الفقه الحنبلي
الفقه الحنفي': العلم المتضمّن للمسائل الفقهية لأحد المذاهب الإسلامية المعروفة (الحنفية)، والأحناف هم أتباع مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفّى سنة 150 ه في بغداد.
مدخل
من أبسط معاني الفقه في اللغة هوَ الفهم، فيُقال: فَقِهَ فُلان، أي: فهم، وأفقه فُلاناً، أي: أفهمه، ويُقال: فقهَ الشيخُ المسألة، أي: عقِلَها وفهمها وعرف المُراد منها. وقد وصفَ الله سُبحانهُ وتعالى تسبيحَ كُلّ شيءٍ له وبأنّنا لا نفهُم هذا التسبيح بقولهِ: (ولكن لا تفقهونَ تسبيحهُم)، أي: لا نفهم هذا التسبيح.
ويقع المعنى الاصطلاحيّ للفقه على نوعين أو يُفسّرُ اصطلاحاً على أمرين، وهُما: أن يُقصد بهِ معرفة الأحكام الشرعية المُتعلّقة بأعمال المُكلّفين وأقوالهم، والمُكتسبة من أدلّتها التفصيليّة.. وهذه الأدلّة التفصيليّة هيَ القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة وما يتعلّق بهما من إجماع واجتهاد.. فهذهِ المعرفة للأحكام الفقهيّة تكون بالفهم الصحيح لمصادر التشريع الرئيسيّة، وهيَ: كلامُ الله تعالى الذي لا يأتيهِ الباطل من بينِ يديهِ ولا من خلفه، وأيضاً سُنّةُ النبيّ مُحمّد (عليهِ الصلاةُ والسلام)، وهيَ: كُلّ ما وردَ عنهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير أو صفة، وكذلك إجماع الأمّة بعُلمائها على حُكمٍ من الأحكام. أمّا المعنى الآخر للفقه فالمقصود بهِ: الأحكام الشرعيّة نفسها، أي: أنَّ أحكامَ الصلاة وأحكامَ الصيام والزكاة والحجّ والبيوع والمُعاملات بشتّى أنواعها هيَ فقه، فكُلّ هذهِ الأحكام وغيرها يُقصد بها أيضاً فقه، ففي الأمر الأوّل أنتَ تعرف الأحكام الشرعيّة وتفهمها، وهذا فقهٌ، والحُكم نفسهُ هوَ أيضاً فقه.
أمّا المذهب فهو: الطريقة والمعتقد الذي يذهب إليه صاحبه، ويبنى منه مراجع الدين. وهو مجموعة من الآراء والنظريات العلمية، ارتبط بعضها ببعض ارتباطاً يجعلها وحدة منسّقة لفكر أو مدرسة. ومنه المذاهب الفقهية، والعقدية، والأدبية، والعلمية، والفلسفية.
الحنابلة أحد المذاهب الإسلامية الشهيرة، وهم أتباع مذهب الإمام أحمد بن محمّد بن حنبل المتوفّى سنة 241 ه، ولم يقيّض لهذا المذهب الانتشار الواسع ؛
لما عرف عن أتباعه من الشدّة والتعصّب على ما قيل !
وأساس الفقه الحنبلي : التوقيف في العبادات، والعفو في المعاملات، وليس للقياس ولا للاستحسان ولا للإجماع مكان في العبادات. ومصدر العلم عندهم : كتاب اللّه، وسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله،
وإجماع أهل العصر (أهل الحلّ والعقد)، وإجماع الصحابة والتابعين، والقياس، والاستصلاح والأخذ بالمرسل، والخبر الضعيف خير من القياس، والاستصحاب في المعاملات،
وسدّ الذرائع والاجتهاد مقرّر عند الحنابلة، والعالِم منهي عن التقليد
أشهر علماء الفقه الحنفي
من أشهر فقهاء المذهب الحنفي: عبدالعزيز بن جعفر (غلام الخلّال) المتوفّى سنة 363 ه، ومحمّد الحسين الفرّاء المتوفّى سنة 458 ه، وعلي بن سليمان المرداوي المتوفّى سنة 885 ه، وأحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفّى سنة 463 ه، وعبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسي المتوفّى سنة 620 ه، ويوسف بن عبدالرحمان الجوزي البغدادي المتوفّى سنة 656 ه، وابن العماد الدمشقي المتوفّى سنة 1089 ه، وابن العزّ المقدسي المتوفّى سنة 846 ه، وإسماعيل بن عبدالكريم الجراعي المتوفّى سنة 1202 ه، وابن رجب البغدادي المتوفّى سنة 495 ه، ومنصور بن يونس البهوتي المتوفّى سنة 1046 ه.
ومن أشهر كتبهم في الفقه وأُصوله : المغني، وعمدة الفقه، والطرق الحكمية، والإنصاف، ومنار السبيل، وكشّاف القناع، ومنتهى الإرادات، ودليل الطالب، والمبدع
أسس وقواعد الفقه الحنفي
اعتمد الفقه الحنفي على الأسس والمعطيات التالية:
1 ـ الكتاب
والکتاب مشترک بين المذاهب.
2 ـ السنَّة
3 ـ الإجماع
4 ـ القياس
5 ـ الاستصحاب
6 ـ الاستحسان
[٥]
وفي مجال الاستحسان وردت عدَّة عبارات عن أحمد بن حنبل تفيد إيمانه بهذا الأصل من قبيل قوله: «أستحسنُ أن يُتيمَّم لكلِّ صلاة...» وقوله في من غصب أرضا فزرعها: «الزرع لربِّ الأرض، وعليه النفقة، وهذا شيء لايوافق القياس ولكن أستحسنُ أن يدفع إليه نفقته»[٦] وموارد اُخرى. [٧]
7 - الاستصلاح والمصالح المرسلة
8 ـ سد الذرائع
[٩]
وقد ورد عن ابن قدامة قوله: «والذرائع معتبرة».[١٠] كما استشهد هذا الفقيه الحنبلي بأصل سدّ الذرائع لإثبات آرائه في موارد كثيرة، من قبيل تحريم الحيل لمناقضتها لسدّ الذرائع ومنع العقود المؤدية إلى أكل الربا؛ بدليل سدّ الذرائع. [١١]
وحدَّد ابن قيّم الجوزية أصول مذهب أحمد بن حنبل بنحو مختلف، وقال باعتماده اصولاً خمسة هي:
1 ـ النصوص من القرآن والسنّة.
2 - فتوى الصحابي إذا لم يكن لها مخالف.
3 ـ اختيار الأقرب إلى الكتاب والسنّة من فتاوى الصحابة عند اختلافها.
4 ـ الأخذ بالحديث المرسل والضعيف إذا لم يكن هناك ما يدفعه.
5 ـ الأخذ بالقياس عند الضرورة وانعدام الأصول الأربعة المتقدِّمة. [١٢]
وحدَّدها بعض آخر بالنحو التالي:
«وأصول الأدلَّة أربعة: الكتاب، و السنّة، و الإجماع، وهي سمعية، ويتفرَّع عنها: القياس، والاستدلال، والرابع: عقلي، وهو استصحاب الحال في النفي الأصلي الدالّ على براءة الذمّة».[١٣]
وبعض آخر حدَّدها بالنحو التالي:
1 ـ القرآن
2 ـ السنة
3 ـ فتاوى الصحابة؛ باعتبارها منقولة عن الرسول(ص).
4 ـ التخيير بين فتاوى الصحابة المختلف فيها واختيار الأقرب إلى الكتاب والسنّة، والجمع بينها عند استحالة الترجيح بينها.
5 ـ الحديث المرسل والضعيف.
6 ـ القياس عند الضرورة وفقدان الحديث المرسل أو الضعيف.
7 ـ الاستصلاح والمصالح المرسلة.
8 ـ سدّ الذرائع.
- ↑ الواضح في أصول الفقه 1: 18 ـ 19 و3: 6 ـ 10، روضة الناظر: 46 ـ 66، المسوّدة: 209 ـ 282، قواعد الأصول: 15 ـ 19.
- ↑ الواضح في أصول الفقه 1: 19 ـ 20 و3: 11 ـ 15 و4 ق2: 248 ـ 301، روضة الناظر: 67 ـ 79، المسوّدة: 282 ـ 299.
- ↑ الواضح في أصول الفقه 2: 94 ـ 102 و3: 20 ـ 66، روضة الناظر: 145 ـ 190، المسوّدة: 327 ـ 400، قواعد الأصول: 32 ـ 40، أعلام الموقعين 1: 130.
- ↑ الواضح في أصول الفقه 1: 21 و3: 190 ـ 200، روضة الناظر: 79 ـ 82، قواعد الأصول: 30 ـ 31، المسوّدة: 434 ـ 436، أعلام الموقعين 1: 339.
- ↑ قواعد الأصول: 31 ـ 32، المسوّدة: 401 ـ 405.
- ↑ المسوّدة: 402.
- ↑ المدوّنة الكبرى 6: 400، مواهب الجليل 3: 460.
- ↑ ابن حنبل أبو زُهرة: 297 ـ 298، ضوابط المصلحة في الشريعة: 378 ـ 381.
- ↑ أعلام الموقعين 3: 135.
- ↑ المغني 4: 257 و5: 598.
- ↑ المصدر السابق: 257، 258، أنظر: سدّ الذرائع: 639 ـ 650.
- ↑ أعلام الموقعين 1: 29 ـ 33.
- ↑ قواعد الأصول : 14 ، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل : 41 ـ 45.