَّف على معرفة وجه الفعل، ودون هذه المعرفة لايحصل[١٤١].
ورُدَّ كذلك بأنَّه على فرض دلالته على العموم فإنَّه يدلُّ على وجوب الإتّباع إن كان الفعل واجبا عليه وعلينا، ووجب أن يعتقد فيه أيضا هذا الاعتقاد، بينما الحكم بالوجوب ممّا يراد إثباته هنا[١٤٢].
ومنها: قوله تعالى: «فَلْيَحْذَر الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ»[١٤٣] والأمر شامل للقول والفعل، بدليل قوله تعالى: «وَأمْرهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ»[١٤٤]، وقوله تعالى: «يُدبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ»[١٤٥] فالأمر في الآيات هنا يُراد منه الفعل[١٤٦].
رُدَّ هذا بأنَّ الأمر لايحمل على الفعل إلاَّ بدليل وقرينة، مع أنَّه اُجمع على حمل الأمر هنا على القول، كما أنَّ الضمير في «أمْرِهِ» يعود إلى اللّه؛ باعتبار أنَّ الكلام هنا كناية، وهي ترجع إلى أقرب مذكور، وهو اللّه تعالى، فقد سبق الآية قوله تعالى: «قَدْ يَعْلَم اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلونَ مِنْكُمْ لَواذا...» [١٤٧] [١٤٨].
ومنها: قوله تعالى: «أطِيعُوا اللّهَ وأطيعُوا الرَّسولَ»[١٤٩] والآية لم تفرّق بين القول والفعل[١٥٠].
ورُدَّ بأنَّ ذلك فيما إذا عُلم وجه الفعل، والكلام هنا فيما إذا لم نعلم وجه الفعل[١٥١].
ومنها: قوله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللّهِ اُسْوَة حَسَنَة»[١٥٢] ومجرى الآية مجرى الوعيد بالنسبة إلى تارك التأسّي[١٥٣].
رُدَّ الاستدلال بأنَّ مطلق الإتيان بفعل الغير لايكون تأسّيا، والتأسّي يحصل عندما تحصل المماثلة في صورة الفعل وفي الكيفية كذلك، ولهذا لايكون مطلق فعل الرسول سببا للوجوب في حقّنا؛ لأنَّ فعله قد لايكون واجبا بل قد يكون مستحبّا، وإتياننا بمثله يكون تأسّيا كذلك[١٥٤].
ومنها: قوله تعالى: «قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِى»[١٥٥] وهي تدلُّ على أنَّ محبَّة اللّه مستلزمة للمتابعة ، والمحبَّة واجبة بالإجماع ، ولازم الواجب واجب[١٥٦].
ويُردُّ هذا الاستدلال بنفس النحو الذي ورد في الآية 153 من سورة الأنعام[١٥٧].
ومنها: قوله تعالى : «فَلَمَّا قَضَى مِنْهَا وَطْرا زَوَّجْنَاكَهَا»[١٥٨] وهي قد بيَّنت أنَّ فعله تشريع واجب الاتّباع وإلاَّ لما كان التزويج رافعا الحرج عن المؤمنين[١٥٩]، أو أنَّ اللّه تعالى إنَّما زوَّجه بها؛ ليكون حكم أمّته مساويا لحكمه في ذلك[١٦٠].
ويُردُّ بأنَّ أقصى ما تدلُّ عليه الآية هو تساوي حكمه مع حكمهم في الوجوب والندب، وهذا لايعني كون أفعاله جميعا واجبة لتكون واجبة على الاُمَّة أيضا[١٦١].
ومنها: قوله تعالى: «مَا آتَاكُمُ الرَّسولُ فَخذوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»[١٦٢] ويصدق عنوان (ما آتانا) على ما فعله[١٦٣].
رُدَّ الاستدلال بأنَّ هناك قرينتين يدلاَّن على كون المراد القول لا الفعل:
الاُوّلى: قوله تعالى: «وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» يُراد منه القول؛ لأنَّ النهي لايصدق على الفعل، فكذلك قوله: «مَا آتَاكُمُ».
الثانية: مفردة الإتيان ومفهومها يتأتَّى في القول؛ لأنَّنا نحفظه، وبامتثاله نكون قد أخذناه، فكأنَّ هناك أخذا وعطاءً، وهو صادق في القول دون الفعل[١٦٤].
الدليل الثاني: ما روي من السنّة
روي في السنَّة ما يبدو منه وجوب المتابعة:
منها: روي أنَّ النبي(ص) خلع نعله في الصلاة، فخلع الناس نعالهم، ثُمَّ قالوا: رأيناك خلعت نعلك فخلعنا نعالنا[١٦٥]. فدلَّ على وجوب متابعته في فعله[١٦٦].
رُدَّ هذا باُمور:
أوّلها: أنَّ هناك أمرا مسبقا من الرسول بوجوب متابعته في الصلاة «صلّوا كما رأيتموني اصلّي»[١٦٧] فظنّوا أنَّ الخلع ممَّا شرِّع في الصلاة.
ثانيها: من غير المعلوم كون فعلهم عن وجوب، ومن المحتمل أنَّه بعد خلع الرسول ظنّوا وجوب الخلع باعتبار الآية: «خُذُوا زِينتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»[١٦٨] فسألهم عن سبب الخلع فقالوا: لأنَّك خلعت. فقال: «إنَّ جبرئيل أخبرني أنَّ فيها أذى» فبيَّن لهم وجه الفعل[١٦٩].
ثالثها: من المحتمل أنَّهم أرادوا المبالغة في المتابعة لا عن وجوب[١٧٠].
ومنها: روي أنَّ اُمّ سلمة قالت للنبي(ص) عام الحديبيَّة: «فانحر هديك واحلق وأحل، فإنّ الناس سيحلّون» فتبعوه، فدلَّ على أنَّ فعله يقتضي الوجوب[١٧١].
رُدَّ هذا بأنَّ الاتّباع هنا من حيث وجود الدليل اللفظي[١٧٢]، وهو قوله: «انحروا واحلقوا»[١٧٣].
كما أنَّ هناك ردودا واردة على عموم الأخبار الثابتة في المجال:
الأوّل: أنَّ الأخبار عمومها أخبار آحاد ولا تفيد إلاَّ الظنّ[١٧٤].
الثاني: الأخبار المزبورة وردت في الحجّ والصلاة فقط، ولعلَّ هناك دليلاً دلَّ على أنَّ شرع الرسول وشرع الاُمَّة واحد في هذين الأمرين فقط، كما هو الواقع، فقد وردت رواية «صلّوا كما رأيتموني أُصلي»[١٧٥] و«خذوا عنّي مناسككم»[١٧٦] و[١٧٧].
الدليل الثالث: الإجماع
أجمعت الاُمَّة على لزوم اتّباعه، كما يثبت ذلك ممّا ورد عن الصحابة من اتّباعهم إيَّاه في أفعاله[١٧٨]. من قبيل رجوع الصحابة إلى فعله[١٧٩]، فقد اختلفوا في التقاء الختانين ما إذا كان موجبا للغسل أم لا فرجعوا إلى فعل رسول اللّه (ص)حيث روت اُم المؤمنين عائشة: «فعلته أنا ورسول اللّه فاغتسلنا».
رُدَّ هذا بالاُمور التالية:
الأوَّل: أنَّ الرواية تختلف عمَّا ينقلها القائلون بالوجوب[١٨٠]، وهي: «إذا التقى الختانان [فقد] وجب الغسل»[١٨١]. والوجوب مستنبط لا من الفعل الذي نقلته عائشة بل من هذا الحديث[١٨٢].
الثاني: أنَّ الصحابة لم يجمعوا على وجوب كلّ فعل بلغهم عن الرسول، بل أجمعوا على الاقتداء بخصوص الفعل الذي فهموا منه الوجوب أو الندب أو نحوهما[١٨٣].
الدليل الرابع: الأدلَّة العقليَّة
هناك شواهد عقليَّة تثبت وجوب الاتّباع:
منها: البيان تارة يقع بالقول واُخرى بالفعل، وباعتبار أنَّ القول يدلُّ على الوجوب فكذلك الفعل[١٨٤]، بل الفعل آكد في الدلالة على المطلوب[١٨٥].
رُدَّ ذلك بأنَّ للقول صيغا، كالاستدعاء الذي يحمل عليه القول أحيانا، والفعل خالٍ من هكذا صيغ، والمقارنة بين الفعل والقول كالمقارنة بين الخبر وغيره[١٨٦]. أمَّا كونه آكد ففي بيان صفة الفعل لا أنَّه يكشف عن الوجوب بالضرورة[١٨٧].
ومنها: كونه لايفعل إلاَّ ما هو صواب وحقّ فوجب اتّباعه[١٨٨].
رُدَّ بأنَّ فعل النبي وإن كان حقّا وصوابا بالنسبة إليه، لكنَّ ذلك لايستلزم أن يكون كذلك بالنسبة إلينا[١٨٩]، مضافا إلى أنَّ الاتّباع يعني فعلنا وفق فعله حتَّى يكون فعلنا حقّا وصوابا، وذلك لايصدق فيما لا نعلم فيه حال الفعل، فوجب التوقُّف[١٩٠].
ومنها: أنَّ الاحتياط يقتضي حمل الفعل على الوجوب؛ باعتبار كونه أعلى مراتب الفعل، فيجب الحمل عليه احتياطا[١٩١].
رُدَّ بأنَّ الاحتياط ليس مورده هنا؛ باعتبار احتمال حرمته[١٩٢].
ومنها: لا إشكال في وجوب تعظيم الرسول(ص) في الجملة، والإتيان بمثل فعله يعدُّ تعظيما له، كما يشهد بذلك العرف[١٩٣].
رُدَّ هذا بأنَّه من غير المسلَّم كون الإتيان بمثل ما يفعله العظيم يكون تعظيما له، وأنَّ الترك إهانة له، بل أحيانا يكون الإتيان بمثل فعل العظيم حطّا لمنزلته، ومن ذلك القبيح جلوس العبد في سرير سيّده والركوب على مركبه، فيستحقُّ العبد هنا التوبيخ على المماثلة في الفعل[١٩٤].
الرأي الرابع: الحمل على الإباحة
وهذا القول لمالك[١٩٥]، واختاره الجويني[١٩٦]، واعتبره الزركشي الراجح لدى الحنابلة[١٩٧]،
استدلَّ على هذا الرأي باُمور:
منها: أنَّ الأصل في الأفعال كلّها هو الإباحة ورفع الحرج عن الفعل والترك إلاَّ ما دلَّ الدليل على غيره، ولا دليل هنا[١٩٨].
رُدَّ هذا بأنَّه إن كان المراد بالإباحة كون الفعل هكذا كان قبل الشرع، فهو صحيح، وعليه فلا دلالة لأفعاله[١٩٩]، مضافا إلى أنَّ ذلك يصدق فيما إذا لم يظهر من النبي(ص) قصد التقرُّب، ومع ظهور قصد التقرُّب يمتنع أن يكون مباحا بمعنى رفع الحرج عن الفعل أو الترك، فإنَّ المباح بهذا المعنى لايتقرَّب به، فينبغي حمله على ما يرجَّح فعله[٢٠٠].
ومنها: باعتبار عدم صدور ذنب منه فلايخلو فعله من أن يكون مباحا أو مندوبا أو واجبا، وإثبات الموردين الأخيرين (أي رجحان الفعل) بحاجة إلى دليل، وهو غير موجود، فلا بدَّ من ثبوت الثالث، وهو الإباحة، وإذا ثبتت إباحة أفعاله(ص) وجب ثبوت إباحتها بالنسبة إلينا كذلك، للآية الدالَّة على وجوب التأسّي، ويترك التأسّي والعمل بالآية في الموارد الخاصَّة بالرسول فتبقى الباقية على إباحتها[٢٠١].
ويُردُّ بأ نّه على فرض ثبوت الإباحة في حقِّه فلا دليل على وجوب ثبوتها علينا كذلك[٢٠٢].
الرأي الخامس: الحمل على الحظر
وهو قول منسوب إلى من جوَّز المعاصي على الأنبياء[٢٠٣]، وقد نسبه ابن حزم إلى الباقلاني أو صاحبه أبي جعفر السمناني، بناءً على احتمال المعصية بالنسبة إلى الرسول[٢٠٤]. ويرى أبو حامد الغزالي أنَّ هذا رأي من رأى الأشياء قبل الشرع محظورة[٢٠٥]، ويرى البعض أنَّه سوء فهم لكلام هؤلاء، فإنَّهم يقولون بحرمة اتّباع أفعال الرسول لا أنَّ ما وقع منه يكون حراما[٢٠٦]. ولم يتعرَّض من كتب في أفعال الرسول إلى هذا القول إلاَّ القليل منهم، ممَّا يكشف عن عدم الاعتناء به أو ندرة القائلين به.
العلاقة بين الفعل والقول
الفعل في حالة عدم تعارضه مع القول إمَّا أن يكون شاهدا أو مصداقا أو مخصِّصا أو مقيِّدا للقول، وبتعبير آخر: هو عاضد للقول ومثبت لاحتمال ورافع لاحتمالات اُخرى يمكن أن يفسَّر بها القول[٢٠٧].
التعارض بين الفعل والقول
التعارض بين الفعل والقول ليس من قبيل التعارض بين الفعلين، اللذين يستحيل إتيانهما في وقت واحد فلا إشكال في إمكانية وقوع التعارض بين قول الرسول وفعله مع اختلاف في زمان كلٍّ منهما[٢٠٨]، فإذا كان مستقرَّا ولايوجد ما يدلُّ على ترجيح أحدهما أو الجمع بينهما ففيه أقوال، يأتي ذكرها وأمَّا في حال عدم الاستقرار، فالتعارض حينئذٍ ليس تعارضا في واقع أمره، بل يدخل في باب التخصيص أو النسخ أو ما شابه.
مثَّلوا للتعارض بقوله(ص) بعد نزول آية الحجّ: «من قرن الحجّ إلى العمرة فليطف لهما طوافا واحدا»[٢٠٩] وروي عنه أنَّه قرن فطاف لهما طوافين وسعى سعيين[٢١٠].
قسَّم الشوكاني حالات التعارض بين القول والفعل إلى ثلاث حالات:
1 ـ أن يُعلم تقدُّم القول على الفعل.
2 ـ أن يُعلم تقدُّم الفعل على القول.
3 ـ أن يجهل التاريخ[٢١١].
في الحالة الأخيرة (الجهل بالتاريخ) لا نقاش فيما إذا قام الدليل أو القرينة على ترجيح أحدهما على الآخر، والكلام فيما إذا لم يكن هناك دليل التقديم، وفي هذا المجال فصَّل مثل الآمدي كثيرا، لأجل تثبيت قرائن على ترجيح أحدهما وعلاج التعارض[٢١٢]، ومثل الزركشي قسَّم الحالات والفروض المتصوّرة إلى ستّين قسما[٢١٣]، والشوكاني قسَّمها إلى ثمانية وأربعين قسما، لكنَّه اكتفى بدراسة أربعة عشر قسما يراها كثيرة التحقُّق[٢١٤].
وفيما يلي بعض العلاجات الواردة في حلّ التعارض العملي:
إنَّ القول إذا تقدَّم ومضى الوقت الذي يجب الفعل فيه وفعل(ص) ما يعارضه كان الفعل ناسخا للقول دون شكّ، ومثاله: عدم قتل الشارب للخمر في المرَّة الرابعة، بعد قوله: «فإن شربها في الرابعة فاقتلوه»[٢١٥].
وإن فعل ما يعارض دلالة القول قبل مجيء الوقت الذي تُعبِّدنا بالفعل فيه فلايجوز أن يكون نسخا؛ لأنَّ النسخ قبل الوقت لايصحّ.
وإن تقدَّم الفعل ووجد القول الذي يقتضي رفع مقتضاه عُدَّ القول ناسخا بلا شبهة؛ لأنَّه متأخّر عن حكم استقرار الفرض[٢١٦].
وفي حال جهل تاريخهما ولم يكن هناك ما يثبت تقدُّم أحدهما على الآخر، ففيه آراء:
الرأي الأول: الأخذ بالقول أولى؛ للاعتبارات التالية:
1 ـ احتمال اختصاص الفعل وعدم تعديه إلى غير الرسول إلاَّ بدليل، بينما القول يتعدَّاه[٢١٧].
2 ـ القول يدلُّ بنفسه بينما يفتقر الفعل لأجل الدلالة إلى القول، فكان أولى[٢١٨].
3 ـ القول قابل للتأكيد، والفعل ليس كذلك[٢١٩].
4 ـ العمل بالقول هنا ممَّا يُفضي إلى نسخ مقتضى الفعل في حقِّ النبي دون الاُمَّة، والعمل بالفعل يفضي إلى إبطال مقتضى القول بالكليَّة، فكان الجمع بينهما ـ ولو من وجه ـ أولى[٢٢٠].
وهذا القول للشيخ الطوسي[٢٢١]، وأبي إسحاق الشيرازي[٢٢٢]، والرازي[٢٢٣]، والآمدي[٢٢٤]، وغيرهم[٢٢٥]، ونسبه الزركشي إلى الجمهور[٢٢٦].
الرأي الثاني: التوقُّف إلاَّ أن يكون هناك دليل
يدلُّ على الأخذ بأحدهما، وهو ما يبدو من السيّد المرتضى[٢٢٧]، كما اختاره ابن السمعاني[٢٢٨]، وذهب إليه المحقّق الحلّي[٢٢٩]، وحكاه ابن القشيري عن القاضي أبي بكر، وأيَّده.
استدلَّ عليه بتساوي دلالتهما في وجوب العمل[٢٣٠].
واختار ابن الحاجب التفصيل بالتوقُّف، بأن يُؤخذ بالقول دون الفعل بالنسبة إلى الاُمَّة، مستدلاَّ عليه بأنَّ الاُمَّة متعبِّدة بالعمل وتأخذ بالقول لظهوره، ولا ضرورة للحكم بأحدهما بالنسبة إلى الرسول[٢٣١]؛ لأنَّه أعرف بوظائفه، ولا فائدة عملية تترتَّب على تحديد الأمر في هذا المجال، كما ذهب إليه بعض المتأخّرين[٢٣٢].
الرأي الثالث: الفعل أولى
وهو لم يُنسب إلى أصولي محدَّد لكن نسبه أبو إسحاق الشيرازي إلى بعض الأصحاب[٢٣٣].
استدلَّ عليه بالاُمور التالية:
الأوّل: أنَّ الرسول لمَّا سُئل عن مواقيت الصلاة لم يبيّنها قولاً بل قال للسائل: «اجعل صلاتك معنا» كما بيَّن المناسك والصلاة بالفعل، ممَّا يدلُّ على كون الفعل آكد[٢٣٤].
ويُردُّ بأنَّ غاية ما يدلُّ عليه هذا هو جواز البيان بالفعل لاتقديمه، فهما متساويان من هذه الناحية[٢٣٥].
الثاني: كون مشاهدة الفعل آكد في البيان من القول، فهناك الكثير من الهيئات الفعلية لايمكن بيانها بالقول ممَّا يدلُّ على كون الفعل أبلغ في البيان.
ويُردُّ بأنَّه لايوجد فعل لايمكن التعبير عنه ووصفه بالقول[٢٣٦].
تعارض الفعلين
تعارض الفعلين، بمعنى إتيانهما في زمان واحد وبنفس الظروف، أمر غير ممكن، لكنّه ممكن على فرض وجودهما في زمانين، وعندئذٍ لابدّ من معالجتهما بالنحو الذي تعالج به النصوص، فبعد التأكُّد من صحّة نقل الفعل وعدم الوضع والتزوير يعالج بحمل الثاني على كونه ناسخا للأوَّل أو كونه ذا شروط خاصّة تختلف عن الآخر، أي أنَّه يعالج ببعض العلاجات الواردة في مجال تعارض النصوص وما يمكن تحصيله من قرائن تحفُّ بالفعل[٢٣٧].
وحكى ابن العربي[٢٣٨] ثلاثة أقوال هي:
1 ـ التخيير.
2 ـ تقديم المتأخّر، كالأقوال إذا تأخَّر بعضها عن الآخر.
3 ـ حصول التعارض وطلب الترجيح من الخارج[٢٣٩].
القرطبي يذهب إلى إمكانية التعارض بين الفعلين عند من قال: إنَّ الفعل يدلُّ على الوجوب، فإن علم التاريخ كان الثاني ناسخا، وإن جهل التاريخ فيكونان بمثابة القولين المتعارضين تلتمس المرجّحات لترجيح أحدهما على الآخر[٢٤٠].
الشافعي يرى تعارض الفعلين أمارة على جوازهما[٢٤١].
والغزالي يفصِّل القول بأنَّه إن اتّفق الفقهاء على صحَّة الفعلين واختلفوا في الأفضل توقَّفنا في الأفضل، وإن لم تترجَّح واحدة من الروايات توقَّفنا فيها رغم علمنا بأنَّ الصادر عن الرسول واحد منهما، وإن اتّفق الفقهاء على صحَّة واحد فنحكم به ونتوقَّف في الآخر[٢٤٢].
فلا إشكال في أن يكون الفعل ناسخا أو مخصِّصا[٢٤٣]، لكنَّ الكثير مثل: السيّد المرتضى[٢٤٤] والقاضي أبو بكر، وكثير غيرهم ـ بل ادّعي المشهور[٢٤٥] ـ يرون عدم صحَّة نسخ الفعل بالفعل؛ لأنَّ الفعل لايدلُّ على الاستمرار أو لا عموم له إلاَّ أن يدلَّ دليل على استمراره أو عمومه، ومن المحتمل أنَّ الفعل قد انقضت مدَّته عندئذٍ يكون الفعل المضاد اللاحق ناسخا له[٢٤٦].
أفعال أئمَّة أهل البيت عليهمالسلام
الشيعة يرون أئمَّة أهل البيت الاثني عشر بمثابة الرسول من ناحية العصمة، ولذلك يعمّمون بحوث أفعال الرسول إليهم كذلك، ورغم أنَّ أصولييهم لم يتوسّعوا في موضوع أفعال الرسول مثل ما توسَّع أصوليو أهل السنّة إلاَّ أنَّهم كثيرا ما يستخدمون اصطلاح أفعال المعصوم بدلاً عن أفعال الرسول للإشارة إلى موضوع التعميم وعدم التخصيص بالنبي، وقد استخدم السيّد المرتضى و الشيخ الطوسي اصطلاح أفعال الرسول ولم يشيرا إلى قضيَّة التعميم؛ وذلك لأنَّ الدارج في أصول الفقه آنذاك هو هذا العنوان، والتعميم يُعدُّ مسألة كلامية مختلف فيها قد لايكون مجالها علم الأصول، وإلاَّ من المسلَّم به أنَّهما يذهبان إلى ما ذهب إليه باقي الشيعة، وكتبهم غير الأصولية تثبت هذا[٢٤٧].
أفعال الصحابة
ناقش بعض الأصوليين موضوع أفعال الصحابة تحت عنوان (مذهب الصحابي) ويريدون بالعنوان ما هو أعمّ من الفعل، أي ما يشمل القول كذلك، وقد انقسموا إلى طوائف، فبعضهم ذهب إلى حجّيته وآخر إلى عدم حجيَّته وآخر إلى حجيَّة ما خالف القياس منه، وآخر إلى حجيَّة خصوص مذهب الخليفة الأوّل والثاني وآخر إلى حجّية مذهب الخلفاء الراشدين[٢٤٨].
=المصادر
- ↑ كتاب العين 2: 145 مادة «فعل».
- ↑ لسان العرب 3: 3055 مادة «فعل».
- ↑ العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 563.
- ↑ الذريعة 2: 562.
- ↑ التبصرة: 247.
- ↑ الذريعة 2: 585 ـ 587، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 582 ـ 583، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 148، معارج الأصول: 120، البحر المحيط 4: 189.
- ↑ النحل: 44.
- ↑ الأحزاب: 37.
- ↑ السنن الكبرى البيهقي 2: 345، كتاب الصلاة، باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك حديث مالك بن الحويرث، صحيح مسلم بشرح النووي 4: 197، كتاب الصلاة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، الذريعة 1: 342، العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 419، بحار الأنوار 82: 279.
- ↑ المسند الشافعي: 240، فتح الباري 4: 121 كتاب الصوم باب المباشرة للصائم.
- ↑ سنن الترمذي 2: 285 أبواب الصلاة، باب 313 ما جاء في من تفوته الركعتان قبل الفجر يصلّيهما بعد الفجر ح 422 ، وأنظر : اللمع: 147.
- ↑ صحيح مسلم بشرح النووي 4: 134 كتاب الصلاة باب ائتمام المأموم بالإمام، وأنظر: اللمع: 148.
- ↑ مسند أحمد 5: 371 ح18101 و 5: 475 ح18666، السنن الكبرى البيهقي 9: 330 كتاب الضحايا، باب ما جاء في أكل لحوم الحمر الأهلية، من حديث أنس.
- ↑ أنظر: الموافقات 3: 311 ـ 314.
- ↑ الذريعة 2: 587 ـ 588.
- ↑ الإحكام 1 ـ 2: 148 ـ 150.
- ↑ الإبهاج في شرح المنهاج 2: 263.
- ↑ اللمع: 147 ـ 150.
- ↑ المنخول: 229.
- ↑ البحر المحيط 4: 201 ـ 210.
- ↑ إرشاد الفحول 1: 182.
- ↑ اللمع: 147 ـ 149.
- ↑ المصدر السابق: 147.
- ↑ البحر المحيط 4: 207 ـ 210.
- ↑ أفعال الرسول 2: 45 ـ 46.
- ↑ مسند أحمد 1: 546 ح3058، و7: 466 ح26274، سنن الدارمي 2: 93 كتاب الأضاحي، باب في أكل الضب، من حديث خالد بن الوليد.
- ↑ حاشية العلاّمة البناني 1: 343، أصول السرخسي 1: 80.
- ↑ حاشية العلاّمة البناني 1: 344.
- ↑ الفصول في الأصول 3: 228، إرشاد الفحول 1: 184.
- ↑ البحر المحيط 4: 214، إرشاد الفحول 1: 184.
- ↑ أفعال الرسول 2: 55 ـ 57.
- ↑ البداية والنهاية ابن كثير 8: 343.
- ↑ بدائع الصنائع 1: 687.
- ↑ أفعال الرسول 2: 132.
- ↑ حاشية العلاّمة البناني 2: 665.
- ↑ الأم 1: 251.
- ↑ سنن أبي داود 1: 302 كتاب الصلاة، باب جماع أبواب الصلاة الاستسقاء وتفريعها ح1164.
- ↑ البحر المحيط 4: 211.
- ↑ إرشاد الفحول 1: 183.
- ↑ صحيح البخاري 1: 231 كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة، ح618، السنن الكبرى البيهقي 3: 55 كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة من غير عذر.
- ↑ البحر المحيط 4: 212.
- ↑ إرشاد الفحول 1: 184.
- ↑ مسند أحمد 4: 279 ح14118، صحيح البخاري 2: 674 كتاب الصوم، باب قول النبي (ص) إذا رأيتم الهلال فصوموا ح1808، صحيح مسلم 2: 759 كتاب الصوم، باب 2 وجوب صوم رمضان لـ رؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال، أحاديث الباب .
- ↑ البحر المحيط 3: 487.
- ↑ شرح تنقيح الفصول: 278.
- ↑ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبَّان 1: 58.
- ↑ أنظر: أفعال الرسول 2: 11.
- ↑ المغني عبد الجبّار 17: 251.
- ↑ أنظر: أفعال الرسول 2: 11.
- ↑ المغني ابن قدامة 1: 137.
- ↑ فتح الباري 1: 38.
- ↑ الذريعة 2: 601، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 590، المنخول: 232، المحصول 1: 519 ـ 520.
- ↑ الذريعة 2: 595 ـ 596، نهاية السول 3: 47.
- ↑ معارج الأصول: 121.
- ↑ أنظر: مسند أحمد 3: 225 ح9650، صحيح البخاري 1: 53 كتاب العلم باب 38 اثم من كذب على النبي (ص) ح110، من لايحضره الفقيه 2: 585 كتاب الحجّ، باب ثواب زيارة النبي(ص) والأئمة عليهمالسلام ح3191، الأمالي (الصدوق): 62 ح10 المجلس 15.
- ↑ إرشاد الفحول 2:288.
- ↑ رسائل الشريف المرتضى 2: 13.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ صحيح مسلم بشرح النووي 1: 115، مقدّمة الشارح باب الكشف عن معايب رواة الحديث.
- ↑ البدعة عزت عطية: 299.
- ↑ أفعال الرسول 2:147.
- ↑ الاعتصام (الشاطبي) 1 ـ 2: 214.
- ↑ المائدة: 3.
- ↑ إرشاد الفحول: 2:288.
- ↑ البحر المحيط 4: 176.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 148.
- ↑ إرشاد الفحول 1: 165.
- ↑ المنخول: 225 ـ 226.
- ↑ البحر المحيط 4: 177، إرشاد الفحول 1: 166.
- ↑ التبصرة: 242، شرح اللمع 1: 546.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 148.
- ↑ الحاوي الكبير 20: 158.
- ↑ البحر المحيط 4: 179.
- ↑ العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 576.
- ↑ الذريعة 2: 587.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 576.
- ↑ البحر المحيط 4: 180.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 148 ـ 149، الذريعة 1: 342، العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 418 ـ 419.
- ↑ السنن الكبرى البيهقي 2: 345، كتاب الصلاة، باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك، من حديث مالك بن الحويرث ، بحار الأنوار 82 : 279.
- ↑ السنن الكبرى البيهقي 5: 125، كتاب الحجّ، باب الإيضاع في وادي محسر، من حديث جابر، عوالي اللئالي 1: 215، و 4: 34.
- ↑ المائدة: 38.
- ↑ المائدة: 6.
- ↑ معارج الأصول: 120.
- ↑ الذريعة 2: 586 ـ 587، الإحكام ابن حزم 1ـ4: 457، 513.
- ↑ الذريعة 2: 585 ـ 590.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 148 ـ 149.
- ↑ أفعال الرسول 1: 54.
- ↑ الموافقات 3: 336.
- ↑ المحصول الرازي 1: 514 ـ 515، معارج الأصول: 120، البحر المحيط 4: 187 ـ 188.
- ↑ الموافقات 3: 336.
- ↑ الإحكام 1 ـ 2: 159.
- ↑ البحر المحيط 4: 176.
- ↑ معارج الأصول: 120.
- ↑ المحصول 1: 514 ـ 515، معارج الأصول: 120، الموافقات 3: 331، البحر المحيط 4: 187 ـ 188.
- ↑ الموافقات 3: 331.
- ↑ الذريعة 2: 590، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 582، معارج الأصول: 120.
- ↑ البحر المحيط 4: 176.
- ↑ المستصفى 2: 98.
- ↑ الإحكام 1 ـ 2: 159.
- ↑ معارج الأصول: 120 ـ 121، الموافقات 3: 330 ـ 331، البحر المحيط 4: 188.
- ↑ سنن الترمذي 1: 143، أبواب الطهارة، باب 64 ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف ح87.
- ↑ المغني ابن قدامة 2:194.
- ↑ أفعال الرسول 1: 388 ـ 389.
- ↑ العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 563 ـ 567، المنخول: 223 ـ 227، البحر المحيط 4: 169 ـ 175.
- ↑ المحصول الرازي 1: 501، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 145 ـ 146، إرشاد الفحول 1: 161 ـ 165.
- ↑ أنظر: المسوّدة: 170، البحر المحيط 4: 176.
- ↑ البحر المحيط 4: 169.
- ↑ الإحكام الآمدي 3ـ4: 27 ـ 28، معارج الأصول: 120، البحر المحيط 4: 189.
- ↑ الذريعة 1: 339، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 431.
- ↑ الإحكام 1 ـ 2: 159.
- ↑ أفعال الرسول 1: 188 ـ 210.
- ↑ التبصرة: 240.
- ↑ أنظر: اللمع: 144.
- ↑ الأحزاب: 21.
- ↑ الأنعام: 153.
- ↑ الأحزاب: 37.
- ↑ المسند الشافعي: 240، فتح الباري 4: 122.
- ↑ أنظر: التبصرة: 240 ـ 241.
- ↑ أنظر: التبصرة: 241.
- ↑ المصدر السابق: 242.
- ↑ أنظر: البحر المحيط 4: 183.
- ↑ المحصول 1: 503.
- ↑ البحر المحيط 4: 184.
- ↑ التبصرة: 243.
- ↑ المحصول الرازي 1: 503.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ أنظر: التبصرة: 242.
- ↑ البحر المحيط 4: 183.
- ↑ الأحزاب: 21.
- ↑ المحصول الرازي 1: 509.
- ↑ التبصرة: 243.
- ↑ المحصول الرازي 1: 510.
- ↑ التبصرة: 244.
- ↑ أنظر: المحصول الرازي 1: 509.
- ↑ المصدر السابق: 510.
- ↑ المصدر نفسه: 502.
- ↑ التبصرة: 243.
- ↑ الأنعام: 153.
- ↑ الفصول في الأصول 3: 220، التبصرة: 244.
- ↑ المحصول الرازي 1: 507.
- ↑ النور: 63.
- ↑ الشورى: 38.
- ↑ السجدة: 5.
- ↑ المعتمد 1: 349، المحصول 1: 503.
- ↑ النور: 62 ـ 63.
- ↑ المحصول 1: 505 ـ 506.
- ↑ التغابن: 12.
- ↑ التبصرة: 245.
- ↑ المحصول الرازي 1: 504.
- ↑ الأحزاب: 21.
- ↑ المحصول الرازي 1: 503.
- ↑ المصدر السابق: 507، الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 156.
- ↑ آل عمران: 31.
- ↑ أنظر: المحصول الرازي 1: 504.
- ↑ المصدر السابق: 507.
- ↑ الأحزاب: 37.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 151.
- ↑ المحصول الرازي 1: 504.
- ↑ الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 156.
- ↑ الحشر: 7.
- ↑ المعتمد 1: 350.
- ↑ المحصول الرازي 1: 508.
- ↑ سنن أبي داود 1: 175، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل ح648، مسند أحمد 3: 398 ح10769.
- ↑ المعتمد 1: 351.
- ↑ السنن الكبرى البيهقي 2: 345 كتاب الصلاة، باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك، من حديث مالك بن الحويرث، صحيح مسلم بشرح النووي 4: 197، الذريعة 1: 342، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 419، بحار الأنوار 82: 279.
- ↑ الأعراف: 31.
- ↑ المحصول الرازي 1: 509.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 156.
- ↑ المصنف ابن أبي شيبة 8: 508، كتاب المغازي، باب (30) غزوة الحديبية، ح3.
- ↑ التبصرة: 246.
- ↑ مسند أحمد 5: 427 ح18431، كنز العمال 5: 262 ح12821، بحار الأنوار 20: 353.
- ↑ التبصرة: 245.
- ↑ السنن الكبرى البيهقي 2: 345 كتاب الصلاة، باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك، من حديث مالك بن الحويرث، صحيح مسلم بشرح النووي 4: 197، الذريعة 1: 342، العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 419، بحار الأنوار 82: 279.
- ↑ السنن الكبرى البيهقي 5: 125، صحيح مسلم بشرح النووي 8: 220، عوالي اللئالي 1: 215 و4: 34.
- ↑ المحصول الرازي 1: 508.
- ↑ إرشاد الفحول 1: 168.
- ↑ المحصول الرازي 1: 504.
- ↑ التبصرة: 246.
- ↑ سنن ابن ماجة 1: 199 كتاب الطهارة، باب 110 ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان ح608، سنن الترمذي 1: 183 أبواب الطهارة، باب (80) ما جاء فيما إذا التقى الختانان ح109.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 157.
- ↑ إرشاد الفحول 1: 170.
- ↑ التبصرة: 246.
- ↑ المعتمد 1: 348.
- ↑ التبصرة: 246.
- ↑ المعتمد 1: 348.
- ↑ التبصرة: 246.
- ↑ الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 158.
- ↑ التبصرة: 246.
- ↑ المعتمد 1: 348.
- ↑ المحصول الرازي 1: 509.
- ↑ المصدر السابق: 505.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 158.
- ↑ أنظر: المحصول الرازي 1: 503.
- ↑ البرهان في أصول الفقه 1: 185.
- ↑ البحر المحيط 4: 183.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 154.
- ↑ المستصفى 2: 98.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 158 ـ 159.
- ↑ المحصول الرازي 1: 510 ـ 511.
- ↑ المصدر السابق: 511، إرشاد الفحول 1: 172.
- ↑ البحر المحيط 4: 184.
- ↑ الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 2.
- ↑ المستصفى 2: 98.
- ↑ البحر المحيط 4: 184.
- ↑ الموافقات 3: 315.
- ↑ معارج الأصول: 121.
- ↑ سنن الترمذي 3: 274 كتاب الحجّ باب 102 ح947، سنن النسائي 5: 226 كتاب مناسك الحجّ باب طواف القارن.
- ↑ سنن الدارقطني 2: 258 كتاب الحجّ باب المواقيت ح99 و130 و263، كنز العمال 5: 160 كتاب الحجّ باب القران ح12461.
- ↑ إرشاد الفحول 1: 177.
- ↑ الإحكام 1 ـ 2: 163 ـ 167.
- ↑ البحر المحيط 4: 196.
- ↑ إرشاد الفحول 1: 178 ـ 182.
- ↑ هذا ما ورد عن السيّد المرتضى في الذريعة 2: 594، لكنَّ الوارد عن طرق الشيعة التقييد بالثالثة أو دون تقييد، بل مجرّد المعاودة، أنظر: الكافي 7: 218 كتاب الحدود، باب أنّ شارب الخمر يقتل في الثالثة، أحاديث الباب.
- ↑ الذريعة 2: 594.
- ↑ العدَّة في أصول الفقه الطوسي 2: 589.
- ↑ المعتمد 1: 360.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 165.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ العدّة في أصول الفقه 2: 589.
- ↑ اللمع: 146.
- ↑ المحصول 1: 517.
- ↑ الإحكام 1 ـ 2: 165.
- ↑ انظر: أفعال الرسول 2: 203.
- ↑ البحر المحيط 4: 198.
- ↑ الذريعة 2: 595.
- ↑ قواطع الأدلّة 2: 195.
- ↑ معارج الأُصول: 121.
- ↑ المصدر السابق ، الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 274 ، نهاية السول 3 : 46 .
- ↑ الإبهاج في شرح المنهاج 2: 274، نهاية السول 3: 46.
- ↑ أفعال الرسول 2: 204.
- ↑ التبصرة: 249، اللمع: 146.
- ↑ التبصرة: 250.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 166.
- ↑ التبصرة: 250.
- ↑ المعتمد 1: 359، معارج الأصول: 121.
- ↑ المحصول: 111.
- ↑ البحر المحيط 4: 192، إرشاد الفحول 1: 176.
- ↑ البحر المحيط 4: 192.
- ↑ المنخول: 227.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ العدّة في أصول الفقه 2: 588.
- ↑ الذريعة 2: 593 ـ 594.
- ↑ البحر المحيط 4: 192.
- ↑ الذريعة 2: 593 ـ 594.
- ↑ أنظر: الأصول العامة للفقه المقارن: 141 ـ 184، الرافد: 79.
- ↑ المستصفى 1: 250، الإحكام الآمدي 1ـ2: 327، و3ـ4: 385، الأصول العامَّة للفقه المقارن: 424.