٣٨٢
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٢٤: | سطر ٢٤: | ||
</div> | </div> | ||
'''أبو هريرة'''، اختلفوا في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً بحيث لا يُحاط ولا يُضبط، وذكر ابن حجر: أنّ مجموع الاحتمالات في الاسم المركّب من اسمه واسم أبيه 247 احتمالاً! ثم اعتبر أنّ الأصحّ في اسمه: عمير، عبداللَّه، | '''أبو هريرة'''، اختلفوا في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً بحيث لا يُحاط ولا يُضبط، وذكر ابن حجر: أنّ مجموع الاحتمالات في الاسم المركّب من اسمه واسم أبيه 247 احتمالاً! ثم اعتبر أنّ الأصحّ في اسمه: عمير، عبداللَّه، عبدالرحمان. وقال [[ابن عبدالبرّ]]: «وهذا أشبه عندي أن يكون النبي صلى الله عليه وآله كنّاه بذلك» <ref> المعارف: 277، الاستيعاب 4: 1768 - 1770، الإصابة 7: 199 - 201.</ref>. | ||
وبالنظر إلى مجموع الروايات يُعلم أنّ هذا الاسم أُطلق عليه قبل الإسلام في قبيلة «[[دَوْس]]»، وقد دعاه النبي صلى الله عليه وآله - باعتبار شهرته بهذه الكنية - فكنّاه أبو هُرَيْرة أو أبو هرّ. وهذه الكنية كانت كما قال هو نفسه: كُنِّيت أبا هُرَيْرة بهرّةٍ صغيرةٍ كنت ألعب بها! كما لُقِّب بشيخ المضيرة لشدة حبّه لطعام المضيرة <ref> المعارف: 277 - 278، مستدرك الحاكم 3: 506، الاستيعاب 4: 1769، 1770، مختصر تاريخ دمشق 29: 181، الإصابة 7: 199.</ref>. يقول [[الزمخشري]]: «وكان أبو هريرة يأكل الهريسة والفالوذ، ويقول: هما مادّة الولد! وكان تعجبه المضيرة - مُرَيْقة تُطبخ بلبنٍ وأشياء، وقيل: هي طبيخ يتّخذ من اللبن الماضر - جداً فيأكلها مع [[معاوية]]، فإذا حضرت الصلاة صلّى خلف علي عليه السلام، فإذا قيل له قال: مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل! لذا كان يقال له: شيخ المضيرة» <ref> كتب الدكتور محمود أبو ريّة كتاباً بعنوان «شيخ المضيرة» تناول فيه شخصية أبي هريرة بالنقد والتحليل طبع الكتاب في مجلّد واحد لاكثر من طبعة، ومن نشر دار المعارف، مصر.</ref> <ref> ربيع الأبرار 2: 700.</ref>. | وبالنظر إلى مجموع الروايات يُعلم أنّ هذا الاسم أُطلق عليه قبل الإسلام في قبيلة «[[دَوْس]]»، وقد دعاه النبي صلى الله عليه وآله - باعتبار شهرته بهذه الكنية - فكنّاه أبو هُرَيْرة أو أبو هرّ. وهذه الكنية كانت كما قال هو نفسه: كُنِّيت أبا هُرَيْرة بهرّةٍ صغيرةٍ كنت ألعب بها! كما لُقِّب بشيخ المضيرة لشدة حبّه لطعام المضيرة <ref> المعارف: 277 - 278، مستدرك الحاكم 3: 506، الاستيعاب 4: 1769، 1770، مختصر تاريخ دمشق 29: 181، الإصابة 7: 199.</ref>. يقول [[الزمخشري]]: «وكان أبو هريرة يأكل الهريسة والفالوذ، ويقول: هما مادّة الولد! وكان تعجبه المضيرة - مُرَيْقة تُطبخ بلبنٍ وأشياء، وقيل: هي طبيخ يتّخذ من اللبن الماضر - جداً فيأكلها مع [[معاوية]]، فإذا حضرت الصلاة صلّى خلف علي عليه السلام، فإذا قيل له قال: مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل! لذا كان يقال له: شيخ المضيرة» <ref> كتب الدكتور محمود أبو ريّة كتاباً بعنوان «شيخ المضيرة» تناول فيه شخصية أبي هريرة بالنقد والتحليل طبع الكتاب في مجلّد واحد لاكثر من طبعة، ومن نشر دار المعارف، مصر.</ref> <ref> ربيع الأبرار 2: 700.</ref>. | ||
=ترجمته= | =ترجمته= | ||
وينتهي نسبه من أبيه وأُمّه ([[أُمَيْمَة بنت صَفيح]]) إلى قبيلة «دَوْس» بطن من الأزد من | وينتهي نسبه من أبيه وأُمّه ([[أُمَيْمَة بنت صَفيح]]) إلى قبيلة «دَوْس» بطن من الأزد من [[القحطانية]]، سكنوا إحدى السروات المطلّة على تُهامة والحيرة والعراق. وقدم أبو هريرة المدينة مهاجراً، وأسلم والنبي صلى الله عليه وآله بخيبر، فشهد خيبر ولم يسهم له. ولمّا أسلم أبو هريرة قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ممّن أنت؟ قال: من دَوْس، فوضع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يده على جبينه ثم نفضها وقال: ما كنت أرى من دَوْس أحداً فيه خير <ref> المغازي 2: 636، الطبقات الكبرى 4: 327، 328، مختصر تاريخ دمشق 29: 181، معجم قبائل العرب 1: 394، المعرفة والتاريخ 3: 160.</ref>. | ||
وبالنسبة إلى تاريخ حياة أبي هريرة قبل الهجرة لا نجد غير ما ذكره هو عن نفسه، يقول <ref> والطريف أنّه قد نُقل شطر كبير من مناقبه وخصائصه وترجمته على لسانه!</ref>: كنت أجيرابن عفّان وابنة غزوان بطعام بطني وعُقبة رجلي، أسوق بهم إذا ركبوا، وأخدمهم إذا نزلوا، فقالت لي يوماً: لتردنّه حافياً ولتركبنّه قائماً، فزوّجنيها اللَّه بعد، فقلت: لتردنّه حافيةً ولتركبنّه قائمةً! فالحمد للَّه الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً! وقال: كنت أرعى غنم أهلي، وقد أنجبت ثلاثة أولاد، هم: المُحرز وبلال وعبدالرحمان، وبنتاً واحدةً. وقد تزوّجت ابنته هذه من سعيد بن المسيّب راوي وفقيه المدينة المعروف <ref> الطبقات الكبرى 4: 325، 326، حلية الأولياء 1: 380، مختصر تاريخ دمشق 29: 200، جمهرة أنساب العرب 381 - 382، وانظر: ترجمة سعيد بن المسيّب من هذا الكتاب.</ref>. | وبالنسبة إلى تاريخ حياة أبي هريرة قبل الهجرة لا نجد غير ما ذكره هو عن نفسه، يقول <ref> والطريف أنّه قد نُقل شطر كبير من مناقبه وخصائصه وترجمته على لسانه!</ref>: كنت أجيرابن عفّان وابنة غزوان بطعام بطني وعُقبة رجلي، أسوق بهم إذا ركبوا، وأخدمهم إذا نزلوا، فقالت لي يوماً: لتردنّه حافياً ولتركبنّه قائماً، فزوّجنيها اللَّه بعد، فقلت: لتردنّه حافيةً ولتركبنّه قائمةً! فالحمد للَّه الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً! وقال: كنت أرعى غنم أهلي، وقد أنجبت ثلاثة أولاد، هم: المُحرز وبلال وعبدالرحمان، وبنتاً واحدةً. وقد تزوّجت ابنته هذه من سعيد بن المسيّب راوي وفقيه المدينة المعروف <ref> الطبقات الكبرى 4: 325، 326، حلية الأولياء 1: 380، مختصر تاريخ دمشق 29: 200، جمهرة أنساب العرب 381 - 382، وانظر: ترجمة سعيد بن المسيّب من هذا الكتاب.</ref>. | ||
سطر ٥٤: | سطر ٥٤: | ||
وقد كان هذا الموضوع مورداً للنقد منذ زمان معاصري أبي هريرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وحتّى وقتنا الحاضر، وكما ذُكر فإنّه أول راوٍ للحديث في العالم الإسلامي صار مورداً للاتهام <ref> أضواء على السنّة المحمدية: 204، تاريخ آداب العرب 1: 275، وانظر: البداية والنهاية 8: 107 - 109، مختصر تاريخ دمشق 29: 192 - 195.</ref>. | وقد كان هذا الموضوع مورداً للنقد منذ زمان معاصري أبي هريرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وحتّى وقتنا الحاضر، وكما ذُكر فإنّه أول راوٍ للحديث في العالم الإسلامي صار مورداً للاتهام <ref> أضواء على السنّة المحمدية: 204، تاريخ آداب العرب 1: 275، وانظر: البداية والنهاية 8: 107 - 109، مختصر تاريخ دمشق 29: 192 - 195.</ref>. | ||
وبعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وابتداء خلافة أبي بكر شرعت حركة | وبعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وابتداء خلافة أبي بكر شرعت حركة الارتداد، ومن هذه الحركات ارتداد عدد من قبائل البحرين، وقد تمّ القضاء على هذه الحركة بتدبير الخليفة، حيث أرسل سنة 11 ه العلاء بن الحضرمي بلواء الإسلام مع ستّة عشر راكباً - من جملتهم: أبو هريرة وأبو بكرة- إلى البحرين، فتمكّن العلاء مع أصحابه من إخماد نار تلك الفتنة. وخلال سنوات إمارته على البحرين - التي استمرت حتّى بعد وفاة أبي بكر - قام بعدّة أعمال كان قد كلّفه بها الخليفة، فقد صالح أهل «[[زارة]]» وتغلّب على أهل « دارين »، وفي سنة 21 ه أمره الخليفة أن يتولّى عمل عتبة بن غزوان ، فتحرك مع جماعةٍ- من جملتهم: أبو هريرة وأبو بكرة - نحو البصرة، إلّا أنّه توفّي أثناء الطريق ، فرجع أبو هريرة، وقدم أبو بكرة إلى البصرة. وبعد موت العلاء سنة 21 ه نصب الخليفة عمر أبا هريرة على إمارة البحرين، أو على إمامة جمعتها وجماعتها وقضائها. | ||
وما نعرفه عن فترة إمارته على البحرين وسيرته هناك أنّه قام بأعمالٍ أثارت حفيظة الخليفة وغضبه، حيث أُحضر إلى المدينة بأمرٍ منه، وقام بتغريمه وقال له: عدوّاً للَّه وللإسلام، أو قال: عدوّاً للَّه ولكتابه، سرقتَ مال اللَّه؟ فقال أبو هريرة: لا، ولكنّي عدوّ مَن عاداهما، خيلٌ لي تنابخت، وسهام لي اجتمعت! فأخذ منه عمر اثني عشر ألفاً من الدراهم <ref> الطبقات الكبرى 4: 335، 336، العقد الفريد 1: 45. وقد ذكر ابن سعد: أنّ ماله في البحرين وحده بلغ عشرين ألف درهم.</ref>. ونقلوا: أنّ أبا هريرة كان يقول: «إنّي استغفر اللَّه وأتوب إليه كلّ يوم اثني عشر ألف مرّة، وذلك على قدر ديني، وفي رواية أخرى: بقدر ذنبي <ref> حلية الأولياء 1: 383، الإصابة 7: 206.</ref>. | وما نعرفه عن فترة إمارته على البحرين وسيرته هناك أنّه قام بأعمالٍ أثارت حفيظة الخليفة وغضبه، حيث أُحضر إلى المدينة بأمرٍ منه، وقام بتغريمه وقال له: عدوّاً للَّه وللإسلام، أو قال: عدوّاً للَّه ولكتابه، سرقتَ مال اللَّه؟ فقال أبو هريرة: لا، ولكنّي عدوّ مَن عاداهما، خيلٌ لي تنابخت، وسهام لي اجتمعت! فأخذ منه عمر اثني عشر ألفاً من الدراهم <ref> الطبقات الكبرى 4: 335، 336، العقد الفريد 1: 45. وقد ذكر ابن سعد: أنّ ماله في البحرين وحده بلغ عشرين ألف درهم.</ref>. ونقلوا: أنّ أبا هريرة كان يقول: «إنّي استغفر اللَّه وأتوب إليه كلّ يوم اثني عشر ألف مرّة، وذلك على قدر ديني، وفي رواية أخرى: بقدر ذنبي <ref> حلية الأولياء 1: 383، الإصابة 7: 206.</ref>. | ||
سطر ٨٠: | سطر ٨٠: | ||
وهذه الحجج، وبضميمة النظرية العامة عند أهل السنّة في عدالة الصحابة <ref> أنظر: كتاب الكفاية في علم الرواية: 46 - 49، تدريب الراوي 2: 214 - 217.</ref>، أدّت إلى أن يتصدّى الرجاليّون والمحدّثون منذ القرن الثالث ولحدّ الآن للدفاع عن أبي هريرة، ومواجهة هذه الاتّهامات وغيرها من قبيل: التدليس وعدم الدقّة في رواية الحديث. فقد صرّح هؤلاء: أنّ الصحابة يقدح كلامهم في مَن بعدهم، ولايقدح كلام من بعدهم فيهم، والكلام فيهم ثلمة في الإسلام <ref> تاريخ أسماء الثقات: 513.</ref>. وقال الذهبي: «تدليس الصحابة كثير ولاعيب فيه، فإنّ تدليسهم عن صاحبٍ أكبر منهم! والصحابة كلّهم عدول» <ref> سير أعلام النبلاء 2: 608. ويطلق التدليس على عدّة معانٍ، ومن جملتها: أن يروي عمّن عاصره ما لم يسمعه منه، بل سمعه من رجلٍ عنه، موهماً سماعه (تدريب الراوي 1: 223، 224).</ref>. | وهذه الحجج، وبضميمة النظرية العامة عند أهل السنّة في عدالة الصحابة <ref> أنظر: كتاب الكفاية في علم الرواية: 46 - 49، تدريب الراوي 2: 214 - 217.</ref>، أدّت إلى أن يتصدّى الرجاليّون والمحدّثون منذ القرن الثالث ولحدّ الآن للدفاع عن أبي هريرة، ومواجهة هذه الاتّهامات وغيرها من قبيل: التدليس وعدم الدقّة في رواية الحديث. فقد صرّح هؤلاء: أنّ الصحابة يقدح كلامهم في مَن بعدهم، ولايقدح كلام من بعدهم فيهم، والكلام فيهم ثلمة في الإسلام <ref> تاريخ أسماء الثقات: 513.</ref>. وقال الذهبي: «تدليس الصحابة كثير ولاعيب فيه، فإنّ تدليسهم عن صاحبٍ أكبر منهم! والصحابة كلّهم عدول» <ref> سير أعلام النبلاء 2: 608. ويطلق التدليس على عدّة معانٍ، ومن جملتها: أن يروي عمّن عاصره ما لم يسمعه منه، بل سمعه من رجلٍ عنه، موهماً سماعه (تدريب الراوي 1: 223، 224).</ref>. | ||
وعلى أيّة حال، فإنّ هذا المقدار من المعارضة لروايات أبي هريرة من قِبَل الصحابة والتابعين وبعض ائمة الحديث - علاوة على أنّهم يخدشون في دعوى الإجماع على عدالة الصحابة <ref> أنظر: تدريب الراوي 2: 214، تأويل مختلف الحديث: 9 و10، أضواء على السنّة المحمدية: 221، تاريخ آداب العرب 1: 275.</ref> - قد فتح المجال للنقد والتحقيق بشأن هذا الرجل. فكتب البعض في نقده، منهم: السيد شرف الدين | وعلى أيّة حال، فإنّ هذا المقدار من المعارضة لروايات أبي هريرة من قِبَل الصحابة والتابعين وبعض ائمة الحديث - علاوة على أنّهم يخدشون في دعوى الإجماع على عدالة الصحابة <ref> أنظر: تدريب الراوي 2: 214، تأويل مختلف الحديث: 9 و10، أضواء على السنّة المحمدية: 221، تاريخ آداب العرب 1: 275.</ref> - قد فتح المجال للنقد والتحقيق بشأن هذا الرجل. فكتب البعض في نقده، منهم: [[السيد شرف الدين العاملي]]، [[رشيد رضا]]، [[الدكتور محمود أبو ريّة]]، [[محمد عجاج الخطيب]]...، كما وكتب آخرون في الدفاع عنه، منهم: [[الشيخ محمد السماحي]]، [[عبد الوهاب عبد اللطيف]]، [[الدكتور محمد ضياء الرحمان الأعظمي]] <ref> أنظر: تدريب الراوي 2: 214 - 217، الصواعق المحرقة: المقدّمة، أضواء على السنّة المحمدية: 201، أبو هريرة (للسيد شرف الدين) 45 - 48، أبو هريرة في ضوء مروياته: 76، السقيفة والخلافة: 87.</ref>. | ||
=أبو هريرة وأهل البيت عليهم السلام= | =أبو هريرة وأهل البيت عليهم السلام= |
تعديل