الربا

من ویکي‌وحدت

الربا: وهو الزيادة علی رأس المال لکن خص في الشرع بالزيادة علی وجه دون وجه، وباعتبار الزيادة قال تعالی: «وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عندالله»، و نبّه بقوله: «يمحق الله الربا ويربي الصدقات» أنّ الزيادة المعقولة المعبّر عنها بالبرکة مرتفعة عن الربا. ثم لا يخفی أن الربا ثابت في المکيل والموزون بالنص وقيل ثابت بالعلة فاختلفوا في علته. وسنذكر هذه المباحث وشيئاً من شروطه وأحكامه تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.

تعريف الربا

وأما الربا فيثبت في كل مكيل وموزون، سواء كان مطعوما أو غير مطعوم، بالنص لا بـ العلة. [١]
واختلف أهل القياس في العلة فقال الشافعي: علة الربا في الدراهم والدنانير أنها أثمان جنس، فالعلة متعدية إلى غيرها. وقال أبو حنيفة: العلة موزون جنس. فالعلة متعدية عنده إلى كل موزن كالحديد والصفر والقطن والإبريسم وغير ذلك. واختلفا في غير الأثمان، فقال الشافعي في القديم: العلة ثلاثة أو صاف: مأكول مكيل أو موزون جنس فعلى هذا كل ما يؤكل مما لا يكال ولا يوزن كالقثاء والبطيخ والرمان والسفرجل والبقول وغير ذلك لا ربا فيه. وقال في الجديد: العلة ذات وصفين: مطعوم جنس. فكل مأكول فيه الربا، سواء كان مما يكال أو يوزن كالحبوب، والأدهان، واللحمان. أو لا يكال ولا يوزن كالقثاء والسفرجل وغير ذلك.
وقال أبو حنيفة: العلة ذات وصفين أيضا: مكيل أو موزون جنس، فكل مكيل فيه الربا سواء أكل أو لم يؤكل. [٢]
لنا بعد إجماع الإمامية أن الأحكام الشرعية لا بد لها من شارع ولا شارع إلا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإذا لم يكن منه نص على حكم، فيجب أن يكون منتفيا فيجب انتفاء الأحكام بالعلة وإثباتها بـ النص وإذا باع ما فيه الربا من المكيل والموزون، مختلف الجنس، بعضه ببعض متماثلا أو متفاضلا، جاز، ويجوز بيع متفق الجنس بعضه ببعض متماثلا لا متفاضلا نقدا وقال الشيخ في الخلاف: ويكره نسيئة فإن تفرقا قبل القبض لم يبطل البيع، وفاقا لأبي حنيفة وخلافا للشافعي فإنه قال: يبطل البيع.
لنا على ما قلناه أن العقد صحيح بلا خلاف، فمن ادعى بطلانه بالتفرق قبل القبض فعليه الدلالة. [٣]
ولا يجوز بيع بعضه ببعض إذا اتفق الجنس أو كان في حكم المتفق كالحنطة والشعير عندنا إلا بشروط ثلاثة زائدة على ما مضى الحلول النافي للنسيئة والتماثل في المقدار والتقابض قبل الافتراق بالأبدان. [٤]
الحنطة والشعير جنس واحد في باب الربا، وبه قال مالك. وعند أبي حنيفة والشافعي: هما جنسان، مختلفان يجوز بيعهما متفاضلا يدا لا نسيئة.
لنا ما روي عن معمر بن عبد الله[٥] أنه بعث غلاما ومعه صاع من قمح، فقال: بعه واشتر به شعيرا، فجاءه بصاع وبعض صاع، فقال: رده فإن النبي صلى الله عليه قال: الطعام بالطعام مثلا بمثل وطعامنا يومئذ الشعير، فثبت أن الطعام يطلق عليهما، فلذلك رده. [٦]
أما التماثل فلا خلاف فيه إلا عن مالك فإنه قال: إذا كان أحد العوضين مصوغا جاز بيعه بأكثر من وزنه وتكون الزيادة قيمة الصيغة والحجة عليه ما روي من قوله ( صلى الله عليه وآله ): لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء ولم يفصل، وأما قول ابن عباس ومن وافقه من الصحابة بجواز التفاضل نقدا فقد انقرض وحصل الإجماع على خلافه. [٧]
فإن اختلف الجنس وكان أحدهما ذهبا والآخر فضة سقط اعتبار التماثل بلا خلاف، وأما اعتبار الحلول والتقابض فهو الأحوط ويصح البيع بدونهما وإن كان مكروها لقوله ( عليه السلام ): فإن اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم، وقد روى أصحابنا أنه إذا اتفق كل واحد من العوضين في الجنس، وأضيف إلى أحدهما ما ليس من جنسه، سقط اعتبار التماثل في المقدار، مثل بيع دينار ودرهم بدينارين وألف درهم وثوب بألفين، يدل على صحته ظاهر القرآن { وأحل الله البيع } [٨] ودلالة الأصل.
واللحمان أجناس مختلفة، فلحم الإبل جنس مفرد عرابها وبخاتيها، ولحم البقر كذلك عرابها وجواميسها، ولحم الغنم صنف واحد ضأنها وماعزها، ولحم البقر الوحشي صنف غير الأهلي، وكذا لحم الغنم الوحشي مثل الظبي وكذلك لأن كل جنس منها منفرد باسم وحكم في الزكاة. [٩]
والسمك كل ما يختص باسم فهو جنس يخالف الجنس الآخر وعلى قول الشافعي الذي يقوله أنها جنس واحد، اختلف قول أصحابه في السمك، فنص الشافعي على أنه من جنس ساير اللحوم، وقال أبو علي الطبري[١٠]: من قال إن اللحمان جنس واحد استثنى الحيتان منها، لأن لها اسما أخص من اللحم وهو السمك، فيكون الحيتان على هذا القول جنسا واحدا وهو اختيار أبي حامد الأسفرايني[١١] في التعليق. [١٢]
ويجوز بيع لحم مطبوخ بعضه ببعض، وبيع الشواء بالمطبوخ وبيع المطبوخ بالمشوي والنيء وعند الشافعي كل ذلك لا يجوز لنا دلالة الأصل و ظاهر الآية. [١٣] بيع اللحم صنف منه بعضه ببعض جائز مثلا بمثل، سواء كان رطبا أو يابسا. وقال أصحاب الشافعي: إذا قلنا أن اللحوم صنف واحد، أو قلنا أصناف، فباع من الصنف الواحد منها بعضه ببعض، إما أن يكون في حال الرطوبة، أو في حال الجفاف، فإن كان في حال الرطوبة، فنص الشافعي على أنه لا يجوز، وإن كان في حال الجفاف، فلا يخلو أن يكون تناهى جفافه أولا، فإن بقيت فيه رطوبة، فلا يجوز بيع بعضه ببعض، وإن تناهى فإن كان منزوع العظم كان جائزا، فإن بيع مع العظم قال الإصطخري يجوز وحكى عن أبي إسحاق: أنه لا يجوز. [١٤]
ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان من جنسه، مثل لحم شاة بشاة، فإن اختلف لم يكن به بأس وفاقا للشافعي إذا كان من جنسه، فإن كان بغير جنسه، فله قولان وخلافا لأبي حنيفة وأبي يوسف، فإنهما قالا: يجوز.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم، دلالة الأصل و ظاهر القرآن وما رواه سعيد بن المسيب أن النبي ( عليه السلام ) نهى عن بيع اللحم بالشاة الحية وروى عبد الله بن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان [١٥] ودليل جوازه إذا بيع بغير جنسه من الحيوان، ظاهر القرآن و دلالة الأصل.
ويجوز بيع الحيوان بالحيوان متماثلا ومتفاضلا نقدا، سواء كان صحيحا أو كسيرا[١٦]، وفاقا للشافعي نقدا وأجاز نسيئة، وقال مالك: إن كانا كسيرين ومما يؤكل لحمه ولا يصلح لشئ غير اللحم، لم يجز لأنه بيع لحم بلحم. لنا عموم الأخبار في جواز بيع الحيوان بعضه ببعض وهو ما روي عن قوله ( عليه السلام ): الحيوان بالحيوان واحد باثنين لا بأس به. [١٧]
الماء لا ربا فيه لأنه ليس بمكيل ولا موزون وللشافعي فيه قولان. [١٨] وكذا المعدودات وفاقا للشافعي في القديم وقال في الجديد: فيها الربا وإذا كانت مطعومة مثل السفرجل والرمان فعلى هذا يجوز بيع جنس منه بغيره متفاضلا مثل رمانة بسفرجلين لأن التفاضل لا تحرم في الجنسين، وإنما تحرم النسيئة والتفرق قبل القبض وهل يجوز بيع بعضه ببعض إذا كانا متساويين ؟ نظر فيه، فإن كان مما ييس ويبقى منفعته يابسا - مثل الخوخ والكمثرى - فإنه لا يجوز بيع الرطب بالرطب حتى ييبس وإن كان مما لا ييبس مثل القثا أو كان رطبا لا يصير تمرا، أو عنبا لا يصير زبيبا، ففيه قولان: أحدهما: لا يجوز بيع بعضه ببعض وهو مذهبه، المشهور والثاني: يجوز. [١٩] ويجوز بيع الطعام بالدقيق إذا كان من جنسه، مثلا بمثل، نقدا لا نسيئة. وقال الشافعي: لا يجوز بيع الدقيق بالحنطة مثلا بمثل، ولا متفاضلا وبه قال أبو حنيفة. لنا أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل وقوله تعالى: { وأحل الله البيع } [٢٠] وهذا بيع. [٢١] ويجوز بيع الحنطة بالسويق، خلافا لهما، لنا ما ذكرناه في المسألة الأولى[٢٢]، ويجوز يبع دقيق الحنطة بدقيق الشعير خلافا له وقال أبو حنيفة يجوز إذا تساويا في اللين والخشونة. [٢٣] وكذا بيع الدقيق بالسويق مثلا بمثل لما قلناه خلافا لهما إلا ما رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة من جوازه. [٢٤]
لا يجوز بيع مكيل بمكيل جزافا، وفاقا لهما بدلالة الأخبار الواردة في النهي عن بيع الغرر، وهذا غرر، وفي النهي عن بيع الصبرة بالصبرة لا يدرى ما كيل هذه من كيل هذه، وعند مالك يجوز بيع الصبرة بالصبرة على البيد ربا لتحري والحرز. [٢٥]
ولا يجوز بيع الرطب بالتمر، فأما بيع العنب بالزبيب، أو ثمرة رطبة بيابسها، فلا نص لأصحابنا فيه، والأصل جوازه، لأن حملها على الرطب قياس، ونحن لا نقول به. وقال الشافعي: إن جميع ذلك لا يجوز وقال أبو حنيفة: يجوز. [٢٦]
لنا ما روي أنه سئل عن سول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص إذا جف فقيل: نعم فقال: فلا إذا. ونهى عن بيع المحاقلة، وهو بيع السنابل التي انعقد حبها واشتد بحب منه أو من غيره، من جنسه[٢٧] وروي أن من جنسه من غير ذلك السنبل يجوز وقال الشافعي: لا يجوز مطلقا. [٢٨]
وعن بيع المزابنة وهو بيع التمر على رؤس النخل بتمر منه أو من غيره، لأن ذلك لا يؤمن فيه من الربا. ورخص في بيع العرايا، جمع عرية، وهي النخلة تكون للإنسان في بستان غيره أو في داره، ويشق دخوله عليها فيبتاعها منه بخرصها تمرا[٢٩] وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: لا يجوز. لنا ما روى سهل بن خيثمة[٣٠] أن النبي ( عليه السلام ) نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرايا أن تباع بخرصها تمرا، يأكلها أهلها رطبا، وهذا نص. [٣١]
والعرية لا تكون إلا في النخل خاصة، فأما الكرم وشجر الفواكه فلا عرية فيها، لأنه لا دليل على ذلك. وقال الشافعي: في العنب عرية قولا واحدا وفي غيرها له قولان. [٣٢] والألبان أجناس مختلفة، فلبن الغنم جنس واحد وإن اختلفت أنواعه، ولبن الغنم الوحشي - وهو الظباء - جنس آخر، وكذا لبن البقر الأهلي، وإن اختلفت أنواعه جنس واحد، ولبن البقر الوحشي جنس آخر وللشافعي قولان. لنا أن الأصول أجناس مختلفة، فوجب في ألبانها مثله. [٣٣]
يجوز بيع اللبن بالزبد متماثلا ولا يجوز متفاضلا وقال الشافعي لا يجوز لنا دلالة الآية والأصل. [٣٤]
وكذلك الخلاف بيننا وبينه في بيع اللبن الحليب بالدوغ - وهو المخيض - مثلا بمثل، وبيع اللبن بالجبن والمصل والأقط، وبيع الزبد بالزبد، وكذا بيع الجبن بالجبن والأقط بالأقط، والمصل بالمصل ويجوز بيع كل واحد منها بالآخر متماثلا بدلالة الآية والأصل، ولا يجوز متفاضلا لأنا قدمنا أن كل مكيل وموزون ففيه الربا إذا كان الجنس واحدا وهذه جنس واحد، وقال الشافعي: لا يجوز بيع بعضه ببعض. [٣٥]
ولا ربا بين العبد وسيده ولا بين المسلم والحربي وفاقا لأبي حنيفة[٣٦] ولا بين الوالد وولده، ولا بين الزوج وزوجته. لنا إجماع الإمامية وبه يخص ظاهر القرآن في تحريم الربا على العموم وإذا اختص تحريمه بجنس دون جنس فما المنكر من تخصيصه بمكلف دون مكلف. [٣٧]

المصادر

  1. الغنية: 224.
  2. الخلاف: 3 / 44 مسألة 64.
  3. الخلاف: 3 / 46 مسألة 65.
  4. الغنية ص 224.
  5. بن نضلة القرشي العدوي أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة، وعاش عمرا طويلا روى عنه سعيد بن المسيب. أسد الغابة: 4 / 460 رقم 5040.
  6. الخلاف: 3 / 47 مسألة 66.
  7. الغنية ص 224.
  8. البقرة: 275.
  9. الغنية 225.
  10. اسمه الحسن بن القاسم، الفقيه الشافعي، أخذ الفقه عن أبي علي ابن أبي هريرة، سكن ببغداد ودرس بها وتوفي سنة ( 305 ). وفيات الأعيان: 2 / 76 رقم 160.
  11. أحمد بن أبي طاهر، الفقيه الشافعي، أخذ عن أبي الحسن بن المرزبان، وأبي القاسم الداركي، ولد سنة ( 344 ) وتوفي ببغداد سنة ( 406 ) ودفن في داره. وفيات الأعيان: 1 / 72 رقم 26.
  12. الخلاف: 3 / 73 مسألة 123.
  13. الخلاف: 3 / 75 مسألة 125.
  14. الخلاف: 3 / 74 مسألة 124.
  15. الخلاف: 3 / 75 مسألة 126.
  16. الغنية 225.
  17. الخلاف: 3 / 48 مسألة 67.
  18. الخلاف: 3 / 49 مسألة 70.
  19. الخلاف: 3 / 50 مسألة 72.
  20. البقرة: 275.
  21. الخلاف: 3 / 51 مسألة 73.
  22. الخلاف: 3 / 53 مسألة 74.
  23. الخلاف: 3 / 53 مسألة 75 وكان في النسخة في الكيل والخشونة.
  24. الخلاف: 3 / 53 مسألة 76.
  25. الخلاف: 3 / 55 مسألة 80.
  26. الخلاف: 3 / 64 مسألة 105.
  27. الغنية 226.
  28. الخلاف: 3 / 93 مسألة 152.
  29. الغنية ص 226.
  30. كذا في النسخة، وفي المصدر: سهل بن أبي حثمة وله ترجمة في أسد الغابة: 2 / 216 رقم 2285 قال: سهل بن أبي حثمة ولد سنة ثلاث من الهجرة وقبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو ابن ثماني سنين وتوفي أول أيام معاوية.
  31. الخلاف: 3 / 95 مسألة 154.
  32. الخلاف: 3 / 97 مسألة 157.
  33. الخلاف: 3 / 58 مسألة 89.
  34. الخلاف: 3 / 59 مسألة 90.
  35. الخلاف: 3 / 59 مسألة 91 - 95.
  36. الهداية في شرح البداية: 3 / 65.
  37. الغنية 226.