فاطمة الزهراء: بنت رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم، تكنى أُمَّ أبيها، وتلقّب بالزهراء، وبالبتول، وبالصدّيقة الكبرى، وأُمّها خديجة بنت خويلد. [١]

فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (5بعد المبعث ــ 11ق)

ولدت بمكة المكرمة بعد مبعث النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بخمس سنين وهو المشهور بين علماء الشيعة وقيل بسنتين، وقيل بسنة واحدة، وأكثر علماء أهل السنة تروي أنّها ولدت قبل البعثة بخمس سنين. لكن أهل البيت أدرى بما فيه.
وكانت ولادتها في يوم الجمعة في العشرين من جمادى الآخرة. نشأت في بيت النبوة، ونعمت بعطف وحنان والديها الكريمين ورضعت حب الإِيمان، ومكارم الأخلاق، ولم تلبث وهي صغيرة أن فقدت أُمّها وعمّ أبيها المحامي أبا طالب في عام واحد، فانصرفت ترعى أباها، وتتولى خدمته، وتشاركه همومه في حمل الرسالة، وتميط عنه الأذى الذي يلحقه من سفهاء قريش، ولفرط حنانها عليه وحبِّها له كناها: (أُمّ أبيها).
وكانت هي إحدى الفواطم التي هاجر بهن عليّ (عليه السّلام) من مكة إلى المدينة بعد هجرة رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم إليها، وتقدّم لخطبتها عدّة من الرجال فردّهم رسول اللَّه ردّا جميلًا، قائلًا لهم: انتظر بها القضاء[٢] ثم زوّجها من عليّ - عليه السّلام، وذلك في شهر رجب من السنة الثانية للهجرة. قالت الدكتورة بنت الشاطي: لقد آثر اللَّه الزهراء بالنعمة الكبرى، فحصر في ولدها ذرية نبيّه المصطفى، وحفظ بها أشرف سلالة عرفتها البشرية منذ كانت، كما كرّم اللَّه علياً فجعل من صلبه نسل خاتم الأنبياء، فكان له من هذا الشرف مجد الدهر وعزة الأبد.[٣]

فضائل فاطمة الزهراء

وقد ورد في فضل فاطمة « عليها السّلام »، أحاديث كثيرة تعرب عن عظيم منزلتها، وسموّ مقامها، منها: عن المسور بن مخرمة أنّ رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال: فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني[٤]
وعن حذيفة بن اليمان أنّه سمع النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يقول: هذا ملك لم ينزل قبل هذه الليلة استأذن ربَّه أن يسلِّم عليَّ، ويبشّرني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة [٥]
وعن عائشة أنّ النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال وهو في مرضه الذي توفي فيه: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الامّة، وسيدة نساء المؤمنين[٦]
وعن أبي هريرة، قال: نظر النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم[٧]
وقد مرّ في ترجمة الإمام علی - عليه السّلام أنّها « عليها السّلام » من أهل البيت الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وأنّها أحد من أخرجهم النبي ( صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ) ليباهل بهم نصارى نجران.
وكانت الزهراء « عليها السّلام » من أحبّ الناس إلى رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم. وكان يقوم لها إن دخلت عليه ويهشّ لها ويرحِّب بها، وكان إذا أراد السَّفر كان آخر عهده بفاطمة، وإذا رجع كان أوّل عهده بها.
روي عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه، قال: كان أحب النساء إلى رسول اللَّه فاطمة ومن الرجال عليّ.[٨]
وعن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول اللَّه ( صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ) من فاطمة، وكان إذا دخلت عليه قام إليها فقبّلها، ورحّب بها، وكذلك كانت هي تصنع به.[٩]

الراوية والمروي عنها

روت الزهراء عن أبيها رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم.
روى عنها: ابناها: الحسن والحسين « عليهما السلام »، و أم سلمة، و عائشة، وسلمى أُمّ رافع زوج أبي رافع، و أنس بن مالك، وآخرون.
وقد عُرفت بصدق لهجتها، وعبادتها، وورعها، وحفظها للسرّ، لم تحفل بزخارف الدنيا ومظاهرها، صابرة عند البلاء، شاكرة عند الرخاء.
قال الكاتب الكبير عباس العقاد: إنّ في كل دين صورة للأنوثة المقدسة يتخشع بتقديسها المؤمنون، كأنّما هي آية اللَّه من ذكر وأُنثى، فإذا تقدّست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام لا جرم أن تتقدّس صورة فاطمة البتول.[١٠]
وكانت الزهراء فصيحة، بليغة، عالمة بـ الکتاب و السنة، وكانت النسوة يقبلن على بيتها، فتفيض عليهن من علمها.
روي أنّ امرأة جاءت تسأل فاطمة مسائل فأجابتها فاطمة عن سؤالها الاوّل، وظلت المرأة تسألها حتى بلغت أسئلتها العشرة، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا ابنة رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم. فقالت فاطمة: هاتي وسلي عما بدا لك، إنّي سمعت أبي يقول: إنّ علماء أُمّتنا يحشرون فيُخلع عليهم من الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدِّهم في إرشاد عباد اللَّه[١١]

فاطمة الزهراء ووفاة أبيها

ولما توفي رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - حزنت الزهراء « عليها السّلام » حزناً شديداً، ولم تزل باكية العين محترقة القلب حتى توفيت « عليها السّلام ».
وكانت قد وقفت بعد وفاة رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم موقفاً حازماً من الخلافة، ومن إرثها وحقّها في فدك، وخطبت في المسجد في جمع من المهاجرين والأنصار، وتحدثت عن فضائل علي - عليه السّلام، ومواقفه الخالدة في الإسلام، ونعت عليهم إسناد الامر إلى غيره.
وجرت بعد ذلك خطوب، ذكرها المؤرخون في كتبهم، عانت بسببها الزهراء « عليها السّلام » أشد معاناة، ولزمت الفراش.

وفاة فاطمة الزهراء

ولما أحست بدنو أجلها استدعت أمير المؤمنين فأوصته أن يواري جثمانها في غسق الليل، وأن لا يحضر جنازتها أحد من الذين ظلموها.
وقد اختلف في مدة بقائها بعد رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فقيل: ثلاثة أشهر، وقيل خمسة وسبعون يوماً، وقيل غير ذلك.
قال البخاري: دفنها زوجها علي ليلًا، ولم يؤذن أبا بكر، وصلَّى عليها، ووقف علي - عليه السّلام على قبرها، وقال: السلام عليك يا رسول اللَّه عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللَّحاق بك، قلّ يا رسول اللَّه عن صفيّتك صبري، ورقّ عنها تجلَّدي، ألا وإنّ في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، إنّا لله وإنا إليه راجعون، لقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهّد، إلى أن يختار لي اللَّه دارك التي أنت فيها مقيم.

المصادر

  1. الطبقات الكبرى لابن سعد 8 - 19 ، رجال البرقي 61 ، صحيح مسلم 4 11906 - 11902 ( كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة ( عليها السّلام ) ) ، تاريخ الخلفاء الراشدين لابن قتيبة 1 - 12 ، المعارف 84 ، سنن الترمذي 5 - 663 برقم 3787 و 698 701 ، الكافي 1 - 458 ) باب مولد الزهراء ( عليها السّلام ) ) ، الارشاد 187 ، المستدرك للحاكم 3 164 - 146 ، حلية الأولياء 2 - 39 ، مسند أحمد 6 - 282 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 147 ، المناقب للخوارزمي 3 - 341 ، تهذيب الكمال 35 - 247 برقم 7899 ، أُسد الغابة في معرفة الصحابة 5 - 519 ، تذكرة الخواص لسبط بن الحوزي 275 ، كشف الغمة في معرفة الأَئمّة 2 - 74 ، تاريخ الإسلام ( عهد الخلفاء الراشدين ( 43 ، سير أعلام النبلاء 2 - 118 برقم 18 ، تهذيب التهذيب 12 - 440 ، الإصابة في معرفة الصحابة 4 - 365 ، كنز العمال 13 687 - 674 ، بحار الأنوار الجزء 43 ، عوالم العلوم للبحراني جزء ( فاطمة الزهراء « عليها السّلام » ) ، أعيان الشيعة 1 - 306 ، ينابيع المودة 1 ، 205 ، 309 - 299 ، موسوعة حياة الصحابيات 620 ، ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى 47 ، سيرة الأَئمّة الاثني عشر 1 - 69 .
  2. روى ابن سعد أنّ أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - فقال : يا أبا بكر انتظر بها القضاء ثم إنّ أبا بكر قال لعمر : اخطب فاطمة إلى النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - . فخطبها فقال له مثل ما قال لَابي بكر : انتظر بها القضاء . الطبقات الكبرى : 8 - 19 .
  3. سيرة الأَئمّة الاثني عشر : 1 - 97 نقلًا عن تراجم سيدات بيت النبوة لبنت الشاطي .
  4. البخاري : 5 - 21 باب مناقب قرابة رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - ومنقبة فاطمة « عليها السّلام » .
  5. مسند أحمد : 5 - 391 ، والمستدرك على الصحيحين : 3 - 151 وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وسير أعلام النبلاء : 3 - 252 .
  6. المستدرك على الصحيحين : 3 - 156 صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .
  7. مسند أحمد : 2 - 442 ، المستدرك على الصحيحين : 3 - 149 وحسّنه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وتاريخ بغداد : 7 - 137 ، وسير أعلام النبلاء : 3 258 - 257 .
  8. المستدرك على الصحيحين : 3 - 155 وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .
  9. أبو داود ( 5217 ) في الأدب ، والترمذي ( 3871 ) في المناقب ، والمستدرك على الصحيحين : 3 - 154 وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
  10. عن سيرة الأَئمّة الاثني عشر : 1 - 151 .
  11. المجالس السنية : 2 - 95 المجلس الرابع عشر .