جامعة المدرسين لحوزة قم العلمية
جامعة المدرسين لحوزة قم العلمية - والمختصرة بـ "جماعة المدرسين" - هذه الجامعة المباركة تأسست في عام 1337 هـ.ش (1958م) على يد مجموعة من علماء ومدرسي الحوزة العلمية بقم، وتشكلت هذه المجموعة تحت قيادة حسين علي المنتظري وبمشاركة آذري القمي، ورباني شيرازي، والهاشمي الرفسنجاني، وتركزت الأنشطة الأولية للجماعة على النضال ضد نظام البهلوي. لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية، أدى هذا التجمع دوراً فاعلاً في تأسيس وترسيخ الحكومة الإسلامية.
التشكيل والأنشطة
مرّت هذه المجموعة المباركة بمراحل:
المرحلة الأولى: منذ التأسيس حتى نفي الإمام الخميني
أسس جماعة المدرسين مجموعة من علماء ومدرسي الحوزة العلمية بقم الكبار في عام 1337 هـ.ش (1958م)، وقد عملت منذ البداية بشكل سري وكانت تجمعاً سرياً تماماً، وفي عام 1342 هـ.ش (1963م)، عندما بدأت النضالات الإسلامية للأمة المسلمة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني وبمشاركة العلماء وطلبة العلوم الدينية وسائر فئات الشعب، استجابت جماعة المدرسين - وهي تجمع حوزوي - لدعوة الإمام الخميني واستخدمت كل طاقاتها في تأييد واستمرار النضالات، وعملت جماعة المدرسين جنباً إلى جنب مع سائر الفئات، في طباعة واستنساخ وتوزيع وإرسال بيانات الإمام الخميني والعلماء الآخرين إلى المدن، وإيفاد الطلبة إلى مراكز مختلفة لإلقاء الخطب في المجامع العامة، وإصدار بيانات تؤيد الإمام الخميني، وبشكل عام القيام بأي عمل يساعد النضالات في ذلك الوقت، ووفي انتفاضة 15 خرداد عام 1342 هـ.ش (1963م)، عندما اعتقل الإمام الخميني من قبل نظام البهلوي وأُرسل إلى طهران وسجن في ثكنة عسكرية، لجماعة المدرسين دور مهم في تحفيز الشعب على الانتفاضة. ولمنع قرار نظام البهلوي القاضي بمحاكمة الإمام الخميني وبالتالي إعدامه في محكمة عسكرية، قدم كبار وعلماء بارزون مثل آية الله السيد محمد هادي الحسيني الميلاني وآية الله روح الله كمالوند من قم ومدن أخرى إلى طهران وبدأوا بالنشاط؛ كان لجماعة المدرسين حصة كبيرة في هذه الحركة، حيث شارك بعض أعضائها أيضاً في الجلسات التي عقدها العلماء لدعم الإمام الخميني، وأدوا دوراً مهماً في توجيه هذه الجلسات وإنجاحها، وفي نفس الوقت، وبجهود بعض أعضاء جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، أكد عدة أشخاص من الفقهاء والمراجع الكبار في بيان لهم مرجعية الإمام الخميني؛ وبسبب هذه الانتفاضة الشعبية العامة وجهود العلماء والمراجع، لم يتمكن نظام البهلوي من تنفيذ قراره، وأخيراً في 17 فروردين عام 1343 هـ.ش (1964م)، أُجبر على إطلاق سراح الإمام خلافاً لرغبته وإعادته إلى قم.
وبعد الإفراج عنه ودخوله قم، واصل الإمام الخميني قيادة النضالات، واستمرت جماعة المدرسين أيضاً، جنباً إلى جنب مع الآخرين بل في طليعتهم، في مواصلة أنشطتها، حتى ألقى الإمام خطاباً حاداً في الرابع من آبان من نفس السنة (1964م) هاجم فيه قرار "الكابيتولاسيون" (الامتيازات القضائية للأمريكيين) وأصدر بياناً أدانه. ونتيجة لذلك، أعيد اعتقاله في 13 آبان وأُرسل إلى طهران، ونُفي هذه المرة إلى تركيا، ثم نُقل بعد فترة إلى العراق، ثم إلى فرنسا.
المرحلة الثانية: منذ نفي الإمام الخميني حتى انتصار الثورة
حُرِمت الأمة الإيرانية البطلة والمجاهدة، بعد نفي الإمام الخميني، من قيادته المباشرة، وحقق نظام البهلوي هدفه من هذا النفي، لأنه أراد أن يُنسى الإمام تدريجياً وأن يُتعب ويُيأس الشعب من نضالاته، وفي هذا الوقت اشتدت مهمة جماعة المدرسين لأنها كانت مطالبة بإبقاء الشعب في ساحة النضال وفي نفس الوقت الاستفادة من حادثة نفي الإمام للتوعية ضد نظام البهلوي. وفي منتصف عام 1344 هـ.ش (1965م)، مع نقل الإمام الخميني من تركيا إلى النجف واعتقال مجموعة من المدرسين في بداية عام 1345 هـ.ش (1966م)، وكذلك في ظروف تمكن فيها نظام البهلوي - مع زيادة القمع والكبت - من تحقيق هيمنة نسبية، تراجعت الأنشطة التنظيمية لجماعة المدرسين لكن مع ذلك كان للأعضاء نشاط ملحوظ في صميم النضال.
أبعاد أعضاء جامعة المدرسين بعد نفي الإمام الخميني
وقام أعضاء جماعة المدرسين، جنباً إلى جنب مع بقية العلماء وطلبة العلوم الدينية والأكاديميين وسائر الفئات المجاهدة، في غياب الإمام الخميني، بنشاط في بعدين: الأول هو الترويج وتوسيع نطاق مرجعية الإمام الخميني وإبقاء اسمه حياً، والثاني فضح المظالم والاضطهادات التي كان يرتكبها نظام البهلوي؛ وكانت جماعة المدرسين نشطة تماماً في أداء هذه المسؤولية الخطيرة، وكانوا على اتصال بالإمام الخميني عبر البرقيات والرسائل والهاتف أو عن طريق الأشخاص، للاستفادة من توجيهاته في قيادة النضالات. وبعد وفاة آية الله السيد محسن الحكيم في خرداد عام 1349 هـ.ش (1970م) والذي تولى زعامة الشيعة بعد آية الله البروجردي لمدة تسع سنوات، كان نظام الشاه يسعى إلى عدم طرح مرجعية الإمام. في هذه الأثناء قامت جماعة المدرسين بإجراءات مهمة للترويج لمرجعية الإمام الخميني، منها على سبيل المثال إعداد بيان حول أعلمية الإمام الخميني موقَّع من اثني عشر عالماً وفقيهًا، والذي تحقق بهمة وجهد جماعة المدرسين وتوقيع عدد من أعضائها، وقد أدى ذلك بالطبع إلى اعتقال ونفي حوالي 25 عضواً من جماعة المدرسين.
في آبان عام 1356 هـ.ش (1977م)، توفي السيد مصطفى الخميني بطريقة مريبة، وبعد ذلك في 19 دي (يناير 1978م)، مع انتفاضة شعب قم، بدأ فصل جديد في التحولات السياسية الإيرانية. على الرغم من أنه في ذلك الوقت كان بعض أعضاء جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم في السجن وكان آخرون قد نُفوا خلال الأحداث التي وقعت، إلا أن تجمع جماعة المدرسين أصبح أكثر نشاطاً واستمرت الجلسات بنفس الحاضرين ولكن بتنظيم وتماسك أفضل. أدى اتصال أعضاء جماعة المدرسين بمجاهدي مدنهم التابعة لهم وبعض المدن الأخرى، إلى ظهور شبكة نضالية واسعة محورها تيار جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم.
المرحلة الثالثة: بعد انتصار الثورة
في الثاني عشر من بهمن عام 1357 هـ.ش (1 فبراير 1979م)، في ذروة النضالات، عاد الإمام الخميني إلى إيران، ونتيجة لقيادة الإمام ونضالات الشعب الإيراني، سقط النظام الشاهنشاهي أخيراً في اليوم الثاني والعشرين من نفس الشهر (11 فبراير 1979م)، وانتصرت الثورة الإسلامية. في هذا الوقت تغيرت مسؤولية جماعة المدرسين وتحولت من شكل النضال ضد نظام البهلوي إلى شكل المشاركة في تأسيس وترسيخ الحكومة الإسلامية.