٣٨٢
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٣٧: | سطر ٣٧: | ||
ويروى أنّه كان إذا أراد أن يحدّث توضّأ وجلس على فراشه وسرّح لحيته، وتمكّن من الجلوس بوقار وهيبة ثم حدّث، فقيل له في ذلك، فقال: «أحبّ أن أُعظِّم حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ولا أُحدّث به إلّا على طهارة متمكّناً» <ref> حلية الأولياء 6: 318، صفة الصفوة 2: 178.</ref>. ولشدّة احترامه لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان لايأخذ الحديث من عمرو بن دينار، ولمّا سُئل عن ذلك، قال: «أتيته، فوجدته يأخذون عنه قياماً، فأجللت حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن آخذه قائماً» <ref> سير أعلام النبلاء 8: 67.</ref>. وكان أيضاً يحتاط في نقل الحديث، فعن الشافعي قال: «كان مالك إذا شكّ في حديثٍ طرحه كلّه» <ref> المصدر السابق: 75.</ref>. وعن سعيد بن سليمان قال: قلّما سمعت مالكاً يفتي بشيءٍ إلّا تلا هذه الآية «إِن نَّظُنُّ إِلّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ» <ref> حلية الأولياء 6: 323، والآية: 32 من سورة الجاثية المباركة.</ref>. | ويروى أنّه كان إذا أراد أن يحدّث توضّأ وجلس على فراشه وسرّح لحيته، وتمكّن من الجلوس بوقار وهيبة ثم حدّث، فقيل له في ذلك، فقال: «أحبّ أن أُعظِّم حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ولا أُحدّث به إلّا على طهارة متمكّناً» <ref> حلية الأولياء 6: 318، صفة الصفوة 2: 178.</ref>. ولشدّة احترامه لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان لايأخذ الحديث من عمرو بن دينار، ولمّا سُئل عن ذلك، قال: «أتيته، فوجدته يأخذون عنه قياماً، فأجللت حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن آخذه قائماً» <ref> سير أعلام النبلاء 8: 67.</ref>. وكان أيضاً يحتاط في نقل الحديث، فعن الشافعي قال: «كان مالك إذا شكّ في حديثٍ طرحه كلّه» <ref> المصدر السابق: 75.</ref>. وعن سعيد بن سليمان قال: قلّما سمعت مالكاً يفتي بشيءٍ إلّا تلا هذه الآية «إِن نَّظُنُّ إِلّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ» <ref> حلية الأولياء 6: 323، والآية: 32 من سورة الجاثية المباركة.</ref>. | ||
ويُذكر أنّه كان مصاحباً | ويُذكر أنّه كان مصاحباً ل[[عبداللَّه بن يزيد بن هُرمُز]]، ومتأثّراً بأفكاره، فقد تعلّم منه أدباً رفيعاً، وهو كثرة قول: «لا أدري». وقد سمع مالك منه مراراً أنّه كان يقول: «ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: لا أدري، حتّى يكون ذلك أصلاً يفزعون إليه» <ref> سير أعلام النبلاء 8: 77، مالك، حياته وعصره: 26.</ref>. وقال له عمرو بن يزيد مرةً: يا أبا عبداللَّه، يأتيك الناس من بلدان شتّى، قد أنضوا مطاياهم، وأنفقوا نفقاتهم، يسألونك عمّا جعل اللَّه عندك من العلم، وتقول: لاأدري! فقال: «يا عبداللَّه! يأتيني الشامي من شامه، والعراقي من عراقه، والمصري من مصره، فيسألونني عن الشيء لعلّي أن يبدو لي فيه غير ما أُجيب به، فأين أجدهم؟» <ref> حلية الأولياء 6: 324. وذكر أهل السنّة الكثير من خصائصه الأخلاقية في مصنّفات مستقلّة كثيرة (أنظر: سير أعلام النبلاء 8: 81).</ref>. | ||
ومع ما عُرف عنه أنّه صاحب حديث فقد نُقل عنه أيضاً خلاف ذلك، حتّى قال ابن معين: «إنّ مالكاً لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي» <ref> أضواء على السنّة المحمدية: 299، مقدّمة التفريع 1: 84.</ref>. وقال الليث بن سعد: «أحصيت على مالك سبعين مسألةً، وكلّها مخالفة لسنّة الرسول» <ref> المصدران السابقان. وقد ذكرنا سابقاً أ نّه على أساس الاحتياط كان يترك الحديث، ولذا كان قد أعاد النظر في موطّئه مراراً، وحذف منه الكثير حتّى صار عدد أحاديثه خمسمائة حديث فقط. ولذا يبدو أنّه في إفتائه، وعندما كان لايجد الحديث فإنّه كان يأخذ بالقياس مضطرّاً، وبهذا فإنّه كان يأخذ بما كان يأخذ به أبو حنيفة.</ref>. | ومع ما عُرف عنه أنّه صاحب حديث فقد نُقل عنه أيضاً خلاف ذلك، حتّى قال ابن معين: «إنّ مالكاً لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي» <ref> أضواء على السنّة المحمدية: 299، مقدّمة التفريع 1: 84.</ref>. وقال الليث بن سعد: «أحصيت على مالك سبعين مسألةً، وكلّها مخالفة لسنّة الرسول» <ref> المصدران السابقان. وقد ذكرنا سابقاً أ نّه على أساس الاحتياط كان يترك الحديث، ولذا كان قد أعاد النظر في موطّئه مراراً، وحذف منه الكثير حتّى صار عدد أحاديثه خمسمائة حديث فقط. ولذا يبدو أنّه في إفتائه، وعندما كان لايجد الحديث فإنّه كان يأخذ بالقياس مضطرّاً، وبهذا فإنّه كان يأخذ بما كان يأخذ به أبو حنيفة.</ref>. | ||
سطر ٤٧: | سطر ٤٧: | ||
ويروى أنّه جاءه رجل فقال: يا أبا عبداللَّه «الرَّحْمَنُ عَلَىالْعَرْشِ اسْتَوَى» كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيءٍ ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعودٍ في يده حتّى علاه الرفضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنّك صاحب بدعة، وأمر به فأُخرج <ref> حلية الأولياء 6: 326.</ref>. | ويروى أنّه جاءه رجل فقال: يا أبا عبداللَّه «الرَّحْمَنُ عَلَىالْعَرْشِ اسْتَوَى» كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيءٍ ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعودٍ في يده حتّى علاه الرفضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنّك صاحب بدعة، وأمر به فأُخرج <ref> حلية الأولياء 6: 326.</ref>. | ||
وعن يحيى بن بُكَير قال: قلت لمالك: إنّي سمعت الليث يقول: إن رأيت صاحب كلام يمشي على الماء فلا تثقنّ به، فقال مالك: «إن رأيته يمشي على الهواء فلا تأمننّ ناحيته، ولا تثقنّ به» <ref> تاريخ الإسلام 11: 326.</ref>. | وعن [[يحيى بن بُكَير]] قال: قلت لمالك: إنّي سمعت الليث يقول: إن رأيت صاحب كلام يمشي على الماء فلا تثقنّ به، فقال مالك: «إن رأيته يمشي على الهواء فلا تأمننّ ناحيته، ولا تثقنّ به» <ref> تاريخ الإسلام 11: 326.</ref>. | ||
وينحدر مالك من أُسرة علمية <ref> المعارف: 498. إذ كان عمه الربيع بن مالك يروي الحديث، وجدّه مالك بن أبي عامر يروي عن عمر وعثمان وطلحة وأبي هريرة.</ref>، وقد طلب العلم هو ابن بضع عشرة سنة، وتأهّل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة، وكان ذلك بعد وفاة القاسم بن محمدابن أبي بكر وسالم بن عبداللَّه بن عمر من فقهاء المدينة السبعة <ref> سير أعلام النبلاء 8: 55. وذكر الذهبي أنّه بدأ بطلب العلم بحدود سنة 110 ه (تاريخ الإسلام 11: 318) وبحسب المشهور من تاريخ ولادته (سنة 93 ه ) ينبغي أن يكون عمره آنذاك سبع عشرة سنة.</ref>. وكان قد أخذ القراءة عرْضاً عن نافع بن أبي نعيم، وسمع الزُهري ونافعاً مولى ابن عمر <ref> وفيات الأعيان 4: 135.</ref>. | وينحدر مالك من أُسرة علمية <ref> المعارف: 498. إذ كان عمه الربيع بن مالك يروي الحديث، وجدّه مالك بن أبي عامر يروي عن عمر وعثمان وطلحة وأبي هريرة.</ref>، وقد طلب العلم هو ابن بضع عشرة سنة، وتأهّل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة، وكان ذلك بعد وفاة القاسم بن محمدابن أبي بكر وسالم بن عبداللَّه بن عمر من فقهاء المدينة السبعة <ref> سير أعلام النبلاء 8: 55. وذكر الذهبي أنّه بدأ بطلب العلم بحدود سنة 110 ه (تاريخ الإسلام 11: 318) وبحسب المشهور من تاريخ ولادته (سنة 93 ه ) ينبغي أن يكون عمره آنذاك سبع عشرة سنة.</ref>. وكان قد أخذ القراءة عرْضاً عن نافع بن أبي نعيم، وسمع الزُهري ونافعاً مولى ابن عمر <ref> وفيات الأعيان 4: 135.</ref>. | ||
سطر ٨٣: | سطر ٨٣: | ||
=موقف الرجاليّين منه= | =موقف الرجاليّين منه= | ||
اكتفى رجاليو الشيعة؛ كالشيخ الطوسي وغيره بالإشارة إلى أنّه كان من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام <ref> رجال الطوسي: 308، منهج المقال: 271، تنقيح المقال 2: 48.</ref>، ونقلوا عنه كلامه في الثناء على | اكتفى رجاليو الشيعة؛ كالشيخ الطوسي وغيره بالإشارة إلى أنّه كان من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام <ref> رجال الطوسي: 308، منهج المقال: 271، تنقيح المقال 2: 48.</ref>، ونقلوا عنه كلامه في الثناء على الإمام عليه السلام <ref> مناقب ابن شهرآشوب 4: 269، معجم رجال الحديث 15: 165.</ref>. وأمّا أهل السنّة فقد أجمعت طوائف علمائهم على إمامته وجلالته، وعِظَم سيادته <ref> تهذيب الأسماء واللغات 2: 75، تهذيب التهذيب 10: 5 - 8.</ref>. | ||
=من روى عنهم ومن رووا عنه <ref> سير أعلام النبلاء 8: 49 - 54.</ref>= | =من روى عنهم ومن رووا عنه <ref> سير أعلام النبلاء 8: 49 - 54.</ref>= | ||
روى عن الإمام الصادقعليه السلام. | روى عن الإمام الصادقعليه السلام. | ||
وروى أيضاً عن جماعة كثيرة <ref> ذكر الذهبي أسماء الذين روى عنهم مالك في الموطّأ، وعدّد روايات كلّ واحدٍ منهم، وعدّد الروايات التي نقلها مالك عن الإمام | وروى أيضاً عن جماعة كثيرة <ref> ذكر الذهبي أسماء الذين روى عنهم مالك في الموطّأ، وعدّد روايات كلّ واحدٍ منهم، وعدّد الروايات التي نقلها مالك عن الإمام الصادق عليه السلام وهي سبع روايات (سير أعلام النبلاء 8: 49).</ref>، منهم: ربيعة الرأي، زيد بن أَسلَم، [[سعيد بن أبي سعيد]]، [[سَلَمة بن دينار]]، [[صالح بن كَيْسان]]، [[أبو الزِناد عبداللَّه بن ذَكْوان]]، [[عطاء بن أبي رباح]]، الزَهْري، [[محمد بن المُنكَدر]]، نافع مولى ابن عمر، يحيى بن سعيد الأنصاري، عائشة بنت سعد. | ||
وروى عنه جماعة، منهم: الثوري، سُفيان بن | وروى عنه جماعة، منهم: الثوري، [[سُفيان بن عُيَيْنَة]]، [[شُعبة بن الحجّاج]]، [[عبد الرحمان ابن مهدي]]، [[ابن جريج]]، [[أبو نعيم الفضل بن دكين]]، الشافعي، وكيع، [[يحيى بن سعيد الأنصاري]]، [[يحيى بن سعيد القطّان]]، [[أبو إسحاق الفَزاري]]، أبو داود الطيالسي. | ||
=من رواياته= | =من رواياته= |
تعديل