الاستصحاب

مراجعة ١١:١٩، ١٦ مارس ٢٠٢١ بواسطة Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''الاستصحاب:''' قاعدة أصوليّة عند المجتهدين تأتي فيما إذا كان لدينا يقين بحالة في زمنٍ سابق...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

الاستصحاب: قاعدة أصوليّة عند المجتهدين تأتي فيما إذا كان لدينا يقين بحالة في زمنٍ سابق وشك بذات الحالة في زمن لاحق، ومقتضى القاعدة هنا الحكم ببقاء الحالة السابقة. و ذلك من قبيل يقيننا بطهارة الإناء سابقا وشكّنا بالطهارة لاحقاً، فنستصحب الحالة المتيقّنة سابقا ونحكم بطهارة الإناء.

تعريف الاستصحاب لغةً

استصحبه: دعاه إلى الصحبة ولازمه، وكلّ ما لازم شيئا فقد استصحبه. [١]. استصحبت الكتاب وغيره: حملته صحبتي، ومن هنا قيل: استصحبت الحال إذا تمسَّكت بما كان ثابتا، كأنَّك جعلت تلك الحالة مصاحبة غير مفارقة. [٢]

تعريف الاستصحاب اصطلاحاً

وردت عدّة تعاريف للاستصحاب:
منها: التمسّك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت وفي غير تلك الحال. [٣]
ومنها: الحكم باستمرار ما كان إلى أن يعلم زواله. [٤]
ومنها: الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه. [٥]
ومنها: مرجعية الحالة السابقة بقاءً. [٦]
ومنها: أنَّ ما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في الزمن المستقبل. [٧]
ومنها: بقاء الأمر والحال والاستقبال على ما كان عليه في الماضي. [٨]
ومنها: ثبوت أمر في الزمان الثاني بناءً على ثبوته في الزمان الأوّل[٩]، لعدم ما يصلح للتغيير. [١٠]

الاستصحاب لدى الفريقين

لم ينل الاستصحاب لدى أهل السنّة بحثا وافيا بالنحو الذي ناله لدى الشيعة، ورغم إفراد بحث مستقل له في مصادرهم الأصولية، إلاَّ أنَّه أدرج في مصادر القواعد الفقهية ضمن بحوث قاعدة (اليقين لا يُزال بالشك) أو (اليقين لايزول بالشك)، وقد ضمَّ هناك بحوثا تطبيقية تفتقر إلى التنظير والتحليل، لا كما نراه في بحوث الشيعة، رغم الأهميَّة التي أولوها للاستصحاب كأحد موارد قاعدة اليقين المزبورة. إنَّهم يفسِّرون الاستصحاب بثبوت الحالة السابقة دون السعي لتعريف أو تضييق هذه الحالات، فعلى سبيل المثال يعتمدون قواعد كثيرة لإثبات الحالة السابقة، من قبيل: أصالة الإباحة أو الحِلّ، وأنَّ كلَّ شيء حلال حتَّى يُعلم بحرمته، كما هو حال الأطعمة، وكذلك أصالة التحريم الواردة في اللحوم، أي كلّ لحم حرام حتَّى يُعلم تذكيته، وإذا شكّوا بأمر يحتمل تغييره للحكم المتقدِّم أجروا الاستصحاب لإثبات الحكم المتقدِّم ونفوا احتمال تغييره. أمَّا متأخري الشيعة فقد فصَّلوا في هذا المجال كثيرا وقسّموا ـ على سبيل المثال ـ الاحتمال الطارئ أو الشبهة إلى شبهة حكمية ـ كما هو مورد المثال ـ وإلى شبهة موضوعية. وفي باب الشروط والأركان، فقد فرض الشيعة شروطا وأركانا كثيرة للاستصحاب، ضيّقوا من مفهومه من جهة ومن دائرة انطباقه من جهة أخرى، ليميّزوا بينه وبين قواعد أخرى تدخل في باب اليقين، لكن لم نرَ هكذا تفاصيل عن أهل السنّة، وحتَّى المتأخّرين منهم لم يبدو رأيا ـ سلبا أو إيجابا ـ بهذه المستحدثات من البحوث، وظلَّت عندهم بحوث الاستصحاب بدائية. رغم أنّ بعضهم لايعدّونه دليلاً في ذاته ومصدرا مستقلاً للاستنباط بل إعمالاً لدليل[١١]، إلاَّ أنَّه يحظى بأهمية فائقة، تبرز هذه الأهمية من خلال اعتبارهم إيَّاه داخلاً في جُلِّ أبواب الفقه، بحيث عدَّ بعضهم المسائل المستخرجة على أساس الاستصحاب و قاعدة اليقين عموما بثلاثة أرباع الفقه أو أكثر، وسعة استخدام هذه القاعدة يؤيد ذلك. [١٢] وفي مجال الاستدلال على الاستصحاب بالسنّة يستشهد بروايات ربّما لايمكن الاستشهاد بها على الاستصحاب من منظار شيعي، وهي وإن استبطنت مفهوما من مفاهيم القواعد المدرجة تحت اليقين، إلاَّ أنَّ الشيعة باعتبارهم ضيّقوا معنى الاستصحاب وفرضوا شروطا وأركانا له جعلوا منه قاعدة لايمكن الاستدلال عليه بكلّ ما ورد من روايات في مجال اليقين، إلاَّ أنَّ هذا ممكنا من منظار اُصوليي أهل السنّة. [١٣] لايمكن القول هنا بأنَّ الفريقين يختلفان في هذه المجالات، بل الأصح القول بأنَّ اُصوليي أهل السنّة سكتوا أو تركوا دراسة ما استحدثه الشيعة من بحوث لاحقة في الاستصحاب، وهذا أعمّ من القبول أو الرفض، ولأجل هذا السكوت والإغماض تعدُّ معظم البحوث الواردة في الاستصحاب شيعيّة.

أرکان وشروط الاستصحاب

1 ـ اليقين بالحدوث

ذهب المشهور إلى أنَّ اليقين بالحدوث ركن مقوِّم للاستصحاب[١٤]، إلاَّ أنّ الآخوند الخراساني ذهب إلى عدم كونه ركنا، ومفاد دليل الاستصحاب جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء، أي أنَّ اليقين الوارد في أدلّة الاستصحاب أخذ كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقّن تعبُّدا إذا كان حكما، وبالتزام حكم مماثل لحكم المتيقّن حقيقةً إذا كان موضوعا. [١٥] والمراد من الحالة السابقة التي وقعت موردا لليقين، أعمّ من كونها حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي[١٦]، كما أنَّ المراد من اليقين أعمّ من كونه وجدانيا وهو العلم، أو تعبُّديا وهو المستفاد ممَّا اعتبره الشارع يقينا، كالظن الذي قام على اعتباره دليل قاطع. [١٧] وهذا الركن مستفاد من الروايات التي هي أدلّة الاستصحاب. [١٨]

2 ـ الشك في البقاء

أي الشك في بقاء الحالة السابقة أو بقاء المتيقّن. [١٩]، والمراد من الشك ما يقابل اليقين بمعنييه ـ الوجداني والتعبُّدي ـ سواء أكان شكا بالمعنى المنطقي ـ أي تساوي الطرفين ـ أم ظنّا غير معتبر، أم وهما. [٢٠] ودليله كونه مأخوذا في لسان الدليل[٢١]، إضافةً إلى أنَّه لا معنى لفرض القاعدة، بل لا حاجة لها على فرض بقاء اليقين وعدم طرو الشك في بقائه. [٢٢]

3 ـ وحدة المتعلّق أو وحدة القضية المتيقّنة والمشكوكة

من حيث الموضوع والمحمول والنسبة والحمل والرتبة وغيرها، إلاَّ الزمان؛ رفعا للتناقض. [٢٣] والوجه في ركنيته: أنَّه مع تغاير القضيتين (المتيقّن بها والمشكوك بها) لايكون الشك شكا في البقاء، بل في حدوث قضية جديدة. [٢٤]

4 ـ الأثر العملي

ذكره الشهيد الصدر واعتبره ركنا، وبيَّنه بأنحاء ثلاثة[٢٥] وهناك آخرون، كـ : السيد محمد سعيد الحكيم اعتبره في الاستصحاب لكن لم يطلق عليه ركنا، بل شرطا، مع تفريقه بين الشرط والركن. [٢٦]

5 ـ فعلية الشك واليقين

فلا عبرة بالشك التقديري؛ لعدم صدق النقض به، ولا اليقين كذلك؛ لعدم صدق نقضه بالشك. [٢٧] واعتبار هذا الشرط لا من أجل أنَّ الاستصحاب لايتحقَّق معناه إلاَّ بفرضه، بل لأنَّ ذلك مقتضى ظهور لفظ الشك واليقين في أخبار الاستصحاب، فإنَّهما ظاهران في كونهما فعليين، كسائر الألفاظ في ظهورها في فعلية عناوينها. [٢٨]

6 ـ اتصال زمان الشك بزمان اليقين

بمعنى أن لا يتخلَّل بينهما فاصل من يقين آخر، كما هو مفاد تسلُّط النقض بالشك على اليقين. [٢٩]

7 ـ اجتماع اليقين والشك في زمان واحد

والوجه في اعتبار هذا الركن كونه مقوّما لحقيقة الاستصحاب الذي هو إبقاء ما كان، إذ لو لم يجتمع اليقين مع الشك تبدَّل اليقين إلى شك، فلايكون موردا للاستصحاب، بل لـ : قاعدة اليقين. [٣٠]

8 ـ سبق زمان المتيقّن على زمان المشكوك

ولو انعكس ـ أي: سبق زمان المشكوك زمان المتيقّن ـ رجع الأمر إلى الاستصحاب القهقری الذي لا دليل عليه إلاّ في الأمور اللغوية. [٣١]

9 ـ تعدُّد زمان المتيقّن والمشكوك

أي مع اتحاد زمان اليقين والشك يفرض تعدُّد متعلّقهما، وإلاَّ تحوَّل المورد إلى قاعدة اليقين. يستلهم هذا الشرط من نفس الشرط السادس المتقدِّم؛ لأنَّه مع فرض وحدة زمان اليقين والشك يستحيل فرض اتحاد زمان المتيقّن والمشكوك، مع كون المتيقّن نفس المشكوك. [٣٢]

الاختلاف في الأركان والشروط

اختلفت عبارات الأصوليين في ما يعتبر في الاستصحاب، من حيث عدّه ركنا أو شرطا، فبعض استخدم اصطلاح «الركن»[٣٣]، وبعض آخر استخدم عنوان «الشرط» عوضا عن الركن[٣٤]، وبعض آخر استخدم اصطلاح «المقوّمات».[٣٥] الأكثر اختار الثلاثة الأولى كأركان للاستصحاب، وحصر الشيخ الأنصاري الأركان بها[٣٦]، وذكر الشهيد الصدر الركن الرابع، أي الأثر العملي[٣٧]، وبعض آخر حصر الأركان باثنين هما: اليقين السابق، والشك اللاحق المتعلّق بمتعلّق اليقين، وأرجع باقي الشروط إلى هذين الركنين. [٣٨] وأشار بعض بالشروط إلى مثل عدم وجود دليل آخر يوجب انتفاء الحكم الثابت أولاً. [٣٩] وفرَّق بعض بين أركان الاستصحاب وشروطه، وأشار بالأركان إلى بعض ما تقدَّم ذكره، وبالشروط إلى مثل أثر الاستصحاب وعدم معارضته مع حجج أخرى. كما أنّه ميّز بين الركن والشرط في: أنَّ الشرط ما كان خارجا عن ذات الاستصحاب، والركن ما كان يشكِّل جزءا من ذاتياته. [٤٠]

المصادر

  1. تاج العروس 2 : 140، مادة صحب وانظر : تهذيب اللغة 4 : 154، معجم مقاييس اللغة 3 : 335، لسان العرب 1 : 520 المادة نفسها.
  2. المصباح المنير : 333، مجمع البحرين 2 : 99 مادة صحب.
  3. الوافية : 200.
  4. كشف الغطاء 1 : 200.
  5. كفاية الأصول : 384.
  6. دروس في علم الأصول 1 : 406، بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 14.
  7. البحر المحيط 6 : 17، إرشاد الفحول 2 : 255، الجامع لأحكام وأصول الفقه : 349.
  8. تقريب الوصول : 146.
  9. شرح المنهاج الأصفهاني 2 : 756، نهاية السُّول 4 : 358، الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 445.
  10. أصول الفقه محمد أبو النور 3 ـ 4 : 392، أصول الفقه الإسلامي (الشرنباصي) : 93، وانظر : أصول الفقه الإسلامي (الزحيلي) 2 : 859 ، الجامع لمسائل أصول الفقه : 375.
  11. انظر : البرهان في أصول الفقه 2 : 171، المستصفى 1 : 238، أصول الفقه أبو زهرة: 283، أصول الفقه الإسلامي (الشرنباصي): 97 ـ 98.
  12. انظر : الأشباه والنظائر السبكي 1 : 13 ـ 40، الأشباه والنظائر (السيوطي): 7 ـ 12، 50 ـ 76، الأشباه والنظائر (ابن نجيم): 60 ـ 83 ، شرح القواعد الفقهية : 81 ، القواعد الفقهية (الندوي) : 318.
  13. انظر : الروايات الواردة عن أهل السنّة والتي استدلَّ بها على الاستصحاب. منها : ما روي عن النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أنّه قال : «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأُشكل عليه، أخَرَج منه شيء أم لا، فلا يخرجنّ من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» صحيح مسلم 1 : 276 كتاب الحيض، باب 26 الدليل على أنّ من تيقَّن الطهارة ثمّ شكّ في الحدث، فله أن يصلّي بطهارته تلك ح99، السنن الكبرى (البيهقي) 1 : 117 كتاب الطهارة، باب الوضوء من الريح يخرج من أحد السبيلين، من حديث أبي هريرة. ومنها : ما رواه سعيد بن المسيّب وعبّاد بن تميم عن عمّه [عبداللّه‏ بن زيد الأنصاري] أنّه قال : شُكي إلى النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يُخيّل إليه، فقال : «لاينفتل حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا». سنن أبي داود 1 : 45 كتاب الطهارة، باب إذا شكّ في الحدث ح176.
  14. دروس في علم الأصول 2 : 471، بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 111.
  15. كفاية الأصول : 391 ـ 392، 404 ـ 405.
  16. أصول الفقه المظفر : 3 ـ 4 : 278 ـ 279.
  17. كفاية الأصول : 391 ـ 392، 404 ـ 405.
  18. أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 279.
  19. المصدر السابق.
  20. الأصول العامة للفقه المقارن : 440.
  21. دروس في علم الأصول 1 : 417، و2 : 477.
  22. أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 279.
  23. الأصول العامة للفقه المقارن : 440.
  24. دروس في علم الأصول 2 : 481، بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 114.
  25. دروس في علم الأصول 2 : 486 ـ 489، بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 122 ـ 124.
  26. المحكم في أصول الفقه 5 : 117 ـ 178.
  27. الأصول العامة للفقه المقارن : 440.
  28. أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 282.
  29. الأصول العامة للفقه المقارن : 440.
  30. أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 279 ـ 280.
  31. المصدر السابق : 281 ـ 282.
  32. المصدر نفسه : 280.
  33. الاستصحاب كوثراني : 37، أنوار الأصول 3 : 275 ـ 276
  34. فرائد الأصول 3 : 289.
  35. أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 278.
  36. فرائد الأصول 3 : 289 ـ 319.
  37. دروس في علم الأصول 2 : 486 ـ 489، بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 122 ـ 124.
  38. أنوار الأصول 3 : 275 ـ 276.
  39. الوافية : 208 ـ 211.
  40. المحكم في أصول الفقه 5 : 77، 117 ـ 118.