الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الاستصلاح»
Mohsenmadani (نقاش | مساهمات) |
لا ملخص تعديل |
||
(مراجعة متوسطة واحدة بواسطة مستخدم واحد آخر غير معروضة) | |||
سطر ٩١: | سطر ٩١: | ||
=المصادر= | =المصادر= | ||
[[تصنيف: المصالح المرسلة]][[تصنيف: القياس]][[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] [[تصنيف: أصول الفقه]] | |||
[[تصنيف: المصالح المرسلة]] | |||
[[تصنيف: القياس]] | |||
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]] | |||
[[تصنيف: أصول الفقه]] |
المراجعة الحالية بتاريخ ٠٩:٤١، ١٤ يونيو ٢٠٢١
الاستصلاح: أحد القواعد الأصوليّة في استنباط الأحکام الفقهية بمعنی الحكم بمقتضى المصلحة أو أنّه اتّباع المصلحة المرسلة من جلب منفعة أو دفع مضرّة من غير أن يشهد لها أصل شرعي. وبعبارة اخری الاستصلاح اصطلاح أصولي يراد به: بناء الحكم في مسألة ليس فيها نص أو إجماع على مصلحة عامة يدركها المجتهد، وتلك المصلحة يعبّرون عنها بالمصلحة المرسلة، أي المطلقة وغير المقيّدة من قبل الشارع باعتبار أو إلغاء.
تعريف الاستصلاح لغةً
الاستصلاح: نقيض الاستفساد.[١] وفي المعجم الوسيط: «استصلح الشيءُ: تهيّأ للصلاح، واستصلح الشيء: أصلحه، وطلب إصلاحه، وعدّه صالحا».[٢] ومرجع ذلك الى معنيين: الأول عدّ الشيء صالحا، والثاني طلب المصلحة والصلاح نقيض المفسدة والفساد.
تعريف الاستصلاح اصطلاحاً
الاستصلاح: هو الاستنباط استنادا الى المصالح والمرسلة، وبناء الحكم عليها.[٣]
وقد اختلفت تعابيرهم عنه فعبّر بعضهم: بأنّه اتّباع المصلحة المرسلة[٤]، وآخر: اتّباع المصلحة المرسلة من جلب منفعة أو دفع مضرّة من غير أن يشهد لها أصل شرعي[٥]، وثالث: بأنّه الحكم بمقتضى المصلحة، التي لا يشهد لها دليل خاص بإلغاء أو إثبات، وتكون متفقة مع مقاصد الشريعة العامة. [٦] ورابع: بأنّه بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة، أي المصالح التي لم يقيّد اعتبارها بورود نص خاص بعينها، وإنّما العمدة في اعتبارها ما جاء في الشريعة من أصول عامة وقواعد كلّية. [٧]
ومن ذلك يتضح أنّ الكلام يجب أن يكون في المصلحة المرسلة، معنىً وحجية، ولاجل ذلك، ولأنّ بعض الأصوليين ذكر المصالح المرسلة في مباحث الاستدلال، جاعلاً عنوان الاستدلال عنواناً لما عدا دليل الكتاب والسنّة والإجماع والقياس، كالاستحسان و الاستصحاب والأخذ بالمصالح المرسلة، وعبّر عنه بـ «الاستدلال المرسل» كالزركشي. [٨] بينما ذكرها آخر في مباحث القياس وعبّر عنها بـ «المناسب المرسل» كالغزالي في شفاء الغليل[٩] والآمدي[١٠]، والبيضاوي[١١] وعنونها الغزالي في المستصفى بـ «الاستصلاح».[١٢]
صورة إجمالية عن الاستصلاح
الاستصلاح اصطلاح أصولي يراد به: بناء الحكم في مسألة ليس فيها نص أو إجماع على مصلحة عامة يدركها المجتهد، وتلك المصلحة يعبّرون عنها بالمصلحة المرسلة، أي المطلقة وغير المقيّدة من قبل الشارع باعتبار أو إلغاء.
يبحثه الأصوليون في القياس تارةً في المناسب الذي يعتمد عليه القياس، حيث يقسّمون المناسب إلى معتبر وملغى ومرسل، ويقصدون بالأخير المصلحة المرسلة، وبناء الحكم عليها استصلاح، ويبحثونه أخرى في الاستدلال بالمعنى الخاص، والذي هو إقامة دليل ليس بنص ولا إجماع ولا قياس، فيعدّون من هذا النوع المصالح المرسلة.
وعقد له بعضهم فصلاً خاصا عنونه: «المصالح المرسلة» في عداد الأدلة المختلف فيها.
يختلف الاستصلاح عن القياس: بأنّ للقياس أصلاً يقاس الفرع عليه بدعوى مساواته له في علّة الحكم بخلاف الاستصلاح، وكذا يختلف عن الاستحسان بأنّ الاستحسان أخصّ؛ لأنّ الاستحسان يشترط فيه معارض مرجوح يرجّح الاستحسان عليه، فهو وجه من وجوه الاجتهاد لوجه أقوى منه، فهو مقابلة قياس بقياس أو نص بقاعدة عامة، في حين أنّ الاستصلاح ليس كذلك. والاستصلاح مختلف في حجّيته ودليليته بين معتبر بل مغالٍ في حجّيته[١٣]، وبين نافٍ بل عادٍ له من الأدلة الموهومة بل هو تشريع محرّم[١٤]، وثالث مفصّل ومشترط ببعض الشروط.
معنى المصلحة المرسلة
المصلحة لغةً ضد المفسدة[١٥]، واصطلاحا: المحافظة على مقصود الشرع، كما صرّح بذلك بعض الأصوليين:
قال الغزالي: «... هي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرّة، ولسنا نعني به ذلك، فإنّ جلب المنفعة ودفع المضرّة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو: أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكلّ ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلّ ما يفوّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة».[١٦]
وقال الخوارزمي: «المراد بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق».[١٧]
وعرّفها الطوفي بـ «السبب المؤدي إلى مقصود الشرع عبادةً وعادةً».[١٨]
وأمّا الإرسال، فمن معانيه لغةً الإطلاق والإهمال[١٩]، وهو هنا كذلك؛ بمعنى إهمال الشارع وعدم شهادته لها بالاعتبار ولا بالإلغاء، أو إطلاقها وعدم تقييدها بشيء من ذلك.[٢٠]
هذا إجمالاً معنى المفردتين، وأمّا المركّب ـ أعني «المصالح المرسلة» ـ فقد ذكرت له عدّة تعاريف:
فقيل: «هي ما لاتستند إلى أصل كلّي ولا جزئي».[٢١]
وقيل: «إنّها كلّ منفعة داخلة في مقاصد الشرع دون أن يكون لها شاهد بالاعتبار أو الإلغاء».[٢٢]
وقيل: «إنّها ما لايشهد له أصل بالاعتبار ولا بإلغاء لا بالنص ولا بالإجماع».[٢٣]
أقسام المصلحة
قسّم الأصوليون المصلحة باعتبارين: الأول اعتبار الشارع وشهادته لها بالاعتبار أو الإلغاء، والثاني باعتبار قوتها وضعفها.
1 ـ أقسام المصلحة بالإضافة إلى شهادة الشارع
قسِّمت المصلحة باعتبار شهادة الشرع لها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما شهد الشرع باعتباره
ومثّل له بتحريم المسكر من كلّ مشروب أو مأكول، قياسا على الخمر؛ لأنّها حرّمت لحفظ العقل الذي هو مناط التكليف، فتحريم الشرع الخمر دليل على ملاحظة هذه المصلحة. وهذا يرجع إلى القياس.[٢٤]
الثاني: ما شهد الشرع ببطلانه
ومثّل له بقول بعض العلماء لبعض الملوك لمّا جامع في نهار رمضان وهو صائم: يتعيّن عليك صوم شهرين متتابعين، فلما أنكر عليه حيث لم يأمره بإعتاق رقبة مع اتساع ماله، قال: لو أمرته بذلك لسهّل عليه، واستحقر إعتاق رقبة في قضاء شهوته.[٢٥]
وهذا باطل بالاتفاق، لأنّه حكم على خلاف حكم اللّه، حيث أوجب الكفارة مخيّرة من غير فصل بين المكلّفين.
وقد يعبّر عنه بـ «المناسب الملغى».[٢٦]
الثالث: ما لم يشهد له الشارع بالاعتبار ولا بالإلغاء
وهذا هو المعبّر عنه بـ «المصالح المرسلة»[٢٧]، و«المناسب المرسل»[٢٨] والذي وقع الكلام فيه.
وخلاصة هذا التقسيم أنّ المصلحة، إمّا معتبرة، أو ملغاة، أو مرسلة.
والمقصودفي هذا المقال هو الأخير دون الأولين.
2 ـ أقسام المصلحة باعتبار قوتها
تنقسم المصلحة باعتبار قوتها إلى مراتب هي:
الأولی: ما هي في رتبة الضرورات
ومثِّل لها بالضرورات الخمس: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. فهذه الأصول حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح. وأمثلة ذلك قضاء الشارع بقتل الكافر المضلّ، وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته، لأنّه يفوّت على الخلق دينهم، وقضاؤه بإيجاب القصاص؛ إذ به حفظ النفوس، وإيجاب حدّ الشرب؛ إذ به حفظ العقول التي هي ملاك التكليف، وإيجاب حدّ الزنا، إذ به حفظ النسل والأنساب، وإيجاب زجر الغصاب والسراق؛ إذ به حفظ الأموال التي هي معاش الخلق.[٢٩]
الثانية: ما يقع في رتبة الحاجات
ومثِّل له بتسليط الولي على تزويج الصغيرة والصغير، فذلك لا ضرورة إليه لكنه محتاج إليه في اقتناء المصالح، ومثِّل له أيضا بإباحة الصيد، والتمتع بالطيبات، وجواز المساقاة والقراض والسلم، ونحو ذلك.[٣٠]
الثالثة: ما يقع في مرتبة التحسين والتزيين
وما يقع في رعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات، مثل سلب العبد أهلية الشهادة، ولكلٍّ من هذه المراتب ما يقع موقع التتمة والتكملة. [٣١]
حجية الاستصلاح
اختلف الأصوليون في حجية الاستصلاح على مذاهب، هي إجمالاً ما يلي:
القول الأول: منع التمسّك به مطلقا
نسبه الآمدي إلى اتفاق الفقهاء من الشافعية والحنفية وغيرهم، واصفا إيّاه بأنّه الحق[٣٢]، ونسبه الزركشي الى الأكثرين[٣٣]، والشوكاني إلى الجمهور[٣٤]، بل نُسب للشافعي قوله: «من استصلح فقد شرّع كمن استحسن، والاستصلاح كالاستحسان متابعة للهوى».[٣٥]
وهو المعروف من مذهب الإمامية، إذ يتلخَّص موقفهم في عدم العمل بالمصالح المرسلة، نعم إذا حصل القطع بالمصلحة شرعا ولو عن طريق العقل جاز العمل طبقها، لكن لاتكون المصلحة مرسلة حينئذٍ حسب الاصطلاح.
ويستفاد موقفهم ممّا ذكره المحقّق الحلّي والميرزا القمي، فإنّهما بعد أن قسّما المصلحة إلى معتبرة وملغاة ومرسلة نفيا العمل بالمرسلة عن أصحابهم، وناقشا في أدلة حجّيتها، بل استدلا على عدمها.[٣٦]
وخلاصة مذهبهم على ما ذكره بعضهم هو: أنّ المصلحة إذا كانت مستفادة من النصوص والقواعد العامة بحيث تكون من صغرياتها فهي من السنّة، ولا وجه لعدها دليلاً آخر في مقابلها ، وإن كانت يدركها العقل، فإذا كان أدراك العقل لها إدراكا كاملاً ـ أي إدراكا للمصلحة بجميع ما يتعلق بها من عوالم تأثيرها في مقام جعل الحكم لها من قبل المشرّع ـ فهي حجّة؛ إذ ليس وراء القطع تساؤل أو استفهام، مستشهدا بقول القمي رحمهالله : «والمصالح إمّا معتبرة في الشرع، وبالحكم القطعي من العقل من جهة إدراك مصلحة خالية من المفسدة، كحفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل، فقد اعتبر الشارع صيانتها وترك ما يؤدي إلى فسادها...». [٣٧]
ولكن القول بحجّيتها هنا لايجعلها دليلاً مستقلاً في مقابل العقل.
وإن لم يكن إدراكه لها كاملاً، بأن كان قد أدرك المصلحة واحتمل وجود مزاحم لها يمنع من جعل الحكم، أو احتمل أنّها فاقدة لبعض شرائط الجعل ـ كما هو الغالب فيها، بل لايتوفر الإدراك الكامل إلاّ في حالات نادرة، وهي التي تكون المصلحة ذاتية ـ فهي حينئذٍ لاتكون حجّة؛ إذ لا دليل على حجّيتها، لأنّ الإدراك الناقص ليست حجّيته ذاتية، بل هي محتاجة إلى الجعل والأدلة غير وافية بإثباته.
وبهذا يتضح أنّ الشيعة لايقولون بالمصالح إلاّ ما رجع منها إلى العقل على سبيل الجزم.[٣٨]
وقال المظفر ما محصّله: إنّها و الاستحسان و سدّ الذرائع، إن لم ترجع إلى ظواهر الأدلة السمعية أو الملازمات العقلية لا دليل على حجّيتها، بل هي أظهر أفراد الظن المنهي عنه، على أنّ الأحكام وملاكاتها لايستقل العقل بإدراكها ابتداءً من دون السماع من مبلّغ الأحكام أو بالملازمة العقلية، ولو صحّ للعقل ذلك لما كان هناك حاجة لبعثة الرسل ونصب الأئمة، إذ يكون كلّ ذي عقل متمكنا بنفسه من معرفة أحكام اللّه تعالى.[٣٩]
بل ادّعى بعضهم إجماع الإمامية تبعا لأئمتهم على عدم جواز التعويل على الدليل العقلي الظني، كالقياس و الاستحسان والمصالح المرسلة ونحو ذلك، وإنّما النزاع بينهم في مشروعية استنباط الأحكام الشرعية عن الأدلة العقلية القطعيّة.[٤٠]
القول الثاني: جواز التمسّك بالمصالح المرسلة مطلقا
وهو المحكي عن مالك، بل نسب إليه الجويني الإفراط في القول بها، حتى جرّه إلى استحلال القتل وأخذ المال لمصالح يقتضيها في غالب الظن وإن لم يجد لها مستندا.[٤١]
إلاّ أنّ أصحابه أنكروا ذلك عنه، بل اتهم القرطبي إمام الحرمين بالاجتراء على مالك، والمجازفة فيما نسبه إليه من الإفراط في هذا الأصل، وأنّ هذا لايوجد في كتب مالك ولا في كتب أصحابه.[٤٢]
ومن أنكر ذلك أيضا ابن شاس في التحرير.[٤٣]
وادّعى بعضهم أنّ لا فرق بين مالك وغيره بالنسبة إلى هذا الأصل.
فقال ابن دقيق العيد: «الذي لاشكّ فيه أنّ لمالك ترجيحا على غيره من الفقهاء في هذا النوع، ويليه أحمد بن حنبل، ولايكاد يخلو غيرهما عن اعتباره في الجملة، ولكن لهذين ترجيح في الاستعمال لها على غيرهما».[٤٤]
وقال القرافي: «يحكى أنّ المصلحة المرسلة من خصائص مذهب مالك، وليس كذلك، بل المذاهب كلّها مشتركة فيها، فإنّهم يعلّقون ويفرّقون في صور النقوض وغيرها، ولايطالبون أنفسهم بأصل يشهد لذلك الفارق بالاعتبار، بل يعتمدون على مجرد المناسبة، وهذا هو عين المصالح المرسلة».[٤٥]
ثمَّ أكّد أنّ الشافعية أخذوا من المصلحة المرسلة أوفى نصيب وحظ.
وحاول الآمدي ـ من الشافعية ـ توجيه ما نقل عن مالك بقوله: «ولعلّ النقل إن صحّ عنه فالأشبه أنّه لم يقل بذلك في كلّ مصلحة، بل فيما كان من المصالح الضرورية الكلّية الحاصلة قطعا، لا فيما كان من المصالح غير ضروري ولا كلّي ولا وقوعه قطعي».[٤٦]
ونُقل عن ابن برهان قوله: «لايظن بمالك ـ على جلالته ـ أن يرسل النفس على سجيتها وطبيعتها فيتبع المصالح الجامدة التي لاتستند الى أصول الشرع بحال، لا على كلّي ولا على جزئي، إلاّ أنّ أصحابه سمعوا أنّه بنى الأحكام على المصالح المطلقة، فأطلقوا النقل عنه في ذلك...».[٤٧]
القول الثالث: التفصيل بين المصلحة الملائمة وغير الملائمة
هذا القول يفصل بين ما إذا كانت المصلحة ملائمة لأصل كلّي أو جزئي من أصول الشرع، وبين ما إذا لم تكن كذلك، فإن كانت ملائمة جاز بناء الأحكام عليها وإلاّ فلا.
حُكي عن الشافعي[٤٨]، واختاره ونسبه الجويني إلى الشافعي ومعظم أصحاب أبي حنيفة.[٤٩]
وقال الخوارزمي: ظاهر كلام الشافعي يقتضي اعتبارها وتعليق أحكام الشرع بها، لكن إذا قيّدناه بهذا انسلخت المسألة من المصالح المرسلة، فإنّه إذا شرط التقريب من الأصول الممهّدة، وفسّره بالملائمة كان من باب القياس في الأسباب، فيكون من قسم المعتبر، وبه يخرج عن الإرسال ويعود النزاع لفظيا.[٥٠]
القول الرابع: تخصيص الاعتبار بين المصلحة الضرورية وغيرالضرورية
هذا القول یخصص الاعتبار بما إذا كانت تلك المصلحة ضرورية قطعية كلّية، فإن فات أحد هذه الثلاثة لم تعتبر. ذهب إليه الغزالي[٥١] والبيضاوي.[٥٢]
وحاصل ما ذكره الغزالي هو: أنّ المصلحة تنقسم باعتبار قوتها إلى ما هي في رتبة الضروريات ومثِّل لها بحفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وما هي في رتبة الحاجات، كتسليط الولي على تزويج الصغير والصغيرة، فإنّه لا ضرورة إليه لكنه محتاج إليه في اقتناء المصالح، وما هو في رتبة التحسينات كسلب العبد أهلية الشهادة مع قبول فتواه وروايته .
ثمّ قال: إنّ الواقع في الرتبتين الأخيرتين (الحاجيات والتحسينيات) لايجوز الحكم بمجرده إن لم يعتضد بشهادة أصل، إلاّ أنّه يجري مجرى وضع الضروريات ، فلا بُعد في أن يؤدي إليه اجتهاد مجتهد، وإن لم يشهد الشرع بالرأي فهو كالاستحسان، فإن اعتضد بأصل فذاك قياس.
وأمّا الواقع في رتبة الضرورات، فلا بعد في أن يؤدي اليه اجتهاد مجتهد وإن لم يشهد له أصل معيّن، ومَثَّل له بالكفار إذا تترسوا بجماعة من أسارى المسلمين، بحيث لو كفوا عنهم غلبوا على دار الإسلام وقتلوا الاسرى أيضا، ولو رموهم لقتلوا الترس وهو قتل مسلم معصوم، وهذا لا عهد به في الشرع، فيجوز أن يقال: إنّ هذا الأسير مقتول بكلّ حال، فحفظ جميع المسلمين أقرب الى مقصود الشرع، فهذا التفات إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصودة للشرع لا بدليل واحد بل بأدلة خارجة عن الحصر، لكن تحصيل هذا المقصود بقتل من لم يذنب لم يشهد له أصل معيّن.
فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق القياس على أصل معيّن، وانقدح اعتبارها باعتبار ثلاثة أوصاف: كونها ضرورية، وقطعية، وكلّية.[٥٣]
واتضح أنّ مراده بالضرورية أن تكون من الضرورات الخمس، وبالكلّية أن تكون الفائدة تعمّ جميع المسلمين، وبالقطعية أن لا تكون ظنية كما لو تترس الكفار في قلعة بمسلم ولم نقطع بظفرنا بها، فإنّها ليست قطعية بل ظنية.
وعلى هذا القول ملاحظات، فقيل هو بهذه القيود احتكام من قائله وتصوير بما لايمكن عادةً ولا شرعا، وأنّ حاصله ردّ الاستدلال بها لتضييقه في قبولها باشتراط ما لايتصور وجوده.[٥٤]
وقيل: إنّها بهذه القيود ـ التي ذكرها الغزالي ـ لاينبغي أن يختلف في اعتبارها.[٥٥]
وممّا يدلّ على رفض الغزالي للاستصلاح هو أنّه في مطاوي كلامه صرّح أكثر من مرّة بعدم حجّيته وعدّه من الأصول الموهومة، وأنّ من ظن أنّه أصل فقد أخطأ؛ لأ نّا رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع، ومقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنّة والإجماع، فكلّ مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود مهم من الكتاب والسنّة والإجماع، وكانت من المصالح الغريبة التي لاتلائم تصرفات الشرع فهي باطلة مطروحة، ومن صار إليها فقد شرّع، كما أنّ من استحسن فقد شرّع، وكل مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه بالكتاب والسنّة و الإجماع فليس خارجا من هذه الأصول، لكنه لايسمى قياسا بل مصلحة مرسلة؛ إذ القياس أصل معيّن، وكون هذه المعاني مقصودة عرفت لا بدليل واحد بل بأدلة كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنّة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات تسمى لذلك مصلحة مرسلة، وإذا فسّرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع، فلا وجه للخلاف في اتّباعها، بل يجب القطع بكونها حجّة.[٥٦]
ومن كلّ ما تقدم في التعاريف والأقوال، يتضح أنّ المصلحة إذا كانت راجعة إلى أصل كلّي أو جزئي فهي حجّة وراجعة لذلك الأصل، وإن دلّ دليل على اعتبارها من الشرع أو من العقل بشكل قطعي وإدراك كامل؛ فهي حجّة أيضا وراجعة إلى حكم العقل، وإن لم تكن كذلك كأن لم تستند إلى أصل وكانت ظنية فهي محلّ النزاع.
المصادر
- ↑ انظر : الصحاح 1 : 384، لسان العرب 2 : 2221 مادة «صلح»
- ↑ المعجم الوسيط 1 : 520 مادة «صلح».
- ↑ انظر : شرح مختصر الروضة 3 : 204.
- ↑ انظر : روضة الناظر : 86 .
- ↑ انظر : قواعد الأصول : 32 .
- ↑ انظر : الاستصلاح والمصالح المرسلة : 37 ـ 39 .
- ↑ انظر : المدخل الى أصول الفقه الدواليبي : 290 .
- ↑ البحر المحيط 6 : 76 .
- ↑ شفاء الغليل : 207 .
- ↑ الإحكام 3 ـ 4 : 394.
- ↑ منهاج الوصول : 111 .
- ↑ المستصفى 1 : 257.
- ↑ كما هو رأي الطوفي من علماء الحنابلة، انظر : رسالة الطوفي : 89 .
- ↑ كما هو المنسوب إلى الشافعي، وصرّح به الغزالي، انظر : المستصفى 1 : 257.
- ↑ لسان العرب 2 : 2221 مادة «صلح».
- ↑ المستصفى 1 : 258.
- ↑ انظر : إرشاد الفحول 2 : 270.
- ↑ رسالة الطوفي : 112.
- ↑ انظر : لسان العرب 2 : 1507 مادة «رسل».
- ↑ انظر : البحر المحيط 6 : 76، المنخول : 355.
- ↑ انظر : البحر المحيط 6 : 76، إرشاد الفحول 2 : 270.
- ↑ ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية : 342.
- ↑ حاشية التفتازاني 3 : 578.
- ↑ انظر : المستصفى 1 : 257.
- ↑ انظر : المصدر السابق.
- ↑ الأصول العامة للفقه المقارن : 298 ـ 299.
- ↑ انظر : البحر المحيط 6 : 76.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 249.
- ↑ المستصفى 1 : 258، الموافقات 2 : 8 ـ 10، أصول الفقه الخضري بك : 300 ـ 301.
- ↑ المستصفى 1 : 258، الموافقات 2 : 10 ـ 11، أصول الفقه الخضري بك : 301.
- ↑ انظر : المستصفى 1 : 259، الموافقات 2 : 11 ـ 12.
- ↑ الإحكام 3 ـ 4 : 394.
- ↑ البحر المحيط 6 : 76.
- ↑ إرشاد الفحول 2 : 270.
- ↑ مصادر التشريع الإسلامي : 89 .
- ↑ انظر : معارج الأصول : 221 ـ 224، القوانين المحكمة : 299 ـ 300.
- ↑ القوانين المحكمة : 299.
- ↑ انظر : الأصول العامة للفقه المقارن : 388 ـ 389.
- ↑ انظر : أصول الفقه 3 ـ 4 : 207 ـ 208.
- ↑ بحوث في علم الأصول الهاشمي 4 : 119.
- ↑ البرهان في أصول الفقه 2 : 161، وانظر : البحر المحيط 6 : 76، إرشاد الفحول 2 : 270.
- ↑ انظر : البحر المحيط 6 : 76 ـ 77، إرشاد الفحول 2 : 270.
- ↑ انظر : المصدر السابق : 76.
- ↑ انظر : المصدر السابق : 77.
- ↑ نفائس الأصول 9 : 4279.
- ↑ الإحكام 3 ـ 4 : 394.
- ↑ البحر المحيط 6 : 78.
- ↑ انظر : المصدر السابق : 77.
- ↑ البرهان في أصول الفقه 2 : 161 وانظر : أيضا : البحر المحيط 6 : 78، إرشاد الفحول 2 : 271.
- ↑ انظر : البحر المحيط 6 : 78.
- ↑ المستصفى 1 : 259 ـ 260 .
- ↑ منهاج الوصول : 111.
- ↑ المستصفى 1 : 259 ـ 260 .
- ↑ انظر : البحر المحيط 6 : 80 ، إرشاد الفحول 2 : 272.
- ↑ انظر : إرشاد الفحول 2 : 272.
- ↑ انظر : المستصفى 1 : 264 ـ 265 .