الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإجزاء»

أُضيف ١٣٬٩٦٩ بايت ،  ٥ أبريل ٢٠٢٣
ط
استبدال النص - '====' ب'====='
لا ملخص تعديل
ط (استبدال النص - '====' ب'=====')
 
(٦ مراجعات متوسطة بواسطة ٤ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''الإجزاء''' إصطلاحٌ اصولي یراد به کفایة الحکم الظاهري عن الحکم الواقعي کالتیمّم الذي هو حکم ظاهري ثانوني يجب في حالة الإضطرار بدل الوضوء الذي هو حکم واقعي أوليّ. واختلف الاصوليون في هذا المجال هل أن الحکم الظاهري یجزئ عن الحکم الواقعي أو لا؟
'''الإجزاء''' إصطلاحٌ [[أصول الفقه|اصولي]] یراد به کفایة [[الحکم الظاهري]] عن [[الحکم الواقعي]] کالتیمّم الذي هو حکم ظاهري ثانوني يجب في حالة [[الإضطرار]] بدل [[الوضوء]] الذي هو [[الحکم الواقعي|حکم واقعي]] [[الحكم الأوليّ|أوليّ]]. واختلف الاصوليون في هذا المجال هل أن الحکم الظاهري یجزئ عن الحکم الواقعي أو لا؟


==التعريف اللغوي للإجزاء==
==التعريف اللغوي للإجزاء==
سطر ٣٨: سطر ٣٨:
دار البحث في المعنى الأول للإجزاء في موردين:
دار البحث في المعنى الأول للإجزاء في موردين:


====المورد الأول: إجزاء الأمر عن نفسه====
=====المورد الأول: إجزاء الأمر عن نفسه=====
وفي هذا المجال يبدو اتفاق الكلّ على أنَّ الإتيان بالمأمور به على الوجه الذي أمر به يكون مجزئا، بمعنى كونه امتثالاً للأمر، وذلك ممَّا لا خلاف فيه<ref> الذريعة 1 : 123، المعتمد 1 : 90 ـ 91، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 396، البحر المحيط 1 : 319، الوافية : 102، إرشاد الفحول 1 : 366، كفاية الأصول : 81 .</ref>، سواء أكان الأمر اختياريا واقعيا، أو اضطراريا، أو ظاهريا. <ref> أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 301.</ref>.
وفي هذا المجال يبدو اتفاق الكلّ على أنَّ الإتيان بالمأمور به على الوجه الذي أمر به يكون مجزئا، بمعنى كونه امتثالاً للأمر، وذلك ممَّا لا خلاف فيه<ref> الذريعة 1 : 123، المعتمد 1 : 90 ـ 91، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 396، البحر المحيط 1 : 319، الوافية : 102، إرشاد الفحول 1 : 366، كفاية الأصول : 81 .</ref>، سواء أكان الأمر اختياريا واقعيا، أو اضطراريا، أو ظاهريا. <ref> أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 301.</ref>.
كما لا شك ولا خلاف في أنَّ هذا الامتثال يجزيء ويكتفى به عن امتثال آخر. <ref> المصدر السابق.</ref>. لكن خالف بعض كأبي هاشم الجبائي وأتباعه في ذلك، وقالوا بأنَّ الإجزاء لايثبت إلاَّ بقرينة. <ref> الكاشف عن المحصول 4 : 67ـ70.</ref>. وأرجع بعض اختلافه مع باقي الأصوليين في المعنى الثاني (سقوط القضاء) لا الأول. <ref> انظر : الكاشف عن المحصول 4 : 70.</ref>
كما لا شك ولا خلاف في أنَّ هذا الامتثال يجزيء ويكتفى به عن امتثال آخر. <ref> المصدر السابق.</ref>. لكن خالف بعض كأبي هاشم الجبائي وأتباعه في ذلك، وقالوا بأنَّ الإجزاء لايثبت إلاَّ بقرينة. <ref> الكاشف عن المحصول 4 : 67ـ70.</ref>. وأرجع بعض اختلافه مع باقي الأصوليين في المعنى الثاني (سقوط القضاء) لا الأول. <ref> انظر : الكاشف عن المحصول 4 : 70.</ref>


====أدلّة الإجزاء====
=====أدلّة الإجزاء=====
باعتبار أنَّ الإجزاء بمعنى الامتثال موضع اتفاق، اعتبر الآمدي الاستدلال على الإجزاء بهذا المعنى استدلالاً على محلّ الوفاق<ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 396.</ref>، بل عُدَّ من [[البديهيات]]، باعتبار أنّ طلبه ثانيا مع حصول متعلّقه يكون تحصيل حاصل<ref> وقاية الأذهان : 196.</ref>، رغم ذلك استدلّ عليه بعض بالأدلّة التالية:
باعتبار أنَّ الإجزاء بمعنى الامتثال موضع اتفاق، اعتبر الآمدي الاستدلال على الإجزاء بهذا المعنى استدلالاً على محلّ الوفاق<ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 396.</ref>، بل عُدَّ من [[البديهيات]]، باعتبار أنّ طلبه ثانيا مع حصول متعلّقه يكون تحصيل حاصل<ref> وقاية الأذهان : 196.</ref>، رغم ذلك استدلّ عليه بعض بالأدلّة التالية:
'''الأول:''' المكلّف جاء بما عليه من التكليف على الوجه المطلوب، فكان كافيا<ref> انظر : أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 301.</ref>، ووجب أن يخرج عن عهدته؛ لأنَّه لو بقي الأمر بعد ذلك لبقي إمَّا متناولاً لذلك المأتي به أو لغيره، والأوّل باطل؛ لأنَّ الحاصل لايمكن تحصيله، والثاني باطل؛ لأنَّه يلزم أن يكون الأمر قد كان متناولاً لغير ذلك الذي وقع مأتيا به، ولو كان كذلك لما كان المأتي به تمام متعلَّق الأمر، وقد فرضناه كذلك، وهذا خلف<ref> المحصول الرازي 1 : 323، مبادئ الوصول : 111، إرشاد الفحول 1 : 367.</ref>
'''الأول:''' المكلّف جاء بما عليه من التكليف على الوجه المطلوب، فكان كافيا<ref> انظر : أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 301.</ref>، ووجب أن يخرج عن عهدته؛ لأنَّه لو بقي الأمر بعد ذلك لبقي إمَّا متناولاً لذلك المأتي به أو لغيره، والأوّل باطل؛ لأنَّ الحاصل لايمكن تحصيله، والثاني باطل؛ لأنَّه يلزم أن يكون الأمر قد كان متناولاً لغير ذلك الذي وقع مأتيا به، ولو كان كذلك لما كان المأتي به تمام متعلَّق الأمر، وقد فرضناه كذلك، وهذا خلف<ref> المحصول الرازي 1 : 323، مبادئ الوصول : 111، إرشاد الفحول 1 : 367.</ref>
سطر ٤٩: سطر ٤٩:
'''الرابع:''' طبيعة الأمر بالشيء كونه علَّة تامة لسقوط غرض الداعي دون قيد، ولو كان هناك لما أطلق الأمر، ومع امتثاله يسقط غرض الداعي. <ref> مقالات الأصول 1 : 263 ـ 264.</ref>
'''الرابع:''' طبيعة الأمر بالشيء كونه علَّة تامة لسقوط غرض الداعي دون قيد، ولو كان هناك لما أطلق الأمر، ومع امتثاله يسقط غرض الداعي. <ref> مقالات الأصول 1 : 263 ـ 264.</ref>


====المورد الثاني: إجزاء الأمر عن غيره====
=====المورد الثاني: إجزاء الأمر عن غيره=====
وبهذا المعنى وقع البحث في مقامين:
وبهذا المعنى وقع البحث في مقامين:


=====المقام الأول: إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الأولي=====
=======المقام الأول: إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الأولي=======
لا شكَّ في أنَّ الاضطرار ترتفع به فعلية التكليف؛ لأنَّ اللّه‏ تعالى لايكلّف نفسا إلاَّ وسعها. وقد ورد في الحديث النبوي المشهور الصحيح «رفع عن أمتي تسعة... وما اضطروا إليه».<ref> وسائل الشيعة 15 : 369 كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب 56 جملة ممّا عفي عنه ح1.</ref> والكلام فيما لو ارتفعت تلك الحالة الاضطرارية الثانوية، وتمكَّن المكلَّف من أداء ما كان عليه واجبا في الحالة الاعتيادية والاختيار، أي قبل حصول الاضطرار ، فهل يجزئه ما كان قد أتى به حال الاضطرار ، أم لايجزئه ، وعليه إعادة الفعل أداءً قبل انتهاء الوقت ، وقضاءً بعد انتهاء  الوقت؟<ref> انظر : كفاية الأصول : 84 ، أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 304.</ref>
لا شكَّ في أنَّ الاضطرار ترتفع به فعلية التكليف؛ لأنَّ اللّه‏ تعالى لايكلّف نفسا إلاَّ وسعها. وقد ورد في الحديث النبوي المشهور الصحيح «رفع عن أمتي تسعة... وما اضطروا إليه».<ref> وسائل الشيعة 15 : 369 كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب 56 جملة ممّا عفي عنه ح1.</ref> والكلام فيما لو ارتفعت تلك الحالة الاضطرارية الثانوية، وتمكَّن المكلَّف من أداء ما كان عليه واجبا في الحالة الاعتيادية والاختيار، أي قبل حصول الاضطرار ، فهل يجزئه ما كان قد أتى به حال الاضطرار ، أم لايجزئه ، وعليه إعادة الفعل أداءً قبل انتهاء الوقت ، وقضاءً بعد انتهاء  الوقت؟<ref> انظر : كفاية الأصول : 84 ، أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 304.</ref>
أطبق علماء الشيعة على الإجزاء هنا<ref> أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 304.</ref>، وذلك للأدلَّة التالية:
أطبق علماء الشيعة على الإجزاء هنا<ref> أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 304.</ref>، وذلك للأدلَّة التالية:
سطر ٦٠: سطر ٦٠:
'''الرابع:''' نشك في وجوب الأداء والقضاء، ولم يُنفَ وجوبهما بإطلاق ونحوه، فيكون شكا في أصل التكليف، وفي مثله تجري أصالة البراءة عن وجوبهما. <ref> انظر : كفاية الأصول : 84 ـ 86 ، وسيلة الوصول 1 : 255 ـ 256، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 306، دروس في علم الأصول 2 : 283.</ref>
'''الرابع:''' نشك في وجوب الأداء والقضاء، ولم يُنفَ وجوبهما بإطلاق ونحوه، فيكون شكا في أصل التكليف، وفي مثله تجري أصالة البراءة عن وجوبهما. <ref> انظر : كفاية الأصول : 84 ـ 86 ، وسيلة الوصول 1 : 255 ـ 256، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 306، دروس في علم الأصول 2 : 283.</ref>


=====المقام الثاني: إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الأولي=====
=======المقام الثاني: إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الأولي=======
المراد من [[الأمر الظاهري]] هو الثابت عند الجهل بالحكم الواقعي، سواء ثبت بالأمارات أو بالأصول العملية. <ref> أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 307.</ref>
والمراد بالإجزاء هنا: إجزاء الأمر الظاهري عن [[الأمر الواقعي]] فيما لو انكشف مخالفة الظاهري للواقعي في  داخل  الوقت، فلا يجب الأداء أو خارجه، فلا يجب القضاء.
وقد وردت في هذا المقام أقوال هي:
1 ـ الإجزاء مطلقا.
2 ـ عدم الإجزاء مطلقا.
3 ـ التفصيل بين ما إذا انكشف الخلاف بعلم وجداني، وما إذا انكشف بعلم تعبدي، فيجزيء على الثاني دون  الأول.
4 ـ التفصيل بين القول بالسببيّة والقول بالطريقيّة، فعلى الأوَّل لا مناص من الإجزاء دون الثاني.
5 ـ التفصيل بين أقسام السببيّة بالالتزام بالإجزاء في بعضها، وبعدمه في بعضها الآخر.
6 ـ التفصيل بين الأمارات والأصول بالالتزام بعدم الإجزاء في موارد الأمارات، والإجزاء في موارد الأصول. <ref> محاضرات في أصول الفقه 2 : 253، المباحث الأصولية 3 : 459 ـ 460.</ref>
والمتأخّرون يفرضون للمسألة صورا أربع، ويناقشون كلاًّ منها، وهي:
'''الصورة الأولى:''' الإجزاء في الأمارة مع انكشاف الخطأ يقينا.
المعروف عند الإمامية عدم الإجزاء هنا في الأحكام والموضوعات، أمَّا في الأحكام فلأجل كون المسألة من  فروع مسألة [[التصويب والتخطئة]]<ref> أجود التقريرات 1 : 286.</ref>، مع اتفاقهم على مذهب التخطئة، أي أنَّ المجتهد يخطئ ويصيب، ومع انكشاف الواقع لايبقى مجال للعذر، بل يتنجز الواقع في حقّه.
والذي يقول بالتصويب، أي أنَّ أحكام اللّه‏ تعالى تابعة لآراء المجتهدين، وأنَّ اللّه‏ ينشيء الحكم وفق رأي المجتهد، يقول بالإجزاء هنا.
أمَّا في الموضوعات فلأجل أنَّ الأمارة مأخوذة على نحو الطريقيّة، فإن أخطأت فالواقع على حاله، ولا تحدث بسبب الأمارة مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع. <ref> فوائد الأصول 1 ـ 2 : 247 ـ 248، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 310، تحريرات في الأصول 2 : 307 ـ 324.</ref>
'''الصورة الثانية:''' الإجزاء في الأصول مع انكشاف الخطأ يقينا.
والبحث هنا ينحصر في الأصول الشرعية عدا الاحتياط، ففي الاحتياط لايتصوَّر هذا البحث؛ لأنَّ المفروض فيه العمل بما يحقق امتثال التكليف الواقعي، بحيث لا تفوت معه المصلحة.
كما لايتصور هذا البحث في الأصول العقلية ـ  كالبراءة  ـ لأنَّها لا تتضمَّن حكما ظاهريا، ومضمونها سقوط العقاب والمعذريّة المجردة، ويبقى الواقع على ما كان، فيتنجّز حين العلم به وانكشافه، ولا مصلحة في العمل بالأصل غير رفع الحيرة عند الشك. ولهذا أفتى [[فقهاء الشيعة]] بعدم الإجزاء في الأصول العملية لا في الأحكام ولا في الموضوعات، وهي أولى بعدم الإجزاء من الأمارات؛ لكونها تحدّد الوظيفة العملية فحسب، إلاَّ على القول بالتصويب. <ref> أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 311 ـ 312. المباحث الأصولية 3 :  441.</ref>
وخالف في ذلك الآخوند الخراساني<ref> كفاية الأصول : 86 .</ref>، وتلميذه الشيخ محمد حسين الأصفهاني<ref> نهاية الدراية 1 : 392 ـ 400.</ref>، والإمام الخميني<ref> تهذيب الأصول 1 : 191 ـ 197 ، انظر: تحريرات في الأصول 2 :  326.</ref> في خصوص الأصول الجارية لتنقيح موضوع التكليف وتحقيق متعلّقه ـ  كقاعدة الطهارة وأصالة الحليّة واستصحابها  ـ دون الأصول الجارية في نفس الأحكام، واستدلّوا على ذلك بأنَّ دليل الأصل في موضوعات الأحكام موسِّع لدائرة الشرط أو الجزء المعتبر في موضوع التكليف.
وقد ناقش الميرزا النائيني هذا الرأي بعدة نقاشات<ref> انظر : فوائد الأصول 1 ـ 2 : 248 ـ 251.</ref>، وكذلك فعل السيد الخوئي. <ref> انظر : الهداية في الأصول 3 : 317 ـ 321.</ref>
'''الصورة الثالثة والرابعة:''' الإجزاء في الأمارات والأصول مع انكشاف الخطأ بحجّة معتبرة.
لا إشكال في الإجزاء في الوقائع التي لايترتب عليها أثر في الزمن اللاحق، وإنَّما الإشكال في الوقائع اللاحقة المرتبطة بالوقائع السابقة، من قبيل انكشاف الخطأ في وقت العبادة ـ  اجتهادا أو تقليدا، داخل الوقت أو خارجه  ـ بالنسبة إلى الصلاة، وهي ممَّا يُقضى، أو من قبيل العقد على  الزوجة بصيغة غير عربية، ثمَّ قامت الحجّة على اعتبار اللفظ العربي ـ  اجتهادا أو تقليدا  ـ والزوجة لا  زالت  موجودة.
المعروف عدم الإجزاء في الموضوعات. وفي الأحكام قيل بالإجماع على الإجزاء.
والقاعدة هنا لا تقتضي الإجزاء؛ لأنَّ التبدُّل الذي طرأ على المورد إمَّا في [[الحكم الواقعي]] وإمَّا في الحجّة. والأوّل باطل؛ لأنَّه يستلزم التصويب، وأمَّا الثاني فإن قيل بأنَّ الحجّة الأولى حجّة بالنسبة إلى الأعمال السابقة وبالنظر إلى وقتها فقط، فهذا لاينفع الأعمال اللاحقة والآثار السابقة، وإن قيل بأنَّ الحجّة الأولى حجّة مطلقا لجميع الموارد، فهذا باطل؛ لانكشاف عدم حجّية الحجّة الأولى مطلقا، حتى بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة. ويجب العمل وفق الحجّة الفعلية، وهذا يعني عدم الإجزاء، إلاَّ إذا ثبت الإجماع على موردٍ مّا. <ref> فوائد الأصول 1ـ2 : 251ـ260، انظر : أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 313 ـ 315.</ref>
 
===الجهة الثانية: الإجزاء بمعناه الثاني===
لا نزاع في أنَّ الفعل المأمور به إذا جيء به مع خلل لايجزيء عن القضاء، أي لايسقطه، والنزاع فيه فيما إذا جاء بالأمر الاضطراري واستمرَّ العارض حتَّى انتهاء الوقت، وقد نوقش تحت عنوان إجزاء الأمر الاضطراري.
كما وقع النزاع فيما إذا جاء به المكلَّف دون نقص أو خلل<ref> انظر : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 396.</ref>، فقد اختلف الأصوليون في سقوط القضاء عن هذا المورد، فالجمهور يقولون: إنَّه يدلّ على أنَّه لايجب قضاؤه، إلاَّ أنَّ أبا هاشم الجبائي والقاضي عبد الجبار وأتباعهما يقولون: إنَّه لايمتنع الأمر بالقضاء أيضا مع  فعله. <ref> تهذيب شرح الأسنوي 1 : 137.</ref>
الميرزا القمي يرى أنَّه إذا قيل بحصول الامتثال وتحقق الإجزاء، فسقوط القضاء يكون من باب عدم الدليل على وجوبه، لأنَّ إيجابه تارة أخرى يعدُّ تشريعا جديدا. <ref> القوانين المحكمة : 60.</ref>
أبو الحسين البصري أورد إشكالاً على أصل تفسير الإجزاء بسقوط القضاء ، فقال : لو أمر بالصلاة  مع الطهارة فأتى بها من غير طهارة ومات  عقيب الصلاة، فلا يكون فعله مجزئا وإن كان القضاء ساقطا. <ref> المعتمد 1 : 91.</ref>
وزاد بعض: لأنَّا نعلِّل وجوب القضاء بكون الفعل الأوّل لم يكن مجزئا، والعلّة لا بدَّ وأن تكون مغايرة للمعلول، كما أنَّ القضاء يجب بأمر متجدّد. <ref> انظر : المحصول 1 : 323.</ref>
ردَّ قول أبي الحسين البصري: بأنَّ الإجزاء ليس نفس سقوط القضاء مطلقا ليلزم ما قيل، بل سقوط القضاء بالفعل في حق من يتصوَّر في حقِّه وجوب القضاء، وذلك غير متصوّر في حق الميّت.
وردَّ مازاده بعض: بأنَّ علّة صحة وجوب القضاء إنَّما هو استدراك ما فات من مصلحة أصل العبادة أو صفتها، أو  مصلحة ما انعقد بسبب وجوبه، ولم يجب لمانع، لا ما  قيل. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 396.</ref>
وردَّ القول بوجوب القضاء بأمر متجدّد: بأنَّه إذا ثبت أنَّ القضاء يجب بأمر متجدّد، وأنَّه مثل الواجب الأوّل، فالأمر بالشيء لايمنع إيجاب مثله بعد الامتثال، وهذا لا شكَّ فيه، ولكنّ ذلك المثل إنَّما يسمى قضاءً إذا كان فيه تدارك لفائت من أصل العبادة أو وصفها، وإن لم يكن فوات وخلل استحال تسميته قضاءً. <ref> المستصفى 2 : 13.</ref>
 
=====أدلة المخالفين للإجزاء بالمعنى الثاني=====
'''أولاً:''' وجوب المضي في الحج الفاسد مع وجوب قضائه، ومن صلَّى في آخر الوقت على ظن أنَّه توضأ بماء طاهر، ثمَّ ظهر أنَّ الماء نجس فإنَّه يجب عليه القضاء. ولو كان الأمر دالاً على عدم وجوب القضاء لما وجب المضي فيه، ونفس الأمر لايدلّ على عدم الوجوب، وعدمه في الموارد الأخرى مستفاد من الأصل، أي استصحاب عدم انشغال ذمّة الإنسان بالأمر عند الخلق.
'''ثانياً:''' أنَّ الأمر لايدلّ على غير طلب الفعل، ولا دلالة له على امتناع التكليف بمثل فعل ما أمر به، فلا يكون مقتضيا له.
'''ثالثاً:''' كون الأمر مثل النهي، باعتبار التشابه في  الطلب، فالنهي لايدلّ على الفساد، والصلاة في الدار المغصوبة مجزئة، فكذلك الأمر لايدلّ على سقوط القضاء. <ref> الذريعة 1 : 122 ـ 123، ميزان الأصول 1 : 252 ـ 253، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 397.</ref>
رُدّ دليلهم الأول: بأنَّ وجوب القضاء غير مسلَّم فيما إذا صلَّى على ظنِّ الطهارة ثمَّ علم أنَّه لم يكن  متطهّرا، وكذلك في مسألة المضي في الحجّ الواجب، وإنَّما كان القضاء فيهما لاستدراك مصلحة ما  أمر به أولاً من الصلاة مع الطهارة والحجّ العري عن  الفساد.
ورُدّ الدليل الثاني: بأنَّا لا نمنع من ورود أمر يدلُّ على مثل ما فعل أولاً.
ورُدّ الدليل الثالث: بأنَّ قياس الأمر على النهي في اللغة  قياس باطل، وإن سلّم صحته فإنَّا لا نقول بأنَّ الأمر  يدلّ على الإجزاء بمعنى امتناع وجوب القضاء، بل امتثال الأمر هو المانع من وجوب القضاء، وفرق بين الأمرين. <ref> الإحكام الآمدي 1ـ2 : 397.</ref>
ومن الشيعة ردّ [[الشيخ الطوسي]] أدلتهم وفقا لمبناه، بأنَّ الأمثلة المتقدّمة تدلّ على أنَّ في المثل مصلحة، وجرى ذلك مجرى أن يؤمر بالفعل في وقتين، فإنَّه متى فعل المأمور به فيهما فلا يقول أحد إنَّ ما فعل في الثاني مجزٍ،  وما فعل في الأوّل غير مجزٍ، فكذلك ما يفعل بأمر آخر، وقد كانت الإعادة بأمر آخر. وتسميته قضاءً لا اعتبار به. <ref> العدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 213 ـ 214.</ref>
أمَّا كون النهي لايقتضي الفساد فقد ثبت عكسه، أي كونه مقتضيّا للفساد، وإذا كان كذلك فلابدَّ أن يكون الأمر مقتضيّا للإجزاء؛ لأنَّه ضدّه. <ref> المصدر السابق : 214.</ref>


==المصادر==
==المصادر==
{{الهوامش|2}}


[[تصنيف: الحکم اظاهري الثانوي]][[تصنيف: الحکم الواقعي الأولي]][[کفایة الحکم الظاهري]][[تصنيف: الأمر الإضطراري]]
[[تصنيف: الحکم اظاهري الثانوي]][[تصنيف: الحکم الواقعي الأولي]][[کفایة الحکم الظاهري]][[تصنيف: الأمر الإضطراري]]