الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أصالة البرائة»
Mohsenmadani (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
Wikivahdat (نقاش | مساهمات) ط (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش|2}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}') |
||
سطر ٢٠٩: | سطر ٢٠٩: | ||
<br>هذا كلّه بالنسبة للشبهات الحكمية وأمّا [[الشبهات الموضوعيّة]]، فالظاهر منهم عدم الخلاف في عدم اشتراطها بالفحص، وقد استدلّ على ذلك بوجود الأخبار الواردة في مختلف أبواب الفقه بعدم لزوم الفحص و [[الاحتياط]] قبله بالنسبة للتكاليف الواقعية المحتملة، مثل ما ورد في صحيحة زرارة من أخبار [[الاستصحاب]]: «فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»<ref>. أنظر: وسائل الشيعة 3: 466 باب 27 باب أنّ كل شيء طاهر ح1.</ref>. وما ورد في أبواب الطهارة والنجاسة من قول أمير المؤمنين عليهالسلام: «ما أبالي أبولٌ أصابني أم ماء إذا لا أعلم»<ref>. أنظر: من لايحضره الفقيه 1: 42 باب 16 من أبواب ما ينجس الثوب والجسد ح18.</ref> وما ورد في سوق المسلمين من جواز شراء اللحم والجُبن، وما ورد في أبواب لباس المصلّي من الصلاة في الجلد المشتراة من سوق المسلمين المصرح فيها بقوله عليهالسلام: «ليس عليكم المسألة... إنّ [[الخوارج]] ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، أنّ الدين أوسع من ذلك»<ref>. أنظر: وسائل الشيعة 3: 491 ب50 باب طهارة ما يشترى من مسلم ح2.</ref>. وغيرها<ref>. أنظر: فرائد الأصول 2: 411، مصباح الأصول 2: 510، بحوث في [[علم الاصول]] 5: 410 وغيرها.</ref>. | <br>هذا كلّه بالنسبة للشبهات الحكمية وأمّا [[الشبهات الموضوعيّة]]، فالظاهر منهم عدم الخلاف في عدم اشتراطها بالفحص، وقد استدلّ على ذلك بوجود الأخبار الواردة في مختلف أبواب الفقه بعدم لزوم الفحص و [[الاحتياط]] قبله بالنسبة للتكاليف الواقعية المحتملة، مثل ما ورد في صحيحة زرارة من أخبار [[الاستصحاب]]: «فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»<ref>. أنظر: وسائل الشيعة 3: 466 باب 27 باب أنّ كل شيء طاهر ح1.</ref>. وما ورد في أبواب الطهارة والنجاسة من قول أمير المؤمنين عليهالسلام: «ما أبالي أبولٌ أصابني أم ماء إذا لا أعلم»<ref>. أنظر: من لايحضره الفقيه 1: 42 باب 16 من أبواب ما ينجس الثوب والجسد ح18.</ref> وما ورد في سوق المسلمين من جواز شراء اللحم والجُبن، وما ورد في أبواب لباس المصلّي من الصلاة في الجلد المشتراة من سوق المسلمين المصرح فيها بقوله عليهالسلام: «ليس عليكم المسألة... إنّ [[الخوارج]] ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، أنّ الدين أوسع من ذلك»<ref>. أنظر: وسائل الشيعة 3: 491 ب50 باب طهارة ما يشترى من مسلم ح2.</ref>. وغيرها<ref>. أنظر: فرائد الأصول 2: 411، مصباح الأصول 2: 510، بحوث في [[علم الاصول]] 5: 410 وغيرها.</ref>. | ||
= | == الهوامش == | ||
{{الهوامش | {{الهوامش}} | ||
<references /> | <references /> | ||
</div> | </div> | ||
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] | [[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] |
مراجعة ١٨:٢١، ٥ أبريل ٢٠٢٣
أصالة البراءة: أي البراءة من التکليف، والبراءة قسمان: عقلية وشرعية، وأما العقلي فهو حكم العقل بقبح عقاب المكلّف على مخالفة التكليف الواقعي عند الشكّ وعدم البيان، وأما الشرعي فهو حكم الشرع برفع الحكم أو آثاره عند الجهل والشكّ في مقام الظاهر والعمل.
تعريف البراءة لغةً
البرء والبراءة لغة القطع والتباعُد[١]، ومن ذلك قوله تعالى: «بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ»[٢] وقولهم في مباحث البيع «براءة البائع من العيوب» وبرءُ المريض إذا شفى، بل إطلاق العلماء في علم الاصول ويريدون به تباعد المكلّف من التكليف أو آثاره ـ من العقاب ونحوه ـ على نحو الإجمال.
تعريف البراءة اصطلاحاً
المراد بالبراءة في محلّ الكلام هو أصالة البراءة في إطلاقات علماء الاُصول، وهو حكم العقل بقبح عقاب المكلّف على مخالفة التكليف الواقعي عند الشكّ وعدم البيان، أو حكم الشرع برفع الحكم أو آثاره عند الجهل والشكّ في مقام الظاهر والعمل. ويسمّى الأوّل بـ البراءة العقلية، والثاني بـ البراءة الشرعية[٣]. وهذا الأصل بهذا المعنى غير مطروح في أصول أهل السنّة، وما يوجد أحيانا له في كلماتهم[٤] فيحتمل أو ظاهر في أحد المعاني المطروحة في الألفاظ ذات الصلة، خصوصا في الاستصحاب.
الألفاظ ذات الصلة
1 ـ استصحاب حال العقل
التعبير باستصحاب حال العقل متداول في كلمات جماعة من علماء الإمامية و أهل السنّة في استصحاب الحالة السابقة الثابتة قبل الشرع ـ من البراءة وعدم شغل الذمّة ـ بالعقل القطعي وهو في الحقيقة عين الاستصحاب بالاصطلاح المتداول في كلمات أهل الاُصول[٥]. والفرق بينه وبين أصالة البراءة، أنّ الأوّل مفروض فيه إحراز الحالة السابقة ويحكم فيه ببقاء الحالة المفروضة المعلومة، وهذا بخلاف أصل البراءة المبحوث عنه، حيث يكفي في الحكم به عقلاً أو نقلاً مجرد الشكّ وعدم العلم بالحكم الواقعي فعلاً، من دون حاجة إلى إحراز الحالة السابقة.
قال الشيخ الطوسي: «قسّم أصحاب الشافعي الاستصحاب إلى قسمين: 1 ـ استصحاب حال العقل، وهو الرجوع إلى براءة الذمّة في الأصل. 2 ـ استصحاب حال الإجماع...»[٦].
وقال المحقّق الحلّيّ: «أطبق العلماء على أنّ مع عدم الدلالة الشرعية يجب ابقاء الحكم على ما تقتضيه البراءة الأصلية، ولا معنى للاستصحاب إلاّ هذا»[٧].
وقال الشيرازي في اللمع: أمّا استصحاب الحال فضربان: استصحاب حال العقل واستصحاب حال الإجماع. فأمّا استصحاب حال العقل فهو الرجوع إلى براءة الذمّة في الأصل، وذلك طريق يفزع إليه المجتهد عند عدم أدلّة الشرع، ولا ينتقل عنها إلاّ بدليل شرعي ينقله عنه، فإن وجد دليلاً من أدلّة الشرع انتقل عنه ـ سواء كان ذلك الدليل نطقا أو مفهوما، أو نصّا أو ظاهرا ـ لأنّ هذه الحال إنّما استصحبها لعدم دليل شرعي، فأي دليل ظهر من جانب الشرع حرم عليه استصحاب الحال[٨].
وقال الشوكاني في استصحاب إرشاد الفحول: «قال الزركشي: لا بدّ من تنقيح موضع الخلاف، فإنّ أكثر الناس يُطلقه ويشتبه عليهم موضع النزاع، فنقول للاستصحاب صور:
إحداها: استصحاب ما دلّ العقل أو الشرع على ثبوته ودوامه كالملك عند جريان القول المقتضي له وشغل الذمّة عند جريان اتلافٍ أو التزام... فهذا لا خلاف في وجوب العمل به إلى أن يثبت معارض، قال: الثانية: استصحاب العدم الأصلي المعلوم بدليل العقل في الأحكام الشرعية، كبراءة الذمّة من التكليف حتّى يدل دليل شرعي على تغييره، كنفي صلاةٍ سادسة. قال القاضي أبو الطيّب: وهذا حجّة بالإجماع. أي من القائلين بأنّه لا حكم قبل الشرع»[٩].
وقال وهبة الزحيلي في أصوله: «للاستصحاب خمس صور أو خمسة أنواع: الأوّل: استصحاب حكم الإباحة الأصلية للأشياء التي لم يرد دليل بتحريمها. ومعنى هذا أنّ المقرر عند جمهور الاُصوليين بعد ورود الشرع هو أنّ الأصل في الأشياء النافعة التي لم يرد فيها من الشرع حكم معيّن هو الإباحة.
[ثُمّ قال:] الرابع: استصحاب العدم الأصلي المعلوم بالعقل في الأحكام الشرعية، أي انتفاء الأحكام السمعيّة في حقّنا قبل ورود الشرع كالحكم ببراءة الذمّة من التكاليف الشرعية والحقوق المترتبة فيها حتّى يوجد دليل شرعي يدلّ على التكليف [ثُمّ مثل له أمثلة فقال:] وما لم يعرف الدليل الذي يدل على خلاف الأصل فبعد ذلك من باب العلم بعدم الدليل، لا من باب عدم العلم بالدليل[١٠].
وقال في آخر كلامه في الأقسام: «هذا وقد جعل بعض العلماء الصورتين الاُولى والرابعة نوعا واحدا؛ لأنّ الإباحة الأصلية يشملها استصحاب العدم الأصلي»[١١].
2 ـ البراءة الأصلية ـ العدم الأصلي
المتداول في كلمات جماعة من متقدّمي الإمامية و أهل السنّة التمسّك بـ «البراءة الأصلية» أو «النفي الأصلي» كدليل على انتفاء الحكم ما لم يقم دليل شرعي على الثبوت[١٢]. واتّضح بما مرّ من الكلمات أنّ مرادهم منه استصحاب حال العقل ـ أي استصحاب البراءة والعدم ـ ؛ إذ مجرّد إحراز الحالة السابقة قبل الشرع لا يصلح دليلاً على ثبوتها إلى زمان الاجتهاد والفتوى إلاّ بالحكم ببقائها واستمرارها إلى تلك الحال كما لا يخفى، ولعلّه الظاهر من جماعة منهم أيضا[١٣]. ويحتمل أن يكون المراد منه ما سيجيء من أنّ عدم الدليل دليل العدم.
3 ـ عدم الدليل دليل العدم
قد وقع في كلام بعض الفقهاء الاستدلال على انتفاء الحكم الشرعي بعدم الدليل عليه[١٤]، وقد يتوهّم أنّ مرادهم منه أصل البراءة، بل قد جزم به بعض المتقدّمين حيث استدلّ بهذه القضية ـ أي عدم الدليل دليل العدم ـ على البراءة[١٥]، ولكنّه توهم باطل لمكان الفرق الواضح بين الأمرين ـ أي عدم الدليل دليل العدم وأصالة البراءة ـ كما صرح به بعضهم[١٦].
وتوضيح الفرق بينهما أن يستعمل في كلماتهم كأمارة على انتفاء الحكم واقعا، ولذلك حصره المحقّق الحلّي في المعتبر بما تعمّ به البلوى من المسائل، حيث إنّ المسألة إذا كانت ممّا تعمّ به البلوى وفي عين الحال لم يرد في ظاهر الأدلّة فيه حكم شرعي فبطبيعة الحال يحصل للفقيه الاطمئنان ـ إن لم نقل العلم ـ بانتفاء الحكم واقعا. وهذا غير أصالة البراءة التي مضمونها نفي العقاب أو نفي الحكم ظاهرا في مقام الشكّ في الحكم الواقعي ويعتبر من الأدلّة الظاهرية في مقام العمل.
قال وهبة الزحيلي: «عدم وجود الدليل السمعي المنقول عن الشرع قد يكون معلوما يقينا، وقد يكون مظنونا، وفي مثالي الصوم والصلاة انتفاء الدليل السمعي معلوم؛ إذ لو كان موجودا لانتشر ونقل إلينا، وما خفى على جميع الاُمة، وهذا علم بعدم الدليل...»[١٧].
4 ـ الحظر والإباحة
هناك مسألة مطروحة قديما في كلمات الاُصوليين من الإمامية و أهل السنّة من أنّ الأشياء في الأصل هل هي على الحظر أم على الإباحة؟ وقد اختلف في الجواب فذهب بعض إلى الحظر عقلاً وبعض إلى الإباحة وبعض توقف وذهب إلى أنّ العقل لا يدرك شيئا. والكلام هنا ليس في هذه المسألة، بل الكلام في الفرق بين مسألتنا المبحوث عنها (البراءة) والتي هي أصل عملي ظاهري ومسألة الحظر والإباحة، فهلاّ تكفي مسألة الحظر والإباحة عن مسألة البراءة؟ وقد اُجيب عن ذلك تارة بأنّ الإباحة والحظر المبحوث عنهما في تلك المسألة إنّما هي قبل الشرع والبراءة المبحوث عنها هنا البراءة بعد الشرع، وليس المراد من القبلية والبعدية الزمانية منهما كما لا يخفى، بل المراد القبلية الرتبية، وبتعبير آخر: إنّ المبحوث عنه في تلك المسألة الحظر والإباحة ولو لم يكن شرع ـ أي أن العقل لو لم يكن شرع أو كان ولم يكن دليل شرعي على الحكم هل يفهم حكم الأشياء من الحظر والإباحة أو لا يفهم شيئا؟ بينما يكون المبحوث عنه في مسألة البراءة بعد تشريع الأحكام للأشياء بعناوينها وأنّ مقتضى الشرع أو العقل بالنسبة لحالة الجهل والشكّ في حكم الأشياء بعناوينها هل هو البراءة أو الاحتياط ظاهرا؟ وأنّه لا ملازمة بين الحكم في المقامين فقد يمكن الحكم بالحظر في الاُولى وبالإباحة في الثانية أو بالعكس[١٨].
وقد يقال في تقريب ذلك: بأنّ المبحوث عنه في مسألتنا هو البراءة أو الاحتياط من حيث كونهما مقتضى الأصل العملي الظاهري، وأمّا المبحوث عنه في تلك المسألة فهو الحظر أو الإباحة من حيث كونهما مقتضى الدليل الاجتهادي.
توضيح ذلك: إنّ الأدلّة الاجتهادية القائمة على أحكام الأشياء بعناوينها الأوّلية والذاتية قد تكون من سنخ الأدلّة العقلية وقد تكون من سنخ النقلية ـ كعموم: «خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعا»[١٩]. «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ»[٢٠]. ونحوها، والكلام في أنّ الأشياء عند العقل هل هي على الحظر أو الإباحة من هذا القسم، يعني أنّه إذا فرض شرع ولم نجد دليلاً عاما شرعيا على إباحة الأشياء نبحث عن حكمها لدى العقل، وهذا الحكم العقلي لو كان فإنّما هو من أحد الأدلّة الاجتهادية على حكم الأشياء والموضوعات الخارجية والأفعال الصادرة من المكلّفين بمالها من العنوان، وواضح أنّ هذا غير الدليل الفقاهتي بالنسبة لمقام الشكّ في حكم الأشياء والأفعال بعناوينها[٢١]. وهي مسألتنا.
وقد يقال في مقام التفرقة بين المسألتين أنّ مسألة الحظر والإباحة مختصّ بالانتفاع المتعلّق بالموضوع الخارجي ـ في غير ما يتوقّف عليه المعاش الضروري ـ وأمّا موضوع مسألة البراءة فهو مطلق الفعل الصادر من المكلّف سواء كان له تعلّق بموضوع خارجي أو لم يكن، وأعم من أن يكون ذلك الفعل المتعلّق به انتفاعا من ذلك العين أم لا؟[٢٢] وكأنّه قد استفاد ذلك من كلمة «الأشياء» المذكورة في موضوع مسألة الحظر والإباحة حيث يقولون «هل الأصل في الأشياء هو الحظر أو الإباحة؟» وتصوّر أنّ المراد منها الموضوعات الخارجية، لكنّك خبير بأنّ عنوان الشيء عنوان عام قابل للإطلاق حتّى على مثل الواجب الباري تعالى فضلاً عن الأفعال الصادرة عن المكلّفين التي لا يرتبط بالموضوعات الخارجية ـ كالنوم ـ والتكلّم وغير ذلك والتفصيل بأكثر من ذلك في محلّه من علم الاصول[٢٣].
أقسام البراءة
تنقسم البراءة من حيث الدليل الدالّ عليها من العقل أو النقل إلى البراءة العقلية و البراءة الشرعية، والمراد من البراءة العقلية هو البراءة المستندة إلى القضية المتداولة في كلماتهم من «قبح العقاب بلا بيان»، ومن الشرعية ما يكون الدليل عليها النقل من الكتاب والسنّة، وسيأتي الكلام عن كل ذلك في أدلّة البراءة.
هل البراءة من الاُصول العملية المحضة أو التنزيلية؟
الاُصول العملية مختلفة باختلاف ألسنة أدلّتها وما يتعبّد فيها من شيء.
منها: ما كان لسانه لسان إثبات الواقع أو إحرازه تعبدا بما له من الآثار، وذلك مثل الاستصحاب و قاعدة التجاوز والفراغ، بل قد يقال بالحاق مثل (كلّ شيء لك طاهر) و(كلّ شيء لك حلال) أيضا بهما بناء على كون مفادها إثبات الطهارة والحلّية الواقعية تعبّدا وتنزيلاً، ويعبّر عن هذه الاُصول بالاُصول التنزيلية أو المحرزة، أي المحرزة للواقع تعبّدا.
ومنها: ما يكون مفاد دليله جعل الحكم ولكن من غير نظر إلى إثبات الواقع وتنزيل المشكوك منزلة الواقع وذلك مثل الأصلين الأخيرين بناء على هذا التفسير فيهما، فيكون مفادهما مجرّد جعل الطهارة والحلية الظاهرية في مقام الشكّ والجهل بالواقع.
ومنها: ما ليس مفاد دليله جعل حكم للواقعة أصلاً، بل كان مفاد دليله نفي الحكم عن الموضوع المشكوك الحكم في الظاهر، وذلك كأصالة البراءة الشرعية المستفادة من مثل قوله: «ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» و«رفع ما لا يعلمون»[٢٤].
هذا بالنسبة للبراءة الشرعية، وأمّا العقلية التي مفادها حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فليس لها ارتباط بالحكم الواقعي أو الظاهري أصلاً، وليس مفادها جعل حكم أو رفع حكم أصلاً، بل مفادها رفع العقاب.
وبذلك يظهر أنّ أصالة البراءة بقسميها من الاُصول العملية المحضة.
والأثر العملي لذلك يظهر من خلال مباحث الإجزاء ونحوها فراجع.
أدلّة البراءة
قد استدلّ على أصل البراءة بالعقل والنقل:
1 ـ دليل العقل
ومجمله أنّ العقل يستقلّ بقبح عقاب المكلّف على مخالفة تكليفه قبل وصول التكليف إليه بعد الفحص اللازم. وهذا ما ذهب إليه المشهور من الاُصوليين[٢٥]، بل قد كادت أن تكون إجماعية في العصر الثالث من عصور علم أصول الفقه، أي منذ زمن الوحيد البهبهاني[٢٦].
وقد ذكر في توضيح ذلك وجوه:
الأوّل: الإحالة إلى الوجدان العرفي في باب المولويات العقلائية، حيث نرى أنّهم لا يؤاخذون على ارتكاب مخالفة التكليف الواقعي في موارد الجهل وعدم العلم بالحكم الواقعي، وهذا بنفسه منبه على ارتكازية هذه القاعدة وعقليتها[٢٧].
الثاني: ما ذكره النائيني من أنّ الحكم بوجوده الواقعي لا اقتضاء فيه للتحرك نحو امتثاله ولا للانزجار منه، بل المقتضي للتحرك إنّما هو وصول الحكم الموجب لإرادة المكلّف، فالبعث بوجوده العلمي موجب للانبعاث، لا بوجوده الواقعي، فكما أنّ الأسد الخارجي بنفسه لا يوجب التحرز والفرار، وإنّما يوجب ذلك إذا عُلم به فكذلك الحرمة المجعولة من الشارع لا يترتّب عليها انزجار إلاّ بعد وصولها، فالعقاب على ترك التحرك عند عدم وجود المقتضي له قبيح[٢٨].
الثالث: ما ذكره المحقّق الاصفهاني من أنّ مخالفة تكليف تم عليه البيان يعتبر خروجا من زيّ العبودية وهو ظلم لِلمولى وقبيح عند العقل، وأمّا مخالفة ما لم تتم عليه الحجة والبيان فليس ظلما ولا يستحقّ فاعله العقاب[٢٩].
وقد أورد على الأوّل بابتناء ذلك على لحوق المولى الحقيقي ـ أي اللّه تبارك وتعالى ـ بالموالي العرفية في حقّ الطاعة، وأن يكون حقّ الطاعة بما هو مدرك من المدركات العقلية أمرا واحدا لا درجات له ولا مراتب، وهو أوّل الكلام، بل قد يدعى خلافه وأنّ المولويات العرفيّة والعقلائية مجعولة غير ذاتية أو تكون بملاكات ضعيفة ولذلك لا تصير داعيا وباعثا إلاّ بالوصول، وهذا بخلاف المولوية الذاتية الحقيقية للمولى الحقيقي، والذي تكون مولويته بملاك بالغ كامل مطلق، وهو المنعميّة، بل المالكيّة، ولذلك لا يرى العقل أيّ قصور في مولويته وحقّ طاعته، فلا قصور فيه حتّى بالنسبة للتكاليف الواقعيّة المحتملة[٣٠].
كما أورد على الوجه الثاني والثالث ـ مبنيّا على ما ذُكر من الإشكال ـ بإنكار عدم كون التكليف المحتمل الذي لم يتمّ عليه البيان مقتضيا للتحرّك بالنسبة للمولى الحقيقي الذاتي، وبالتالي إنكار عدم كون المخالفة تجاه التكليف المحتمل خروجا عن زي العبودية وظلما تجاه المولى عزّ وجلّ.
فاللازم على الجميع قبل البحث عن نفس هذه القاعدة البحث في أنّ حقّ الطاعة للمولى الحقيقي ـ الذي هو مدرك للعقل العملي ـ هل ينحصر في دائرة التكاليف المعلومة أو لا ينحصر فيها، بل يشمل مطلق التكاليف حتّى المحتملة، وقد ادّعى الشهيد الصدر بعدما مرّ من الإيرادات بأنّ المولوية الذاتية للّه سبحانه لا تختصّ بالتكاليف المعلومة بل تشمل مطلق التكاليف الواصلة ولو احتمالاً، وهذا من مدركات العقل العملي ووجدانياته[٣١].
وتفصيل الكلام في قاعدة «قبح العقاب بلا بيان» وكيفية جمعها مع قاعدة «لزوم دفع الضرر المحتمل» وسائر ما قيل في هذا المجال متروك إلى التفاصيل الاُصولية[٣٢].
2 ـ دليل النقل: وهو الآيات والأخبار
من الآيات قوله تعالى: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً».[٣٣] بتقريب أنّ بعث الرسول كناية عن بيان الأحكام واتمام الحجّة على المكلّفين بوصولها إليهم[٣٤]. وقوله تعالى: «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا»[٣٥] بدعوى أنّ سعة الموصول يشمل التكليف بالإطلاق كما يشمل المال والفعل، فيدلّ على أنّه تعالى لا يكلّف بتكليف إلاّ إذا آتاه، وإيتاء التكليف معناه عرفا وصوله إلى المكلّف[٣٦] وقوله تعالى: «قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ...».[٣٧] حيث تدلّ على أنّ مجرّد الوجدان كافٍ في إطلاق العنان[٣٨] وغيرها[٣٩].
وأمّا الأخبار فمنها حديث الرفع المروي عن النبي صلىاللهعليهوآله: «رفع عن اُمتي تسعة: الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه، وما لا يعلمون و...»[٤٠]. بتقريب أنّ الاُمور المرفوعة في الحديث غالبها اُمور تكوينية غير قابلة للرفع تكوينا. فمن الواجب بذل عناية في تصحيح هذا الرفع، إمّا بتقدير أمر قابل للرفع ـ كالحكم، أو المؤاخذة ـ وإمّا بجعل الرفع منصبّا على نفس هذه الأشياء، لكن بلحاظ وجودها في عالم التشريع، أو جعله رفعا تنزيليا وادعائيا، ويكون بهذه الاعتبارات حاكما على أدلّة الأحكام الأوّلية باعتبار نظره إليها موضوعا أو محمولاً على ما فصّله بعضهم[٤١]، فيكون الالزام المحتمل مرفوعا في مرحلة الظاهر[٤٢].
ومنها حديث الحجب، وهو ما روي عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال : « ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم »[٤٣].
ومنها حديث الإطلاق: وهو قول الصادق عليهالسلام: «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي»[٤٤]. وغيرها ممّا استدلّ بها على البراءة، وتفصيل الكلام فيما أورد عليها، واُجيب عنها وفي مدى دلالتها، وما ورد من أخبار الاحتياط التي تعتبر كمعارض لها متروك إلى المفصّلات الاُصولية.
مواضع جريان البراءة (مجاري البراءة)
قد تعرّضوا في مبحث البراءة من الاُصول لموارد مختلفة من حيث جريان البراءة وعدمه فيها، نتعرّض لأهمّها فيما يلي:
1 ـ الشكّ في أصل التكليف
قد جعل الشيخ الأنصاري أقسام الشكّ في التكليف الذي هو مجرى البراءة على ثمانية أقسام، باعتبار أنّ الشبهة تارة تكون وجوبية واُخرى تحريمية، وعلى كلّ تقدير فمنشأ الشكّ إما أن يكون فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النصّين أو الاُمور الخارجية، وجعل لكلّ واحد منها بحثا مستقلاًّ[٤٥]، ولعلّ غرضه من ذلك استقصاء جميع الأدلّة بالنسبة لكلّ مورد على حدّة لاحتمال وجود الفرق بينها في بعض الجهات.
بينما جعل المحقّق الخراساني وغيره البحث شاملاً لمطلق الشكّ في التكليف ـ الجامع لجميع الأقسام المزبورة ـ إذ إنّ ملاك جريان البراءة في الشكّ في التكليف واحد في جميع الأقسام، وهو عدم وصول التكليف إلى المكلّف.
مع أنّ عمدة أدلّة البراءة أيضا شاملة لجميع الأقسام[٤٦]، لكنّه قد أخرج تعارض النصّين على إطلاقه من بحث البراءة وجعله من مباحث التعادل والترجيح، ولذلك قد أورد عليه: بأن ذلك إن كان مجرّد تقسيم موضوعي للبحث وفارغا عن حكم كلّ قسم من الاحتياط أو البراءة أو التخيير، فلا بأس به، وأمّا لو كان مراده الإخراج حكما ـ وإن كان بعيدا ـ فهو غير قابل للالتزام؛ إذ كثيرا ما يحكم في تعارض النصّين بعد تساقطهما ـ مع عدم مرجح في البين، وعدم عام فوقاني يشمل بعمومه المقام ـ إلى الاُصول العملية التي أحدها البراءة مع عدم وجود أصل حاكم في البين[٤٧].
وكيف كان فقد ذهب المشهور من العلماء ـ وهم جميع المجتهدين[٤٨] ـ إلى جريان البراءة في موارد الشكّ في التكليف أخذا بالآيات والأخبار الدالّة عليها من مثل قوله تعالى: «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا»[٤٩]. وقوله: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»[٥٠]. وقوله: «وَمَا كَانَ اللّهُ ... حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ»[٥١]. وحديث الرفع[٥٢] وحديث الحجب[٥٣] وحديث الاطلاق[٥٤] وحديث السعة وغيرها، والإجماع[٥٥] والعقل[٥٦] على ما مر شطر منها في أدلّة البراءة والتفصيل متروك إلى المفصلات الاُصولية.
والمعروف ممن خالفهم في ذلك معظم الأخباريين في خصوص الشبهة التحريمية من جهة فقدان النصّ[٥٧] مستندين ببعض الآيات الناهية عن العمل بغير العلم[٥٨] والدالّة على لزوم الورع والتقوى،[٥٩] والأخبار الدالّة على حرمة القول بغير العلم[٦٠] والآمرة بـ الاحتياط والتوقّف وردّ الأحكام إلى أهلها[٦١] وغيرها ممّا وقع الكلام عنها مع أجوبتها في المفصلات الاُصولية.
كما قد ينسب إلى المحقّق الحلّي التفصيل بين ما تعم به البلوى وما لا تعم فيعتبر أصل البراءة في الأوّل دون الثاني، ولكن بدقيق النظر في كلامه يتّضح أنّ كلامه غير مرتبط بمبحث البراءة من الاُصول العملية وقد مرّ شطر مما يرتبط بذلك في الألفاظ ذات الصلة فراجع.
2 ـ الشكّ في المكلّف به مع كون المورد من موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر
وله قسمان:
أ ـ الأقلّ والأكثر الاستقلاليين.
ب ـ الأقلّ والأكثر الارتباطيان.
والمراد بالأول ما كان التكليف فيه بالأقل على تقدير ثبوته مستقلاً عن التكليف بالأكثر وغير مرتبط أحدهما بالآخر، وذلك مثل الدين، وقضاء الفائتة من الصلاة والصوم ونحوها. فإذا شكّ المكلّف أنّ لزيدٍ عليه ألف دينار أو ألفين، فحيث إنّ التكليف بوجوب ردّ الدين بالنسبة لكلّ جزء من المال ـ كالدرهم مثلاً ـ مستقل عن التكليف بوجوب ردّ سائر الدراهم، فيرجع الشكّ لا محالة بالنسبة للقدر الزائد على القدر المعلوم ـ وهو الأقلّ ـ إلى الشكّ في التكليف. وبتعبير آخر: التكليف بوجوب رد المال أو قضاء الصلاة أو الصوم بالنسبة للقدر المعلوم منها ثابت، وبالنسبة للأكثر مشكوك من أصله، وحيث إنّ التكليف بالأكثر على تقدير ثبوته واقعا مستقل عن سائر التكاليف ـ التي منها التكليف بالأقلّ ـ فالشكّ فيه لا محالة يكون من الشكّ في أصل التكليف[٦٢]، ولذلك نرى أنّ كلماتهم في مبحث الأقلّ والأكثر مختصّة بالارتباطي، وأمّا الاستقلالي فرجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في التكليف من الواضحات التي قد أرسل في كلماتهم إرسال المسلمات[٦٣].
ولو وقع بينهم خلاف في بعض الفروع كالفائتة التي حكم بعضهم فيها بلزوم الاحتياط، فإنّما هو لزعمهم كون المورد من موارد الشكّ في الامتثال فيجب الاحتياط من باب المقدّمة العلمية لتحقّق الامتثال[٦٤].
والمراد بالثاني ما كان التكليف بالأقلّ على تقدير ثبوته مرتبطا بالتكليف بالأكثر في مقام تعلّق التكليف وفي مقام الامتثال بحيث لو اُتي بالأقلّ منفكا عن الأكثر لم يتحقّق امتثال أصلاً، وذلك كالعلم بوجوب الصلاة مع الشكّ في جزئية السورة وعدمها، حيث إنّ وجوب السورة ليس وجوبا مستقلاًّ عن وجوب سائر الأجزاء ـ كما كان في الدين ـ بل جميع الأجزاء يكون وجوبها بوجوب واحد قد تعلّق بالكلّ، لغرض واحد في الكلّ[٦٥].
وهذا في مواضع العلم التفصيلي بالمكلّف به بأجزائه وشرائطه واضح، وإنّما الكلام في موارد الشكّ فيه بين الأقلّ والأكثر فهل يلحق بالاستقلالي في جريان البراءة أو بالمتباينين في لزوم الاحتياط؟ فيه خلاف.
وعمدة الكلمات من البراهين والنقوض في مبحث الأقلّ والأكثر منحصر في هذا القسم[٦٦].
ولا بأس بالتعرّض لبعض ما ذكر في هذا المجال من الأدلّة والنقوض على وجه الإجمال، بما يناسب هذا المختصر والمرسوم استقصاء البحث في ضمن الشكّ في الأجزاء، والشكّ في الشرائط ويلحق بها الموانع والقواطع. وكذا الشكّ في أنّ جزئية الشيء أو شرطيته أو مانعيته هل هي مطلقة وفي جميع الأحوال أو مختصّة بحال العلم والاختيار فهنا أقسام ثلاثة نتعرّض لكلّ منها إجمالاً فيما يلي:
الأوّل: الشكّ في الجزئية
المستفاد من كلمات بعضهم في الاُصول وبعض الفروع الفقهية الحكم بالبراءة مطلقا[٦٧]، بل هو المنسوب إلى المشهور من المتقدّمين والمتأخّرين[٦٨] والمنسوب إلى جمع من المتأخّرين القول بالاحتياط[٦٩].
نعم، صريح الشيخ الأنصاري التفصيل بين الشبهة الموضوعية والحكمية فالتزم بالاحتياط في الأوّل وبالبراءة في الثاني فيما إذا كان منشأ الشك فقدان النصّ أو إجماله[٧٠]، وأمّا إذا كان منشؤه تعارض النصّين فظاهره الميل إلى التخيير فيما إذا لم يكن هناك إطلاق يقتضي أصالة عدم تقييده عدم الجزئية[٧١] وحمل إطلاق أكثر الأصحاب أيضا إليه[٧٢].
وأمّا المحقّق الخراساني فيظهر منه التفصيل في جميع الصوّر بين مقتضى العقل والنقل فحكم بالاحتياط العقلي لمكان العلم الإجمالي غير المنحلّ ـ على ما زعمه القوم ـ وبالبراءة الشرعية بمقتضى أدلّتها من الآيات والأخبار[٧٣].
وأمّا وجوه عدم انحلال العلم الإجمالي في الأقلّ والأكثر الارتباطي وما ذكر في قبالها من الجواب متروكة إلى المفصلات[٧٤].
الثاني: الشكّ في الشرطية
الكلام في الشكّ في الاشتراط والتقيد كالكلام في الشكّ في الجزئية ـ على ما مرّ إجماله، فيرجع فيه إلى البراءة كما صرح به جماعة[٧٥]. نعم قد يستشكل في جريان البراءة بالنسبة لما إذا كان نسبة الشرط إلى المشروط نسبة الصفة إلى الموصوف والعارض إلى المعروض أو نسبة الفصل إلى الجنس[٧٦]، وتفصيل الكلام في كلّ من الوجوه وما ورد في التعليق عليها من الجواب[٧٧] متروك إلى محله من علم الاصول.
الثالث: الشكّ في إطلاق الجزئية والشرطية وعدمه (الشكّ في الركنية وعدمها)
وأمّا القسم الثالث وهو الشكّ في أنّ جزئية الشيء أو شرطيته مطلقة وفي جميع الأحوال ـ والتي يعبّر عنها بالركن ـ أو مختصّة بحال العلم والاختيار المعبر عنه بالجزء أو الشرط العلمي أو الذكري أو غير الركني، فمثاله: ما إذا شكّ في أنّ طهارة البدن أو الثوب في الصلاة شرط واقعي وفي جميع الأحوال أو مختص بحال العلم؟ وحكمه أنّه إن كان هناك إطلاق دالّ على الجزئية أو الشرطية في جميع الأحوال فحاصله الركنية وبطلان العمل بفقده مطلقا وعلى كلّ حال، وإلاّ فإن كان هناك إطلاق في دليل الواجب الارتباطي من حيث وجود الجزء أو الشرط المشكوك وعدمه، فحاصل ذلك عدم ركنية الجزء أو الشرط المشكوك وبالتالي صحّة العمل الفاقد للجزء أو الشرط المشكوك في هذا الحال[٧٨] وهذا لا كلام فيه وإنّما الكلام في صورة عدم وجود الاطلاقين المزبورين؛ إذ معه تصل النوبة إلى الأصول العملية لا محالة، ويقع البحث عنه في موردين: الأوّل: ما إذا لم يتمكن المكلّف من الإتيان بالعمل مستجمعا للأجزاء والشرائط للعجز أو النسيان، ثم يرتفع العجز أو النسيان. الثاني: ما إذا تمكن من ذلك.
أمّا الأوّل: فمثاله ما ءذا أمر المولى عبده بالوقوف في يوم معيّن من طلوع الشمس إلى الزوال، ونسي المكلّف فلم يقف ساعة من أوّل النهار، وشكّ في أنّ جزئية الوقوف في هذه الساعة هل هي مطلقة ـ حتّى مع النسيان ـ فلا يكون الإتيان بالباقي واجبا بعد ـ أو مختصّة بفرض الذكر ليكون الوجوب مع سقوطه عن الجزء الأوّل بالنسيان متعلّقا بالساعات الباقية من اليوم ـ فيرجع الشكّ حينئذ إلى الشكّ في أصل التكليف بالباقي، بعد العلم بسقوطه عن الساعة الأولى فيرجع فيه إلى البراءة[٧٩]. وهذا واضح.
وأمّا الثاني: فيكون الشكّ في إطلاق الجزئية أو الشرطية أو تقييدها بحال الذكر شكّا في أنّ التكليف هل هو بخصوص المشتمل على الجزء أو الشرط على كلّ حال أو بالجامع بين المشتمل في حال الذكر والفاقد في حال النسيان، وهو صرف الطبيعة فيكون الأقلّ ـ وهو القدر الجامع معلوما ـ والأكثر ـ وهو المقيّد بالمنسي ـ على كلّ حال مشكوكا، فيرجع فيه إلى البراءة، فلا يحكم بالجزئية إلاّ في القدر المتيقن وهو حال الذكر، ونتيجته وجوب الباقي في فرض النسيان[٨٠].
لكن ذلك بناء على إمكان تكليف الناسي بالباقي الأقلّ حال النسيان، وقد استشكل بعض الأساطين ـ كالشيخ الأنصاري ـ في ذلك بأنّ ذلك غير ممكن؛ لأنّ التكليف بالأقل إن خصّص بالناسي فهو محال؛ لأنّ الناسي لا يرى نفسه ناسيا، فلا يتوجّه إلى الخطاب، وإن جعل على المكلّف عموما شمل المتذكر أيضا مع أنّ المتذكر لا يكفي منه الأقل وليس مأمورا بالأقلّ إلاّ مع ضم الأكثر[٨١].
وقد اُجيب عن ذلك تارة بإمكان توجيه الخطابين أحدهما إلى جميع المكلّفين ـ ومنهم الناسي ـ بالخالي عن المشكوك دخله في الحالة الخاصّة، والثاني إلى خصوص الذاكر بوجوب الجزء، واُخرى بإمكان توجيه الخطاب إلى الناسي بالخالي عن الجزء المشكوك دخله بعنوان آخر عام أو خاصّ، لا بعنوان الناسي كي يستلزم ما ذكر[٨٢]، واستشكل بعضهم في الجواب الثاني ورجّح الأوّل بما ليس هنا محلّ ذكره[٨٣].
وممّا ذكر اتّضح الحكم بالنسبة للشكّ في إطلاق الجزئية والشرطية لحالة التعذر والعجز وعدمه أيضا، إذ التعذر والعجز لا يخلو إمّا أن يكون بالنسبة لبعض الوقت أو تمامه، ففي الحالة الاُولى يحصل للمكلف علم إمّا بوجوب الجامع بين الصلاة الناقصة حال التعذر والعجز والصلاة التامّة مع القدرة، أو بوجوب الصلاة التامّة عند ارتفاع العذر؛ لأنّ جزئية المتعذر إن كانت ساقطة في حالة التعذر فالتكليف متعلّق بالجامع لا محالة، وإلاّ كان التكليف متعلّقا بالتامّة عند ارتفاع العذر، فالجامع معلوم والزائد مشكوك وتجري البراءة عنه.
والفرق بين التعذر والعجز والنسيان أنّ العاجز حيثما كان ملتفتا فيحصل له التردد والشكّ المزبور حين التعذر بخلاف الناسي، إذ هو غير ملتفت، بل يلتفت بعد الخروج من الجزء المنسي أو بعد العمل تماما، فيحصل له هذا الشكّ بعدا.
هذا في العذر غير المستوعب للوقت، وأمّا العذر المستوعب فحيث إنّه يحصل للمكلّف علم إجمالي إمّا بالتكليف بالناقص في الوقت أو بالتامّ بعد الوقت ورفع التعذر ـ إذا كان للواجب قضاء ـ وأمره دائر بين المتباينين فهو منجز ويجب موافقته بالجمع[٨٤].
الشكّ في المانعية والقاطعية وعدمهما
واتّضح الحال أيضا بالنسبة للشكّ في مانعية الشيء وعدمه ـ وأنّه أخذ في التكليف عدمه شرطا أو شطرا أم لا؟ ـ إذ هو أيضا من موارد الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطي، ويجري فيه ما مرّ من جريان البراءة عقلاً ونقلاً أو نقلاً فقط، فتجري البراءة عن الزيادة ـ أي عن مانعية أو قاطعية الشيء المشكوك[٨٥].
كما اتّضح الحال بالنسبة للشكّ في إطلاق المانعية وتقيدها بحال الذكر والاختيار؛ لوحدة الملاك كما لا يخفى.
3 ـ الدوران بين الأقلّ والأكثر في المحرمات
وذلك بأن يعلم بحرمة شيء مردد بين الأقلّ والأكثر، كما إذا علم بحرمة تصوير خصوص رأس الحيوان أو تصوير كامل حجمه لمجموعه، وهذا بالدقّة راجع إلى الدوران بين التعيين والتخيير؛ وذلك لأن حرمة الأكثر ـ وهو المجموع ـ في قوة وجوب ترك أحد الأجزاء تخييرا؛ لأنّ ترك الكلّ كما يتحقّق بتركه جميعا كذلك يتحقّق بترك أحد أجزائه تخييرا، كما أنّ حرمة الأقلّ ـ وهو خصوص الرأس مثلاً ـ في قوة وجوب ترك هذا الجزء الخاصّ تعيينا. فيرجع الدوران بين الأقلّ والأكثر في التحريم إلى الدوران بين التعيين والتخيير، وحكمه حكمه فيرجع إلى البراءة عن تحريم الأقلّ وهو خصوص الرأس، ولا يعارضها البراءة عن تحريم الأكثر ـ وهو المجموع ـ بعين ما ذكر في محلّه من عدم معارضة البراءة عن وجوب الأكثر مع البراءة عن وجوب الأقلّ، والوجه فيهما كون البراءة مخالفا للامتنان فلا تجري حتّى تعارضها.
ومن ذلك اتّضح أنّ الأمر في الدوران بين الأقلّ والأكثر في التحريم على العكس منه في الوجوب في جهتين:
الأوّل: في جانب الحكم على ما مرّ توضيحه.
الثاني: في جانب قلة المؤونة وكثرتها على المكلّف؛ إذ أنّ وجوب الأقلّ أخف مؤونة على المكلّف، وبخلافه تحريم الأقلّ فإنّه أكثر مؤونة وأشدّ على المكلّف، فالتخفيف على المكلّف في الإيجاب يكون في إيجاب الأقلّ، وأمّا التخفيف على المكلف في التحريم إنّما يكون في تحريم الأكثر المجموع لا الأقلّ[٨٦].
4 ـ موارد انحلال العلم الإجمالي حكما (بجريان الأصول المؤمنة في بعض الأطراف)
لا كلام عندهم في لزوم الاحتياط في موارد العلم الإجمالي من الخارج ـ من إجماع وغيره ـ بوجوب أو حرمة أحد الأمرين أو الأمور على وجه الشبهة المحصورة لما ثبت عندهم في محلّه من منجزية العلم الإجمالي كالتفصيلي في الشبهة المحصورة[٨٧] في الشبهات الوجوبية والتحريمية، بالنسبة لوجوب الموافقة القطعية فضلاً عن حرمة المخالفة القطعية[٨٨]، نعم هناك موارد قد يحكم فيها بانحلال العلم الإجمالي تعبّدا وحكما بجريان الأصل بلا معارض في بعض الأطراف دون غيرها، إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محلّ الابتلاء، أو كان المكلّف مضطرا إلى ارتكاب بعض الأطراف قبل العلم وغير ذلك مما يوجب الانحلال وسقوط العلم عن المنجزية على ما فصل في محلّه من علم الاصول[٨٩].
وأمّا الشبهة غير المحصورة فالمشهور[٩٠] إن لم نقل المسلم عندهم عدم لزوم الاحتياط وجواز الرجوع فيها إلى البراءة، مستدلّين على ذلك تارة بعدم العلم معه بتكليف فعلي[٩١]، واُخرى بالاطمئنان بعد انطباق المعلوم بالإجمال بالطرف المبتلى به[٩٢]. وثالثة: بجريان الأصول المؤمنة من دون استلزام للمخالفة القطعية العملية وذلك لكثرة الأفراد بدرجة لا يؤدّي إلى فسح المجال لارتكابها جميعا[٩٣] أو لأنّ كثرة الاحتمال توجب عدم اعتناء أهل العرف بالضرر المحتمل بين المحتملات[٩٤]. ورابعة بالإجماع[٩٥]. وخامسة: بلزوم العسر والحرج في اجتناب الجميع[٩٦] وسادسة بالأخبار العامّة ـ وهي أخبار الحلّ ـ والخاصّة[٩٧].
وقد وقعت بينهم في كلّ من هذه الأدلّة مناقشات وأجوبة نترك ذكرها للمفصلات الأصولية فراجع[٩٨].
هذا بالنسبة للعلم الإجمالي الحاصل من غير جهة تعارض الخطابين وأمّا في موارد العلم الإجمالي الحاصل من تعارض الخطابين فقد وقع الخلاف بينهم في مقتضى الأصل، فهل هو التخيير عقلاً أو شرعا، أو هو التساقط؟ فعلى التخيير لا تصل النوبة إلى أصل البراءة أصلاً كما هو واضح، وأمّا بناء على القول بالتساقط وخلو المسألة عن العمومات والإطلاقات فالمرجع لا محالة هو الأصول العملية ـ الجارية في موضوع المسألة أو حكمها ـ التي منها أصالة البراءة، فيرجع إليها إذا لم يكن هناك أصل من الأصول الحاكمة.
وفي الحقيقة يرجع الأمر في النهاية إلى الشك في التكليف. نعم، إذا كانت الشبهة تحريمية فيكون المرجع فيها عند بعض ـ كالأخباريين ـ هو الاحتياط، كما ثبت في محلّه.
5 ـ الدوران بين التعيين والتخيير
ذكروا للدوران بين التعيين والتخيير أقساما ثلاثة:
القسم الأوّل: ما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل في الأحكام الواقعية، كما إذا شكّ في أنّ صلاة الجمعة في عصر الغيبة هل هي واجب تعييني أو تخييري؟
والقسم الثاني: ما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في الحجّية التي هي من الشكّ في مقام الجعل في الأحكام الظاهرية، كما إذا شكّ في أنّ تقليد الأعلم واجب تعيينا على العامي العاجز عن الاحتياط أو تخييرا بين تقليد الأعلم وغير الأعلم؟
القسم الثالث: ما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال بعد تعيّن التكليف في مقام الجعل، كما إذا كان هناك غريقان ويحتمل كون أحدهما نبيا ولم يتمكن المكلّف من إنقاذهما معا فيدور الأمر بين وجوب إنقاذ من يحتمل نبوته تعيينا أو تخييرا بينه وبين الآخر.
وجميع الصور الثلاث يكون محلاًّ للكلام في جريان البراءة فيها أو الاحتياط لكن بشرطين:
الأوّل: عدم وجود أصل لفظي من عموم أو إطلاق. ولا أصل موضوعي رافع للشكّ، كما في سائر الأصول العملية.
الثاني: أن يكون التكليف في الجملة متيقنا بأن يكون الأمر دائرا بين تعيينيته وتخييريته، وأمّا إذا احتمل عدم التكليف أيضا كما إذا دار الأمر بين الإباحة والوجوب تعيينا أو تخييرا ـ فهو وإن كان محلّ البراءة قطعا إلاّ أنّه خارج عن محلّ الكلام ـ وهو الدوران بين التعيين والتخيير ـ وداخل في مواضع الشكّ في أصل التكليف كما لا يخفى[٩٩].
وأمّا الحكم في القسم الثاني ـ وهو الدوران بين التعيين والتخيير في الحجّية ـ فهو التعيين، وذلك للشكّ في حجّية الطرف التخييري ـ كتقليد غير الأعلم ـ وأنّه مبرئ للذمّة أم لا؟، وقد ثبت في علم الاصول أنّ الشكّ في الحجّية مساوق للعلم بعدم الحجّية الفعليّة، فكلّ ما شكّ في حجّيته لشبهة حكمية أو موضوعية لا يصحّ الاعتماد عليه في مقام العمل، ولا يصلح إسناد مؤداه إلى المولى في مقام الإفتاء.
وكذلك الحكم في القسم الثالث؛ إذ التكليف فيه معلوم ولزوم الخروج من عهدته ثابت عقلاً، وهو مع الأخذ بمحتمل الأهمّية ـ وهو من يحتمل نبوته ـ محرزٌ؛ إذ يكون معه ترك الآخر بالعذر عقلاً وشرعا، دون العكس، فإن ترك محتمل الأهمّية في مقام الامتثال وأخذ غيره لا يعدّ عذرا لا عقلاً ولا شرعا، وبتعبير آخر: الواجبان المتزاحمان حيث كانا معا مشتملين على المصلحة والملاك الواجب التدارك، إلاّ أنّ المكلّف لا يقدر على تدارك كلا الملاكين، فله أن يترك أحدهما بفعل الآخر، فلو كان أحدهما معلوم الأهمّية تعيّن الأخذ به، كما إذا كانا متساويين فله أخذ أيّهما شاء فيكون في هاتين الصورتين في ترك ملاك الآخر معذورا عقلاً بل شرعا؛ لأنّ المولى أمره أو أجازه في صرف القدرة في الآخر. وأمّا إذا احتمل أهمّية أحدهما فيكون في صرف القدرة في محتمل الأهمّية وبالتالي ترك الآخر معذورا قطعا عقلاً وشرعا؛ لأنّه إمّا متعين الأخذ واقعا أو مخيره، وهذا بخلاف العكس لاحتمال ترك ما هو الأهمّ واقعا من دون عذر ومؤمِّن من عقل أو شرع؛ لأنّ الفرض عدم أمر الشارع بصرف القدرة في غير الأهمّ، والعقل أيضا إنّما حكم بلزوم الخروج من عهدة التكليف المعلوم بقدر الإمكان، ويكون أخذ غير محتمل الأهمّية وترك المحتمل من التقصير في مقام الامتثال وتدارك الملاك الواجب[١٠٠].
وأمّا القسم الأوّل: فقد ذكروا له صورا ثلاثا، أهمها ما إذا علم بثبوت الحكم في شيء كوجوب الظهر يوم الجمعة، ومع ذلك احتمل وجوب الجمعة كعدل له فيدور الأمر بين تعيّن الوجوب في الظهر أو التخيير فيه بين الظهر والجمعة، أو علم بوجوب الصيام في يوم، ومع ذلك يحتمل أن يكون اطعام عشرة مساكين عدلاً له في الوجوب.
وقد اختلف في حكم هذه الصورة من هذا القسم. فذهب جماعة إلى التعيين والاشتغال وجماعة إلى البراءة.
واستدلّ المحقّق الخراساني على التعيين بأنّ دوران الأمر بين التعيين والتخيير إن كان من جهة احتمال أخذ شيء شرطا للواجب فيحكم فيه بالتخيير رفضا للشرط المحتمل؛ لأن الشرطية أمرٌ قابل للوضع والرفع، وأمّا إذا كان منشأ الدوران احتمال خصوصية في ذات الواجب ـ كما في ما نحن فيه ـ فلا يمكن الرجوع فيه إلى أدلّة البراءة؛ وذلك لأنّ الخصوصية المحتملة إنّما تكون منتزعة من نفس الخاصّ، وذات الواجب المعيّن، فلا تكون قابلة للوضع والرفع، فلا مناص من الحكم بالاشتغال والالتزام بالتعيين في مقام الامتثال[١٠١].
واُجيب عنه: بأنّ الخصوصية وإن كانت منتزعة من نفس الخاصّ وغير قابلة للوضع والرفع بنفسها، إلاّ أنّ اعتبارها في المأمور به قابل لهما، فإذا شكّ في ذلك كان المرجع هو البراءة[١٠٢].
واستدل المحقّق النائيني على اليقين في المقام بالشكّ فيه من الشكّ في الامتثال وافراغ الذمة بعد العلم بثبوت التكليف، مثلاً إذا دار الأمر في كفارة تعمد الإفطار بين خصوص صيام شهرين والأعم منه ومن إطعام ستّين مسكينا، فتعلّق التكليف معلوم للإفطار المزبور، كما أنّ إفراغ الذمّة بالصيام أيضا معلوم، وأمّا الإطعام فإفراغ الذمّة به مشكوك فيه فيتعين في مقام إفراغ الذمّة من الحكم بتعيّن الصيام عقلاً.
6 ـ البراءة في الواجبات التخييرية والكفائية
جريان البراءة في الشبهات الوجوبية عادة يكون في الدوران بين الإباحة والوجوب التعييني والعيني.
وأمّا إذا دار الأمر بين الإباحة والوجوب التخييري ـ بمعنى الشكّ في أنّ هذا الشيء مباح أو عدل لوجوب تخييري ـ أو دار الأمر بالنسبة لمكلّف في أنّه بريء أو مكلّف بوجوب كفائي ـ بمعنى كونه أحد اطراف الوجوب الكفائي ـ فهل تجري البراءة هنا أيضا أو لا؟
ولعلّ الظاهر من إطلاق أدلّة البراءة ـ بعد صدق التكليف على التخييري والكفائي ـ وكذا إطلاقات الفقهاء جريان البراءة فيهما أيضا، ولكن الظاهر من الشيخ الأنصاري عدم الجريان، حيث إنّه استظهر اختصاص أدلّة البراءة بصورة الشكّ في الوجوب التعييني ـ سواء كان أصليا أو عرضيا كالواجب التخييري المتعين في حال الانحصار ـ أمّا لو شكّ في الوجوب التخييري والإباحة فلا تجري فيه أدلّة البراءة لظهورها في رفع الشيء المجهول تعيينا بحيث يلتزم به ويعاقب عليه بالخصوص[١٠٣].
ولكن هذا الكلام بظاهره محلّ الاشكال؛ لعدم اختصاص أدلّة البراءة بما إذا كان الوجوب المشكوك تعيينا، بل يشمل صورة الشكّ في الوجوب التخييري أيضا فكما تجري البراءة عن وجوب الظهر تعيينا، كذلك تجري البراءة عن كون الجمعة عدلاً للوجوب التخييري أيضا؛ لأنّه أيضا من الشكّ في التكليف. ولذلك أنكر المحقّق الخراساني هذا الظاهر وحمله على صورة العلم الإجمالي حيث قال: «ظاهره وإن كان يوهم أنّه لا مجال لأصالة البراءة فيما لو شكّ في أصل توجّه الخطاب التخييري إلاّ أنّه غير مقصود جزما؛ بداهة عدم التفاوت في قاعدة قبح العقاب بلا بيان وغيرها من أدلّة البراءة بين الوجوب التعييني والتخييري. وإنّما المقصود أنّه لا مجال لها بعد العلم بتوجّه أصله لو شكّ في كيفيته وأنّه على نحو التعيين بأن يكون متعلّقا بغير ما شكّ في وجوبه وإباحته، أو على التخيير بأن يكون متعلّقا به أيضا[١٠٤].
ويؤيّد هذا الحمل قول الشيخ نفسه بعد ما مر من كلامه: «لأنّه إن كان الشكّ في وجوبه في ضمن كلّي مشترك فيه وبين غيره أو وجوب ذلك الغير بالخصوص فيشكل جريان أصالة عدم الوجوب؛ إذ ليس هنا إلاّ وجوب واحد مردّد بين الكلّي والفرد، فتعيّن هنا إجراء أصالة عدم سقوط ذلك الفرد [الواقعي ]المتيقن الوجوب بفعل هذا المشكوك»[١٠٥] فالمرجع حينئذٍ قاعدة الاشتغال وأصالة عدم سقوط الوجوب الواقعي بفعل المشكوك، فيجب الإتيان بالفرد الآخر المحتمل للتعيين لقاعدة الاشتغال.
فصدر كلام الشيخ وإن كان عاما، إلاّ أنّ ظاهر كلامه بعد ذلك هو صورة العلم الإجمالي، ولكنه خروج عن مفروض البحث كما لايخفى.
ثُمّ إنّه قدسسره بعد الالتزام بقاعدة الاشتغال وأصالة عدم السقوط بفعل الفرد المشكوك ـ في فرض العلم الإجمالي ـ التزم بجريان البراءة بالنسبة لخصوص الفرد المشكوك كونه عدلاً للواجب التخييري[١٠٦]، ولكن أشكل عليه المحقّق النائيني بأنّ الطرف المشكوك كما لا ينفع الاقتصار على فعله كذلك لا أثر لجريان البراءة عن وجوبه بالخصوص، فالبحث عن جريان البراءة وعدمه حينئذٍ ساقط ولغو من أصله، قال قدسسره: «فالبحث عمّا يقتضيه الأصل بالنسبة إليه بعد البناء على أصالة التعينية ساقط؛ إذ لا أثر للبحث عن جريان أصالة البراءة أو أصالة عدم وجوبه، فإنّه بمقتضى قاعدة الاشتغال يتعيّن على المكلّف الإتيان بما علم تعلّق الطلب به، والمفروض أنّه لا يجب على المكلّف إلاّ عمل واحد وذلك العمل يتعيّن بما يحتمل عينيته، فأيّ أثر للبحث عن جريان أصالة البراءة أو أصالة عدم الوجوب بالنسبة إلى ما يحتمل كون أحد فردي الواجب التخييري؟»[١٠٧].
ولكن قد أجاب عليه المحقّق العراقي في حاشيته على الفرائد: بأنّ إجراء البراءة عن وجوب الطرف الآخر في صورة الإتيان بالطرف المحتمل للتعيين وإن كان لا أثر فيه؛ إذ حينئذٍ يقطع بعدم وجوب العدل المحتمل، وأمّا في فرض عدم الإتيان بالطرف المحتمل للتعيين فلأصالة البراءة كمال الأثر، إذ قاعدة الاشتغال وإن كانت تقتضي العمل بالطرف الخاصّ، إلاّ أنّ في ظرف ترك المكلّف لهذا الطرف، فالمرجع في نفي الوجوب عن المحتمل الآخر إنّما هو أصل البراءة، وحاصل هذا الأصل أنّ في ظرف ترك الطرف الخاصّ ليس الطرف الآخر عدلاً للواجب التخييري، فلا يجب الإتيان به في هذا الفرض[١٠٨].
7 ـ البراءة في الاحكام الوضعية
لا كلام عندهم في شمول أدلّة البراءة للأحكام التكليفية ـ سواء جعلنا المرفوع فيها المؤاخذة أو الأحكام أو جميع الآثار أو غيرها، وإنّما الكلام في شمولها للأحكام الوضعيّة.
والأحكام الوضعية على أقسام:
1 ـ ما كان مجعولاً بنفسه مباشرة وتناله يد الجعل وضعا ورفعا، كالملكية والزوجية والرقيّة والحجيّة والنيابة والولاية ونحوها.
2 ـ ما كان مجعولاً بجعل منشأ انتزاعه كالجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة للمأمور به، حيث لا يمكن جعل شيء قيدا للمأمور به ومتعلّق التكليف وجودا أو عدما إلاّ إذا لوحظ تعلق التكليف به كذلك أي مقيدا به وجودا أو عدما فينتزع من الأوّل الجزء أو الشرط ومن الثاني المانع. ويكون رفعها برفع منشأ انتزاعها[١٠٩].
3 ـ ما كان من الاُمور الواقعية التي قد كشف عنها الشارع وأمضاها كالنجاسة والطهارة من الخبث بناء على كونهما من الاُمور الواقعية لا الاعتبارية[١١٠].
المستفاد من إطلاق كلماتهم في مباحث الأصول العملية من البراءة وغيرها شمول الحكم للأحكام الوضعية أيضا. نعم، الظاهر من كلام القائلين بأنّ المرفوع في حديث الرفع ـ أي قوله: رفع ما لا يعملون ـ خصوص المؤاخذة اختصاص المرفوع بالتكليف؛ إذ لا مؤاخذة على الأمر الوضعي، إلاّ أنّ صريح كلام بعض الأساطين من المعاصرين شمول الحكم لما كان قابلاً للرفع والوضع من الأحكام الوضعية أيضا، مثل ما كان منها مجعولاً مستقلاً، قال السيّد الخوئي عند الكلام عن مجاري الأصول العملية: «هذا كلّه في الحكم التكليفي، وكذا الحال عند الشكّ في الحكم الوضعي، فيجري فيه جميع ما ذكرناه في الحكم التكليفي، بناء على كون الحكم الوضعي أيضا مجعولاً مستقلاً كما هو الصحيح... وبالجملة لا فرق بين الحكم التكليفي والوضعي من حيث تقسيم الشكّ فيه إلى الأقسام الأربعة وجريان الأصل العملي فيه»[١١١].
وظاهره أنّ القسم الثاني من الأحكام الوضعية التي ليست مجعولة بجعل مستقل، بل تنزع من تعلّق التكليف بالكلّ ـ كالجزئية والشرطية والمانعية للمأمور به ـ لا يجرى فيها البراءة؛ لأنّها غير قابلة للرفع والوضع، ولا تنالها يد الجعل استقلالاً. نعم، يمكن رفع هذه الاُمور برفع منشأ انتزاعها وهو الأمر المتعلّق بالكلّ، وبعد رفع الأمر المتعلّق بالكل يكون إثبات الباقي بحاجة إلى دليل آخر، فالتمسّك إلى البراءة في خصوص الجزء المشكوك لاستفادة وجوب الباقي غير صحيح[١١٢].
نعم، لو كان الأمر بالباقي ثابتا من الخارج بدليل خاصّ من إجماع ونحوه كما يكون كذلك بالنسبة للصلاة فجريان البراءة عن الجزء المشكوك ـ مثلاً ـ يجدي إلاّ أنّه إثبات بدليل خارج.
فالمراد من عدم جريان البراءة في هذه الاُمور عدم جريانها لإثبات الباقي تمسّكا بالأمر الأوّل المتعلّق بالمركب، لا استحالة رفعها ذاتا ولو برفع منشأ انتزاعها كما لا يخفى.
نعم، لو قيل بإمكان جعل الجزئية والشرطية مستقلاً فيصحّ رفعها أيضا بحديث الرفع من دون حاجة إلى رفع الأمر بالمركب، فيتمسّك به لإثبات الباقي[١١٣].
هذا وقد يستشكل في جريان البراءة بالنسبة لبعض الأحكام الوضعية المجعولة بالجعل المستقل ـ كالطهارة والنجاسة ـ أيضا؛ وذلك لأنّ الظاهر من حديث الرفع رفع ما يكون في وضعه ثقل على المكلّف، والطهارة لا ثقل في جعلها على المكلّف، بل فيها تسهيل وتخفيف، فلا يشمله الحديث.
هذا في الطهارة، وأمّا في النجاسة فقيل بعدم جريان البراءة فيها لأمرين: الأوّل: إنّها ليست حكما موضوعا على المكلّف الجاهل بخصوصه، بل هي حكم موضوعه ذات النجس بلا توجيه إلى مكلّف خاصّ، بل يشترك فيه جميع المكلّفين، فلم توضع النجاسة على المكلّف كي ترفع عنه عند الجهل[١١٤]، كما استشكل في الأحكام الوضعية بباب المعاملات ـ كالملكية ـ أيضا؛ وذلك لأنّ الحكم الوضعي في باب البيع مثلاً ـ وهو المبادلة والنقل والانتقال ـ ليس فيه ثقل على المكلّف بحسب طبعه، بل قد يرغب فيه المكلّف ويقدّم عليه بنفسه، ولما مرّ بالنسبة للنجاسة من أنّها غير متعلّقة بالمكلفين حتّى يرفع عنهم، بل المبادلة ـ وهو الحكم الوضعي هنا ـ سواء قيل بانتزاعها من الحكم التكليفي أم لا لاتختصّ بالمكلّف، بل موضوعه المالان[١١٥].
8 ـ البراءة في موارد الشكّ في القدرة
الظاهر من كلمات العلماء عدم جريان البراءة في موارد الشكّ في القدرة، بل يمكن ادّعاء عدم الخلاف في كلمات المعاصرين، بل قد أرسل في كلمات كثير منهم إرسال المسلمات[١١٦] ومرادهم من ذلك موارد الشكّ في القدرة على الامتثال بعد إحراز المقتضي والملاك في الحكم، بحيث لا يكون للقدرة دخل في اتّصاف الفعل بالمصلحة، بل له الدخل في استيفائه. فلو شكّ المكلّف بعد دخول الوقت في أنّه متمكن من فعل الصلاة تامّة الأجزاء والشرائط أم لا يجب عليه الاشتغال بفعل الصلاة حتّى ينكشف الحال، إمّا بحصول الامتثال أو بظهور العجز، و ليس له ترك الصلاة معتذرا بعدم علمه بتنجزّ التكليف بالصلاة بواسطة الشكّ في القدرة التي هي شرط في ذلك؛ وذلك لأنّ عجز المكلّف عن الامتثال في الواقع هو العذر بنظر العقل في رفع اليد عن الخطاب المتوجّه إليه، فمن كان عاجزا في الواقع فهو معذور في مخالفة التكليف، دون من لم يكن كذلك. ومن الواضح أنّه لا يجوز رفع اليد عن الخطاب المتوجّه إلى المكلّف بمجرد احتمال العجز والمعذورية، بل يجب السعي عقلاً في الخروج عن العهدة ما لم ينكشف العجز رعاية لاحتمال القدرة الموجبة لجواز المؤاخذة على مخالفته، وبعبارة أخرى: بعد ثبوت التكليف يحكم العقل بلزوم الامتثال إلاّ إذا ثبت العذر[١١٧]، ويزيد ذلك وضوحا بناء على المسلك القائل بعدم قبح توجيه الخطاب القانوني نحو العاجز لمكان كليّته وإنّما يكون العاجز معذورا في المخالفة كما عليه الإمام الخميني[١١٨]، إذ المفروض على ذلك تمامية الحكم ملاكا وخطابا فيجب امتثاله حتّى مع الشكّ في القدرة؛ إذ غايته المعذورية، ومعلوم أنّ مع العلم بالمخالفة والشكّ في المعذورية يحكم العقل بالاحتياط كما لا يخفى.
نعم، لو كانت القدرة ممّا لها الدخل في أصل اتّصاف الحكم بالمصلحة والملاك رجع الشكّ في القدرة حينئذٍ إلى الشكّ في أصل التكليف ـ لا إلى الشكّ في تحقّق الامتثال ـ وكان مقتضى القاعدة حينئذٍ البراءة، كما في سائر موارد الشكّ في التكليف. وقد ادّعى ثبوت هذا الافتراض بالنسبة للأحكام التي قد أخذت قدرة المكلّف شرطا في نفس خطاباتها دون ما لم تؤخذ في نفس خطاب الحكم، وإنّما اعتبرها العقل في الخطاب من باب قبح توجيه الخطاب نحو العاجز عن الامتثال، وهذا الحكم من العقل إنّما يعتبر مانعا عن توجيه الخطاب، دون أن يكون مانعا عن اتّصاف الحكم في نفسه وذاتا بالمصلحة والملاك، ويعبّر عن الأوّل بالقدرة الشرعية، وعن الثاني بالقدرة العقلية[١١٩].
ومن هنا اتّضح الوجه في التفصيل في كلمات بعض المحقّقين من جريان الاشتغال في موارد الشكّ في القدرة العقلية، وجريان البراءة في موارد الشكّ في القدرة الشرعية.
قال المحقّق النائيني: «وبالجملة كلّما رجع الشكّ إلى ناحية القدرة العقلية، فمن حيث عدم دخلها في الملاك يستقلّ العقل بوجوب الفحص ويحكم بذلك حكما طريقيا. نعم، لو كانت القدرة شرطا شرعيا فمن حيث دخلها في الملاك ـ كما تقدّم ـ كان الشكّ فيها شكّا في أصل التكليف، فلا يجب الفحص حينئذٍ ... إلاّ أن يقوم دليل من الخارج على وجوب الفحص أو كان الخطاب المشروط بالقدرة يقتضي الفحص؛ لأنّه كانت القدرة المأخوذة في الخطاب شرعا ممّا لا يمكن العلم بها بحسب العادة إلاّ بالفحص ـ كما في الاستطاعة بالنسبة لوجوب الحجّ ـ فإنّ العلم بحصولها لا يمكن عادة إلاّ بالفحص عن مقدار المالية وما يملكه. وهذا هو السرّ في فتوى المشهور بوجوب الفحص عن الاستطاعة مع أنّ القاعدة لا تقتضي ذلك، لما عرفت من أنّه كلما كان الشكّ في أصل تحقّق ما هو شرط التكليف وكان له دخل في الملاك كان مرجعه إلى أصل التكليف، وأصالة البراءة تنفي وجوب الفحص إذا كانت الشبهة موضوعية»[١٢٠].
وقال السيّد الخويي في التعليق على بعض فروع العروة: «الوجه في عدم جواز الرجوع إلى البراءة مع إحراز الملاك ظاهر؛ لأنّه تفويت الملاك الملزم، وتفويت الغرض والملاك كمخالفة التكليف بنظر العقل في العصيان، ومع الشكّ في القدرة على العمل في تلك الموارد لابدّ من الفحص والإقدام في العمل ليرى أنّه متمكن منه أو ليس بمتمكن، ولا يجوز الرجوع إلى البراءة بوجه. [ثُمّ قال:] والوجه في عدم جواز الرجوع إلى البراءة مع عدم إحراز الملاك هو أنّ المورد حينئذٍ وإن كان من موارد البراءة لأجل الشكّ في أصل توجه التكليف عليه لأجل الشكّ في القدرة، إلاّ أنّ للمقام خصوصية تمنع عن الرجوع إلى البراءة مع الشكّ في القدرة، وتلك الخصوصية هي أهمّية الصلاة وكونها الفاصل بين الإسلام والكفر وكونها عماد الدين... ومع العلم بالأهمّية لا يمكن الرجوع إلى البراءة... وقد ذكرنا في محلّه عدم جواز إجراء البراءة في كلّ مورد علم بعدم رضا الشارع بالمخالفة...[١٢١].
كلّ ذلك بناء على ظهور الخطاب المأخوذ فيه القدرة شرعا في دخلها في أصل الملاك والتكليف، وأمّا بناء على إنكار ذلك وادّعاء عدم ظهور للخطاب المزبور في أكثر ممّا اعتبره العقل من قبح توجيه الخطاب نحو العاجز فينعدم موضوع البراءة لا محالة؛ لعدم رجوع الشكّ في القدرة حينئذٍ إلى الشكّ في أصل التكليف، ويكون المورد من موارد حكم العقل بلزوم الاحتياط على ما مرّ بيانه.
9 ـ البراءة في موارد الشكّ في المحصِّل
المعروف[١٢٢] بل كالمسلَّم[١٢٣] بين القائلين بجريان البراءة في الأقلّ والأكثر الارتباطي عدم جريانها فيما إذا كان المورد من موارد الشكّ في المحصِّل، بل يحكم فيه بالاحتياط وقاعدة الاشتغال[١٢٤].
ومثال ذلك: ما إذا شكّ في تحقّق الطهارة بالوضوء المشكوك اشتراطه بالموالاة أو قصد القربة ـ مثلاً ـ إذا اُتي به فاقدا للجزء أو الشرط المشكوك، أو شكّ في تحقّق عنوان واجب أو غرض كذلك بمركبٍ مردّد بين الأقلّ والأكثر.
والوجه في ذلك أنّ الوضوء في المثال الأوّل وإن كان أمرا مركبا مشكوكا بين الأقلّ والأكثر إلاّ أنّ ما هو شرط الصلاة الواجب تحصيله فيها ليس هو الوضوء، بل إنّما هو وصف الطهارة بما هي أمر بسيط مسبب عن الوضوء، وغير مشتمل على الأجزاء، فلا يكون الأمر فيه دائرا بين الأقلّ والأكثر، بل يدور الأمر فيه بين الوجود والعدم، فإذا شكّ في تحقّقه بالوضوء الفاقد للجزء أو الشرط المشكوك فمقتضى القاعدة هو الاحتياط و الاشتغال إلى أن يحصل العلم بتحقّق الطهارة، وهو الإتيان بالأكثر. وهذا بخلاف ما إذا كان متعلّق التكليف وما هو شرط الصلاة بنفسه مركّبا ودائرا بين الأقلّ والأكثر.
هذا وقد يفصّل في موارد الشكّ في المحصِّل بين ما كان من المحصّلات الشرعية ـ كالوضوء المحصل للطهارة ـ حيث يكون سببيته لها بجعل الشارع ـ فيجري فيه البراءة، وما كان من المحصلات العقلية ـ كالإلقاء في النار بالنسبة للإحراق ـ فيجري فيه قاعدة الاشتغال[١٢٥]. توضيحه: إنّ المحصل إذا كان عقليا أو عاديا، فحيث إنّه يعتبر في البراءة أن يكون المجهول ممّا تناله يد الجعل والرفع التشريعي، والمفروض أنّ المحصل العقلي والعادي ليس كذلك، فلا يجري فيه البراءة، مثلاً لو كان إحراق زيد أو شفاء صفراء مريضٍ واجبا وشكّ في أنّ الإلقاء الخاصّ في النار أو معجون خاصّ هل يكون سببا للإحراق في الأوّل ولشفاء الصفراء في الثاني، كان المرجع فيه هو الاشتغال؛ لرجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في المسقط، ولا يجري البراءة في نفس هذا المسقط المردد أمره بين الأقلّ والأكثر ـ على الفرض ـ لأنّ المفروض أنّ ما هو المجعول الشرعي غير مجهول، وما هو المجهول غير مجعول شرعي.
وهذا بخلاف المحصلات الشرعية ـ كالغسلات بالنسبة إلى الطهارة الخبثية أو الحدثية، حيث إنّ محصلية وسببية الغسلات للطهارة يكون بجعل الشارع، فلو شكّ في اعتبار شيء ـ كالغسلة الثانية في تطهير البول أو الموالاة في الوضوء كان موردا للبراءة؛ لأنّ محصليّة الأمر المركّب يكون بجعل الشارع فيجري فيه الرفع التشريعي مع الشكّ[١٢٦].
ولكن ردّه المحقّق النائيني بأنّ المحصلات ليست هي بنفسها من المجعولات الشرعية، بل لا يمكن تعلّق الجعل بها؛ إذ السببية غير قابلة للجعل الشرعي؛ فإنّها عبارة عن الرشح والإفاضة، وهذا ممّا لا تناله يد الجعل التشريعي، بل المجعول الشرعي هو نفس المسببّات وترتبها عند وجود أسبابها، فالمجعول هو الطهارة عقيب الغسلات لا سببية الغسلات للطهارة، وكذا المجعول هو وجوب الصلاة عند الدلوك، لا سببية الدلوك لوجوب الصلاة، فلا يمكن اجراء حديث الرفع لما مرّ من لزوم كون المرفوع ممّا تناله يد الجعل التشريعي[١٢٧].
قال قدسسره: «والحاصل أنّ الأمر في باب المحصلات [وفي باب] متعلّقات التكاليف يختلف، فإنّ في باب متعلّقات التكاليف يكون التكليف بالأقلّ معلوما وبالأكثر مشكوكا فيعمه حديث الرفع؛ لأنّ في رفعه منة وتوسعة. وهذا بخلاف باب المحصلات؛ فإنّ ترتب المسبب على الأكثر معلوم وعلى الأقلّ مشكوك، فما هو معلوم لا يجري فيه حديث الرفع، وما هو مشكوك لا موقع له فيه؛ لاستلزام جريانه الضيق على العباد، مع أنّه ينتج عكس المقصود، هذا إذا لم نقل بجعل السببية، وأمّا إذا قلنا ـ محالاً ـ بجعل السببية فكذلك أيضا؛ لأنّ سببيّة الأكثر الواحد للخصوصية المشكوكة معلومة فلا يجري فيه حديث الرفع وسببيّة الأقلّ مشكوكة ورفعها ينتج عدم جعله سببا، وهو يوجب التضيق.
نعم، لو قلنا بجعل الجزئية مضافا إلى جعل السببية أمكن جريان البراءة حينئذٍ؛ لأنّ جزئية الغسلة الثانية مثلاً أو شرطية العصر مشكوك، وفرضنا أنّها تنالها يد الجعل فيعمها حديث الرفع ويوجب رفع جزئيتها للسبب، فيكون السبب هو الفاقد للعصر أو الغسلة الثانية، ولكن هذا يستلزم الالتزام بمحال في محال، محال جعل السببية، ومحال جعل الجزئية. فتحصّل أنّه لا فرق بين المحصل الشرعي والمحصل العقلي وأنّه في الكلّ لا مجال إلاّ للاشتغال؛ لرجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في المسقط والامتثال»[١٢٨].
10 ـ البراءة في المستحبّات والمكروهات
لا إشكال في عدم جريان البراءة العقلية في الأحكام غير الإلزامية ضرورة أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان إنّما تجري بالنسبة لموارد احتمال العقاب، ومن المعلوم انتفاء العقاب في الأحكام غير الإلزامية[١٢٩].
وأمّا البراءة الشرعية فادُعي أيضا عدم جريانها في الأحكام غير الإلزامية الاستقلالية مستدلاًّ عليه بأنّ المراد من الرفع في حديث الرفع إنّما هو الرفع ظاهرا في مقابل الوضع الظاهري الحاصل بإيجاب الاحتياط تجاه الحكم المحتمل، وهذا بالنسبة للحكم غير الإلزامي ـ كالاستحباب ـ غير ممكن، ضرورة ثبوت استحباب الاحتياط بالنسبة لموارد الاستحباب المحتمل، فلا يشملها حديث الرفع[١٣٠]. نعم، لو فرض أنّ الرفع واقعي ـ كما يكون كذلك بالنسبة لموارد الاضطرار ـ فقد يشكل في عدم شمول الحديث للمستحبّات، ضرورة قابلية الحكم الاستحبابي الواقعي المشكوك للرفع الواقعي، ومقتضى عموم الموصول في «ما لا يعلمون» مطلق الأحكام الإلزامية وغيرها.
هذا ولكن قد يرد على البيان المزبور ـ من وضوح ثبوت استحباب الاحتياط بالنسبة للمستحبات ـ بأنّه إن اُريد من استحباب الاحتياط المزبور الحسن العقلي أو الشرعي الثابت بأخبار من بلغ ـ بناء على استفادته منها ـ فهما أجنبيان عن مدلول البراءة الشرعية؛ لأنّ معنى البراءة الشرعية نفي الاستحباب الشرعي الظاهري الطريقي بملاك ترجيح غرض الإباحة الواقعية على الاستحباب أو الإلزام الواقعيين فهو أجنبي عن الحسن العقلي أو الاستحباب النفسي. وإن اُريد منه استحباب الاحتياط شرعا في الشبهات كحكم ظاهري طريقي فمن المعلوم أنّ مدرك ذلك لابدّ أن يكون مثل أخبار الاحتياط، وهي لدى الأخباريين دالّة على الوجوب في خصوص الشبهات الإلزامية دون غيرها.
ولدى الأصوليين محمول على الإرشاد إلى حكم العقل من حسن الاحتياط، فانتفى الاستحباب الشرعي. فادّعاء وضوح ثبوت استحباب الاحتياط تجاه الأحكام غير الإلزامية يبقى بلا دليل. وهكذا يتّضح أنّ بالإمكان نفيها بحديث الرفع أخذا بإطلاق الموصول[١٣١].
نعم، قد يدعى ظهور حديث الرفع في رفع الكلفة والثقل امتنانا على الاُمّة، فلا يشمل الأحكام غير الإلزامية التي لا تشتمل على ثقل وكلفة على المكلّفين[١٣٢] بل قد يدّعى أنّ رفع الحكم غير الإلزامي خلاف الامتنان على الاُمّة[١٣٣]، ولعلّ المراد أنّ رفع الاستحباب يستلزم حرمان المكلّفين من الاتيان احتياطا أو رجاء الثواب.
ثُمّ إنّ ما مرّ من الكلام إنّما هو بالنسبة لحديث الرفع، وأمّا بالنسبة لغير حديث الرفع من أدلّة البراءة الشرعية فقد يقال: إن ما كان منها دالاًّ على نفي العذاب كقوله تعالى: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً». فمن المعلوم عدم شموله للأحكام غير الإلزامية التي ليس فيها عقاب أصلاً، ومثله ما كان منها دالاًّ على التوسعة ونفي الضيق في قبال ما لا يعلم كقوله: «الناس في سعة ما لا يعلمون» إذ الاستحباب مستبطن للتوسعة في نفسه وغير مشتمل على الضيق حتّى يحتاج إلى التوسعة واقعا أو ظاهرا. وأمّا ما كان منها دالاًّ على مجرّد الرفع والوضع كقوله: «ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» وقوله: «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» ونحوه فإن قيل: بأنّ الرفع فيها امتناني ـ كحديث الرفع ـ فيجري فيه ما تقدّم من عدم الامتنان في رفع الاستحباب، وإلاّ ـ كما لا يبعد ـ فينحصر الوجه فيه فيما مرّ من السيّد الخويي وغيره بما فيه من الإيراد والجواب.
ثُمّ إنّ هذا كلّه بالنسبة للاستحباب الاستقلالي، وأمّا الضمني الراجع إلى الوجوب الشرطي للجزء أو الشرط فقد اُدعي جريان البراءة فيه بلا كلام[١٣٤]، وقد يستشكل فيه أيضا بما ليس هنا محلّ ذكره فراجع المفصلات الأصولية[١٣٥].
شروط البراءة
قد ذكر لجريان البراءة شروط[١٣٦] عمدتها ـ ولعلّه الشرط الوحيد ـ الفحص[١٣٧] وهو أيضا غير مختصّ بالبراءة، بل شرط لجريان جميع الأصول المؤمنة، كما صرح به بعضهم[١٣٨].
والكلام تارة في البراءة العقلية ـ عند المشهور القائلين به على ما مر تفصيله ـ واُخرى في الشرعية.
أمّا العقلية فقد استدلّ على اشتراطها بالفحص بأنّ العقل لا يستقلّ بقبح العقاب على مخالفة التكليف الواقعي إلاّ بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجّة، وأمّا قبلهما فلا يستقلّ بذلك[١٣٩]، وتوضيحه أنّ موضوع هذه القضية العقلية إنّما هو عدم البيان، وليس المراد من البيان إلاّ البيان الواصل إلى المكلّف في مظانه ـ من الآيات والأخبار في الشرعيات ـ بحيث لو رجع المكلّف إليها لوجد تكليفه فيها، فلو لم يرجع إليها عُدّ مقصّرا لدى العقل والعقلاء[١٤٠]، وبعبارة اُخرى: إنّ موضوع البراءة إنّما هو عدم البيان فما لم يحرز ذلك بالفحص لا يستقلّ العقل بقبح العقاب[١٤١].
وأمّا الشرعية فقد استدلّ على اشتراطها بالفحص بوجوهٍ، نتعرّض لأهمّها، وهي:
1 ـ ادّعاء عدم الإطلاق وقصور المقتضي في أدلّة البراءة الشرعية من الآيات والأخبار ذاتا بالنسبة لحال قبل الفحص؛ وذلك لأنّه مهما وجد ارتكاز عقلائي بنكتة عامّة في مورد، وورد في مورده نصّ من الشارع يطابقه، صار الخطاب الشرعي بطبيعة الحال ظاهرا في إمضائه ذاك الارتكاز العقلائي، ولا ينعقد له ظهور أوسع من نطاق الارتكاز المزبور، وفي المقام يقال: إنّ أدلّة البراءة تنصرف إلى إمضاء القانون العقلائي بمعذريّة الجهل، وهذا القانون مختصّ عندهم بما بعد الفحص، فلا ينعقد في أدلّة البراءة إطلاق[١٤٢].
2 ـ ادّعاء عدم إطلاق فيها بعد ملاحظة جميعها من حيث المجموع، فإنّ منها قوله تعالى: «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا»[١٤٣]. وقوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ»[١٤٤]. وهما تدلاّن بحسب عقد المستثنى على عدم البراءة في صورة الإيتاء والتبيين، وقد مرّ أنّ التفاهم العرفي من البيان هو البيان المتعارف. بجعله في مرأى ومسمع منه ـ وهو ذكره في خلال الآيات والأخبار ـ بحيث لو فحص لوجدها.
فهذه الآيات تتعارض مع ما قد يفترض فيه الإطلاق من الأخبار ـ كحديث الرفع ـ ويقدّم إطلاق الكتاب على إطلاق الرواية لكونه قطعي السند[١٤٥]، وقد أورد عليه بما ليس هنا محلّ ذكره[١٤٦].
3 ـ دعوى وجود المانع من التمسّك بإطلاق أدلّة البراءة ـ لو كان ـ بالنسبة لحالة ما قبل الفحص، لمكان العلم الإجمالي المنجزّ بوجود التكاليف الواقعية، وهذا العلم الإجمالي مانع عن التمسّك بالبراءة قبل الفحص[١٤٧]، وقد ذكروا في التعليق عليه إيرادات وأجوبة نتركها للمفصلات. فراجع[١٤٨].
4 ـ ادّعاء ثبوت الدليل الخاصّ من الشرع على وجوب التعلّم والفحص، وهي الآيات[١٤٩] والأخبار الدالّة على وجوب التفقّه والمؤاخذة على ترك التعلّم ممن اعتذر على عدم العمل بعدم العلم كقوله: «هل تعلّمت»[١٥٠]. ونحوه[١٥١].
5 ـ الإجماع، وحاله واضح.
وتفصيل الكلام في سائر الوجوه ومقدار الفحص اللازم وغيرها متروكة إلى المفصلات الأصولية.
هذا كلّه بالنسبة للشبهات الحكمية وأمّا الشبهات الموضوعيّة، فالظاهر منهم عدم الخلاف في عدم اشتراطها بالفحص، وقد استدلّ على ذلك بوجود الأخبار الواردة في مختلف أبواب الفقه بعدم لزوم الفحص و الاحتياط قبله بالنسبة للتكاليف الواقعية المحتملة، مثل ما ورد في صحيحة زرارة من أخبار الاستصحاب: «فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»[١٥٢]. وما ورد في أبواب الطهارة والنجاسة من قول أمير المؤمنين عليهالسلام: «ما أبالي أبولٌ أصابني أم ماء إذا لا أعلم»[١٥٣] وما ورد في سوق المسلمين من جواز شراء اللحم والجُبن، وما ورد في أبواب لباس المصلّي من الصلاة في الجلد المشتراة من سوق المسلمين المصرح فيها بقوله عليهالسلام: «ليس عليكم المسألة... إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، أنّ الدين أوسع من ذلك»[١٥٤]. وغيرها[١٥٥].
الهوامش
- ↑ . أنظر: معجم مقاييس اللغة مادة «برأ» 1: 236، القاموس المحيط 1: 108، العين 8: 289 مادة «برأ»، معجم مفردات الفاظ القرآن: 50 ـ 51.
- ↑ . التوبة: 1.
- ↑ . أنظر: قوانين الاُصول: 466، 490، 431، فرائد الاُصول 1: 465، و2: 118، 160، 162، 171، 317، 347، و3: 76، كفاية الاُصول: 144، 338، 379، نهاية الأفكار 1: 202، فوائد الاُصول 1: 143، و3: 440، 441، 446، أصول الفقه 1: 35 وغيرها.
- ↑ . أنظر: فتح العزيز 7: 464 ـ 466، وشرح الأزهار 1: 97، 111، 117، 401، المجموع 1: 205 ـ 206، روضة الطالبين 2: 107 و7: 14، مغني المحتاج 1: 386، 404.
- ↑ . أنظر: الوافية: 178.
- ↑ . أنظر: عدّة الاُصول 2: 755.
- ↑ . معارج الاُصول: 208.
- ↑ . اللمع: 247.
- ↑ . أنظر: إرشاد الفحول 2: 257.
- ↑ . أصول الفقه الإسلامي 2: 860 ـ 866.
- ↑ . أصول الفقه الإسلامي 2: 866.
- ↑ . أنظر: معارج الاُصول: 217، مبادئ الوصول: 186، 252، المعالم: 222، هداية المسترشدين 3: 545، المحصول 2: 559، المستصفى: 187 ـ 189.
- ↑ . أنظر: المستصفى 1: 120 و142، المحصول 1: 435 ـ 564، 4: 387.
- ↑ . أنظر: جامع المدارك 2: 48، التنقيح في شرح العروة الاجتهاد والتقليد: 62.
- ↑ . المعارج: 151، المعتبر 1: 32، ذكرى الشيعة 1: 52 ـ 53.
- ↑ . الوافية: 199.
- ↑ . أصول الفقه الإسلامي 2: 863 ـ 864.
- ↑ . نهاية الأفكار 1 ـ 2: 199 ـ 201.
- ↑ . البقرة: 29.
- ↑ . الأعراف: 32.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 288، أنظر: إرشاد الفحول 2: 1157 ـ 1163.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 288.
- ↑ . أنظر: المحكم في أصول الفقه 4: 12 ـ 15.
- ↑ . أنظر: مقالات الاُصول 1: 283.
- ↑ . أنظر: دروس في علم الاصول 2: 329.
- ↑ . أنظر: بحوث في علم الاصول 5: 23.
- ↑ . أنظر: المصدر السابق 5: 26.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 323 ـ 324، مصباح الاُصول 2: 283.
- ↑ . نهاية الدراية 6: 213 وما بعدها.
- ↑ . أنظر: بحوث في علم الاصول 5: 26.
- ↑ . أنظر: بحوث في علم الاصول 5: 26 ـ 28، دروس في علم الاصول الحلقة الثالثة 2: 335 ـ 336.
- ↑ . أنظر: أجود التقريرات 3: 325، مصباح الاُصول 2: 283 ـ 285.
- ↑ . الإسراء: 15.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 255.
- ↑ . الطلاق: 7.
- ↑ . دروس في علم الاصول، الحلقة الثالثة 2: 340.
- ↑ . أنظر: الأنعام: 145.
- ↑ . دروس في علم الاصول 2: 340.
- ↑ . أنظر: التوبة: 114.
- ↑ . أنظر: الوسائل 15: 369، باب مما عفي عنه 56 من ح1.
- ↑ . أنظر: دروس في علم الاصول 2: 343 ـ 344.
- ↑ . أنظر: مصباح الاُصول 2: 257.
- ↑ . الوسائل 27: 163، ب 12 من القضاء ح 33.
- ↑ . الوسائل 6: 289، ب 19 ح 3.
- ↑ . فرائد الاُصول 2: 190 ـ 194.
- ↑ . كفاية الاُصول: 338 ـ 357، مصباح الاُصول 2: 252 ـ 253.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 253.
- ↑ . أنظر: فرائد الاُصول 2: 21.
- ↑ . الطلاق: 7.
- ↑ . الإسراء: 15.
- ↑ . التوبة: 115.
- ↑ . الخصال: 417.
- ↑ . الوسائل 27: 163 باب 13 صفات القاضي ح33.
- ↑ . الوسائل 27: 174 ح67.
- ↑ . أنظر: فرائد الاُصول 2: 51 ـ 56.
- ↑ . أنظر: المصدر السابق: 56 ـ 59.
- ↑ . أنظر: المصدر السابق: 20.
- ↑ . الإسراء: 36.
- ↑ . آل عمران: 102، الحجّ: 78.
- ↑ . الوسائل 27: 20 باب 4 صفات القاضي أحاديث الباب.
- ↑ . المصدر السابق 27: 154 باب 12 صفات القاضي أحاديث الباب.
- ↑ . هداية المسترشدين 3: 560 ـ 561 ، فرائد الاُصول 2: 78، 172.
- ↑ . نهاية الأفكار 1: 248، 2: 270 ـ 271، حقائق الاُصول 1: 202، 2: 24، 318، فوائد الاُصول 3: 360 وغيرها.
- ↑ . تذكرة الفقهاء 2: 361، نهاية الأحكام 1: 325، ذكرى الشيعة 2: 437 ـ 438، الرياض 4: 289، فرائد الاُصول 2: 171 ـ 172.
- ↑ . أنظر: نهاية الأفكار 3: 379.
- ↑ . أنظر: فرائد الاُصول 2: 316، كفاية الاُصول: 363 ـ 373.
- ↑ . أنظر: طهارة الشيخ الأنصاري 1: 257، خلل الصلاة للإمام الخميني: 190، 220، التنقيح كتاب الطهارة 4: 272 و10: 33، مستند العروة كتاب الصلاة 3: 347، فقه الصادق 2: 453، نهاية الأفكار 1: 201: 268 ـ 269، فوائد الأصول 1: 223، 4: 232.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 317.
- ↑ . أنظر: المصدر السابق: 316.
- ↑ . أنظر: المصدر السابق: 317، 339.
- ↑ . أنظر: المصدر السابق: 317، 339.
- ↑ . أنظر: المصدر السابق: 348.
- ↑ . كفاية الأصول: 363 ـ 367.
- ↑ . أنظر: دروس في علم الاصول 2: 428 ـ 435.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 354، كفاية الأصول: 367، دروس في علم الاصول 2: 436، مصباح الأصول 2: 445 ـ 447، أجود التقريرات 3: 507.
- ↑ . كفاية الأصول: 367، أجود التقريرات 3: 507.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 508، مصباح الاُصول 2: 426 ـ 435.
- ↑ . أنظر: مصباح الأصول 2: 461 ـ 463، دراسات في علم الاصول 3: 449 ـ 450.
- ↑ . أنظر: مصباح الأصول 2: 464، دراسات في علم الاصول 3: 452 ـ 453.
- ↑ . أنظر: مصباح الأصول 2: 464 ـ 465، دروس في علم الاصول 2: 445 ـ 449.
- ↑ . فرائد الأصول 2: 363 ـ 364، دروس في علم الاصول 2: 447.
- ↑ . كفاية الأصول: 368، أنظر: دروس في علم الاصول 2: 447 ـ 448.
- ↑ . أنظر: دروس في علم الاصول 2: 449.
- ↑ . أنظر: دروس في علم الاصول 2: 449 ـ 450.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 359، كفاية الأصول 368 ـ 369.
- ↑ . أنظر: دروس في علم الاصول: 444 ـ 445.
- ↑ . أنظر: كفاية الأصول: 358 ـ 359، 362، فرائد الأصول بحث الشبهة المحصورة 2: 199 ـ 255.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 200، 210، كفاية الأصول: 358 ـ 359، دروس في علم الاصول 2: 362 ـ 371.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 233 ـ 237، 245 ـ 249، كفاية الأصول: 360 ـ 361، دروس في علم الاصول 2: 407 ـ 410 و392 ـ 394.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 200، 210، كفاية الأصول: 358، 359، دروس في علم الاصول 2: 364 ـ 371.
- ↑ . كفاية الأصول: 362.
- ↑ . أنظر: دروس في علم الاصول 2: 401.
- ↑ . أنظر: دروس في علم الاصول 2: 401 ـ 405.
- ↑ . فرائد الأصول 2: 263.
- ↑ . المصدر السابق: 257.
- ↑ . المصدر السابق: 257 ـ 260.
- ↑ . المصدر السابق: 260 ـ 262.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 257 ـ 275، دروس في علم الاصول 2: 401 ـ 407، وغيرها.
- ↑ . أنظر: مصباح الأصول 2: 448 ـ 449.
- ↑ . أنظر: مصباح الأصول 2: 458 ـ 459.
- ↑ . كفاية الأصول: 367.
- ↑ . مصباح الأصول 2: 453.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 159.
- ↑ . درر الفوائد في الحاشية على الفرائد الآخوند الخراساني 1: 227.
- ↑ . فرائد الأصول 2: 159.
- ↑ . المصدر السابق: 159 ـ 160.
- ↑ . فوائد الأصول 3: 435 ـ 436.
- ↑ . أنظر: المصدر السابق: 435.
- ↑ . أنظر: كفاية الأصول: 417.
- ↑ . فوائد الأصول 3: 357.
- ↑ . مصباح الأصول 2: 249.
- ↑ . أنظر: كتاب الصوم للسيد الخوئي 2: 365، كتاب الحج الخوئي 5: 405 ـ 406، بحوث في علم الاصول 5: 56، المحاضرات (الخوئي) 2: 249.
- ↑ . أنظر: تحريرات في الأصول 2: 279.
- ↑ . أنظر: منتقى الأصول الروحاني 4: 405 ـ 406.
- ↑ . أنظر: منتقى الأصول 4: 406 ـ 407.
- ↑ . أنظر: فوائد الأصول 3: 265، 4: 55 ـ 56، دروس في علم الاصول 2: 401، أجود التقريرات 3: 325، المستمسك 1: 248، 2: 576، 3: 194، صلاة النائيني 1: 269 ـ 270، 2: 236، التنقيح 6: 562، 9: 371، الاجتهاد والتقليد الخوئي: 157.
- ↑ . أنظر: مصباح الفقيه الهمداني 10: 97، الاجتهاد والتقليد (الخوئي): 157، التنقيح كتاب الطهارة 2: 311.
- ↑ . أنظر: تهذيب الأصول 1: 306، 406، 2: 281 ـ 382.
- ↑ . أنظر: صلاة النائيني 1: 269ـ 270 و2: 43، المكاسب البيع 1: 436، كتاب الحجّ الخوئي 1: 73، 111.
- ↑ . أنظر: صلاة النائيني 1: 284، وأنظر: كتاب الحجّ الخوئي 1: 110.
- ↑ . أنظر: التنقيح في شرح العروة 6: 562، أنظر أيضا: التنقيح 9: 370.
- ↑ . أنظر: المحكم في الأصول 4: 92، تحريرات في الأصول 2: 176.
- ↑ . أنظر: جامع المدارك الخونساري 1: 37.
- ↑ . فرائد الأصول 2: 319، العروة الوثقى 1: 53.
- ↑ . جامع المدارك 1: 47، 66، تحريرات في الأصول 2: 176.
- ↑ . أنظر: فوائد الأصول 1: 165.
- ↑ . أنظر: فوائد الأصول 1: 165، أجود التقريرات 1: 119 ـ 120، 3: 487 ـ 488.
- ↑ . أنظر: فوائد الأصول 1: 164 ـ 165.
- ↑ . أنظر: بحوث في علم الاصول 5: 149، مستمسك العروة الوثقى 5: 15.
- ↑ . دراسات في علم الاصول 3: 247، منتقى الأصول 4: 403.
- ↑ . أنظر: بحوث في علم الاصول 5: 150.
- ↑ . أنظر: منتقى الأصول 4: 404 ـ 405، بحوث في علم الاصول 5: 150.
- ↑ . أنظر: تهذيب الأصول 2: 170 و2: 421 ـ 422.
- ↑ . أنظر : دراسات في علم الاصول 2 : 247، بحوث في علم الاصول 5 : 149.
- ↑ . أنظر: بحوث في علم الاصول 5: 150.
- ↑ . الوافية: 79، فرائد الأصول 2: 411، 449، 455، كفاية الأصول 374، 379.
- ↑ . فرائد الأصول 2: 411، كفاية الأصول: 374.
- ↑ . فرائد الأصول 2: 416.
- ↑ . كفاية الأصول: 343، 374.
- ↑ . فرائد الأصول 2: 413 ـ 414، تهذيب الأصول 2: 416.
- ↑ . مصباح الأصول 2: 489.
- ↑ . بحوث في علم الاصول 5: 396.
- ↑ . الطلاق: 7.
- ↑ . التوبة: 115.
- ↑ . بحوث في علم الاصول 5: 397 ـ 398.
- ↑ . تعليقة السيّد الهاشمي على المتن، المصدر السابق 5: 398.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 414.
- ↑ . أنظر: كفاية الأصول: 375، مصباح الأصول 489 ـ 493، بحوث في علم الاصول 5: 400 ـ 403.
- ↑ . أنظر: التوبة: 122، النحل: 43.
- ↑ . أنظر: الأمالي للشيخ الطوسي: 9 المجلس الأوّل.
- ↑ . أنظر: بحوث في علم الاصول 5: 405 ـ 408، فقد جمع فيها طوائف من الأخبار.
- ↑ . أنظر: وسائل الشيعة 3: 466 باب 27 باب أنّ كل شيء طاهر ح1.
- ↑ . أنظر: من لايحضره الفقيه 1: 42 باب 16 من أبواب ما ينجس الثوب والجسد ح18.
- ↑ . أنظر: وسائل الشيعة 3: 491 ب50 باب طهارة ما يشترى من مسلم ح2.
- ↑ . أنظر: فرائد الأصول 2: 411، مصباح الأصول 2: 510، بحوث في علم الاصول 5: 410 وغيرها.