الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإعراض»
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''الإعراض:''' هذا اصطلاحٌ فقهيٌ وأصوليٌ والمقصود منه ترک العمل للخبر الذي کان واجداً لشرايط ال...') |
Wikivahdat (نقاش | مساهمات) ط (استبدال النص - '====' ب'=====') |
||
(مراجعة متوسطة واحدة بواسطة مستخدم واحد آخر غير معروضة) | |||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''الإعراض:''' هذا اصطلاحٌ فقهيٌ وأصوليٌ والمقصود منه ترک العمل للخبر الذي کان واجداً لشرايط الحجية سنداً ومتناً، ويقال في توصيف ذلک الحديث إنه متروک. والسؤال هنا هو أنه هل کان [[إعراض المشهور]] أو [[إعراض الأصحاب]] للحديث الصحيح موجباً للسقوط عن الحجيته أو لا؟ | '''الإعراض:''' هذا اصطلاحٌ [[الفقه|فقهيٌ]] [[أصول الفقه|وأصوليٌ]] والمقصود منه ترک العمل للخبر الذي کان واجداً لشرايط الحجية سنداً ومتناً، ويقال في توصيف ذلک الحديث إنه متروک. والسؤال هنا هو أنه هل کان [[إعراض المشهور]] أو [[إعراض الأصحاب]] للحديث الصحيح موجباً للسقوط عن الحجيته أو لا؟ | ||
=تعريف الإعراض لغةً= | =تعريف الإعراض لغةً= | ||
سطر ٣٢: | سطر ٣٢: | ||
وفي هذه الجهة ثلاثة أقوال: | وفي هذه الجهة ثلاثة أقوال: | ||
====القول الأوّل: السقوط عن الحجّية==== | =====القول الأوّل: السقوط عن الحجّية===== | ||
وهو مذهب مشهور [[الإمامية]]<ref> أنظر: الاستبصار 1: 4، فوائد الأصول 4: 787، أجود التقريرات 3: 279، نهاية الأفكار 3: 186، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 253، بحوث في شرح العروة الوثقى (الصدر) 4: 123، تهذيب الأصول (السبزواري) 2: 90، تحريرات في الأصول 6: 395.</ref>، حيث إنّ عمل المشهور بخلاف الأخبار الصحيحة موجب لضعفها وسقوطها عن الحجّية، بل كلّما ازداد الخبر صحّة في ظاهر الأمر ازداد في المقابل ضعفا بإعراض المشهور عنه، وذكر النجفي: بأ نّه لو أراد الإنسان أن يلفق له فقها من غير نظر إلى كلام الأصحاب، بل من محض الأخبار، يظهر له فقه خارج عن ربقة جميع المسلمين، بل سائر المتدينين. <ref> جواهر الكلام 12: 265.</ref> | وهو مذهب مشهور [[الإمامية]]<ref> أنظر: الاستبصار 1: 4، فوائد الأصول 4: 787، أجود التقريرات 3: 279، نهاية الأفكار 3: 186، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 253، بحوث في شرح العروة الوثقى (الصدر) 4: 123، تهذيب الأصول (السبزواري) 2: 90، تحريرات في الأصول 6: 395.</ref>، حيث إنّ عمل المشهور بخلاف الأخبار الصحيحة موجب لضعفها وسقوطها عن الحجّية، بل كلّما ازداد الخبر صحّة في ظاهر الأمر ازداد في المقابل ضعفا بإعراض المشهور عنه، وذكر النجفي: بأ نّه لو أراد الإنسان أن يلفق له فقها من غير نظر إلى كلام الأصحاب، بل من محض الأخبار، يظهر له فقه خارج عن ربقة جميع المسلمين، بل سائر المتدينين. <ref> جواهر الكلام 12: 265.</ref> | ||
<br>ونسب هذا القول أيضا إلى مالك<ref> البرهان في أصول الفقه 2: 189.</ref>، وإلى متقدّمي الأحناف<ref> كشف الأسرار البخاري 3: 38.</ref> وذهب إليه السرخسي. <ref> أصول السرخسي 1: 369.</ref> | <br>ونسب هذا القول أيضا إلى مالك<ref> البرهان في أصول الفقه 2: 189.</ref>، وإلى متقدّمي الأحناف<ref> كشف الأسرار البخاري 3: 38.</ref> وذهب إليه السرخسي. <ref> أصول السرخسي 1: 369.</ref> | ||
سطر ٤٦: | سطر ٤٦: | ||
<br>'''الثالث:''' الشك في شمول إطلاقات [[أدلّة حجّية الخبر]] للأخبار التي أعرض المشهور عنها. <ref> تحريرات في الأصول 6: 395.</ref> | <br>'''الثالث:''' الشك في شمول إطلاقات [[أدلّة حجّية الخبر]] للأخبار التي أعرض المشهور عنها. <ref> تحريرات في الأصول 6: 395.</ref> | ||
====القول الثاني: عدم سقوطها عن الحجّية==== | =====القول الثاني: عدم سقوطها عن الحجّية===== | ||
وهو ما ذهب إليه أكثر [[أهل السنّة]] وكما ذكر ذلك كلّ من [[الشافعي]]<ref> أنظر: البرهان في أصول الفقه 2: 189.</ref>، وأبي الحسين البصري<ref> المعتمد 2: 128.</ref>، والرازي<ref> المحصول 2: 214.</ref>، والآمدي<ref> الإحكام 2: 344.</ref>، وابن الحاجب<ref> منتهى الوصول: 86.</ref>، والسبكي<ref> الإبهاج في شرح المنهاج 2: 326.</ref>، والشوكاني<ref> إرشاد الفحول 1: 219.</ref> وذهب إليه السيّد الخوئي<ref> مصباح الأصول 2: 203.</ref> من [[الامامية]]، باعتبار أنّ الأخبار وإن أعرض المشهور عنها لكنّها لا تزال من موارد السيرة القائمة على [[حجّية الخبر الواحد]]، ومشمولة لإطلاق الأدلّة اللفظية الدالّة على الحجّية. | وهو ما ذهب إليه أكثر [[أهل السنّة]] وكما ذكر ذلك كلّ من [[الشافعي]]<ref> أنظر: البرهان في أصول الفقه 2: 189.</ref>، وأبي الحسين البصري<ref> المعتمد 2: 128.</ref>، والرازي<ref> المحصول 2: 214.</ref>، والآمدي<ref> الإحكام 2: 344.</ref>، وابن الحاجب<ref> منتهى الوصول: 86.</ref>، والسبكي<ref> الإبهاج في شرح المنهاج 2: 326.</ref>، والشوكاني<ref> إرشاد الفحول 1: 219.</ref> وذهب إليه السيّد الخوئي<ref> مصباح الأصول 2: 203.</ref> من [[الامامية]]، باعتبار أنّ الأخبار وإن أعرض المشهور عنها لكنّها لا تزال من موارد السيرة القائمة على [[حجّية الخبر الواحد]]، ومشمولة لإطلاق الأدلّة اللفظية الدالّة على الحجّية. | ||
====القول الثالث: وهو التفصيل==== | =====القول الثالث: وهو التفصيل===== | ||
وهو ما ذهب إليه الجويني<ref> البرهان في أصول الفقه 2: 189 ـ 191.</ref> من التفصيل بين عدّة أمور: | وهو ما ذهب إليه الجويني<ref> البرهان في أصول الفقه 2: 189 ـ 191.</ref> من التفصيل بين عدّة أمور: | ||
<br>'''الأوّل:''' ما إذا تؤكّد من وصول الخبر إليهم وكان نصّا في الحكم. | <br>'''الأوّل:''' ما إذا تؤكّد من وصول الخبر إليهم وكان نصّا في الحكم. | ||
سطر ٦٢: | سطر ٦٢: | ||
إذا أعرض المشهور عن ظهور جملة من الأخبار فيما تدلّ عليه فهل يوجب ذلك سقوط دلالتها عن الحجّية أم لا؟ قولان في ذلك: | إذا أعرض المشهور عن ظهور جملة من الأخبار فيما تدلّ عليه فهل يوجب ذلك سقوط دلالتها عن الحجّية أم لا؟ قولان في ذلك: | ||
====القول الأوّل: عدم سقوط دلالتها عن الحجّية==== | =====القول الأوّل: عدم سقوط دلالتها عن الحجّية===== | ||
وهو ما ذهب إليه الأكثر باعتبار إطلاق [[أدلّة حجّية الظهور]] وعدم تقييدها بعدم وجود الظنّ بالخلاف الناشئ عن [[إعراض المشهور]]، حيث إنّ مفاد الألفاظ هو [[الظهور العرفي]] وهو حجّة من غير فرق بين وجود الظنّ بالخلاف وعدمه. <ref> أنظر: فرائد الأصول 1: 169 ـ 170، كفاية الأصول: 281، مصباح الأصول 2: 118، 241 ـ 242.</ref> | وهو ما ذهب إليه الأكثر باعتبار إطلاق [[أدلّة حجّية الظهور]] وعدم تقييدها بعدم وجود الظنّ بالخلاف الناشئ عن [[إعراض المشهور]]، حيث إنّ مفاد الألفاظ هو [[الظهور العرفي]] وهو حجّة من غير فرق بين وجود الظنّ بالخلاف وعدمه. <ref> أنظر: فرائد الأصول 1: 169 ـ 170، كفاية الأصول: 281، مصباح الأصول 2: 118، 241 ـ 242.</ref> | ||
====القول الثاني: سقوط دلالتها عن الحجّية==== | =====القول الثاني: سقوط دلالتها عن الحجّية===== | ||
وهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني، باعتبار أنّ إعراض المشهور يوجب الوثوق والاطمئنان بعثورهم على قرينة أوجبت صرف مثل هذه الأخبار عن ظاهرها، ومعه لاتكون ظهورات تلك الأخبار حجّة مع وجود الشهرة على خلافها. وحتّى لو لم يُشترط عدم وجود الظنّ بالخلاف في [[حجّية الظهور]]، فإنّه هناك فرق بين [[الأولوية الظنّية]] وبين الشهرة القائمة على الخلاف، فإنّ [[الأولوية الظنّية]] لا تدلّ إلاّ على الظنّ بعدم إرادة ظهور الكلام وهو غير شرط في [[حجّية الظهور]]، بينما شهرة القدماء توجب الوثوق والاطمئنان بوجود قرينة كانت هي السبب عندهم في صرف تلك الأخبار عن ظاهرها اطَّلعوا عليها ولم تصل إلينا. <ref> أجود التقريرات 3: 279 ـ 280.</ref> | وهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني، باعتبار أنّ إعراض المشهور يوجب الوثوق والاطمئنان بعثورهم على قرينة أوجبت صرف مثل هذه الأخبار عن ظاهرها، ومعه لاتكون ظهورات تلك الأخبار حجّة مع وجود الشهرة على خلافها. وحتّى لو لم يُشترط عدم وجود الظنّ بالخلاف في [[حجّية الظهور]]، فإنّه هناك فرق بين [[الأولوية الظنّية]] وبين الشهرة القائمة على الخلاف، فإنّ [[الأولوية الظنّية]] لا تدلّ إلاّ على الظنّ بعدم إرادة ظهور الكلام وهو غير شرط في [[حجّية الظهور]]، بينما شهرة القدماء توجب الوثوق والاطمئنان بوجود قرينة كانت هي السبب عندهم في صرف تلك الأخبار عن ظاهرها اطَّلعوا عليها ولم تصل إلينا. <ref> أجود التقريرات 3: 279 ـ 280.</ref> | ||
المراجعة الحالية بتاريخ ١٨:٣٧، ٥ أبريل ٢٠٢٣
الإعراض: هذا اصطلاحٌ فقهيٌ وأصوليٌ والمقصود منه ترک العمل للخبر الذي کان واجداً لشرايط الحجية سنداً ومتناً، ويقال في توصيف ذلک الحديث إنه متروک. والسؤال هنا هو أنه هل کان إعراض المشهور أو إعراض الأصحاب للحديث الصحيح موجباً للسقوط عن الحجيته أو لا؟
تعريف الإعراض لغةً
الإعراض: هو الصدّ، وأعرض عن الشيء صدّ عنه. [١]
تعريف الإعراض اصطلاحاً
لم يذكر الأصوليون تعريفا للاعراض، لكن يمكن تعريفه بأنّه: العمل على خلاف الأخبار الصحيحة الواجدة لأركان الحجّية سندا أو متنا أو عدم الاستناد إليها في مقام الاستدلال. والمصداق الأبرز للإعراض هو ما يصطلح عليه بـ «إعراض المشهور أو الأصحاب» لدى الإمامية[٢]، وبـ «عمل أكثر الأمة على خلاف الخبر» عند أهل السنّة. [٣]
أحکام الإعراض
1 ـ إعراض النبي(ص)
وهو عمله على خلاف الخبر.
وقع البحث فيما لو أعرض النبي(ص) عن الخبر وعمل بخلافه هل يدلّ ذلك على سقوطه عن الحجّية أم لا؟ ذكرت في هذا الأمر عدّة صور:
الأولى: ألاّ يكون النبي(ص) داخلاً تحت عموم الخبر، ففي هذه الصورة عمله(ص) بخلاف الخبر لايوجب سقوطه عن الحجية؛ لأ نّه غير مكلّف به أصلاً فلايصدق الإعراض الموجب للسقوط.
الثانية: أن يكون النبي(ص) داخلاً تحت عموم الخبر، لكن دلّ دليل على أنّ ما قام به هو من خواصّه التي لايشاركه فيها غيره. ففي هذه الصورة أيضا عمله بخلاف الخبر لايوجب سقوطه عن الحجّية لعدم تحقّق الإعراض.
الثالثة: أن يكون النبي(ص) داخلاً تحت العموم ولم يكن الفعل من خواصّه. ففي هذه الصورة يعمل بالراجح من الفعل أو الخبر إن لم يمكن تخصيص أحدهما بالآخر. [٤]
2 ـ إعراض المجمعين
وهو عمل المجمعين بخلاف الخبر.
لو تحقّق الإجماع على حكم في مقابل الأخبار الصحيحة، فإنّه لا كلام في تقديم الإجماع وكونه موجبا لطرح تلك الأخبار ووهنها، باعتبار أنّ الإجماع يكشف عن الوثوق والاطمئنان بعدم صدور تلك الأخبار من الشارع[٥]. أو باعتبار أنّ الأمة لا تجتمع على خطأ والعمل بتلك الأخبار ينافي ذلك. [٦]
3 ـ إعراض المشهور
الشهرة التي تكون على خلاف الخبر ثلاثة أقسام:
1 ـ الشهرة العملية: وهي اشتهار العمل بالرواية والاستناد إليها في مقام الفتوى. [٧]
2 ـ الشهرة الفتوائية: وهي اشتهار الفتوى بحكم من الأحكام من دون أن يعلم مستند الفتوى. [٨]
3 ـ الشهرة الروائية: وهي اشتهار الرواية بين الرواة وأرباب الحديث بكثرة نقلها وتكررها في الأصول والكتب. [٩]
والشهرة الروائية تكون من مرجحات باب تعارض الاخبار ولا تكون جابرة أو موهنة للخبر، كما يظهر ذلك من بحثهم للشهرات الثلاث. [١٠]
وإنّما الكلام واقع في الشهرة العملية والشهرة الفتوائية، فقد وقع الخلاف في أنّ إعراض المشهور وعملهم بخلاف الأخبار الصحيحة أو استنادهم إلى غيرها هل يوجب سقوط تلك الأخبار عن الحجّية أم لا؟
وقع الكلام في ذلك من جهتين:
الجهة الأولى: الإعراض من جهة الصدور والسند
وفي هذه الجهة ثلاثة أقوال:
القول الأوّل: السقوط عن الحجّية
وهو مذهب مشهور الإمامية[١١]، حيث إنّ عمل المشهور بخلاف الأخبار الصحيحة موجب لضعفها وسقوطها عن الحجّية، بل كلّما ازداد الخبر صحّة في ظاهر الأمر ازداد في المقابل ضعفا بإعراض المشهور عنه، وذكر النجفي: بأ نّه لو أراد الإنسان أن يلفق له فقها من غير نظر إلى كلام الأصحاب، بل من محض الأخبار، يظهر له فقه خارج عن ربقة جميع المسلمين، بل سائر المتدينين. [١٢]
ونسب هذا القول أيضا إلى مالك[١٣]، وإلى متقدّمي الأحناف[١٤] وذهب إليه السرخسي. [١٥]
وللذاهبين إلى سقوط الأخبار بإعراض المشهور عنها عدّة شروط:
الأوّل: أن تكون الأخبار المُعرض عنها في متناول المشهور، وذلك يكون من خلال وجودها في المجامع الحديثية القديمة، وإلاّ فلو كانت تلك الأخبار يحتمل فيها عدم اطّلاع مشهور القدماء عليها كما في أخبار «دعائم الإسلام» وأخبار «الفقه الرضوي» فإنّه لايتحقّق الإعراض فيها. [١٦]
الثاني: أن يكون الإعراض ناشئا ومتحقّقا من مشهور القدماء[١٧]، لكونهم أقرب إلى عصر النصّ فهم أعرف من غيرهم ممّن يليهم بصحّة الرواية وضعفها.
الثالث: ألاّ يكون الإعراض ناشئا عن اجتهادهم بعدم صحّة الرواية واستنادهم في ذلك إلى قواعد الترجيح المعمولة بين الأخبار المتعارضة، أو استنادهم إلى عدم ظهورها في المراد. [١٨]
وإلاّ فلو كان الإعراض ناشئا من الاجتهادات المذكورة فسوف لايكون موجبا لسقوطها عن الحجّية؛ لأنّ اجتهاد المجتهد ليس بحجّة على المجتهد الآخر.
وبنى السيّد الصدر القول بكون الإعراض موجبا لسقوط الأخبار عن الحجّية بما إذا كانت الحجّية في «خبر الثقة» قد أخذ فيها قيد الوثاقة بنحو الطريقية ـ بما هي سبب للوثوق غالبا ـ لا بنحو الموضوعية ـ بحيث تؤخذ الوثاقة عنوانا للحجّية ـ فإنّه على الأوّل إعراض المشهور سوف يكون أمارة على وجود خلل في النقل بخلافه على الثاني. [١٩]
واستدلّ الذاهبون إلى كون الإعراض موجبا للسقوط بعدّة أدلّة:
الأوّل: أنّ إعراض المشهور يكشف عن وجود خلل في الرواية المُعرض عنها، وإلاّ فلو كانت صحيحة لكانوا هم أولى بالعمل بها من غيرهم. [٢٠]
الثاني: قيام السيرة واستقرارها على ترك العمل بما لم يعمل به المشهور وإن كان صحيحا في نفسه. [٢١]
الثالث: الشك في شمول إطلاقات أدلّة حجّية الخبر للأخبار التي أعرض المشهور عنها. [٢٢]
القول الثاني: عدم سقوطها عن الحجّية
وهو ما ذهب إليه أكثر أهل السنّة وكما ذكر ذلك كلّ من الشافعي[٢٣]، وأبي الحسين البصري[٢٤]، والرازي[٢٥]، والآمدي[٢٦]، وابن الحاجب[٢٧]، والسبكي[٢٨]، والشوكاني[٢٩] وذهب إليه السيّد الخوئي[٣٠] من الامامية، باعتبار أنّ الأخبار وإن أعرض المشهور عنها لكنّها لا تزال من موارد السيرة القائمة على حجّية الخبر الواحد، ومشمولة لإطلاق الأدلّة اللفظية الدالّة على الحجّية.
القول الثالث: وهو التفصيل
وهو ما ذهب إليه الجويني[٣١] من التفصيل بين عدّة أمور:
الأوّل: ما إذا تؤكّد من وصول الخبر إليهم وكان نصّا في الحكم.
ففي مثل هذه الحالة يكون إعراضهم دليلاً على ضعفه؛ لأنّ في ترك العمل به مع صراحته فيما يدلّ عليه نوع من الاستهانة واللامبالاة في الدين، وهو مستبعد في حقّهم، وعليه يجب المصير إلى أنّ هذا الخبر منسوخ.
الثاني: ما إذا لم يبلغهم الخبر أو غلب الظنّ بذلك.
وفي مثل هذه الحالة لاخلاف في عدم تحقّق الإعراض الموجب للسقوط.
الثالث: ما إذا غلب الظنّ، بأنّ الخبر بلغهم وكان في معرض التداول بينهم وأعرضوا عنه.
ففي مثل هذه الحالة إن وجد دليل آخر غير الخبر يحتمل أنّ يكونوا قد استندوا إليه فهو المتبع وإلاّ فإعراض المشهور عنه لايوجب وهنه.
ثُمّ عقّب الإمام الجويني بعد ذلك بأنّ هذا يجري في الصحابة والتابعين بل في كلّ عصر.
الجهة الثانية: الإعراض من جهة الدلالة والظهور
إذا أعرض المشهور عن ظهور جملة من الأخبار فيما تدلّ عليه فهل يوجب ذلك سقوط دلالتها عن الحجّية أم لا؟ قولان في ذلك:
القول الأوّل: عدم سقوط دلالتها عن الحجّية
وهو ما ذهب إليه الأكثر باعتبار إطلاق أدلّة حجّية الظهور وعدم تقييدها بعدم وجود الظنّ بالخلاف الناشئ عن إعراض المشهور، حيث إنّ مفاد الألفاظ هو الظهور العرفي وهو حجّة من غير فرق بين وجود الظنّ بالخلاف وعدمه. [٣٢]
القول الثاني: سقوط دلالتها عن الحجّية
وهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني، باعتبار أنّ إعراض المشهور يوجب الوثوق والاطمئنان بعثورهم على قرينة أوجبت صرف مثل هذه الأخبار عن ظاهرها، ومعه لاتكون ظهورات تلك الأخبار حجّة مع وجود الشهرة على خلافها. وحتّى لو لم يُشترط عدم وجود الظنّ بالخلاف في حجّية الظهور، فإنّه هناك فرق بين الأولوية الظنّية وبين الشهرة القائمة على الخلاف، فإنّ الأولوية الظنّية لا تدلّ إلاّ على الظنّ بعدم إرادة ظهور الكلام وهو غير شرط في حجّية الظهور، بينما شهرة القدماء توجب الوثوق والاطمئنان بوجود قرينة كانت هي السبب عندهم في صرف تلك الأخبار عن ظاهرها اطَّلعوا عليها ولم تصل إلينا. [٣٣]
حكم الشكّ في الاعراض
إذا شكّ في تحقّق الاعراض عن جملة من الأخبار فالقاعدة هي حجّيتها ما لم يثبت الإعراض. [٣٤]
وقد يقال: إنّ البناء العقلائي القائم على حجّية الخبر مقيّد بالأساس بعدم كونه واقعا موقع الإعراض من قبل المتقدّمين، فإذا شكّ في الإعراض كان شكّا في أصل الحجّية.
والجواب: أنّ البناء العقلائي القائم على حجّية الخبر مطلق وليس مقيدا بعدم الإعراض، باعتبار أنّه فرد نادر التحقّق، ومثله لايصلح أن يكون مقيدا لما هو قائم على ثبوت حجّية الخبر. [٣٥]
المصادر
- ↑ لسان العرب 3: 2579، مجمع البحرين 4: 214 مادة «عرض».
- ↑ أنظر: فوائد الأصول 4: 787، مصباح الأصول 2: 143، 203.
- ↑ أنظر: المحصول الرازي 2: 214، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 344، منتهى الوصول: 86.
- ↑ أنظر: المحصول الرازي 2: 214، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 343 ـ 344، منتهى الوصول: 86.
- ↑ مصباح الأصول 2: 203.
- ↑ البرهان في أصول الفقه 2: 188.
- ↑ فوائد الأصول 3: 153.
- ↑ مصباح الأصول 2: 143.
- ↑ فوائد الأصول 3: 153.
- ↑ أنظر: فوائد الأصول 3: 153، نهاية الأفكار 3: 99.
- ↑ أنظر: الاستبصار 1: 4، فوائد الأصول 4: 787، أجود التقريرات 3: 279، نهاية الأفكار 3: 186، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 253، بحوث في شرح العروة الوثقى (الصدر) 4: 123، تهذيب الأصول (السبزواري) 2: 90، تحريرات في الأصول 6: 395.
- ↑ جواهر الكلام 12: 265.
- ↑ البرهان في أصول الفقه 2: 189.
- ↑ كشف الأسرار البخاري 3: 38.
- ↑ أصول السرخسي 1: 369.
- ↑ أجود التقريرات 3: 279.
- ↑ المصدر السابق، نهاية الأفكار 3: 101، دروس في علم الأصول 1: 296، تهذيب الأصول السبزواري 2: 90.
- ↑ أجود التقريرات 3 : 279، بحوث في شرح العروة الوثقى الصدر 4 : 123.
- ↑ دروس في علم الأصول 1: 296.
- ↑ أصول السرخسي 1: 369، نهاية الأفكار 3: 186.
- ↑ تهذيب الأصول السبزواري 2: 90.
- ↑ تحريرات في الأصول 6: 395.
- ↑ أنظر: البرهان في أصول الفقه 2: 189.
- ↑ المعتمد 2: 128.
- ↑ المحصول 2: 214.
- ↑ الإحكام 2: 344.
- ↑ منتهى الوصول: 86.
- ↑ الإبهاج في شرح المنهاج 2: 326.
- ↑ إرشاد الفحول 1: 219.
- ↑ مصباح الأصول 2: 203.
- ↑ البرهان في أصول الفقه 2: 189 ـ 191.
- ↑ أنظر: فرائد الأصول 1: 169 ـ 170، كفاية الأصول: 281، مصباح الأصول 2: 118، 241 ـ 242.
- ↑ أجود التقريرات 3: 279 ـ 280.
- ↑ تحريرات في الأصول 6: 400.
- ↑ المصدر السابق: 402.