طوفان الأقصى
عملية طوفان الأقصی، العملية التي أدّت إلی قتل أكثر من ألف إسرائيلي وجرح ما يقارب من ثلاثة آلاف منهم. أسرت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، بحسب إحصائيات المصادر الإسرائيلية، نحو 150 مواطناً وجندياً إسرائيلياً. وإحدى النقاط اللافتة للنظر في هذه العملية هي المفاجأة الکبيرة للنظام الإسرائيلي في منتصف هذه العملية التي تعتبر إنتصاراً كبيراً للمقاومة الفلسطينية، خاصة في ظل الهيمنة والمراقبة الجوية المستمرة لقطاع غزة من قبل أجهزة المخابرات والتجسس الإسرائيلية، فضلاً عن وجود جواسيس هذا النظام في المنطقة المذكورة.
عملية طوفان الأقصی
تمضي فلسطين وعلی الأخص غزّة بأيّام وليال حسّاسه. وتلقّت الصهاينة ضربات خلال هذه الأيّام القليلة لم يسبق لها مثيل في تاريخ إسرائيل المزيف. لأنّ حماس بهجمة تاريخية وغير مسبوقة، سبّبت بإنقلاب جميع المعادلات الأمنية للکيان الصهيوني، وإدراك قادة النظام من مفاهيم کـ«الأمن» و«السيطرة» و«الردع». والآن بعد أن وصل الصهاينة إلى أعماق الرعب والموت والحرب وعدم الأمنيّة، ينبغي أن نسألهم: هل يمكنكم أن تتخيّلو إنّ الأمر الذي لا يطاق بالنسبة لكم خلال 24 ساعة، هو الذي ما فرضتموه على الشعب الفلسطيني على مدى فترة طويلة جداً؟ نتناول في هذا المقال مدى أهمية الأبعاد النفسية والأمنية لطوفان الأقصى من وجهة نظر الإسرائيليين وإدراکهم للأمن وإنعدام الأمن.
مجالات طوفان الأقصی
- المجال الأوّل: تعد الحكومة الحالية للكيان الصهيوني هي الأكثر تطرفا وتشدداً طوال الفترة الوجودية لهذا النظام، والتي تدّعي أنها ستحدّد مصير العديد من القضايا التي عجزت الوزارات السابقة عن حسمها فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين. وتابعت هذه الحكومة برامج التهويد وتهجير الفلسطينيين والعدوان العسكري، بكافة أشكاله وأشد الحلول العنصرية ضد الفلسطينيين.
- المجال الثاني: استمرار حصار غزة كأطول وأكبر سجن في التاريخ، ومحاولة خلق معادلة السلام تجاه الاقتصاد، وعدم الإعتراف بحركة حماس.
- المجال الثالث: إزدياد عدد المعتقلين والأسرى الفلسطينيين الشّديد، وتطبيق القوانين العنصرية وقمعها من خلال «إيتمار بن جوير» الوزير اليهود المتطرفین، حتى وصل عدد المعتقلين الإدارييّن، وهو أسوأ أنواع الحبس غير القانوني، إلى أكثر من 1200 شخص.
- المجال الرابع: تردّد الأنباء حول سير مفاوضات تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني بوساطة الولايات المتحدة، ومحاولة تجاهلها لأهداف فلسطين السامية بشكل كامل.
- المجال الخامس: الحصول على معلومات أظهرت بأنّ الجيش الإسرائيلي يسعى لتنفيذ هجوم واسع النطاق على قطاع غزة بعد انتهاء مراسم العيد في الأراضي المحتلة.
أهم إنجازات المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى
كان هجوم حماس على إسرائيل بمثابة الهروب من السجن، وكان له العديد من الإنجازات، ومنها ما يلي:
- خلق ثورة لمن خابت آماله في غزة وخاب ظنّه بانتصار المقاومة في فلسطين.
- إعطاء إجابة واضحة للحكومة الإسرائيلية المتطرفة برئاسة نتنياهو.
- فشل مشروع تطبيع العلاقات مع إسرائيل من قبل السعودية... .
- الرد على الإعتداءات الإسرائيلية المستمرة على المسجد الأقصى والمجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون في الضفة الغربية في ظل صمت الدول العربية والغربية.
- تحميل أضرار لا يمكن إصلاحها للاقتصاد وضربة لا يمكن تعديلها للكيان الصهيوني.
- إنهيار نظرية الرّدع والمناعة الإسرائيلية.
- الفشل الكبير جدًا لجميع القضايا الأمنية والإستخباراتية لإسرائيل.
- تقديم حماس باعتبارها الصوت الشرعي والوطني للفلسطينيين.
- زيادة الإعتبار لحماس وجذب دعم المؤيدين الفلسطينيين نحوها.
- فضح السياسات الغادرة للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس.
- إظهار الإجحاف الإسرائيلي المتزايد للفلسطينيين ووضع خطّة التطهير العنصري.
- فشل سياسات الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية الكبرى.
- تعطيل الخطّة الأمريكية لصفقة القرن وإتفاقية "إبراهيم" (الإتفاقيات بين العرب والكيان الصهيوني).
- التحضير لضغط الدول الإسلامية على الدول العربية المرتبطة بإسرائيل مثل: مصر والأردن و... .
- تمهيد الطريق لتبادل الأسرى لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية (الحصول على ورقة رابحة لتبادل الأسرى).
- إنتقام حماس من العنف الذي يمارسه الصهاينة ضد المدنيين الفلسطينيين.
- الإخلال بالسلام الأمريكي المزعوم.
النظام الصهيوني الفضفاض
ولفترة حتی قبل أيّام قليلة قد مضت، کان يتخيّل للصهاينة بأنّهم يمتلكون قوة لا مثيل لها وجيشا لا ینهزم. لو یتمکن عرض مشاهد من المستوطنات التي تتعرض لهجوم حماس عبر فلم سينمائي، لضحك الكثير من المشاهدين بالتأكيد، ولاتهموا المخرج وكاتب السيناريو بتصميم وتنفيذ سيناريو خيالي وطموح ومروع. ولقال الکثير منهم دون شك: «من المستحيل أن تهجم حماس من الجو والبحر والأرض، مع وجود كل هؤلاء الحراس الأمنيّين. والذروة النهائيّة لتلك المجموعة هي الهجوم الإنتحاري ولا أيّ شيء آخر». ولکن الآن قد بطلت هذه الخيالات الوهمية بتمامها، وبیّنت الشواهد الموجودة في الواقع مدی ضعف إسرائيل، وهشاشتها وجوفاءها ضد إرادة مقاتلي حماس. لأنّه قتل ألف صهيوني، وقد ركزت جميع وسائل الإعلام العالمية على حقيقة أن الجيش والمؤسسة الأمنية للنظام الصهيوني في إسرائيل قد تعرّضوا لأسوأ هزيمة ممكنة وتمّ أخذهم على حين غرّة.
ولن يعود النظام کما في السابق
قال قائد الثورة الإسلامية يوم 24 من ربيع الأوّل ردّاً على أحداث 21 ربيع الأوّل في فلسطين المحتلة: وفي هذه الأحداث الأخيرة التي بدت من 21 من ربيع الأوّل وحتی الآن، عانى النظام الصهيوني الغاصب من فشل لا يمكن إصلاحه عسكرياً ولا إعلامياً؛ قد أشار الجميع إلی الفشل، ولکن تركيزي أنا على «عدم الإمکانية لإصلاحه». وبرأيی إنّ هذا الزلزال المدمّر تمكّن علی تدمير بعض الهياكل الأساسية لحكومة النظام الغاصب، والتي لا يمكن إعادة بنائها بسهولة. ومن الغير المرجّح أن يتمكّن الکيان الصهيوني الغاصب من استعادة تلك الهياكل، بكل الضجيج الذي يقوم به، وبكلّ الدعوم التي يتلقاها من الغربيين في العالم اليوم.
وأودّ أن أقول إنّه منذ يوم السبت 21 من ربيع الأوّل، لم يعد الکيان الصهيوني کما کان في السابق، ولا يمكن تعويض الضربة التي تلقّاها بسهولة. وقد أثبتت التجربة أنه ليس من السهل تحليل الهندسة العقلية لقائد الثورة حول هکذا أحداث. والمثال علی ذلك حرب الثلاثة والثلاثين يوماً، عندما وعدنا بالنصر في وقت كان فيه إنتصار حزب الله على آلة الحرب التابعة للنظام أمراً لا يمكن تصوّره. الوعدة التي لم يستطع تصوّرها حتى اللواء قاسم السليماني، بصفته القائد الإيراني الحاضر في معركة حزب الله والجيش الصهيوني.
عملية طوفان الأقصى حادثة نفسيّة أمنيّة جديدة
ومن أهم الأبعاد والجوانب خلال هجوم حماس الأخير على الصهاينة، هو توفير فرصة تاريخية ونفسية جديدة، لإدراك الحقائق المتعلقة بحياة الفلسطينيين. وأنزل الجيش الصهيوني على مدى عدة عقود، كوارث عظيمة على الشعب الفلسطيني، التي من السهل فهمها اليوم بعد عملية طوفان الأقصی التاريخية.
فالفلسطينيون لم يعذّبوا الصهاينة، ولم يغلّقوا أبواب الأطعمة والبضائع نحوهم. وقاتلوا وحدهم قتالاً غير متكافئ على الإطلاق من حيث الإمكانيات المالية والعسكرية، وكان سلاحهم الرئيسي في هذه المعركة التاريخية هو سلاح الإرادة والإيمان. لكن إسرائيل استخدمت كافة أنواع الأدوات والجرائم، ليس فقط ضد المسلّحين، بل أيضاً ضد الشعب الفلسطيني، وأدارت حرباً لا حدود لها أخلاقياً ولا إنسانياً. ومع ذلك، فإن الصهاينة أنفسهم لم يفهموا هذا الوضع الصعب للشعب الفلسطيني فحسب؛ بل احتلّوا أراضيهم بكل سهولة واستمروا في بناء المنازل على أراضي الآخرين. والفلسطينيون، لم يواجهوا لعدة عقود مدیدة سوی التهجير والفقر والحصار والجوع والقمع والعنف والقتل والتعذيب. علی عکس الصهاينة الذين جمّعوا الثروات خلال تلك العقود واستمرّوا بدعمهم لجرائم الجيش والموساد. لكن الوضع الآن ليس کالسابق بالنسبة لهم.
والآن يستطيع الصهاينة أيضًا أن يفهموا ما معنی الهجوم، وما هي المأساة الكبرى التي قد تكون فقدان أفراد من العائلة. وأيضاً يمكنهم أن يفهموا أن الشعب الأعزل في ظل أصعب الظروف کیف سيعاني من المصاعب والمعاناة.
وبالطبع، كل هذا يأتي في وضع لا يستطيع فيه الصهاينة، على عكس الفلسطينيين، أن يفهموا مدى صعوبة المحنة المتمثّلة في إحتلال الوطن من قبل «الآخرين». وما أدرکه الصهاينة خلال هذه الأيام القليلة، كان شعوراً عميقاً بـ «إنعدام الأمن». هو الشعور الذي طال أمده لدى الشعب الفلسطيني المظلوم، والذي طالما شعر به بسبب إستعراض القوّة وجرائم الجيش الصهيوني.
وبالرغم من أن شعب إسرائيل أدرك في هذه الأيام، إنعدام الأمن والخوف حتى النخاع؛ لكن الکيان الصهيوني يستخدم الآن تكتيك العقوبات القديمة لترهيب وتخويف الفلسطينيين وهو تکتيك المقاطعة. تُعرف غزة منذ زمن طويل بأنـها أكبر سجن مفتوح في العالم، والإلحصار والحظر المفروض على المياه والكهرباء والغذاء ضد شعبها، ليس حدثاً غريباً وغير متوقع بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين المضطهدين.