الحوالة
الحوالة
الحوالة تفتقر في صحتها إلى شروط :
منها : رضى المحيل إجماعا ، لأن من عليه الدين مخير في جهات قضائه .
ومنها : رضى المحال بلا خلاف ، إلا من داود[١]، فإنه لا يعتبر رضاه وقال : متى أحاله من عليه الحق على غيره لزمه ذلك. [٢]
لنا أن نقل الحق من ذمة إلى أخرى مع اختلاف الذمم ، تابع لرضى صاحبه ، ولأنه إذا رضي صحت الحوالة بلا خلاف ، وليس على صحتها مع عدم رضاه دليل ، وقول النبي ( عليه السلام ) : إذا أحيل أحدكم على ملئ فليحتل ، محمول على الاستحباب ، لما فيه من قضاء حاجة أخيه وإجابته إلى ما ينبغي .
ومنها : رضا المحال عليه[٣] وفاقا لأبي حنيفة والمزني ، والإصطخري من أصحاب الشافعي كذا في الخلاصة ، و المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يعتبر رضاه. [٤]
لنا أن إثبات الحق في ذمته لغيره - مع اختلاف الغرماء في شدة الاقتضاء وسهولته - تابع لرضاه ، ولأنه لا خلاف في صحتها إذا رضي ، وليس كذلك إذا لم يرض .
ومنها : أن يكون المحال عليه مليا في حال الحوالة ، فإن رضي المحال بعدم ملائته جاز ، لأنه صاحب الحق .
وتصح الحوالة على من ليس عليه دين[٥] إذا قبل خلافا للشافعي فإنه قال لا تصح . لنا أن الأصل جواز ذلك ، والمنع منه يحتاج إلى دليل. [٦]
وإذا كان عليه دين اعتبر شرطان آخران : أحدهما : اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة ، لأن المحال عليه لا يلزمه أن يؤدي خلاف ما هو عليه ، والثاني أن يكون الحق مما يصح أخذ البدل فيه قبل قبضه ، لأن في الحوالة - وهذه حالها - معنى المعاوضة . وإذا صحت الحوالة انتقل الحق إلى ذمة المحال عليه ، بلا خلاف إلا من زفر. لنا أن الحوالة مشتقة من التحويل ، وذلك لا يكون مع بقاء الحق في الذمة الأولى .
ولا يعود الحق إلى ذمة المحيل إذا جحد المحال عليه الحق وحلف عليه ، أو مات مفلسا ، أو أفلس وحجر الحاكم عليه[٧]، وبه قال الشافعي : وهو المروي عن علي ( عليه السلام ) .
وقال أبو حنيفة : له الرجوع عليه بالحق إذا جحد المحال عليه ، أو مات مفلسا .
وقال أبو يوسف ومحمد : يرجع عليه إذا أفلس وحجر عليه الحاكم .
لنا أنه قد ثبت انتقال الحق عن ذمته ، ولا دليل على انتقاله ثانيا إليه ، فمن ادعى ذلك فعليه الدليل ، ولأن الملاءة شرط في الحوالة ، ولو كان له الرجوع عند الإعسار لم يكن لشرط الملاءة تأثير. [٨]
وإذا أحال البايع بالثمن ثم رد المبيع بالعيب عليه ، بطلت الحوالة ، لأنها لحق البايع وهو الثمن وإذا بطل البيع سقط الثمن فبطلت ، فإن أحال البايع على المشتري بالثمن ثم رد المبيع بالعيب ، لم تبطل الحوالة ، لأنه تعلق به حق لغير المتعاقدين. [٩] ولا خلاف في هذه المسألة بيننا وبين الشافعية وأما بين الحنفية فما وجد فيها خلاف أيضا. [١٠]
وإذا اختلفا ، فقال المحيل : وكلتك بلفظ الوكالة ، فقال المحال : بل أحلتني بلفظ الحوالة ، فالقول قول المحيل بلا خلاف ، لأنهما اختلفا في لفظ هو أعرف به من غيره ، ولو كان النزاع بالعكس من ذلك ، كان القول قول المحال ، لأن الأصل بقاء حقه في ذمة المحيل[١١] ولا خلاف فيها أيضا .
وإذا اتفقا على لفظ الإحالة فإن القدر الذي جرى بينهما منه أنه قال : أحلتك بما لي عليه من الحق ، ثم اختلفا ، فقال المحيل : أنت وكيلي في ذلك ، وقال المحال : بل أحلتني لآخذ ذلك لنفسي ، فالقول قول المحيل[١٢]، وبه قال المزني ، وأكثر أصحاب الشافعي . وقال ابن سريج : القول قول المحال .
لنا أنهما قد اتفقا أن الحق كان للمحيل على المحال عليه ، وانتقاله إلى المحتال يحتاج إلى دليل ، لأنه ليس في إحالة المحيل بذلك دليل على أنه أقر له به وأحاله بحق له عليه . وإن شئت قلت : الأصل بقاء حق المحيل على المحال عليه ، وبقاء حق المحتال على المحيل ، والمحتال يدعي زوال ذلك والمحيل ينكره ، فالقول قوله مع يمينه. [١٣]
الحوالة عند الشافعي بيع ، وليس لأصحابنا فيه قول ، والذي يقتضيه المذهب أن نقول : إنه عقد قائم بنفسه ، لأنه لا دلالة على أنه بيع ، وإلحاقه به قياس لا نقول به. [١٤]
إذا أحال لزيد على عمرو بألف ، فقبله صحت الحوالة في ذلك ، لأنه إذا قبله فقد أقر بلزوم ذلك المال في ذمته، فيجب عليه الوفاء به ، ومن قال : لا يصح ، فعليه الدلالة .
وللشافعي فيه وجهان : أحدهما ما قلناه . والثاني لا يجوز ، لأن الحوالة بيع ، والمعدوم لا يجوز بيعه. [١٥]
الهوامش
- ↑ الغنية : 257 .
- ↑ الخلاف : 3 / 305 مسألة 1 .
- ↑ الغنية : 257 .
- ↑ الخلاف 3 / 305 مسألة 1 .
- ↑ الغنية : 257 .
- ↑ الخلاف : 3 / 306 مسألة 3 .
- ↑ الغنية : 258 .
- ↑ الخلاف : 3 / 307 مسألة 5 .
- ↑ الغنية : 258 .
- ↑ الخلاف : 3 / 308 مسألة 7 .
- ↑ الغنية : 258 .
- ↑ الغنية : 259 .
- ↑ الخلاف 3 / 309 مسألة 8 .
- ↑ الخلاف : 3 / 309 مسألة 9 .
- ↑ الخلاف : 3 / 310 مسألة 11 .