أحكام الإعادة

أحکام الإعادة: تطلق الإعادة علی فعل العمل الذي بطل ورجع المکلف علی تکراره، کالصلاة الباطلة، فالإعادة اسم لما فُعِل ثانيا في الوقت بعد ما فعل مرّة على نوع من الخلل. والغرض في هذا المقال اولاً هو البحث عن موارد الإعادة بحسب الأحکام الخمسة وجوباً أو استحباباً أو...، وثانياً بيان الفرق بينها وبين المفاهيم ذات الصلة کـ الأداء و القضاء ونحو ذلک. وثالثاً البحث عن أسباب الإعادة.

تعريف الإعادة لغةً

من العود بمعنى: التثنية والإرجاع، والعودة مرّة واحدة ولهذا قيل: إنّ الفرق بين التكرار والإعادة؛ أنّ التكرار يقع على إعادة الشيء مرّة وعلى إعادته مرّات والإعادة للمرّة الواحدة.

تعريف الإعادة اصطلاحاً

ذكرت للإعادة عدّة تعريفات:
منها: أنّها اسم لمثل ما بطل وفسد من العبادات على وجه البدل منه، ذهب إلى هذا القاضي أبوبكر ونسب إلى البيضاوي.
ويظهر من هذا التعريف تخصيص الإعادة بموارد البطلان فلا تشمل جميع موارد الخلل والنقصان والعذر والتكرار احتياطا واستحبابا.
ومنها: أنّها اسم لما فُعِل ثانيا في الوقت بعد ما فعل مرّة على نوع من الخلل، وذهب إليه الأكثر. وهذا التعريف وإن أدخل جميع موارد الخلل المفسد منها كترك الركن وغير المفسد كترك واجب ليس ركنا في الصلاة، إلاّ أنّه أخرج موارد العذر، كإعادة الصلاة جماعة بعد فعلها انفرادا لتحصيل الفضيلة. إلاّ على قول من يرى الجماعة فرضا فيشمله التعريف.
ومنها: تعريف الأحناف، حيث ذهبوا إلى أنّ الإعادة إتيان مثل الأوّل على صفة الكمال في الوقت أو خارج الوقت لخلل غير الفساد. فلم يقيدوها بالوقت من جهة وحكموا بعدم صدقها مع حصول الخلل المفسد من جهة أخرى.
ومنها: أنّها ما فعل في وقت الأداء ثانيا لخلل في الإجزاء، كمن صلّى بغير ركن، أو في الكمال كصلاة المنفرد. وعبّر البعض عن الثاني بالعذر.
ويذهب إلى مثل هذا التعريف مشهور الإمامية أيضا.
ومنها: فعل العبادة ثانيا مطلقا، سواء كانت لعذر من خلل في فعلها أوّلاً، أو لحصول فضيلة، أو لغير عذر ظاهر.
ومنها: أنّها فعل الشيء مرّة أخرى، وهذا أعمّ التعريفات.

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ الأداء

وهو فعل العبادة في وقتها المعين لها أوّلاً شرعا إذا لم تسبق بأخرى على نحو من الخلل.
وتوجد ثلاثة آراء في تعيين النسبة بين الإعادة والأداء:
الأوّل: أنّ بينهما تباينا وأنّ كلاًّ منهما قسيم للآخر.
الثاني: أنّ بينهما عموما مطلقا، فتكون الإعادة قسما من أقسام الأداء.
الثالث: أنّ بينهما عموما من وجه، بناء على عدم تقييد الإعادة بالوقت.
فينفرد الأداء بالفعل الأوّل وتنفرد الإعادة بما إذا قضى صلاة، ثُمّ أعادها ويجتمعان في الصلاة الثانية في الوقت.
ويلاحظ على الرأي الثالث أنّ من ذهب إلى عدم تقييد الإعادة بالوقت ـ وهم الأحناف ـ ذهب أيضا إلى عدم تقييد الأداء بالوقت، فتكون النسبة في الفرض المذكور هي العموم المطلق لا العموم من وجه.
ويرجع الاختلاف بين الرأيين الأوّل والثاني إلى الاختلاف في تعريف الأداء من تقييده بألاّ يكون مسبوقا بالفعل مرّة على نحو من الخلل وعدمه.

2 ـ قضاء

هو اسم لفعل ما فات وقته المحدود.

3 ـ إجزاء

وهو الأداء الكافي التعبد به، وكما يكون في الأداء يكون في القضاء والإعادة. أو هو ما أسقط الأمر.

4 ـ تكرار

إعادة الشيء والعمل مرّة أو مرّات، وقد جرى الأصوليون فيه على معناه اللغوي.

5 ـ إمتثال

الإتيان بالمأمور به من جهة كونه مكلّفا به أو بداعي الأمر المولوي أو على الوجه الذي أمر به أو لموافقة التكليف المتعلّق به فعلاً.

أقسام الإعادة بحسب الأحکام الخمسة

تنقسم الإعادة بالتعريف الأعم ـ وهو تعريف الحنابلة المتقدّم ـ إلى الأحكام الخمسة كما يلي:
الأوّل: الواجبة كما في موارد البطلان بالإخلال بالأجزاء والشرائط، وكموارد ارتكاب منافيات القربة كالرياء والمنافيات الأخرى كالتكلّم.
الثاني: المستحبّة، كإعادة الصلاة جماعة.
الثالث: المكروهة، كالإعادة المؤدّية إلى الوسواس.
الرابع: المحرمة، كالإعادة المؤدّية إلى محرّم كفوات وقت الصلاة بإعادة الوضوء من الوسواسي.
الخامس: المباحة كالإعادة في التوصليات، مثل: غسل الثوب والبدن والأواني.

حكم الإعادة بسبب إفساد العمل

وقع البحث في أمور:

الأمر الأوّل: أسباب الإعادة

وهي:

أ ـ الخلل المفسد

ذهب الأكثر إلى إيجابه للإعادة. ، وانفرد الأحناف بالقول بعدم صدق الإعادة هنا محتجّين بأنّ الفعل الأوّل الفاسد بحكم المعدوم ويكون الاعتبار للثاني فيكون أداء لا اعادة، وأنّها إن كانت واجبة كأن ترك ركنا في الصلاة مثلاً فهي أداء في الوقت وقضاء خارجه، وإن لم تكن واجبة بأن وقع الفعل الأوّل بما يوجب سجود السهو، فالفعل الثاني جبر للأوّل بناء على أنّ الإتيان بالمأمور به على وجه الكراهة أو الحرمة خارج عن العهدة.
وهناك من حصر سبب الإعادة بالخلل المفسد.

ب ـ الخلل غير المفسد

وذهب إلى تسبيبه للإعادة جلّ الأصوليين عدا الباقلاني والبيضاوي على ما نُسب إليه.

ج ـ العذر (الخلل في الكمال)

كمن صلّى جماعة بعد الصلاة انفرادا. ذهب إلى هذا جماعة، وعليه اتفاق الإماميّة.
وقد يصطلح، عليه لدى الإمامية بتبديل الامتثال.

د ـ العذر غير الظاهر

كمن صلّى جماعة ثانية تساوي الأولى أو تنقص عنها فضيلة. وقد يصطلح عليه لدى بعض الإمامية بالامتثال بعد الامتثال.

هـ ـ موارد العلم الإجمالي

كما في الشكّ بين القصر والتمام، كما لو فاتته فريضة ولايعلم هل هي قصر أو تمام فعليه فعلها مرّتين.

و ـ زوال العذر

كإعادة الصلاة بـ الوضوء لمن يتيمّم لوجود عدوّ يمنعه من الماء وجوبا عند الحنفية، وكإعادة الصلاة من المتيمم إذا وجد الماء في الوقت استحبابا عند الحنابلة، وكمن دخل بالصلاة متيمّما ووجد الماء قبل ركوع الأولى.

الأمر الثاني: سقوط الواجب في فرض الاعادة

هل هو بالفعل الأول أو بالفعل الثاني؟
في موارد الخلل المفسد لا خلاف في أنّ سقوط الواجب إنّما هو بالفعل الثاني؛ لأنّ الأوّل لم يتحقّق به الامتثال، وإنّما الكلام في موارد استحباب الإعادة والخلل غير المفسد.
وهنا أقوال:
الأوّل: القول بإجزاء الفعل الثاني مطلقا سواء نوى الوجوب أو الاستحباب، واستدلّ له بأنّ الفعل الثاني هو الفعل الكامل الخالي من الخلل، وبحديث: «إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصلّ معهم، وإن كنت قد صلّيت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة».
نسب هذا القول إلى الأحناف وغيرهم. الثاني: القول بعدم إجزاء الفعل الثاني مطلقا وإجزاء الفعل الأوّل، واستدلّ له بأنّ الفعل الأوّل قد وقع صحيحا غير باطل، لكن مع شيء من الخلل، وقد شرّعت الإعادة لجبر هذا الخلل.
وبحديث: «إذا صلّيتما في رحالكما، ثُمّ أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنّها لكم نافلة» ونسب هذا القول إلى الشافعي و الحنابلة.
الثالث: يجتزأ بالمعادة حتّى إذا نوى بها الندب.

الأمر الثالث: النية في فرض الإعادة

هل الوجوب أو الندب؟ قولان:
الأوّل: أنّه ينوي الوجوب ذهب إليه الشهيد الأوّل و الشهيد الثاني وابن عابدين.
الثاني: أنّه ينوي الندب لا الوجوب. ذهب إلى هذا ابن إدريس و العلاّمة الحلّي والعاملي والنجفي ونسب إلى المشهور، واستدلوا بخروجه عن العهدة بالصلاة الأولى فلاتكون الثانية واجبة.