عصام العطّار
عصام العطّار: داعية إسلامي سوري.
العائلة
عائلة العطّار طائفة من المحدّثين اشتهرت بصناعة العطر. والده كان عالماً، وكان من رجال القضاء الشرعي والعدلي، وكان رئيساً لمحكمة الجنايات في يوم من الأيّام، وكان من محبّي ومناصري السلطان عبد الحميد، وقد شارك في محاربة الاتّحاديّين، فحكم عليه بالإعدام، فهرب وعاش سنوات بين القبائل العربية في جبل الدروز، ثمّ نفي إلى إسطنبول أثناء الحرب العالمية الأُولى، ثمّ عاد إلى البلاد، فكان ذو خبرات ميدانية عالية، فكان من أبرع من ركب الخيل، ويجيد استخدام السلاح، ويحبّ سير الفروسية، ويكاد يحفظ سيرة ابن هشام عن ظهر قلب، وكان قوي الذاكرة وحلو الحديث.
الدراسة
كان القرآن الكريم جزءاً من تربية عصام العطّار وثقافته، وقد حفظ بعض المتون مثل
ألفية الأمام مالك ومتن الزُبد (حيث كان أجداده من أئمّة الشافعية في بلاد الشام).
وقد كان لنشأته في أُسرة علم سبباً في لسانه العربي الرصين بدون تكلّف، وقد قرأ في صغره لكبار الأُدباء العرب، مثل: مصطفى صادق الرافعي، وطه حسين، وعبّاس محمود العقّاد، وحسن الزيّات، وزكي نجيب محمود، وأحمد أمين، وعلي عبد الواحد وافي (عميد علم الاجتماع)، وقسطنطين زريق، وعبد الرحمان بدوي.
وفي المدرسة الابتدائية كانت المدارس تزور المدارس، فطلب من عصام العطّار الطالب أن يجيب، فكان يرتفع التصفيق لبيانه ولسانه العربي السليم، وقد حاز العديد من الجوائز في المدرسة الابتدائية.
النشاطات
أوّل صلة له كانت بشباب محمّد صلى الله عليه و آله، وهي جمعية من الجمعيات التي كوّنت الأُخوان المسلمين، وكانوا يقومون بتعليم أُسس الإسلام، يعيشون سوية، فيأكلون، ويقومون مع بعضهم، ويخرجون إلى القرى يخطبون الجمعة. وكان في المدن الأُخرى الشيء المشابه للجمعية، ففي حلب كان هناك دار الأرقم وفي حمص وحماة، وكان هناك تعارف بين هذه الجمعيات، حتّى عاد مصطفى السباعي من مصر الذي كان يتابع ما يجري في سورية، وكان له فضل كبير في تقوية ارتباط الجمعيات مع بعضها، وأن تأخذ هذه الجمعيات اسم «الأُخوان المسلمين»، وانتخب أميناً عامّاً للأُخوان المسلمين. وقد تعرّف عصام العطّار على مصطفى السباعي سنة 1945 م- 1946 م.
في سنة 1952 م ساءت العلاقات بين المشايخ والسباعي في قضية تتعلّق بدين الدولة، حيث استغنى المشايخ عن نقطة أنّ دستور الدولة هو الإسلام مقابل تسميات في الدستور كتمسّك الدولة بالإسلام ومبادئه ودين رئيس الدولة هو الإسلام، فطلب من عصام العطّار أن يصون العلاقة بين المشايخ والأُستاذ السباعي، وقد أصرّوا عليه برابطة العلماء أن يضمّوه إليهم، فتعرّف إليهم، وسمع مناقشاتهم، وشارك في نشاطاتهم، وكان معهم في بعض اللقاءات المهمّة، فكان محاوراً عنهم.
وفي عام 1955 م عقد مؤتمر في دمشق ضمّ كلّ شيوخ سورية الكبار وكلّ السياسيّين
السوريّين والإسلاميّين، ومنهم محمّد المبارك، ومعروف الدواليبي، ومصطفى الزرقا، وجميع الجمعيات الثقافية الإسلامية، وفي هذا المؤتمر اختير عصام العطّار بالإجماع أميناً عامّاً لهيئة المؤتمر الإسلامي، وكان في وقتها في الهيئة التشريعية والكتب التنفيذي للأُخوان المسلمين وعضواً في مكتب دمشق للأُخوان.
وكان هو الخطيب شبه الدائم في مسجد الجامعة مع علي الطنطاوي ومصطفى السباعي وآخرين، وكان المسجد يمتلئ بالأُلوف من الطلّاب والأساتذة.
وقد هاجم عصام العطّار الحكم الديكتاتوري للشيشكلي سنة 1951 م هجوماً شديداً، فصدر أمر اعتقاله، فنصحه المقرّبون منه، وأجبروه على الخروج إلى مصر.
وقد كانت الدكتورة نجاح العطّار شقيقة عصام نائبة الرئيس السوري بشّار الأسد.
سبق اسم عصام العطّار وصوله إلى مصر، ونتيجة لعلاقته الجيّدة مع حسن الهضيبي وعبد القادر عودة تيسّرت الأُمور، وتعاون مع الأُخوان المسلمين في مصر في اللجنة التوجيهية للأُخوان، وكان مقرّر اللجنة عبد العزيز كامل الذي الذي وجد للعطّار بيتاً يسكن فيه في نفس البناء الذي كان يسكن فيه عبد العزيز نفسه. وقابل العطّار في مصر العديد من الشخصيات، منهم: سيّد قطب، والبشير الإبراهيمي شيخ علماء الجزائر، ومحمود محمّد شاكر، وعبد الوهاب عزّام، فكانت الحياة في مصر غنية بالنسبة إليه، وكان لها أثر في حياته لما بعد.
اشتدّ على أبيه المرض في سورية وكان يستحلف الناس الذين يزورونه ألّا يخبروا عصام العطّار في مصر، إلى أن شارف على الوفاة، فأبرق علي الطنطاوي إلى خال عصام العطّار محبّ الدين الخطيب أن يترفّق في إخباره، فعاد إلى الشام.
وفي سنة 1954 م جاء الهضيبي في زيارة إلى سورية، واختير عصام العطّار ليكون مرافقاً له في هذه الرحلة، كما رافقه أيضاً الشيخ محمّد الحامد ومصطفى السباعي وسعيد رمضان. وكان يحضر له مئات الأُلوف وتخرج مئات السيّارات في حضوره.
خلال زيارة حسن الهضيبي أسّس المكتب التنفيذي للأُخوان المسلمين في البلاد
العربية، وكان يمثّل سورية فيه بشكلّ طبيعي الدكتور مصطفى السباعي ومعه عصام العطّار.
في عام 1956 م أوفدت الجامعة الأُستاذ مصطفى السباعي إلى أوروبّا للاطّلاع على مناهج الدراسات الإسلامية، فكانت هذه المرحلة من أخطر المراحل التي حمل فيها عصام العطّار مسؤولية العمل الإسلامي. وفرضت الظروف أن يتكوّن المكتب التنفيذي للأُخوان المسلمين في حلب، وقد اختير عصام العطّار ممثّلًا ومتحدّثاً بإسم الأُخوان المسلمين، فكان عصام العطّار من الناحة الفعلية يحمل مسؤولية المراقب العامّ للأُخوان المسلمين والمكتب التنفيذي في وقت واحد، فكان مصير الجماعة متوقّف على موقفه.
زار عصام العطّار في أحد المرّات شكري القوتلي- وكان رئيساً للجمهورية السورية- ووضّح له أُمور المقاومة الشعبية السورية ومقاصدها، ولكن لم يكن بيده من شيء، فأصدر العطّار بياناً إلى الأُخوان يشير إلى هذه المعاني، واجتمع عصام العطّار مع صلاح البذرة قائد المقاومة الشعبية بحضور فخري البارودي، وحذّره من أيّ خطوة تقوم بها الشيوعية في سورية.
كان عصام العطّار مع الوحدة بين سوريا ومصر على أساس ديمقراطي برلماني؛ لأنّ أوضاع القطرين متباينة في كثير من النقاط، فتبدأ الوحدة على الصعيد العسكري والخارجي وتعطى فترة حتّى تهيّئ الأسباب لما هو أكثر. اشترط عبد الناصر أن تحلّ الأحزاب في سورية نفسها، فحلّت، وكان السباعي قد عاد من سفره، ولم يكن حلّ الجماعة موضع خلاف، فأعلن السباعي حلّ الجماعة. وكان الأُخوان في سورية قد دعموا مصر أثناء العدوان الثلاثي عليها، ولمّا حصلت الوحدة كان الأُخوان في وقاية ممّا كان مخطّطاً لهم. حلّت الأحزاب السياسية كما هو معروف، وحلّت جماعة الأُخوان حلّاً حقيقياً، وانتهت كحركة منظّمة، وذهبت معظم قيادات الأُخوان إلى الاتّحاد القومي الذي أقامه جمال عبد الناصر، وذلك لدوافع مختلفة. وفي وقت كان الناس يقدّسون ويمجّدون عبد الناصر أعلن عصام العطّار في خطب يوم الجمعة في مسجد الجامعة أنّ طريقه طريق الوحدة، وهو مخالف لطريق عبد الناصر والاتّحاد القومي في الدكتاتورية وانتقاص حقوق
الإنسان، ومع الزمان كانت خطب مسجد الجامعة هي الخيط غير الرسمي الذي كان يربط الأُخوان مع بعضهم. وكان هذا الدور صدمة للسلطات، ولولا التأييد الشعبي والتاريخ والدور الذي كان يلعبه عصام العطّار لم يكن ليسمح له بذلك.
افترق موقف الأُخوان عن موقف جميع الأطراف، فقد أراد العطّار الاستمساك بأصل الوحدة مع التعديل في أساسها، ورفض توقيع وثيقة الانفصال، ورفض معه الأُخوان، ورفض التيّار الإسلامي في البلاد الانفصال، في حين وقّع القوميّون والاشتراكيّون الوثيقة.
فأجمع الإسلاميّون على ترشيح العطّار بقائمة مصغّرة من ثلاث أشخاص، ولم ينجح من قائمة الحزب الوطني إلّاصبري العسلي، وتألّفت أوّل حكومة، وانتخب ناظم القدسي رئيساً للجمهورية، وكلّف معروف الدواليبي بتأليف الوزارة، وطلب من العطّار المشاركة في الوزارة، ولكنّه رفض. وبعد عدّة أشهر قام انقلاب، واعتقلوا رئيس الدولة ورئيس الوزارة، ودعوا 13 شخصاً منهم عصام العطّار من أجل أن يشاركوا في استلام الحكم في سورية، فرفض عصام العطّار ذلك، ودعاهم إلى إعادة رئيس الجمهورية إلى مكانه، فأفرجوا عنه ورجع رئيساً للجمهورية، وأجبروه على تكليف بشير العظمة بتأليف الوزارة، فدعا عصام العطّار إلى القصر الجمهوري وعرض عليه المشاركة في الوزارة، ولكنّه رفض؛ لأنّ بشير العظمة شيوعي ولا يصلح لتأليف الوزارة، وطلب حكومة ائتلافية يشارك فيها الجميع أو حكومة حيادية يطمئن إليها الجميع، فاتّصل رئيس الجمهورية بعصام العطّار وعرض عليه أن يسمّي أربعة وزراء، فرفض، فاضطرّت حكومة بشير العظمة للاستقالة.
الآثار والمؤلّفات
من مؤلّفات العطّار: في قضية فلسطين... آراء ومواقف، رحيل (شعر)، يجب أن يبدأ في أنفسنا التحوّل، رسالة إلى الأُخوّة المؤمنين، أزمة روحية، ثورة الحقّ (شعر)، منطلقات وأهداف، من بقايا الأيّام، كلمات، التلميذ الناشئ والشيخ الحكيم.
الآراء
هذه باقة من أقواله:
* إنّنا مرحلة من مراحل الطريق، ولسنا نهاية الطريق، وجسر للمستقبل، فلا بدّ من تجاوزنا للوصول إلى المستقبل. أمّا الذين يقفون عند ما صنعناه وكتبناه، فلن يقتربوا من
الغاية المرجوّة، ولن يُحقّقوا للإسلام والمسلمين والإنسان ما يؤمّل فيهم، وينتظر منهم من الخير.
* انظروا إلى أقوالنا وأعمالنا بعين واعية ناقدة، فتداركوا النقص وصحّحوا الخطأ، فذلك حقّ للَّهوللناس وضرورة للسلامة والتقدّم، وهو أفضل هدية وأكرم يد تسدونها إلينا في الحياة وبعد الممات.
* يجب أن نردّ إلى الإسلام صورته الأصلية النقية، وإلّا كيف يعرفه الناس على حقيقته، وكيف يحلّونه ويحبّونه، وكيف نؤدّي رسالته السامية الخالدة من جديد في بلادنا نفسها وفي عالمنا وعصرنا؟!
ويجب أن نردّ إلى الإسلام نظرته الإنسانية العالمية المستقبلية الأصيلة المتجدّدة، فالإسلام ليس دين الماضي وحده، ولا دين العرب والمسلمين وحدهم، ولكنّه دين الإنسانية والإنسان في كلّ مكان وزمان.
ويجب أن نهيّئ الأسباب والظروف ونوفّر الإمكانات والجهود لانطلاق الطلائع الإسلامية ونموّها وتفوّقها في مختلف الاختصاصات والصفات والخيرات والميادين لتنهض بهذه الواجبات الكبرى وأمثالها في هذه المنعطفات التاريخية الحاسمة في حياتنا وحياة سائر البشر.
ويجب علينا ونحن نُعدّ خيرَ إعداد للمستقبل أن نقدّم أيضاً في الحاضر وللحاضر أقصى ما نستطيع، وأفضل ما نستطيع، واثقين كلّ الثقة بربّنا، ثمّ بأنفسنا، ومستقبل الإسلام والمسلمين والإنسان.
* على المسلمين الذين يعيشون في الغرب، ويحمل كثير منهم جنسية البلاد التي يقيمون فيها أن ينظروا إلى هذه البلاد التي توفّر لهم الأمن والاستقرار والعلم والعمل وحرّية العقيدة والعبادة والمممارسات الدينية والثقافية على أنّها وطنهم أيضاً، وأن يحرصوا على أمنها وخيرها ومصالحها المشروعة، ويجسّموا فيها بأقوالهم وأعمالهم وسلوكهم اليومي الإسلام النقي الجميل الإنساني السمح كما أنزله اللَّه تعالى، وأن يقيموا حياتهم فيها على
أصحّ الأُسس الشرعية والقانونية، ويتعاونوا بمقياس الإسلام وحدوده مع سائر أبناء البلاد على تعميق التعارف والفهم المتبادل وتحقيق الخير المشترك.
أمّا بعض المسلمين الذي يحملون جنسية هذه البلاد، أو يقيمون فيها، ويستفيدون منها مادّياً ومعنوياً، ويرون مع ذلك أنّها (دار كفر) يستبيحون فيها أحياناً ما لا يبيحه قانون ولا نظام، فهم مخطئون كثيراً، وهم يسهمون من حيث يعلمون أو لا يعلمون في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتنفير الناس منهم، ومساعدة أعدائهم على الكيد لهم بغير حقّ... إنّ الإسلام يفرض على المسلمين الصدق والأمانة والعدل، ويحرّم عليهم الكذب والخيانة والظلم في أيّ مكان من الأرض.