الفقه الزيدي

الزيدية فرقة إسلامية شهيرة، سمّوا بذلك لتمسّكهم بما يتعلّق بزيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب الذي قاد ثورة من أعنف الثورات المسلّحة ضدّ الدولة الأُموية أيّام هشام بن عبدالملك، واستشهد على أثرها سنة 122 ه‍ أو 121 ه‍.

الأفكار

تتلخّص أفكارهم فيما يلي : الإمامة لديهم ليست بالنصّ ؛ إذ لا يشترط فيها أن ينصّ الإمام السابق على الإمام اللاحق، وتجوز الإمامة لأيّ فاطمي سواء كان من نسل الحسن أو من نسل الحسين عليهما السلام بشرط أن يكون عالماً شجاعاً سخياً خارجاً بالإمامة، وعندئذٍ تجب له الطاعة، ويجوز عندهم خروج إمامين في قطرين مختلفين في وقت واحد طالما استجمعا شروط الإمامة، ويقرّون بخلافة الشيخين وكذلك خلافة عثمان مع مؤاخذتهم له على بعض الأُمور، ويجوّزون القول بالإمام المفضول مع وجود الفاضل، ويوجبون الخروج على السلطان الجائر، ويقولون بالعصمة لأربعة فقط، هم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام على ما قيل، وباب الاجتهاد عندهم مفتوح على مصراعيه، ومن عجز عنه قلّد، وتقليد أهل البيت عليهم السلام أولىٰ من غيرهم. ومصادر الاستدلال عندهم : كتاب اللّٰه، وسنّة رسوله صلى الله عليه و آله، والقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، والعقل، ويميلون نحو الاعتزال في بعض الأُمور، ويقولون : أعمال العباد مخلوقة للّٰه، والاستطاعة لا تكون إلّامع الفعل، والإيمان هو المعرفة والإقرار واجتناب ما جاء فيه الوعيد.

الدولة

وقد تمكّن الزيدية من تأسيس دولتين لهم، أحدها كانت في إيران والتي أسّسها الحسن بن زيد سنة 250 ه‍، والثانية أسّسها الهادي إلى الحقّ في اليمن (بلاد العرب السعيدة) في القرن الثالث الهجري.

الانتشار

وقد انتشر المذهب الزيدي في سواحل بلاد الخزر وإيران وسوريا والحجاز ومصر، غير أنّ وجودهم الكثيف في اليمن، حيث يشكّلون ثلثي السكّان، وقد حكموا هذا البلد مدّة طويلة حتّى عام 1961 م، حيث أُعلن النظام الجمهوري وقضي على الحكم الملكي.

الآن

والمذهب الزيدي هو المهيمن الآن في اليمن وإن كان فيه بعض الاختلاف ممّا اقتضته الظروف المعاصرة.
ومذهبهم الفقهي يشابه بعض الشيء مذهب أبي حنيفة، ومن أشهر فقهائهم : محمّد بن إسماعيل الصنعاني اليمني المتوفّىٰ سنة 1182 ه‍ صاحب كتاب «سبل السلام شرح بلوغ المرام»، ومحمّد بن علي بن محمّد الشوكاني المتوفّىٰ سنة 1250 ه‍ صاحب كتاب «نيل الأوطار شرح منتقىٰ الأخبار من أحاديث سيّد الأخيار»، وهذان الفقيهان كانا متجاوزين للفروق المذهبية، وبات مؤلّفاهما مرجعاً لأهل العلم في الفقه المقارن. واشتهر منهم أيضاً : القاسم بن محمّد بن علي اليمني المتوفّىٰ سنة 1029 ه‍ صاحب كتاب «الاعتصام بحبل اللّٰه المتين»، وأحمد بن يحيىٰ ابن المرتضىٰ المتوفّىٰ سنة 840 ه‍ صاحب كتاب «البحر الزخّار الجامع لمذاهب علماء الأمصار»، والحسين بن أحمد السياغي الصنعاني المتوفّىٰ سنة 1221 ه‍ صاحب كتاب «الروض النضير شرح مجمع الفقه الكبير».



أصول المذهب الزيدي

وهي من الطوائف الشيعية من الناحية العقائدية لكنَّهم اقتبسوا في فقههم وأصولهم من السنَّة أيضا، فقالوا: بالقياس مثلاً، وأصول مذهبهم ما يأتي:

1 ـ القرآن

والقرآن مشترک بين المذاهب.

2 ـ السنّة

وفي مجال السنَّة[١] يأخذون بالأخبار الواردة عن طرق السنَّة والشيعة ولم يتقيَّدوا بأحد الطريقين، فيأخذون بالكتب الأربعة للشيعة، كما يأخذون بالصحاح الواردة عن طرق أهل السنّة. [٢]

3 ـ الإجماع

ويذهبون كذلك[٣] إلى حجيَّة إجماع أهل البيت. [٤]

4 ـ القياس

وقد اعتبر الإمام القاسم بن محمّد[٥] أنَّ الردَّ إلى الكتاب والسنّة الذي وردت فيه نصوص شرعية هو حقيقة القياس فيما لا نصَّ فيه. [٦] كما أنَّهم يدرجون المصالح المرسلة ضمن القياس، ويسمّونها قياسا. [٧]

5 ـ العقل

وقد ورد عن أحمد بن يحيى: [٨] إنَّ المجتهد إذا لم يجد في الشرع طريقا للتحليل والتحريم، أي لا حكم في الموضوع ذات الصلة، رجع إلى ما يقضي به العقل. [٩]

6 ـ الاجتهاد

ويذهبون إلى التصويب في الاجتهاد[١٠]، وقد ورد عن أحمد بن يحيى قوله: «وكلّ مجتهد مصيب في الأصحّ».[١١]. وورد أيضا: «اعلم أنَّ لا هلاك في المسائل الاجتهادية قطعا، إذ المخالف فيها مصيب».[١٢]
وانفتاح باب الاجتهاد لديهم بدرجة كبيرة، بحيث إنَّهم يأخذون من السنَّة والشيعة في مجال أصول الفقه، ولايتقيَّدون بمذهب خاصّ، برغم أنَّهم من الشيعة[١٣]، ولأجل ذلك يرى أبو زهرة هذا المذهب الأكثر نماءً وقدرة على مسايرة العصر. [١٤]
وحدَّد أحمد بن يحيى المرتضى أصول المذهب الزيدي بالنحو الآتي:
1 ـ الكتاب
2 ـ السنّة
3 ـ الإجماع
4 ـ القياس
5 ـ الاجتهاد[١٥]
وعدَّ أبو زهرة أصول المذهب الزيدي بالنحو التالي:
1 ـ القرآن
2 ـ السنّة
3 ـ الإجماع
4 ـ القياس
5 ـ الاستحسان
6 ـ المصالح المرسلة
7 ـ الاستصحاب
8 ـ العقل
9 ـ الاجتهاد[١٦]
وعدَّها بعض آخر بالنحو الآتي:
1 ـ كتاب اللّه‏
2 ـ السنَّة
3 ـ الإجماع
4 ـ القياس ومنه المصالح المرسلة
5 ـ الاستصحاب
6 ـ الاستحسان
7 ـ شرع من قبلنا
8 ـ العقل[١٧]
لكن أحمد بن يحيى المرتضى صرّح بعدم حجّية الاستصحاب.

  1. الاعتصام بحبل اللّه‏ المتين 1: 10.
  2. المصدر السابق: 11 ـ 32.
  3. البحر الزخار 1: 183 ـ 187.
  4. الاعتصام بحبل اللّه‏ المتين 1: 166، نصرة مذاهب الزيدية: 225 ـ 231.
  5. البحر الزخار 1: 187 ـ 194.
  6. الاعتصام بحبل اللّه‏ المتين 1: 166.
  7. البحر الزخار 1: 192 ـ 193، الإمام زيد أبو زهرة: 445، الزيدية نظرية وتطبيق: 25.
  8. الاعتصام بحبل اللّه‏ المتين 1: 168 ـ 169.
  9. البحر الزخار 1: 201.
  10. المصدر السابق: 40، 194، شرح الأزهار 1: 13.
  11. عيون الأزهار: 9، السيل الجرار 1: 18 ـ 21.
  12. البحر الزخار 1: 51.
  13. المصدر السابق: 40.
  14. الإمام زيد أبو زهرة: 490.
  15. البحر الزخار 1: 160.
  16. الإمام زيد أبو زهرة: 463.
  17. الزيدية نظرية وتطبيق: 25 ـ 34.