٣٨٢
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٢٣: | سطر ٢٣: | ||
|} | |} | ||
</div> | </div> | ||
'''ليث بن سعد بن عبدالرحمان''' هو ولد في قرية | '''ليث بن سعد بن عبدالرحمان''' هو ولد في قرية «[[قَرْقَشَنْدة]]» بأسفل [[مصر]] <ref> الأنساب 4: 413.</ref> سنة ثلاث أو أربع وتسعين <ref> الطبقات الكبرى 7: 517.</ref>. وأهل بيته يقولون - وروي عنه كذلك -: نحن من الفرس، من أهل [[أصبهان]] <ref> تهذيب الكمال 24: 256.</ref>. وقال [[يحيى بن بكير]]: «كان أبوه [[سعد مولىً لقريش]]» <ref> المصدر السابق.</ref>. إلّا أنّهم ذكروا: أنّه - أي: ليث - كان مولىً ل [[عبد الرحمان بن خالد بن مسافر]]، وقيل: مولى بن ثابت بن ظاعن جدّ عبدالرحمان <ref> المصدر نفسه.</ref>.<br> | ||
=ترجمته= | |||
وكان الليث مولىً فهم، ويقال: من قَيس عيلان <ref> كتاب التاريخ الكبير 7: 246، 247، رجال صحيح مسلم 2: 159.</ref>. | وكان الليث مولىً فهم، ويقال: من قَيس عيلان <ref> كتاب التاريخ الكبير 7: 246، 247، رجال صحيح مسلم 2: 159.</ref>. | ||
كان سرياً من الرجال، نبيلاً سخياً له ضيافة <ref> الطبقات الكبرى 7: 517.</ref>، وذكره أبو نُعَيم في حلية الأولياء في عداد الصوفيّين، وقال: «كان يعلّم الأحكام مليّاً، ويبذل الأموال سخيّاً». وقيل: إنّ التصوّف السخاء والوفاء <ref> حلية الأولياء 7: 318.</ref>. وعن محمد بن رمح يقول: «كان دخل الليث بن سعد في كلّ سنة ثمانين ألف دينار، ما أوجب اللَّه عليه زكاة درهم قطّ» <ref> تهذيب الكمال 24: 273، تذكرة الحفّاظ 1: 225. أي أنّه لم يكن يُبقي من ماله ما يصل إلى حدّ نصاب الزكاة.</ref>. وبعث الليث إلى مالك بألف دينار، وأهدى إلى مالك مرةً أحمال عصفر، وأعطى ابن لهيعة لمّا احترق منزله ألف دينار، ووصل منصور بن عمّار الواعظ بألف دينار <ref> تذكرة الحفّاظ 1: 225.</ref>.<br> | كان سرياً من الرجال، نبيلاً سخياً له ضيافة <ref> الطبقات الكبرى 7: 517.</ref>، وذكره أبو نُعَيم في حلية الأولياء في عداد الصوفيّين، وقال: «كان يعلّم الأحكام مليّاً، ويبذل الأموال سخيّاً». وقيل: إنّ التصوّف السخاء والوفاء <ref> حلية الأولياء 7: 318.</ref>. وعن [[محمد بن رمح]] يقول: «كان دخل الليث بن سعد في كلّ سنة ثمانين ألف دينار، ما أوجب اللَّه عليه زكاة درهم قطّ» <ref> تهذيب الكمال 24: 273، تذكرة الحفّاظ 1: 225. أي أنّه لم يكن يُبقي من ماله ما يصل إلى حدّ نصاب الزكاة.</ref>. وبعث الليث إلى مالك بألف دينار، وأهدى إلى مالك مرةً أحمال عصفر، وأعطى ابن لهيعة لمّا احترق منزله ألف دينار، ووصل منصور بن عمّار الواعظ بألف دينار <ref> تذكرة الحفّاظ 1: 225.</ref>.<br> | ||
لم نعثر على آثار ومؤلّفات هذا الرجل، إلّا أنّ غزارة علمه المنقول عنه في الفقه والحديث تحدونا إلى عدّه من الفقهاء أصحاب المذاهب، وحفّاظ الحديث، حتّى قال عبدالملك بن يحيى أبو الوليد: سمعت أبي يقول: «ما رأيت أحداً أكمل من الليث بن سعد، كان فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الشعر والحديث، حسن المذاكرة» ومازال يذكر خصالاً جميلة ويعقد بيده حتّى عقد عشرة، لم أر مثله <ref> تاريخ بغداد 13: 6.</ref>. بل اعتبره البعض - ومنهم الشافعي - أفقه من مالك <ref> تهذيب الكمال 24: 270، تذكرة الحفّاظ 1: 226، تهذيب الكمال 24: 268.</ref>، فعن سعيد ابن أبي أيوب قال: «لو أنّ مالكاً والليث اجتمعا لكان مالك عند الليث أبكم، ولباع الليث مالكاً في من يزيد!» <ref> تذكرة الحفّاظ 1: 226، وفيات الأعيان 4: 130.</ref>.<br> | لم نعثر على آثار ومؤلّفات هذا الرجل، إلّا أنّ غزارة علمه المنقول عنه في الفقه والحديث تحدونا إلى عدّه من الفقهاء أصحاب المذاهب، وحفّاظ الحديث، حتّى قال عبدالملك بن يحيى أبو الوليد: سمعت أبي يقول: «ما رأيت أحداً أكمل من الليث بن سعد، كان فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الشعر والحديث، حسن المذاكرة» ومازال يذكر خصالاً جميلة ويعقد بيده حتّى عقد عشرة، لم أر مثله <ref> تاريخ بغداد 13: 6.</ref>. بل اعتبره البعض - ومنهم الشافعي - أفقه من مالك <ref> تهذيب الكمال 24: 270، تذكرة الحفّاظ 1: 226، تهذيب الكمال 24: 268.</ref>، فعن سعيد ابن أبي أيوب قال: «لو أنّ مالكاً والليث اجتمعا لكان مالك عند الليث أبكم، ولباع الليث مالكاً في من يزيد!» <ref> تذكرة الحفّاظ 1: 226، وفيات الأعيان 4: 130.</ref>.<br> | ||
وقد سافر الليث إلى العراق سنة 161 ه <ref> تهذيب الكمال 24: 266.</ref>، والتقى هناك بعض تلامذة أبي حنيفة، ممّا حدا بالبعض إلى أن يورده في طبقات الحنفية <ref> الجواهر المضيئة 2: 720.</ref>، وقال ابن سعد: «كان قد استقلّ بالفتوى في زمانه بمصر» <ref> الطبقات الكبرى 7: 517.</ref>. وقال الشافعي: «الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس» <ref> حلية الأولياء 7: 319، تذكرة الحفّاظ 1: 224 - 225، تهذيب الكمال 24: 270.</ref>. وقال يحيى بن عبداللَّه بن بكير: «الليث أفقه من مالك، ولكن كانت الحظوة لمالك» <ref> الجرح والتعديل 7: 180.</ref>.<br> | وقد سافر الليث إلى العراق سنة 161 ه <ref> تهذيب الكمال 24: 266.</ref>، والتقى هناك بعض تلامذة أبي حنيفة، ممّا حدا بالبعض إلى أن يورده في طبقات الحنفية <ref> الجواهر المضيئة 2: 720.</ref>، وقال ابن سعد: «كان قد استقلّ بالفتوى في زمانه بمصر» <ref> الطبقات الكبرى 7: 517.</ref>. وقال الشافعي: «الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس» <ref> حلية الأولياء 7: 319، تذكرة الحفّاظ 1: 224 - 225، تهذيب الكمال 24: 270.</ref>. وقال [[يحيى بن عبداللَّه بن بكير]]: «الليث أفقه من مالك، ولكن كانت الحظوة لمالك» <ref> الجرح والتعديل 7: 180.</ref>.<br> | ||
ويبدو تفوّقه في الفقه على مالك من خلال بعض الرسائل التي تبادلها مع مالك، فقد ردّ آراء مالك في الأُصول والفقه، ومنها: حجّية إجماع أهل المدينة، والجمع بين الظهرين والعشاءين <ref> وكان يرى ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، والقفّال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، والنووي من المتأخّرين جواز الجمع في حال المطر، فيما كان يرى ابن عباس الجمع مطلقاً (ليث بن سعد: 84 - 85).</ref>، وكان يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم <ref> تهذيب الكمال 24: 272، تاريخ بغداد 13: 10.</ref>. | ويبدو تفوّقه في الفقه على مالك من خلال بعض الرسائل التي تبادلها مع مالك، فقد ردّ آراء مالك في الأُصول والفقه، ومنها: حجّية إجماع أهل المدينة، والجمع بين الظهرين والعشاءين <ref> وكان يرى ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، والقفّال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، والنووي من المتأخّرين جواز الجمع في حال المطر، فيما كان يرى ابن عباس الجمع مطلقاً (ليث بن سعد: 84 - 85).</ref>، وكان يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم <ref> تهذيب الكمال 24: 272، تاريخ بغداد 13: 10.</ref>. | ||
سطر ٣٧: | سطر ٣٨: | ||
كان الليث كبير الديار المصرية ورئيسها، ومحتشمها وعالمها، وأمير مَن بها في عصره، بحيث إنّ القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته <ref> تاريخ الإسلام 11: 304.</ref>. وقد طلب منه المنصور أن يتسلّم إمارة مصر، فامتنع <ref> تذكرة الحفّاظ 1: 224، وفيات الأعيان 4: 129.</ref>.<br> | كان الليث كبير الديار المصرية ورئيسها، ومحتشمها وعالمها، وأمير مَن بها في عصره، بحيث إنّ القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته <ref> تاريخ الإسلام 11: 304.</ref>. وقد طلب منه المنصور أن يتسلّم إمارة مصر، فامتنع <ref> تذكرة الحفّاظ 1: 224، وفيات الأعيان 4: 129.</ref>.<br> | ||
وكان له يومياً أربعة مجالس يجلس فيها: أمّا أولها فيجلس لنائبة السلطان في نوائبه وحوائجه، ويجلس لأصحاب الحديث، ومجلس للمسائل يغشاه الناس فيسألونه، ومجلس لحوائج الناس، لايسأله أحد من الناس فيردّه، كبرت حاجته أم صغرت <ref> تهذيب الكمال 24: 276.</ref>. قال عثمان بن صالح السهمي: «كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتّى نشأفيهم الليث بن سعد، فحدّثهم بفضائل عثمان فكفّوا عن ذلك، وكان أهل حمص ينتقصون علياً حتّى نشأفيهم إسماعيل بن | وكان له يومياً أربعة مجالس يجلس فيها: أمّا أولها فيجلس لنائبة السلطان في نوائبه وحوائجه، ويجلس لأصحاب الحديث، ومجلس للمسائل يغشاه الناس فيسألونه، ومجلس لحوائج الناس، لايسأله أحد من الناس فيردّه، كبرت حاجته أم صغرت <ref> تهذيب الكمال 24: 276.</ref>. قال [[عثمان بن صالح السهمي]]: «كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتّى نشأفيهم الليث بن سعد، فحدّثهم بفضائل عثمان فكفّوا عن ذلك، وكان أهل حمص ينتقصون علياً حتّى نشأفيهم [[إسماعيل بن عيّاش]]، فحدّثهم بفضائله فكفّوا عن ذلك» <ref> المصدر السابق.</ref>.<br> | ||
وقد سافر الليث إلى خارج مصر مرّتين: الأُولى إلى المدينة ومكّة سنة 113 ه، فسمع في تلك السنة من أبي مليكة وعطاء والزُهري وأبي الزبير ونافع وهو ابن عشرين سنة <ref> كتاب الثقات 7: 360، 361، تهذيب الكمال 24: 265، غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 34.</ref>. وفي المرة الثانية سافر إلى العراق سنة 161 ه <ref> تهذيب الكمال 24: 266.</ref>. قال أبو صالح كاتب الليث: «كنت مع الليث لمّا خرج إلى العراق، فكان يقرأ على أصحاب الحديث من فوق عُلَّيَّة والكتاب بيدي، فإذا فرغ منه رميت به إليهم فينسخوه» <ref> تاريخ الإسلام 11: 306.</ref>.<br> | وقد سافر الليث إلى خارج مصر مرّتين: الأُولى إلى المدينة ومكّة سنة 113 ه، فسمع في تلك السنة من أبي مليكة وعطاء والزُهري وأبي الزبير ونافع وهو ابن عشرين سنة <ref> كتاب الثقات 7: 360، 361، تهذيب الكمال 24: 265، غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 34.</ref>. وفي المرة الثانية سافر إلى العراق سنة 161 ه <ref> تهذيب الكمال 24: 266.</ref>. قال أبو صالح كاتب الليث: «كنت مع الليث لمّا خرج إلى العراق، فكان يقرأ على أصحاب الحديث من فوق عُلَّيَّة والكتاب بيدي، فإذا فرغ منه رميت به إليهم فينسخوه» <ref> تاريخ الإسلام 11: 306.</ref>.<br> | ||
سطر ٥١: | سطر ٥٢: | ||
=من روى عنهم ومن رووا عنه <ref> تهذيب الكمال 24: 256 - 260.</ref>= | =من روى عنهم ومن رووا عنه <ref> تهذيب الكمال 24: 256 - 260.</ref>= | ||
روى عن جماعة، منهم: بُكير بن عبداللَّه | روى عن جماعة، منهم: [[بُكير بن عبداللَّه الأشجّ]]، [[جعفر بن عبداللَّه بن الحَكَم الأنصاري]]، [[عبداللَّه بن عُبيداللَّه بن أبي مُلَيْكة]]، [[أبوالزِناد عبداللَّه بن ذَكْوان]]، [[عبدالرحمان ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر]]، [[عبدالعزيز بن عبداللَّه الماجِشُون]]، [[ابن جُرَيج]]، [[عطاء بن أبي رَبَاح]]، [[الزُهري]]، [[نافع مولى ابن عمر]]. | ||
وروى عنه جماعة، منهم: كاتبه: عبداللَّه بن | وروى عنه جماعة، منهم: كاتبه: [[عبداللَّه بن صالح]]، ولده: شُعيب، [[عاصم بن علي بن عاصم الواسطي]]، [[عبداللَّه بن عبد الحَكَم]]، [[عبداللَّه بن وَهْب]]، [[قيس بن الربيع]]، [[يُونُس بن محمد المؤدِّب]]، مالك، [[عيسى بن حمّاد]]. | ||
=من رواياته= | =من رواياته= | ||
سطر ٥٨: | سطر ٥٩: | ||
=وفاته= | =وفاته= | ||
توفّي الليث سنة 175 ه، وصلّى عليه موسى بن عيسى الهاشمي <ref> كتاب التاريخ الكبير 7: 246، المعارف: 506، كتاب الخصال 7: 360.</ref>. | توفّي الليث سنة 175 ه، وصلّى عليه [[موسى بن عيسى الهاشمي]] <ref> كتاب التاريخ الكبير 7: 246، المعارف: 506، كتاب الخصال 7: 360.</ref>. | ||
=الهوامش= | =الهوامش= |
تعديل