الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تاريخ التشريع الاسلامي عند الإمامية»
Mohsenmadani (نقاش | مساهمات) |
Wikivahdat (نقاش | مساهمات) ط (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش|2}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}') |
||
سطر ٩٥: | سطر ٩٥: | ||
<br>وفي هذه المرحلة تضخم علم الأصول وتوسعت كمّا بحوث وتشقيقات كثيرة، وأفرد للبحث في الأصول العملية بابا خاصّا يوازي البحث في الأدلّة، وتعزّز دور علم الأصول في عملية [[التشريع الإسلامي]]، وعاد للإجماع وللعقل دورهما في استنباط الأحكام واعتبارهما من [[مصادر التشريع]] المهمّة على الصعيد الفقهي. | <br>وفي هذه المرحلة تضخم علم الأصول وتوسعت كمّا بحوث وتشقيقات كثيرة، وأفرد للبحث في الأصول العملية بابا خاصّا يوازي البحث في الأدلّة، وتعزّز دور علم الأصول في عملية [[التشريع الإسلامي]]، وعاد للإجماع وللعقل دورهما في استنباط الأحكام واعتبارهما من [[مصادر التشريع]] المهمّة على الصعيد الفقهي. | ||
= | == الهوامش == | ||
{{الهوامش | {{الهوامش}} | ||
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] | [[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] |
المراجعة الحالية بتاريخ ١٨:٢١، ٥ أبريل ٢٠٢٣
تاريخ التشريع الاسلامي عند الإمامية: المراد بالتشريع هو وضع القوانين والأحكام، وهو مأخوذ من الشريعة، ويراد به سنّ الشرائع والأحكام. وأما تاريخ التشريع الإسلامي مرّ عند المسلمين بمراحل عدّة أثرت فيه وفي مصادره الأساسية، وأنّ لكلّ فريق مراحله الخاصّة به، فالتشريع عند الإمامية تختلف مراحله عن التشريع عند أهل السنّة؛ وذلك لأنّ لكلّ فريق منهجا خاصّا في اُسلوب وطرق التشريع ممّا جعله يختلف في مراحله، وفي هذا المقال نشير إلی تاريخ التشريع عند الإمامية فقط.
تاريخ التشريع عند الشيعة
التشريع عند الشيعة الإمامية مرّ بمراحل عدّة:
المرحلة الاُولى: التشريع في عهد النبي(ص)
كان التشريع في عهده(ص) يعتمد على دعامتين أساسيتين هما: الكتاب والسنّة، وكلّ منهما يؤدّي دورا لايمكن الاستغناء به عن الآخر في عملية التشريع.
وتمتد هذه المرحلة من بعثته(ص) حين نزول أوّل آي القرآن الكريم بمكّة المكرمة حتّى وفاته(ص) في المدينة المنورة، أي أنّ هذه المرحلة استغرقت مدّة ثلاث وعشرين سنة. ولم يرحل من هذه الدنيا إلاّ بعد أن قام بدور وضع الأساس للتشريع الإسلامي، وذلك:
1 ـ بتبليغه القرآن للناس تبليغا كاملاً.
2 ـ تبليغه السنّة[١].
وقد قام أهل البيت عليهمالسلام في عهده(ص) بتدوين الحديث، فذكر السيوطي إنّ أهل البيت عليهمالسلام وجابر وابن عبّاس من جملة الذين دوّنوا الحديث في حياته(ص)[٢].
قال السيّد حسن الصدر: «إنّ الشيعة أوّل من تقدّم في جمع الآثار والأخبار في عصر خلفاء النبي المختار عليه وعليهم الصلاة والسلام اقتدوا بإمامهم أمير المؤمنين عليهالسلام، فإنّه عليهالسلام صنّف فيه على عهد رسول اللّه(ص)...»[٣].
وقال السيّد شرف الدين: «رجال الشيعة أقدم من غيرهم في جمع الحديث وتدوين العلوم؛ ضرورة أنّه لم يتصدّ لذلك في العصر الأوّل أحد غير علي وأولي العلم من خاصّته»[٤].
المرحلة الثانية: التشريع في عهد الإمام علي عليهالسلام11 ـ 40هـ
يرى الشيعة أنّ الإمام علي عليهالسلام وأهل البيت عموما امتداد للرسول من الناحية التشريعية والتبليغية، ولأجل ذلك تعدّ المرحلة ما بعد الرسول حتّى عصر غيبة الإمام الثاني عشر تحمل ذات الطابع الذي كانت تحمله مرحلة حياة الرسول.
وبعد وفاته(ص) غدا الإمام علي عليهالسلام المرجع العام للمسلمين يرجعون إليه في شؤونهم كافّة، فيما يتعلّق بدينهم ودنياهم.
وتميزت هذه المرحلة بعدّة خصائص:
الاُولى: قيامه عليهالسلام بجمع القرآن وترتيبه على حسب النزول مع إضافة بعض التعليقات والشروح إليه «فجمعه مرتّبا على حسب نزوله، وأشار إلى عامه وخاصّه ومطلقه ومقيده ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وعزائمه ورخصه وسننه وآدابه، ونبّه على أساس النزول في آياته البينات وأوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات»[٥].
الثانية: ألّف بعد ذلك كتابا في الديّات أسماه «الصحيفة»، روى عنها كلّ من البخاري ومسلم في صحيحهما، وكذلك أحمد في مسنده[٦].
الثالثة: تأليفه عليهالسلام لفاطمة عليهاالسلام كتابا يُعرف بـ «مصحف فاطمة» وقد تضمّن أمثالاً وحكما وأخبارا وقضايا اُخرى[٧].
الرابعة: ألّف جماعة كثيرون كتبا فيما يروونه عن علي عليهالسلامفـ «اقتدى بأمير المؤمنين عليهالسلام ثلة من شيعته فألّفوا على عهده، منهم: سلمان الفارسي وأبو ذرّ الغفاري فيما ذكره ابن شهر آشوب، حيث قال: «أوّل من صنّف في الإسلام علي بن أبي طالب، ثُمّ سلمان الفارسي، ثُمّ أبو ذرّ الغفاري. ومنهم: أبو رافع مولى رسول اللّه(ص) وصاحب بيت مال أمير المؤمنين... له كتاب في السنن والأحكام والقضايا جمعه من حديث علي خاصّة... ومنهم: علي بن أبي رافع... له كتاب في فنون الفقه على مذهب أهل البيت عليهمالسلام وكانوا يعظمون هذا الكتاب ويرجعون شيعتهم إليه، قال موسى بن عبد اللّه بن الحسن: سأل أبي رجل عن التشهد فقال: هات كتاب ابن أبي رافع فأخرجه وأملاه علينا،... ومنهم: ربيعة بن سميع له كتاب في زكاة النعم من حديث علي عليهالسلام عن رسول اللّه، ومنهم: عبداللّه بن الحر الفارسي له المعة في الحديث جمعها عن علي عليهالسلام عن رسول اللّه(ص)، ومنهم: الأصبغ بن نباتة... روى عنه عهده إلى الأشتر»[٨].
المرحلة الثالثة: التشريع في عهد الحسنين وزين العابدين عليهمالسلام 40 ـ 95هـ
اتّسمت هذه المرحلة بظهور تشنّجات سياسية بدخول الأمويين على الخطّ واستيلائهم على هرم السلطة فـ «عاصر الأئمة الثلاثة في هذا العهد عنف الحكم الأموي، حيث التضييق على أهل البيت عليهمالسلام والضغط على شيعتهم بالقتل والسجن والتعذيب بغية القضاء على مدرسة أهل البيت لتبنيها منهج النصّ ورفضها رفضا صريحا وحازما منهج الرأي[٩].
فلم يتسنّ للأئمة الثلاثة الفرصة والدور المناسب للقيام بعمل بيان الأحكام للناس، ولذلك نرى في المدوّنات الحديثية لدى الشيعة الإمامية قلّة الأحاديث التي تنقل عنهم، قياسا إلى غيرهم من الأئمة كالباقر والصادق عليهماالسلام.
ومن مميزات هذه المرحلة وجود الصحيفة التي تنسب الى الإمام زين العابدين عليهالسلام، وهي كانت من إملائه كتبها ابنه الباقر عليهالسلام، ويقال: كتبها ابنه زيد الشهيد أيضا[١٠].
المرحلة الرابعة: التشريع في عهد الباقر والصادق عليهماالسلام 95 ـ 148هـ
وهذه المرحلة هي أبرز مراحل التشريع عند الشيعة الإمامية وتعتبر العصر الذهبي الذي مرّ به تاريخ التشريع عندهم. وهذه المرحلة امتازت بخصائص كبرى، وهي:
أوّلاً: قيام كلّ من الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلامبتأسيس جامعة دينية يدرس فيها العلوم والفنون كافّة، وقد كانت هذه الجامعة بمثابة فجر جديد في تاريخ الإسلام .
ثانيا: استقطبت هذه الجامعة الدينية الآلاف من الطلاب وقد «بلغوا أكثر من أربعة آلاف طالب رووا عنهما الحديث والفقه وغيرهما من العلوم في الأصول والفلسفة والتفسير واللغة والطبيعيات وغير ذلك، وتركوا في كلّ فنّ من هذه الفنون عشرات الأحاديث والمؤلّفات»[١١].
يقول المحقّق الحلّي: «روى عن الصادق ما يقارب أربعة آلاف رجل وبرز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل جم غفير كزرارة بن أعين وأخويه بكير وحمران، وجميل بن درّاج، ومحمّد بن مسلم، ويزيد بن معاوية، والهشامين وهما: (هشام بن الحكم، وهشام بن سالم)، وأبي بصير، وعبيداللّه، ومحمّد وعمران الحلبيين، وعبد اللّه بن سنان، وأبي الصباح الكناني، وغيرهم من أعيان الفضلاء»[١٢].
ولم يقتصر روّاد هذا المجلس على شيعته ومريديه، بل تلمذ على يديه علماء بارزون من أئمة المذاهب الاُخرى كسفيان الثوري، وعمرو بن عبيد، وأبي حنيفة، ومحمّد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، ومالك بن أنس[١٣].
وأهمّ مؤلّفات هذا العهد هو الأصول الأربعمئة حتّى ألّفها كلّ من تلاميذ الباقر والصادق عليهماالسلام، وبعض منها في عهد الكاظم والرضا عليهماالسلام وهذه الأصول الأربعمئة، أربعمئة مصنّف تعود إلى أربعمئة مصنّف معروفين بالاسم في كتب الرجال والتراجم.
وهذه الأصول الأربعمئة وغيرها، هي المصدر الأساس للفقه الجعفري، ومنها تؤخذ الأحكام والعقائد والأخلاق.
يقول هاشم معروف الحسني: «وبعد التتبع في كتب المتقدّمين والمتأخّرين من الشيعة نراهم متفقين على الأصول المذكورة، ولم يعرف واحد منهم التردد والتشكيك بها، وأنّ الحر العاملي قد أحصى مؤلّفات أصحاب الأئمة فبلغت ستّة آلاف وستمئة كتاب، وذلك كلّ ما ألّفه أصحاب الأئمة من عهد الإمام علي عليهالسلام إلى زمن الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليهالسلام أمّا الأصول الاربعمئة فهي ما روته الرواة من أحاديث الإمامين الباقر والصادق، وأصبحت بعد ذلك مصدرا لأحاديث أهل البيت عليهمالسلام في الفقه وغيره من أصول الإسلام، وإذا لاحظنا كتب الرجال ودراية الحديث يحصل لنا القطع بصحّة هذا الإحصاء الذي ادّعاه الحر العاملي وفي كتب الفهارس لأسماء المؤلّفين كفهرست الطوسي والنجاشي وغيرهما ممّا يؤكّد ذلك أيضا»[١٤].
إلاّ أنّ هذه الأصول لم تبق على حالها، بل قام ثلة من المحدثينالأوائل في أوائل القرن الرابع إلى أخذ هذه الأصول وتبويبها بحسب الأبواب الفقهية، مع ذكر الإسناد إليها في المشيخة، وقد «بقي الكليني ت329ه أكثر من عشرين عاما يتجوّل الأقطار يجمع الحديث ويبحث عن مؤلّفات الشيعة»[١٥]. فألّف كتاب الكافي في الأصول والفروع، وهو يحتوي على «ستّة عشر ألف ومئة وتسعة وتسعون حديثا، وهي أكثر ممّا اشتملت عليه الصحاح الستّة بأجمعها»[١٦].
ومثله فعل الصدوق (ت381ه ) في (كتاب من لايحضره الفقيه)، والطوسي (ت460ه ) في كتابيه (تهذيب الأحكام) و(الاستبصار فيما اختلف من الأخبار). وهذه تُعرف بالكتب الأربعة، وهي من أهمّ مصادر الحديث عند الشيعة الإمامية[١٧].
ولم يتوقّف دور الإمامين في رواية الحديث، بل تعدّى إلى تدريب تلامذتهم على استنباط الأحكام الشرعية التي لا نصَّ فيها في الظروف التي لايمكن الوصول فيها إلى الإمام عليهالسلامواعطائهم الضوابط العامّة والقواعد الكلّية التي من خلالها يمكن معرفة أحكام جزئياتها. فقد وردت عنهم جملة من الروايات تتضمّن ذلك مثل قوله عليهالسلام: «لاتعاد الصلاة إلاّ من خمسة»، وقوله عليهالسلام: «ولاتنقض اليقين أبدا بالشكّ»، وقوله عليهالسلام: «وكلّ شيء شكّ فيه وجاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» الذي يشير إلى قاعدة الفراغ والتجاوز، وقوله عليهالسلام: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» الذي يشير إلى قاعدة لا شكّ لكثير الشكّ. وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة عنهم، والتي تحتوي على قواعد عامّة للاستنباط.
المرحلة الخامسة: التشريع من عهد الإمام الكاظم(ع) الى انتهاء الغيبة الصغرى 148 ـ 329هـ
الكلام في هذه المرحلة شامل لأدوار ستّة من الأئمة عليهمالسلامهم الكاظم والرضا والجواد والهادي والحسن العسكري والمهدي عليهمالسلام، فإنّهم يتشابهون في نفس الظروف التي كانت تحيط بهم نتيجة تضييق السلطات عليهم آنذاك.
وتختلف هذه المرحلة عن سابقتها؛ لأنّ الظروف التي كانت تحيط بالمرحلة السابقة في عهد الإمامين الباقر والصادق تختلف اختلافا كبيرا عن الظروف التي كانت تحيط بهذه المرحلة، ففي تلك المرحلة مرّ المسلمون بفترة انتقالية ما بين الدولتين الأموية والعباسية، فترة رخاء الدولة الأموية وانحلالها وفترة بدايات تأسيس الدولة العباسية التي لم تكتمل أركانها بعد، ممّا يعني أنّ السلطة السياسية كانت مبعثرة ومشغولة بنفسها أكثر من انشغالها بخصومها ممّا لايتفقون معها بالرأي[١٨].
أمّا هذه المرحلة فهي تبدأ مع استحكام قوة العباسيين وسيطرتهم على السلطة، ولذلك يمكن القول: «إنّ التشريع الجعفري بعد وفاة الإمام الصادق عليهالسلام قد اعتراه بعض الفتور بسبب اتجاه الحكّام إلى التضييق على الأئمة وشيعتهم واعتقال الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام، ممّا أدّى إلى تعسّر الاتّصال به»[١٩].
ويقارن السيّد هاشم معروف الحسني بين هذه المرحلة وبين سابقتها بقوله: «وقد اختصّ الإمامان الباقر والصادق عليهماالسلام بدور خاصّ... لأنّهما قاما بأكبر نصيب في ذلك واستطاعا في نصف قرن من الزمن أن يقدّما إلى العالم مجموعة كبرى من مختلف العلوم ولاسيّما في الفقه الإسلامي المتّصل إليهما من جدّهما الرسول الأمين(ص)، ولم تتيسر تلك المصادفات التي تيسّرت لهما لأحد من أئمة الشيعة، ولذلك كان الفقه الشيعي بأغلبيته مأخوذا منهما، ونسب إلى الإمام جعفر عليهالسلام؛ لأنّه استطاع أكثر من أبيه أن يقوم بأداء هذه المهمّة، أمّا غيرهما من الأئمة فكانت حياتهم متشابهة في جميع مراحلها»[٢٠].
ورغم ذلك إلاّ أنّ هذه المرحلة لاتخلو من بعض الأعمال التي تصب في خانة التشريع وهذه يمكن بيانها كما يلي:
أوّلاً: كان الإمام الكاظم عليهالسلام في بدايات إمامته يمارس النشاط العلمي، وقد احتوت المصنّفات في الحديث شيئا من ا لروايات المنقولة عنه، فلقد «كان يتابع رسالة آبائه في نشر العلم ويلقي عليهم دروسا في الفقه والحديث والأخلاق وجميع العلوم الإسلامية وغيرها، وروى هؤلاء أحاديثه وفقهه إلى الناس من بعده وأصبحت من مصادر الفقه الجعفري بعد عصر الأئمة عليهمالسلام»[٢١].
ثانيا: تداول مرويات تلامذة الامامين الباقر والصادق عليهماالسلاموعرضها على الأئمة عليهمالسلام في هذه المرحلة ككتب بني فضال والفطحية والواقفية وغيرهم التي أجاز الأئمة في هذه المرحلة العمل بها مع انحراف أصحابها عن الأئمة وأطلقوا قولهم: «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا»[٢٢].
ثالثا: كان الإمام الرضا عليهالسلام يمارس نفس الدور التشريعي الذي قام به أبوه الكاظم عليهالسلام، ومن المصنّفات التي احتوت أحاديثه هو كتاب «الفقه الرضوي» الذي أخذ المحدّثون منه كثيرا عند تدوينهم للحديث وتبويبه حسب الأبواب الفقهية[٢٣].
رابعا: قيام الإمام الجواد عليهالسلام بالدور التشريعي بعد أبيه الرضا عليهالسلام «وروى عنه جماعة من الفقهاء والمحدّثين في الفقه وغيره من العلوم الإسلامية، كما تنصّ على ذلك كتب الحديث والرجال»[٢٤].
خامسا: انتقل الدور إلى الإمام الهادي عليهالسلام بعد أبيه الجواد «فكان مرجعا للمحدّثين والفقهاء فيما يشكل عليهم أمره من الأحكام والأحاديث التي تصلهم من الرواة ومؤلّفات أصحاب الإمام الصادق»[٢٥].
سادسا: انتقل الدور إلى الإمام الحسن العسكري عليهالسلاممن بعد أبيه الهادي فـ «رجع إليه الشيعة والعلماء في اُمور دينهم، وأخذوا عنه الفقه والحديث جماعة من فقهاء الشيعة والمحدّثين، منهم: الحسين بن سعيد الأهوازي... ومنهم: الحسن بن خالد البرقي صاحب التفسير الذي أملاه عليه الحسن العسكري المعروف بتفسير العسكري»[٢٦].
سابعا: انتقل الدور إلى الإمام المهدي عليهالسلام بعد وفاة أبيه العسكري عليهالسلام فـ «روى عنه الرواة في مختلف أبواب الفقه، ونقلها المحدّثون في مجاميع كتب الحديث ولاتزال تلك المرويات من مصادر الفقه عند الجعفريين»[٢٧].
ومن مختصات هذه المرحلة هي قلّة المرويات عن أهل البيت قياسا إلى سابقتها وهي مرحلة الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام فـ «إنّ ما رواه تلاميذ الإمامين محمّد الباقر وجعفر الصادق وما دونوه في مختلف العلوم، تلك المرويات والمدونات كانت مادّة غزيرة بيد الطبقة الثانية والثالثة من الشيعة المعاصرين لبقية الأئمة من أهل البيت، أمدتهم بقوة التفكير وسعة الانتاج في مختلف المواضع العلمية، فكانت حلقات الدرس في الكوفة وبغداد والحجاز وقم وغيرها من البلاد الإسلامية لدراسة تلك الآثار»[٢٨].
المرحلة السادسة: تبويب الحديث وظهور الاجتهاد 260 ـ 460هـ
ففي هذه المرحلة تنبّه العلماء إلى الحاجة على الحفاظ على مصادر الحديث من التلف والضياع لكونها المصدر الأساس الثاني من مصادر التشريع، بل إنّ القرآن الكريم وحده لايحتوي إلاّ على القليل من أحكام الشريعة الإسلامية، فكان ولا بدّ من التوجّه إلى السنّة والحفاظ عليها، وخصوصا أنّ أهل البيت كانوا يحثّون اتباعهم على التدوين وكتابة العلم، فبرزت الحاجة إلى تبويب تلك الأحاديث المبعثرة في الأصول التي رواها تلاميذ الأئمة عليهمالسلام وتمحيص تلك المرويات ومعرفة أسانيدها الى الإمام عليهالسلام وتطبيق قواعد الصحّة والاعتلال عليها.
فقام ثلّة من المحدّثين الأوائل إلى تمحيص تلك الأصول الحديثية والتي يقدّر المعتبر منها بأربعمئة أصل تعود لأربعمئة مصنّف، فألّفت الكتب الأربعة التي هي الأصول الحديثية المعروفة لدى الشيعة الإمامية، وهي كما يلي:
1 ـ (الكافي) لـ محمّد بن يعقوب الكليني (ت329ه )، وقد جمع أحاديثه في ما يقارب العشرين عاما، وهو يشتمل على أحاديث في الأصول والفروع ويحتوي على «ستّة عشر ألف ومئة وتسعة وتسعون حديثا، وهي أكثر ممّا اشتملت عليه الصحاح الستّة بأجمعها»[٢٩].
2 ـ (من لايحضره الفقيه) لمحمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي الصدوق (ت381ه ) و«هو من أهمّ كتب الحديث عند الشيعة وعدد أحاديثه 5963 حديثا»[٣٠].
3 ـ (تهذيب الأحكام) و(الاستبصار فيما اختلف من الأخبار) لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (ت460ه ) «أمّا التهذيب فهو أحد الكتب الأربعة والمجامع القديمة المعوّل عليها، وقد انتهت أبوابه إلى 390 بابا واُحصيت أحاديثه 13590 حديثا، وتوجد فيه نسخة بخط المؤلّف، وأمّا الاستبصار فيما اختلف من الأخبار فهو أحد الكتب الأربعة التي عليها مدار استنباط الأحكام الشرعية عند الفقهاء وقد أحصيت أحاديثه فكانت 5511 حديثا»[٣١].
وقد برزت في هذه الفترة الحاجة إلى الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية من النصوص الموروثة عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام، والاجتهاد في هذه المرحلة يعبر عن أوّل مراحله، وهي استنباط الحكم الشرعي من النصوص والروايات طبق الظواهر اللغوية المتبانى عليها القريبة من عصر النصّ، وألّفت كتب الفتوى بصورة رواية تروى عن الإمام مع حذف الأسانيد منها كما في (المقنع) و(الهداية)، إلى أن وصل السير بعملية الاستنباط إلى مراحل أكثر تعقيدا من خلال ظهور التأليفات في علم الأصول كالتذكرة بأصول الفقه للشيخ المفيد (ت413ه )، والذريعة الى أصول الشريعة للسيّد المرتضى (ت436ه )، والعدّة في أصول الفقه لـ الشيخ الطوسي (ت460ه )، وأخذ التشريع يأخذ بعدا آخر من مجرّد نقل الروايات إلى تدوين الفتاوى والآراء الفقهية المستنبطة من النصوص، وأخذ الفقه يتشعب إلى مسائل وافتراضات غير واقعة خارجا بعد.
المرحلة السابعة: عصر الركود الفقهي 460 ـ 550هـ
ففي هذه المرحلة كانت آراء الشيخ الطوسي (ت460ه ) هي المسيطرة على الساحة الفكرية ولم يجرأ أحد على نقد تلك الآراء أو مناقشتها على ضوء الموازين العامّة التي وضعها التفكير الفقهي لعملية الاستنباط وتشريع الأحكام. وقد نقلت كلمات عدّة في وصف تلك المرحلة بالركود والتقليد وعدم بذل الوسع في تطوير الاُسس الفقهية التي يقوم عليها التشريع الإسلامي.
فقد نقل عن الشيخ سديد الدين الحمصي (من أعلام القرن السادس) قوله: «لم يبق من الإمامية مفت على التحقيق بل كلّهم حاك»[٣٢].
وقال السيّد ابن طاووس (ت664ه ) في وصف هذه المرحلة: «فقد ظهر ليّ أنّ الذي يفتى به ويجاب على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدّمين»[٣٣].
ويؤكّد ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من نفي تحقّق الشهرة في زمان الشيخ الطوسي وما بعده بقوله: «فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمان الشيخ الطوسي على وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقّق، ولما عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهية جاء من بعده من العلماء واتبعه منهم عليها الأكثر تقليدا له إلاّ من شذ منهم، ولم يكن فيهم من يسبر الأحاديث وينقّب عن الأدلّة بنفسه»[٣٤].
ويصف ابن إدريس الحلّي (ت598ه ) هذه المرحلة بقوله: «إنّيلما رأيت زهد أهل هذا العصر في علم الشريعة المحمّدية والأحكام الإسلامية وتثاقلهم طلبها، وعداوتهم لما يجهلون وتضييعهم لما يعلمون، ورأيت ذا السنّ من أهل دهرنا هذا لغلبة الغباوة عليه، وملكه الجهل لقياده، مضيعا لما استودعته الأيّام، مقصرا في البحث عمّا يجب عليه علمه، حتّى كأنّه ابن يومه ونتيج ساعته ورأيت الناشئ المستقبل ذا الكفاية والجدة مؤثرا للشهوات صارفا عن سبل الخيرات ورأيت العلم عنانه في يد الامتهان، وميدانه قد عطل من الرهان...»[٣٥].
وهذه المرحلة وإن اتسمت بالركود على المستوى التشريعي إلاّ أنّها لاتخلو من وجود علماء بارزين قاموا بدورهم التشريعي على أحسن وجه كابن البراج الطرابلسي (ت481ه )، وأبي علي الطوسي (ت515ه ) والفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (ت548ه ) وغيرهم.
المرحلة الثامنة : عصر التجديد الفقهي 550 ـ 1030هـ
وتبدأ هذه المرحلة بظهور الشيخ ابن إدريس الحلّي (ت598ه ) الذي قاد حركة نقدية تجاه منهج الشيخ الطوسي في الاستنباط ومناقشة كثير من المسائل الفقهية التي لم يجرأ أحد على مناقشته فيها في عصر الركود والتقليد.
يقول الشيخ ابن إدريس الحلّي: «فعلى الأدلّة المتقدّمة ـ يعني الكتاب والسنّة المتواترة والإجماع ودليل العقل ـ أعمل وبها آخذ وأفتي واُدين اللّه تعالى ولا التفت إلى سواد مسطور وقول بعيد عن الحقّ مهجور، ولا اُقلد إلاّ الدليل الواضح والبرهان اللائح»[٣٦].
من خصائص هذه المرحلة:
الاُولى: شيوع التدوين في أصول الفقه ومسائله باعتباره رافدا مهمّا ومساعدا للفقيه في إجراء عملية الاستنباط، فاحتوى كتاب «السرائر» الكثير من مسائل أصول الفقه، وألّف كلّ من المحقّق الحلّي و العلامة الحلي كتبا مستقلة في أصول الفقه، فضلاً عن أصول الاستنباط وأدلّته التي يذكرها الفقهاء عادة في مقدّمة كتاباتهم الفقهية.
الثانية: بروز التصنيفات الكثيرة في الفقه الاستدلالي، فظهرت الموسوعات الفقهية التي تناولت أبواب الفقه كافّة أو معظمها، مرتبة إلى عبادات ومعاملات وأحكام، وأكثر التأليفات الفقهية تعود إلى هذه المرحلة.
الثالثة: الخروج عن نزعة التقليد التي كانت سائدة في المرحلة التي سبقتها وامتلاك الفقيه الحرية الكاملة في إبداء رأيه في مسألة ما والاحتكام في ذلك إلى الأدلّة والضوابط العامّة لأصول المذهب لا لأقوال الفقهاء.
المرحلة التاسعة: ظهور الفكر الأخباري 1030ه ـ 1186هـ
ففي هذه المرحلة ظهر الفكر الأخباري مقابلاً للفكر الأصولي الذي كان سائدا من زمان الشيخ الطوسي (ت460ه ) إلى هذه المرحلة، وقد شنّ الأخباريون حملة على علم الأصول والآليات التي يستخدمها المجتهدون في استنباط الحكم الشرعي من الآيات والروايات.
ولظهور الفكر الأخباري أثر كبير على طريقة ومنهج التشريع الإسلامي عند الشيعة الإمامية، فقد عمدوا طريقة اُخرى في تشريع الأحكام تختلف عن طريقة السابقين، وطريقتهم هذه تعتمد النقاط التالية[٣٧]:
الاُولى: إلغاء الإجماع والعقل من مصادر التشريع وعدم اعتبارهما، والاقتصار على الكتاب والسنّة القطعية.
بل حتّى الكتاب لايمكن الركون إليه والاعتماد على ظهوره لكلّ أحد وأنّه تجب الاستعانة بروايات أهل البيت عليهمالسلام حتّى ينقح ظهوره بالنسبة إلينا؛ لانّ ظواهر القرآن لايعرفها إلاّ من خوطب به، وهم وحدهم عليهمالسلام الذين خوطبوا به، فالكتاب لايمكن الاعتماد عليه من دون السنّة.
الثانية: اعتبار الأخبار التي احتوتها الكتب الأربعة (الكافي، من لايحضره الفقيه، التهذيب، الاستبصار) قطعية الصدور؛ لأنّها إمّا متواترة أو اقترنت بما يوجب القطع بها، ممّا يعني عدم الحاجة لـ علم الرجال و علم الدراية لانتفاء الحاجة لذلك مع قطعية ما في الكتب الأربعة.
الثالثة: عدم مشروعية الاجتهاد و التقليد؛ لأنّهما خلاف سيرة الأئمة عليهمالسلام؛ فإنّهم كانوا يبلّغون الأحكام للناس عند توجّه السؤال لهم، ولم يكن حاجة إلى إعمال قواعد أصولية في استكشاف الحكم الشرعي من مروياتهم.
الرابعة: التوقّف والاحتياط فيما لا نصّ فيه وعدم جواز الرجوع إلى البراءة الأصلية.
فكانت هذه النقاط أهمّ مبانيالأخباريين على الصعيد التشريعي.
وشهدت تلك المرحلة سجالاً عنيفا بين مدرسة الأخباريين ومدرسة الأصوليين، وألّفت كتب كثيرة ردّ فيها كلام طرف مباني الطرف الآخر. وتراجع الفكر الأخباري بوفاة الشيخ يوسف البحراني (ت1186ه ).
المرحلة العاشرة: مرحلة تجديد الفكر الأصولي 1186ه ـ إلى العصر الحاضر
بوفاة الشيخ يوسف البحراني (ت1186ه ) تكون قد طويت صفحة الفكر الأخباري ففقد تأثيره على الساحة العلمية، وأصبحت الغلبة للفكر الأصولي بزعامة الشيخ الوحيد البهبهاني (ت1206ه )، فناظر كثيرا في بيان فساد مبادئ الأخباريين، وألّف في ذلك عدّة رسائل ومقالات[٣٨].
وفي هذه المرحلة تضخم علم الأصول وتوسعت كمّا بحوث وتشقيقات كثيرة، وأفرد للبحث في الأصول العملية بابا خاصّا يوازي البحث في الأدلّة، وتعزّز دور علم الأصول في عملية التشريع الإسلامي، وعاد للإجماع وللعقل دورهما في استنباط الأحكام واعتبارهما من مصادر التشريع المهمّة على الصعيد الفقهي.
الهوامش
- ↑ . تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 17، 22.
- ↑ . تدريب الراوي 1 ـ 2: 315.
- ↑ . تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: 279.
- ↑ . مختصر الكلام (ضمن موسوعة الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين) 6: 2701.
- ↑ . المراجعات: 431، مراجعة 110.
- ↑ . أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الحكيم: 66، أضواء على السنة المحمدية: 94.
- ↑ . مختصر الكلام (ضمن موسوعة عبدالحسين شرف الدين) 6: 2704.
- ↑ . المراجعات: 433 ـ 434، مراجعة 110 بتصرّف.
- ↑ . تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 85.
- ↑ . مختصر الكلام (ضمن موسوعة الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين) 6: 2717.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 79.
- ↑ . المعتبر في شرح المختصر 1: 26.
- ↑ . الإمام جعفر الصادق: 194.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 81.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 83.
- ↑ . المراجعات: 440، مراجعة 110، وسائل الشيعة 1: 65 مقدّمة التحقيق.
- ↑ . أنظر: المراجعات: 440 مراجعة 110، وسائل الشيعة 1: 66 ـ 68 مقدّمة التحقيق.
- ↑ . أنظر: المبادئ العامة للفقه الجعفري: 308 ـ 312.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 320.
- ↑ . المصدر السابق: 308.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 312، أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 161 ـ 181.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 319.
- ↑ . أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 175، المبادئ العامة للفقه الجعفري: 324.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 325 أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 183 ـ 185.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 326 ـ 327 أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 185.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 327، أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 185 ـ 186.
- ↑ . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 328.
- ↑ . المصدر السابق.
- ↑ . المراجعات: 440، مراجعة 110، وسائل الشيعة 1: 65 مقدمة التحقيق.
- ↑ . الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 563.
- ↑ . المصدر السابق: 563 ـ 564.
- ↑ . كشف المحجّة لثمرة المهجة: 127.
- ↑ . المصدر السابق.
- ↑ . الرعاية في علم الدراية: 74 ـ 75.
- ↑ . السرائر 1: 41.
- ↑ . المصدر السابق: 51.
- ↑ . أنظر: روضات الجنات 1: 127 ـ 130، تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 436، تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره (السبحاني): 384 وما بعدها.
- ↑ . أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 450 ـ 451، تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره (السبحاني): 417 وما بعدها.