حد الزنا: والزنا هو وطئ المرأة من غير عقد شرعي، فهو إدخال الذكر البالغ العاقل في فرج امرأة، بل مطلق أنثى قُبلاً أو دُبراً، محرمة عليه من غير عقد نكاح بينهما، ولا ملك من الفاعل للقابل، ولا شبهة موجبة لاعتقاد الحل، عالما بالتحريم ومختارا في الفعل. وهناك أحكام وشروط سنذکرها تطبیقاً علی الفقه الإمامية و الحنفية و الشافعية.

حد الزنا

متى ثبت الجماع في الفرج على عاقلين مختارين، من غير عقد، ولا شبهة عقد، ولا ملك يمين، ولا شبهة ملك، ثبوتا شرعيا، فهما زانيان، يجب عليهما الحد بلا خلاف.
والزناة على ضروب: منهم من يجب عليه القتل، حرا كان أو عبدا، محصنا أو غير محصن، وعلى كل حال، وهو من زنا بذات محرم له، أو وطئها مع العقد عليها، والعلم برحمها منه، أو زنى بامرأة أبيه، أو غصب امرأة على نفسها، أو زنى وهو ذمي بمسلمة، أو زنى وهو حر بكر رابعة، وقد جلد في الثلاثة قبلها، أو زنى وهو عبد ثامنة، وقد جلد فيما قبلها من المرات.
يدل على ما قلناه بعد إجماع الإمامية ما رووه من قوله ( عليه السلام ): ( من وقع على ذات محرم فاقتلوه ) ولم يفصل، وليس لهم أن يحملوا ذلك على المستحل، لأنه تخصيص بغير دليل، ولأنه لو أراد ذلك لم يكن لتخصيص ذوات الأرحام بالذكر فائدة، ورووا أيضا أن رجلا تزوج امرأة أبيه، فقال أبو بردة[١] ( 1 ): فأمرني رسول الله أن أقتله.
وغصب المرأة على نفسها أفحش وأغلظ من الزنا مع التراضي، وكذا المعاودة للزنا بعد الجلد ثلاث مرات وسبع مرات ولا شبهة في عظم ذنبه، وتأكد فحشه، فلا يمتع أن يكون الحد، وأغلظ في زنا الذمي بالمسلمة خرق للذمة، ومن خرق الذمة فهو مباح القتل بلا خلاف، وليس لأحد أن يقول: كيف يقتل من ليس بقاتل، لأن المحصن و المرتد يقتلان بلا خلاف وليسا بقاتلين. [٢]
إذا اشترى ذات محرم: كالأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة من نسب أو رضاع فوطئها مع العلم بالتحريم، كان عليه القتل. وللشافعي فيه قولان: أحدهما عليه الحد وهو الصحيح عندهم، والآخر: لا حد عليه، وبه قال أبو حنيفة. [٣]
قال الشيخ: وإذا عقد النكاح على ذات محرم له - مما ذكرناه - من نسب أو رضاع، أو امرأة أبيه، أو ابنه، أو تزوج بخامسة، أو امرأة لها زوج ووطئها، أو وطئ امرأة بعد أن بانت بـ اللعان، أو بـ الطلاق الثلاث مع العلم بالتحريم فعليه الحد، وقال الشافعي: عليه الحد ولم يفصل. وقال أبو حنيفة: لا حد في شئ من هذا، حتى قال: لو استأجر امرأة ليزني بها فزنا بها، فلا حد عليه، وإن استأجرها للخدمة فوطئها فعليه الحد. [٤] وعندنا وعند الشافعي لزمه الحد إذا استأجرها للوطئ، وعنده لا حد عليه. [٥]
وقال في الخلاف: إذا استكره امرأة على الزنا فلا حد عليها بلا خلاف، وعليه الحد، ولا مهر لها، لأنه لا دليل عليه ولما روي: أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نهى عن مهر البغي وهو مذهب أبي حنيفة. وقال الشافعي: لها مهر. [٦]
ومن الزناة من يجب عليه الجلد ثم الرجم، وهو المحصن إذا كان شيخا أو شيخة[٧]، وقال الشيخ في الخلاف: المحصن إذا كان شيخا أو شيخة فعليهما الجلد ثم الرجم، وإن كانا شابين فعليهما الرجم بلا جلد، بدلالة قوله تعالى: { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة } [٨]، ولم يفصل، وروي: أن عليا ( عليه السلام ) جلد شراحة[٩] يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، فقيل له تحدها حدين؟ فقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله.
وقال داود و أهل الظاهر: عليهما الجلد ثم الرجم، ولم يفصلوا، وبه قال جماعة من أصحابنا. [١٠]
ومن الزناة من يجب عليه الرجم فقط، وهو كل محصن ليس بشيخ ولا شيخة، بلا خلاف إلا من الخوارج، فإنهم أوجبوا الجلد، ونفوا أن يجب الرجم في موضع من المواضع، وقد انعقد الإجماع على خلافه، ومن أصحابنا من قال بوجوب الجلد هاهنا مع الرجم، والظاهر من المذهب هو الأول.
ومن الزناة من يجب عليه الجلد ثم النفي عاما إلى مصر آخر، وهو الرجل إذا كان بكرا، لقوله ( عليه السلام ): البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام. [١١]

أحكام البكر

والبكر عبارة عن غير المحصن، فإذا زنا البكر جلد مئة وغرب عاما، كل واحد منهما حد، هذا إذا كان ذكرا، وإن كان أنثى لم يكن عليها تغريب. وبه قال مالك. وقال الشافعي: هما سواء في الجلد والتغريب. وقال أبو حنيفة: الحد هو الجلد فقط، والتغريب ليس بحد، وإنما تعزير باجتهاد الإمام، وليس بمقدر، فإن رأى الحبس فعل، وإن رأى التغريب إلى بلد آخر فعل من غير تقدير، وسواء كان ذكرا أو أنثى.
روى ابن عمر: أن النبي ( عليه السلام ) جلد وغرب، روى ابن مسعود مثل ذلك، فغرب أبو بكر إلى فدك، وعمر إلى الشام، وعثمان إلى مصر، وعلي إلى الروم ولا مخالف لهم. [١٢] ولا نفي على العبد، ولا على الأمة لأنه لا دلالة عليه. وبه قال مالك وأحمد. وللشافعي فيه قولان. [١٣]

أقسام الزناة بحسب الحد

ومن الزناة من يجب عليه الجلد فقط، وهو كل من زنا وليس بمحصن ولا بكر، والمرأة إذا زنت وكانت بكرا.
ومن الزناة من يجب عليه جلد خمسين فقط، وهو العبد أو الأمة، سواء كانا محصنين أو غير محصنين، شيخين أو غير شيخين، وعلى كل حال[١٤] وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي. وقال ابن عباس: إن كانا تزوجا، فعلى كل واحد منهما نصف الحد، وإن لم يكونا تزوجا، فلا شئ عليهما.
وقال داود: يجلد العبد مئة والأمة إن كانت تزوجت فعليها نصف الحد خمسون، وإن لم تكن تزوجت، ففيه روايتان: إحداهما تجلد مئة والأخرى لا تجلد أصلا، وإنما اختلفت الرواية هاهنا لأن قوله تعالى: { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب }[١٥]، يعني إذا تزوجن والمراد بقوله { أحصن } بفتح الألف أسلمن، وأما أحصن بالضم يعني تزوجن، فلا يدل على أنه إذا لم يتزوجن، فلا شئ عليهن لأنا لا نقول بدليل الخطاب. [١٦]
ومن الزناة من يجب عليه من حد الحر ومن حد العبد بحساب ما تحرر منه وبقي رقا، وهو المكاتب الذي قد تحرر بعضه.
ومن الزناة من يجب عليه التعزير، وهو الأب إذا زنا بجارية ابنه. [١٧] وفي البداية: لا حد على من وطئ جارية ابنه. [١٨] وليس لأحد أن ينكر سقوط الحد هاهنا مع اعترافه بسقوط القصاص عنه في القتل، لأن ما أوجب ذلك في أحد الموضعين وهو الدليل الشرعي يوجبه في الآخر.

أحكام الإحصان الموجب للرجم

والإحصان الموجب للرجم هو أن يكون الزاني بالغا كامل العقل، له زوجة دوام، أو ملك يمين، سواء كانت الزوجة حرة أم أمة، مسلمة أو ذمية، عند من أجاز نكاح الذمية ويكون وطئها، ولا يمنعه من وطئها مستقبلا مانع، من سفر أو حبس أو مرض، ويعبر عمن هذه حاله بالثيب أيضا.
والبكر هو الذي ليس بمحصن وقد أملك على امرأة ولم يدخل بها، وحكم المرأة في ذلك كله حكم الرجل. [١٩]
وقال جميع الفقهاء: متى عقد على امرأة، ودخل بها، وكانت حرة، ثبت الإحصان وإن فارقها بموت، أو طلاق، ولم يراعوا التمكين من وطئها. وأما الأمة، فعند الشافعي: إذا أصاب أمة بنكاح صحيح، أو أصاب العبد حرة، ثبت الإحصان للحرة دون المملوك وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة: لا يثبت الإحصان لأحدهما. وهكذا الصغير إذا أصاب كبيرة بنكاح، أو الكبير الصغيرة، ثبت الإحصان للكبير عند الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يثبت الإحصان لأحدهما، وهو قول الشافعي في القديم. [٢٠]
ويثبت حكم الزنا إذا كان ممن يصح منه القصد عليه، سواء كان مكرها أو سكران، وإن كان مجنونا مطبقا لا يفيق، لا شئ عليه وإن كان يصح منه القصد عليه جلد مئة محصنا كان أو غير محصن، إذا ثبت فعله ببينة أو علمه الإمام، ولا يعتد بإقراره وإن كان ممن يفيق ويعقل، كان حكمه في حال الإفاقة حكم العقلاء. وسواء في ثبوت الحكم على الزاني كون المزني بها صغيرة أو مجنونة أو ميتة. ويسقط عنها إن كانت مكرهة أو مجنونة ولا تفيق، وإن كانت ممن تفيق فحكمها في حال الإفاقة حكم العاقلة.
وإذا تاب أحد الزانيين قبل قيام البينة وظهرت توبته وصلاحه، سقط الحد عنه، وكذا إن رجع عن إقراره بالزنا قبل إقامة الحد أو في حاله إذا فر منه، ولا تأثير لفراره إذا كان بعد ثبوت الزنا عليه لا بإقراره. وإن تاب بعد ثبوت الزنا عليه، فللإمام العفو عنه، وليس ذلك لغيره. [٢١]

ثبوت حد الزنا

لا يجب الحد بالزنا إلا بإقرار أربع مرات في أربعة مجالس، فأما في دفعة واحدة فلا يثبت به الحد. وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: إذا أقر دفعة واحدة لزمه الحد بكرا كان أو ثيبا. وبه قال مالك. وقال ابن أبي ليلى: لا يثبت إلا بأن يعترف أربع مرات، سواء كان في مجلس واحد، أو أربع مجالس. [٢٢]
وإذا أقر بحد، ثم رجع عنه، سقط عنه الحد، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال الحسن البصري: لا يسقط وبه قال سعيد بن جبير وداوود.
يدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية، ما روي أن ماعزاً أقر عند النبي ( عليه السلام ) بالزنا فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا، ثم قال: لعلك قبلت، لعلك لمست، فعرض ( عليه السلام ) بالرجوع حين أعرض عنه وصرح له بذلك بقوله: لعلك لمست لعلك قبلت، فلولا أن ذلك يقبل منه، ما كان فيه فائدة. [٢٣]
ويحفر للمرجوم حفيرة يجعل فيها، ويرد التراب عليه إلى صدره، ولا يرد التراب عليه إن كان رجمه بإقراره. [٢٤] ومن وجب عليه الرجم يؤمر بالاغتسال والتكفين، ثم يرجم ويدفن بعد ذلك، بعد أن يصلي عليه، ولا يغسل بعد موته. وقال جميع الفقهاء: أنه يغسل بعد موته. [٢٥]
وإذا اجتمع الجلد والرجم بدئ بالجلد، وأمهل حتى يبرأ من الضرب، ثم رجم، ويبدأ الإمام بالرجم فيما ثبت بعلمه أو بإقراره، ويبدأ الشهود فيما ثبت بشهادتهم، وبعدهم الإمام، وبعده من يحضره من عدول المسلمين وأخيارهم دون فساقهم،[٢٦] وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: لا يجب على واحد منهم البدأة بالرجم. [٢٧]
ويتولى الإمام - أو من يأذن له - الجلد إذا ثبت موجبه بعلمه أو بإقراره، وإن كان ثبوته بالبينة تولاه الشهود.
ويقام الحد على الرجل على الهيئة التي رئي زانيا عليها من عري أو لباس، ولا يقام الحد في زمان القيظ في الهواجر ولا في زمان القر في السوابر[٢٨] ويضرب أشد الضرب على سائر بدنه، سوى رأسه وفرجه، ويجلد الرجل قائما والمرأة جالسة، وقد شدت عليها ثيابها. [٢٩]
في الخلاصة: وكيفية الجلد أن يضرب مئة سوط وسط ويتوقى المقاتل وأنهار الدم ولا يضرب الوجه والفرج ويضرب الرأس لأن الشيطان فيه، كذلك قال أبو بكر، ويضرب الرجل قائما غير مربوط، ولا يمنع أن يتوقى بيديه وتضرب المرأة جالسة وتضم عليها ثيابها وتباشر ضمها امرأة ويضرب النضو الضعيف بأثكال النخل وكيفيته أن ينفى عن بلده إلى مسافة تقصر الصلاة إليها فصاعدا سنة.
وفي البداية: كيفية الحد، إذا كان رجما أن يخرجه إلى أرض فضاء ويبتدئ الشهود برجمه ثم الإمام ثم الناس، وإن كان مقرا يبتدئ الإمام ثم الناس، ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وإذا كان جلدا يأمر الإمام بضربه ضربا متوسطا ينزع عنه ثيابه ويفرق الضرب على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه، وقال أبو يوسف يضرب الرأس أيضا، والمرأة لا تنزع عنها ثيابها إلا الفرو والحشو، وتضرب جالسة إن حفر لها في الرجم جاز ولا يحفر للرجل. [٣٠]
ويجوز للسيد، إقامة الحد على من ملكته يمينه بغير إذن الإمام، ولا يجوز لغير السيد إلا بإذنه[٣١]، وبه قال ابن مسعود وابن عمر، وفي التابعين الحسن البصري والأسود، وفي الفقهاء الأوزاعي والثوري والشافعي. وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس له ذلك، وإقامة الحد إلى الأئمة فقط.
يدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما روي عن علي ( عليه السلام ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم. وروى أبو هريرة أن النبي ( عليه السلام ) قال: إذا زنت أمة أحدكم فليحدها، فإن زنت فليجلدها، فإن زنت فليجلدها فإن زنت فليبعها ولو بضفر[٣٢] والضفر الحبل.

المصادر

  1. اسمه هاني بن نيار البلوي، وقيل اسمه الحارث، وقيل: مالك بن هبيرة شهد المشاهد كلها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ). روى عنه: بشير بن يسار، وجابر بن عبد الله وغيرهما توفي سنة ( 42 ). تهذيب الكمال: 33 / 71 رقم 7221.
  2. الغنية: 421 - 422.
  3. الخلاف: 5 / 375 مسألة: 13.
  4. الخلاف: 5 / 386 مسألة 29.
  5. الخلاف: 5 / 384 مسألة 26.
  6. الخلاف: 5 / 393 مسألة 36.
  7. الغنية: 422.
  8. النور: 2.
  9. شراحة الهمدانية.
  10. الخلاف: 5 / 366 مسألة 2.
  11. الغنية: 423.
  12. الخلاف: 5 / 368 مسألة 3.
  13. الخلاف: 5 / 370 مسألة 4.
  14. الغنية 423.
  15. النساء: 25.
  16. الخلاف: 5 / 394 مسألة 37.
  17. الغنية: 423.
  18. الهداية في شرح البداية: 2 / 345.
  19. الغنية: 423.
  20. الخلاف: 5 / 371 مسألة 5.
  21. الغنية: 424.
  22. الخلاف: 5 / 377 مسألة 16.
  23. الخلاف: 5 / 378 مسألة 17.
  24. الغنية: 424.
  25. الخلاف: 5 / 385 مسألة 28.
  26. الغنية: 424.
  27. الخلاف: 5 / 377 مسألة 15.
  28. الهواجر جمع الهاجرة: نصف النهار، والسوابر جمع السبرة: الغداة الباردة.
  29. الغنية: 425.
  30. الهداية في شرح البداية 2 / 341.
  31. الغنية: 425.
  32. الخلاف: 5 / 395 مسألة 38.