الفرق بين المراجعتين لصفحة: «المناهج في تكامل علم الأصول»

من ویکي‌وحدت
(أنشأ الصفحة ب''''المناهج في تكامل علم الأصول:''' إنّ هناک منهجین رئيسيين يسبّبان التکامل في علم الأصول. أحدهم...')
(لا فرق)

مراجعة ١٣:٥٤، ٢٠ أبريل ٢٠٢١

المناهج في تكامل علم الأصول: إنّ هناک منهجین رئيسيين يسبّبان التکامل في علم الأصول. أحدهما منهج المتکلمين والآخر منهج الأحناف. ولتوضيح هذين المنهجين نقدّم هذه المقالة أمام القارئ الکريم.


المناهج في تكامل علم الأصول

إنَّ كلّ ما دون من مسائل أصولية لا يشكل الملامح الرئيسة لعلم له تعريفه وموضوعه وهدفه وغايته، وإنّما غاية ما تصبو إليه هو التأليف في مسائل معينة من أصول الفقه ولم تكن مستوعبة لمسائل علم الأصول. [١]
إلى أن توالت التأليفات والتصنيفات المتكاملة والشاملة بجميع مسائل أصول الفقه، فوصل علم الأصول إلى أوجه في القرن الرابع الهجري وما بعده[٢]، وانفصل تماما عن العلوم الأخرى وبدا كعلم مستقل له أركانه ومقوماته التي يتميّز بها عن العلوم الأخرى، وأصبحت الغاية منه واضحة وهي إعانة الفقيه على استنباط الأحكام الشرعية من مداركها الأصلية.
وفي أثناء هذه المرحلة ظهر منهجان في تدوين علم الأصول:[٣]

المنهج الأوّل: طريقة المتكلّمين

وهي الطريقة المتّبعة في علم الكلام بتقرير مطالب ومباحث أصول الفقه من غير التفات إلى فروع المذهب أو مخالفته، بل أتباع هذا المنهج يبحثون في مسائل أصول الفقه طبق القواعد والحجج المتعارفة التي يقاس عليها صحّة كلّ أمر أو سقمه، فما وافق تلك الحجج والقواعد أُخذ به وإن خالف فروع المذهب، ولذا نجدهم يتطرّقون إلى مباحث أصولية مع عدم أخذهم بها واعتمادهم عليها في الفقه.
وقد جرى على هذه الطريقة المعتزلة و الشيعة الإمامية و المالكية و الشافعية و الحنابلة و الزيدية.
وهي بالإضافة إلى اعتمادها المنهج الكلامي في الاستدلال كان روّادها جلّهم من المتكلّمين، ولذا سمّيت بطريقة المتكلّمين. [٤] «وأهمّ خصائص هذه الطريقة عدم أخذ الضوابط الأصولية من الفروع الفقهية، والميل الشديد إلى الاستدلال العقلي والتبسيط في الجدل والمناظرات».[٥]
واُلفت معظم كتب الأصول على هذه الطريقة فألف كلّ من الباقلاّني (ت 403ه) «التقريب والإرشاد»، والمفيد (ت 413ه) «التذكرة بأصول الفقه»، وأبي الحسين البصري (ت 436ه) «المعتمد في أصول الفقه»، والمرتضى (ت 436ه) «الذريعة إلى أصول الشريعة»، والطوسي (ت 460ه) «العدّة في أصول الفقه»، وأبي يعلى (ت 458ه) «العدّة في أصول الفقه»، والجويني (ت 487ه) «البرهان في أصول الفقه»، وأبي المظفر السمعاني (ت 489ه) «قواطع الأدلّة»، والغزالي (ت 505ه) «المستصفى من علم الأصول»، والآمدي (ت 630ه) «الإحكام في أصول الأحكام» وغيرهم كثير.
ومن آثار هذه الطريقة وجود مسائل كلامية عديدة في علم الأصول مثل: مسألة «التحسين والتقبيح العقليين» ومسألة «وجوب شكر المنعم» ومسألة «الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع»، ومسألة «التكليف بالمحال» ومسألة «التكليف بالمعدوم» ومسألة «عصمة الأنبياء» كما أشار إلى ذلك السيّد المرتضى في مقام انتقاده لإدخال تلك المباحث في علم الأصول. [٦]

المنهج الثاني: طريقة الأحناف

وهي الطريقة التي يراعى فيها تطبيق فروع المذهب على أصول الفقه وأدلّته، ويقام البحث في حجّية الأدلّة وعدمها على ضوء ما هو موجود في فروع المذهب، بل قد يرفض أصل أو دليل معين طبقا لما هو مذكور في فروع المذهب، وأصحاب هذه الطريقة لا يتطرقون إلى أصول فقهية لم يصحّ الاستدلال بها عندهم في الفقه مثل مبحث «المصالح المرسلة» ومبحث «سد الذرائع» وغيرهما من الأدلّة المختلف فيها.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل أثّر المنهج المذكور على شكل وهيئة علم الأصول عندهم، فتراهم يتطرّقون إلى مباحث فقهية مثل: مبحث «الأهلية» و«الإكراه» وغير ذلك من المباحث التي حقّها أن تذكر في علم الفقه، فكانت الفروع الفقهية هي المصدر والأساس لتشكيل علم الأصول عندهم، وأصبح يعكس لما هو معتمد عندهم في علم الفروع.
وألّف على هذه الطريقة كثير من الأحناف كالجصّاص (ت 370ه) «الفصول في الأصول»، والدبوسي (ت 430ه) «تقويم الأدلّة»، والسرخسي (ت 490ه) «المحرر في أصول الفقه» الذي عرف فيما بعد بـ «أصول السرخسي»، وصدر الشريعة المحبوبي (ت 747ه) «تنقيح الأصول»، وابن الهمام (ت 861ه) «التحرير»، وابن عبد الشكور (ت 1180ه) «مسلّم الثبوت».
ويذكر أنّ هناك جماعة خرجوا عن المنهجين المذكورين في التأليف كابن حزم الظاهري (ت 456ه) والشاطبي (ت 790ه )، حيث سلك ابن حزم منهجا نقليا في بحثه الأصولي فعمد إلى حشد كثير من النصوص الشرعية في طي المباحث الأصولية فألف كتابه «الإحكام في أصول الأحكام» وسلك الشاطبي منهجا خاصّا يعتمد نظريته ومبناه في «مقاصد الشريعة» في تأليف كتابه «الموافقات في أصول الشريعة».[٧]
وبقي أصول الفقه بعد ذلك على حاله عند أهل السنّة ولم يمر بمراحل غيّرت منهجه أو أضافت له مسائل جديدة أو توسعت في أبحاثه وظلّ يسير على خُطى رتيبة ولم يتأثّر بعوامل الزمان والمكان، ولعلّ السرّ في ذلك هو انغلاق باب الاجتهاد عندهم ممّا أفقد دوره في عملية الاستنباط لعدم الحاجة إليه بعد غلق باب الاجتهاد وفتح باب التقليد على مصراعيه عند المذاهب الأربعة. بخلافه علم الأصول عند الشيعة الإمامية ـ ولعلّه لانفتاح باب الاجتهاد عندهم ـ فقد مرّ بمراحل ومنعطفات أثّرت عليه تأثيرا كبيرا، فيذكر أنّ علم الأصول عندهم ولمدّة قرن كامل مرّ بمرحلة جمود وركود واستمرّت هذه المرحلة من بداية عصر الشيخ الطوسي (ت 460ه) حتّى عصر ابن إدريس الحلّي (ت 598ه) وهي المرحلة التي أطلق عليها «عصر المقلّدة»[٨]، ثُمّ ما أن لبث ونهض من جديد على يد الشيخ ابن ادريس الحلّي (ت 598ه) فاستخدم مسائل أصولية كثيرة في فقهه «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى» والشيخ ابن زهرة (ت 585ه) في كتابه «غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع».[٩]
ومن ثَمّ توالت التأليفات في علم الأُصول فألف المحقّق الحلّي (ت 676ه) «معارج الأصول»، وألف العلاّمة الحلّي (ت 726ه) «تهذيب الوصول» و«مبادئ الوصول» و«نهاية الوصول»، واستمرّ الحال على هذا النهج إلى زمان ظهور المدرسة الأخبارية عند الشيعة الإمامية على يد زعيمها محمّد أمين الإسترآبادي (ت 1033ه) الذي ألف كتابه «الفوائد المدنية» منتقدا فيه علم الأصول وناسبا مسائله إلى أهل السنّة[١٠]، وتبعه في ذلك الحرّ العاملي (ت 1104ه) فألف كتابه «الفوائد الطوسية» منتقدا فيه أيضا علم الأصول ومبيّنا أنّ أكثر رجالاته هم من أهل السنّة، وأنّ الشيخ الطوسي والسيّد المرتضى لم يؤلّفا في علم الأصول إلاّ للردّ عليه. [١١]
لكن ما لبث الأمر إلاّ وتراجعت المدرسة الأخبارية وانحسر نفوذها لصالح المدرسة الأصولية التي تزعمها آنذاك الوحيد البهبهاني (ت 1205ه) فظهرت تأليفات عدّة في علم الأصول فألف الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت 1227ه) «كشف الغطاء» الذي خصص قسما منه بمباحث علم الأصول، وألف الميرزا القمّي (ت 1231ه) «القوانين المحكمة»، وألف السيّد محمّد الطباطبائي (ت 1242ه) «مفاتيح الأصول»، وألف أحمد النراقي (ت 1245ه) «مناهج الأحكام والأصول»، وألف محمّد تقي الإصفهاني (ت 1248ه) «هداية المسترشدين»، وألف محمّد حسين الإصفهاني (ت 1250ه) «الفصول الغروية». إلى أن دخل علم الأصول في مرحلة جديدة على يد الشيخ الأنصاري (ت 1281ه) وكان من ملامح هذه المرحلة خصلتان بارزتان:
الأولى: حذف أبحاث كثيرة من علم الأصول والتي كان بعضها ينسب إلى أصول فقه السنة من قبيل «القياس» و«الاستحسان» و«المصالح المرسلة» وحتّى «قياس الأولوية» و«تنقيح المناط» و«القياس المنصوص العلّة»، فلم تبحث هذه المباحث في علم الأصول بعد هذه المرحلة ولم تول اهتماما كسائر المباحث الأصولية الأخرى، ولم ينقح المراد منها تحديدا، ولم يلجوا في تفاصيلها وشرائطها ومعارضاتها.
الثانية: التوسّع في المباحث الأصولية إلى افتراضات وتشعبات ذهنية واسعة لا مجال لها إلاّ الدقّة العقلية، واُدخلت فيه مباحث فلسفية عديدة فإنَّ «انتشار فلسفات كبيرة ومجددة كفلسفة صدر الدين الشيرازي (ت 1050ه ) أدّى إلى إقبال الفكر الأصولي... على الاستمداد من الفلسفة واستلهامها أكثر من استلهام علم الكلام، وبخاصّة التيار الفلسفي الذي أوجده صدر الدين الشيرازي ومن أمثلة ذلك: ما لعبته مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهية في مسائل أصولية متعددة كمسألة اجتماع الأمر والنهي ومسألة تعلّق الأوامر بالطبائع والأفراد».[١٢]
ولم يقتصر الأمر على الشيخ الأنصاري بل تبعه الآخوند الخراساني (ت 1329ه) في ذلك وبالغ في إقحام المباحث والمفاهيم الفلسفية في علم الأصول حتّى قيل فيه بأنّه: «أدخل المسائل الفلسفية في الأصول أكثر من قبله».[١٣]
ولايزال البحث الأصولي اليوم ينهج نفس النهج الذي انتهجه الأنصاري ومن بعده الآخوند الخراساني في بحثهما الأصولي.

المصادر

  1. أنظر: أصول الفقه الخضري: 5.
  2. أنظر: الفكر الأصولي دراسة تحليلية نقدية: 110 وما بعدها.
  3. أنظر: أصول الفقه الخضري: 6، أصول الأحكام: 23 ـ 24، الأصول العامة للفقه المقارن: 77 ـ 78.
  4. أصول الأحكام: 24.
  5. المصدر السابق.
  6. الذريعة 1: 1 ـ 5.
  7. أنظر: أصول الإحكام: 26.
  8. أنظر: نظرة في تطوّر علم الأصول: 45.
  9. أنظر: المصدر السابق: 47.
  10. الفوائد المدنية: 75 ـ 79، 123 وأنظر: المعالم الجديدة للأصول: 98، نظرة في تطوّر علم الأصول: 52.
  11. الفوائد الطوسية: 235 ـ 236.
  12. المعالم الجديدة للأصول: 115. بتصرّف.
  13. الذريعة إلى تصانيف الشيعة 6: 186.