٢٬٧٩٦
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
نتناول قي هذه المقالة | نتناول قي هذه المقالة موضوعاً حيوياً ومهماً يعد الحجر الأساس في أغلب الدعوات الوحدوية والتقريبية والتجديدية . | ||
=الإصلاح لغة واصطلاحاً= | |||
الإصلاح ( Reform ) ضدّ الإفساد ، وهو من الصلاح المقابل للفساد وللسيّئة( ) . . وفي القرآن الكريم : ( خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) ( سورة التوبة : 102 ) ، ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) ( سورة الأعراف : 56 ) . فالإصلاح هو : التغيير إلى الأفضل ، والحركات الإصلاحية هي : الدعوات التي تحرّك قطاعات من البشر لإصلاح ما فسد في الميادين الاجتماعية المختلفة ، انتقالاً بالحياة إلى درجة أرقى في سلّم التطوّر الإنساني . | الإصلاح ( Reform ) ضدّ الإفساد ، وهو من الصلاح المقابل للفساد وللسيّئة( ) . . وفي القرآن الكريم : ( خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) ( سورة التوبة : 102 ) ، ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) ( سورة الأعراف : 56 ) . فالإصلاح هو : التغيير إلى الأفضل ، والحركات الإصلاحية هي : الدعوات التي تحرّك قطاعات من البشر لإصلاح ما فسد في الميادين الاجتماعية المختلفة ، انتقالاً بالحياة إلى درجة أرقى في سلّم التطوّر الإنساني . | ||
والإصلاح : تعديل أو تطوير غير جذري في العلاقات الاجتماعية دون المساس بأُسسها . والإصلاح الإسلامي : إحدى الوجوه المرادة في تقويم الاعوجاج وإقامة الأود الحاصل في الكيان الإسلامي نتيجة الظروف المحيطة به والتحدّيات التي تواجهه . ولا يخفى أنّ ذلك يحتاج إلى سعي حثيث وبذل للجهود ، فضريبة الإصلاح هي الاضطهاد ، على حدّ تعبير الأُستاذ عبد الوهاب حمّودة المصري . | |||
والإصلاح : تعديل أو تطوير غير جذري في العلاقات الاجتماعية دون المساس بأُسسها . | |||
والإصلاح الإسلامي : إحدى الوجوه المرادة في تقويم الاعوجاج وإقامة الأود الحاصل في الكيان الإسلامي نتيجة الظروف المحيطة به والتحدّيات التي تواجهه . ولا يخفى أنّ ذلك يحتاج إلى سعي حثيث وبذل للجهود ، فضريبة الإصلاح هي الاضطهاد ، على حدّ تعبير الأُستاذ عبد الوهاب حمّودة المصري . | |||
ولا يفرّق بين الإصلاح وبين مصطلح الثورة في مستوى التغيير وشموله ، وإنّما من حيث الأُسلوب في التغيير وزمن التغيير ، فكلاهما إسلامي ، يعني التغيير الشامل والعميق ، لكنّ الثورة تسلك سبل العنف غالباً والسرعة في التغيير ، في حين تتمّ التغييرات الإصلاحية بالتدريج ، وكثيراً ما تعطي الثورة الأولوية لتغيير الواقع ، في حين تبدأ مناهج الإصلاح عادةً بتغيير الإنسان وإعادة صياغة نفسه وفق الدعوة الإصلاحية ، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحي الجديد . | ولا يفرّق بين الإصلاح وبين مصطلح الثورة في مستوى التغيير وشموله ، وإنّما من حيث الأُسلوب في التغيير وزمن التغيير ، فكلاهما إسلامي ، يعني التغيير الشامل والعميق ، لكنّ الثورة تسلك سبل العنف غالباً والسرعة في التغيير ، في حين تتمّ التغييرات الإصلاحية بالتدريج ، وكثيراً ما تعطي الثورة الأولوية لتغيير الواقع ، في حين تبدأ مناهج الإصلاح عادةً بتغيير الإنسان وإعادة صياغة نفسه وفق الدعوة الإصلاحية ، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحي الجديد . | ||
ولذلك وصفت رسالات الرسل ( عليهم الصلاة والسلام ) بأنّها دعوات إصلاح ، فيقول رسول الله شعيب (عليه السلام) : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) ( سورة هود : 88 ) . | ولذلك وصفت رسالات الرسل ( عليهم الصلاة والسلام ) بأنّها دعوات إصلاح ، فيقول رسول الله شعيب (عليه السلام) : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) ( سورة هود : 88 ) . | ||
ومن هنا يتبيّن أنّ المصلح هو المزيل للفساد والعداوة ، والآتي بما هو صالح ونافع ، والمسالم والمصافي ، والمستقيم المؤدّي لواجباته . وهذا هو ديدن المصلحين في الأُمّة الإسلامية ، إلاّ أنّه قلّ أن تجد مصلحاً أو مرشداً إلاّ لقيته قد ضاق من الاضطهاد ألواناً ، وأصاب من العنت والشقاء ضروباً ، وليست هذه السنّة ـ أي : سنّة الاضطهاد والشقاء ـ وقفاً على رسل الله وأنبيائه ، بل هي مطّردة في جميع المجاهدين لإصلاح البشرية ، الذين يحاربون المفسدين للنظم الاجتماعية الصحيحة ، ويكافحون شرور الطغيان ، ويعملون على هدم صروح البغي والتفرقة والعدوان في أيّ عصر كانوا وإلى أيّ أُمّة انتسبوا . | ومن هنا يتبيّن أنّ المصلح هو المزيل للفساد والعداوة ، والآتي بما هو صالح ونافع ، والمسالم والمصافي ، والمستقيم المؤدّي لواجباته . وهذا هو ديدن المصلحين في الأُمّة الإسلامية ، إلاّ أنّه قلّ أن تجد مصلحاً أو مرشداً إلاّ لقيته قد ضاق من الاضطهاد ألواناً ، وأصاب من العنت والشقاء ضروباً ، وليست هذه السنّة ـ أي : سنّة الاضطهاد والشقاء ـ وقفاً على رسل الله وأنبيائه ، بل هي مطّردة في جميع المجاهدين لإصلاح البشرية ، الذين يحاربون المفسدين للنظم الاجتماعية الصحيحة ، ويكافحون شرور الطغيان ، ويعملون على هدم صروح البغي والتفرقة والعدوان في أيّ عصر كانوا وإلى أيّ أُمّة انتسبوا . | ||
يقول الدكتور محمّد عمارة : « والناظر في تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد في تلك المجتمعات ، وعلى سبيل المثال : نجد الحركة الإصلاحية التي قادها جمال الدين الأفغاني منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدءاً من مصر وشمولاً لكلّ العالم الإسلامي تمثّل إحياءً وتجديداً للفكر الإسلامي بالعودة إلى منابعه الجوهرية : القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الصحيحة ، ومناهج السلف الصالح . | يقول الدكتور محمّد عمارة : « والناظر في تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد في تلك المجتمعات ، وعلى سبيل المثال : نجد الحركة الإصلاحية التي قادها جمال الدين الأفغاني منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدءاً من مصر وشمولاً لكلّ العالم الإسلامي تمثّل إحياءً وتجديداً للفكر الإسلامي بالعودة إلى منابعه الجوهرية : القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الصحيحة ، ومناهج السلف الصالح . | ||
=أهداف الحركات الإصلاحية= | |||
قد عبّر الإمام محمّد عبده عن أهداف هذه الحركة ، فقال : « إنّها ثلاثة : | |||
الأوّل : تحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين على طريقة سلف الأُمّة قبل ظهور الخلاف ، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأُولى ، واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لتتمّ حكمة الله في حفظ نظام العالم الإسلامي . | الأوّل : تحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين على طريقة سلف الأُمّة قبل ظهور الخلاف ، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأُولى ، واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لتتمّ حكمة الله في حفظ نظام العالم الإسلامي . | ||
الثاني : إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير . | الثاني : إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير . | ||
الثالث : التمييز بين ما للحكومة من حقّ الطاعة على الشعب وما للشعب من حقّ العدالة على الحكومة » . | الثالث : التمييز بين ما للحكومة من حقّ الطاعة على الشعب وما للشعب من حقّ العدالة على الحكومة » . | ||
وهكذا مثّلت هذه الحركة الإصلاحية منهاجاً وسطاً بين أهل الجمود والتقليد وبين المتغرّبين المنبهرين بالنموذج الحضاري الغربي ، وكانت دعوتها الإصلاحية شاملة لميادين الفكر الديني واللغة العربية وعلومها وآدابها وعلاقات الحاكمين بالمحكومين . | وهكذا مثّلت هذه الحركة الإصلاحية منهاجاً وسطاً بين أهل الجمود والتقليد وبين المتغرّبين المنبهرين بالنموذج الحضاري الغربي ، وكانت دعوتها الإصلاحية شاملة لميادين الفكر الديني واللغة العربية وعلومها وآدابها وعلاقات الحاكمين بالمحكومين . | ||
ولقد تحوّلت فكرية هذه الدعوة الإصلاحية إلى روح سارية في الكثير من الدعوات والحركات والمشاريع الفكرية للعديد من العلماء والمفكّرين على امتداد العقود التي تلت وعلى امتداد أقاليم عالم الإسلام »( ) . | ولقد تحوّلت فكرية هذه الدعوة الإصلاحية إلى روح سارية في الكثير من الدعوات والحركات والمشاريع الفكرية للعديد من العلماء والمفكّرين على امتداد العقود التي تلت وعلى امتداد أقاليم عالم الإسلام »( ) . | ||
=فلسفة تاريخ الإصلاح في الإسلام= | |||
من الحقائق التاريخية أنّ تاريخ الإصلاح والتجديد متّصل في الإسلام ، والمُتقصّي لهذا التاريخ لا يرى ثغرة ولا ثُلمة في جهود الإصلاح والتجديد ، ولا فترة لم يظهر فيها من يُعارض التيّار المنحرف ، ويُكافح الفساد الشامل ، ويرفع صوت الحقّ ، ويتحدّى القوى الظالمة أو عناصر الفساد ، ويفتح نوافذ جديدة في التفكير . | |||
والدارس لهذا التاريخ والمتتبّع لحوادثه وشخصياته لا يعرف عهداً قصيراً ساد الظلام فيه على العالم الإسلامي ، وخَبت مصابيح الإصلاح ، وخفتت أصوات الحقّ ، ومات الضمير الإسلامي ، وتبلّد الشعور ، وأضرب الفكر الإسلامي عن العمل . | والدارس لهذا التاريخ والمتتبّع لحوادثه وشخصياته لا يعرف عهداً قصيراً ساد الظلام فيه على العالم الإسلامي ، وخَبت مصابيح الإصلاح ، وخفتت أصوات الحقّ ، ومات الضمير الإسلامي ، وتبلّد الشعور ، وأضرب الفكر الإسلامي عن العمل . | ||
إنّ هذه الثغرات قد نشعر بها في دراستنا العابرة للتاريخ الإسلامي وفي نظرتنا العجلى في كتبه ، إنّ مردّها إلى منهج التأليف الذي اتّخذه المؤرّخون للإسلام قديماً وحديثاً ودرجت عليه الأجيال . . إنّ النقص ـ ومعذرتي إلى المؤلّفين الذين أدين لهم في معلوماتي ومحاضراتي ويدين لهم كلّ مؤلّف ودارس ـ في التأليف وليس في التاريخ ، أو بكلمة أُخرى : إنّ المسؤولية تقع على المؤرّخين والمؤلّفين ، لا على المُجدّدين والمصلحين الذين ظهروا حيناً بعد حين ، وحفظوا على الإسلام جدّته وشبابه ، وقضوا على كثير من الفتن والبدع والمؤامرات والتحريفات ، حتّى أصبحت مطمورة في ركام الماضي ، لا يهتدي إليها أحد في هذا العصر إلاّ بعد بحث وعناء ، وكثير من أفراد هذا الجيل لم يسمعوا بأسمائها ولا يعرفون حقيقتها إلاّ بشقّ الأنفس واجتهاد العقل والعين ! | إنّ هذه الثغرات قد نشعر بها في دراستنا العابرة للتاريخ الإسلامي وفي نظرتنا العجلى في كتبه ، إنّ مردّها إلى منهج التأليف الذي اتّخذه المؤرّخون للإسلام قديماً وحديثاً ودرجت عليه الأجيال . . إنّ النقص ـ ومعذرتي إلى المؤلّفين الذين أدين لهم في معلوماتي ومحاضراتي ويدين لهم كلّ مؤلّف ودارس ـ في التأليف وليس في التاريخ ، أو بكلمة أُخرى : إنّ المسؤولية تقع على المؤرّخين والمؤلّفين ، لا على المُجدّدين والمصلحين الذين ظهروا حيناً بعد حين ، وحفظوا على الإسلام جدّته وشبابه ، وقضوا على كثير من الفتن والبدع والمؤامرات والتحريفات ، حتّى أصبحت مطمورة في ركام الماضي ، لا يهتدي إليها أحد في هذا العصر إلاّ بعد بحث وعناء ، وكثير من أفراد هذا الجيل لم يسمعوا بأسمائها ولا يعرفون حقيقتها إلاّ بشقّ الأنفس واجتهاد العقل والعين ! | ||
سطر ٣٨: | سطر ٤٩: | ||
ولمَن أخضع بأدبه القوي وشعره البليغ عقولاً لم تُخضعها المباحث العلمية والفلسفات الدينية ، إلى غير ذلك ، ولكلّ فضلٌ . | ولمَن أخضع بأدبه القوي وشعره البليغ عقولاً لم تُخضعها المباحث العلمية والفلسفات الدينية ، إلى غير ذلك ، ولكلّ فضلٌ . | ||
وما التاريخ إلاّ تأدية الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل ، والاعتراف بالفضل ، وقد قام كلّ واحد منهم بدوره ، وساهم بقسطه ; القسط المطلوب منه ، وكلّ كان مرابطاً على ثغر من ثغور الإسلام ، وكلّ كان سهماً مصيباً في كنانة الإسلام . . ولولا هذه الجهود المخلصة ، ولولا هذه الأقساط التي قد لا تُرى إلاّ بمكبّرة التاريخ ، لما وصلت إلينا هذه المجموعة التي نعتزّ بها ونستند إليها ، ونقتبس منها النور سليمة موفورة نتباهى بها على الأُمم والديانات( ) . | وما التاريخ إلاّ تأدية الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل ، والاعتراف بالفضل ، وقد قام كلّ واحد منهم بدوره ، وساهم بقسطه ; القسط المطلوب منه ، وكلّ كان مرابطاً على ثغر من ثغور الإسلام ، وكلّ كان سهماً مصيباً في كنانة الإسلام . . ولولا هذه الجهود المخلصة ، ولولا هذه الأقساط التي قد لا تُرى إلاّ بمكبّرة التاريخ ، لما وصلت إلينا هذه المجموعة التي نعتزّ بها ونستند إليها ، ونقتبس منها النور سليمة موفورة نتباهى بها على الأُمم والديانات( ) . | ||
=كلام أحد المصلحين الإسلاميين حول الإصلاح وفلسفته= | |||
من ألطف وأطرف ما رأيته في كلمات القوم حول الإصلاح الإسلامي ما جاء في كتاب « البيّنات » لصاحبه الشيخ عبد القادر المغربي ، وأنا أنقله هنا على طوله للسبب المتقدّم المذكور آنفاً . | |||
يقول : « حصل الانقلاب العجيب في الدولة العثمانية ، وأخذت تتهيّأ لحدوث مثله كلّ من الحكومتين الأفغانية والمراكشية ، فالانقلاب فيهما واقع ما له من دافع ، إن لم يكن الآن فبعد الآن ! | يقول : « حصل الانقلاب العجيب في الدولة العثمانية ، وأخذت تتهيّأ لحدوث مثله كلّ من الحكومتين الأفغانية والمراكشية ، فالانقلاب فيهما واقع ما له من دافع ، إن لم يكن الآن فبعد الآن ! | ||
وإنّ حدوث هذه الانقلابات في البلاد الإسلامية مؤذن بتنظيم أُمور حكوماتها الإدارية والسياسية ، وتحسين حالة شعوبها الأدبية والاجتماعية ، وترقية شؤونها الصناعية والاقتصادية ; إذ أنّ من طبيعة الانقلابات الدستورية أن يحدث على أثرها ما ذكرنا من التنظيم والتحسين والترقية . أمّا الإصلاح الديني في تلك البلاد فليس أثراً طبيعياً لأمثال هذه الانقلابات ، وإنّما هو أثر لإرادة رجال الدين ، فإن أرادوه وسعوا إليه سعيه حصل الإصلاح ، فصانوا به دينهم وقوميتهم وعرف الله والتاريخ لهم سعيهم ومنزلتهم ، وإن لم يريدوه وجمدوا استغنى العمران الحديث عنهم ، وربّما عدّ نفسه مستغنياً عن تعاليمهم الدينية أيضاً ، فتكون تبعة ذلك عليهم ، وعاره لاحقاً بهم ! | وإنّ حدوث هذه الانقلابات في البلاد الإسلامية مؤذن بتنظيم أُمور حكوماتها الإدارية والسياسية ، وتحسين حالة شعوبها الأدبية والاجتماعية ، وترقية شؤونها الصناعية والاقتصادية ; إذ أنّ من طبيعة الانقلابات الدستورية أن يحدث على أثرها ما ذكرنا من التنظيم والتحسين والترقية . أمّا الإصلاح الديني في تلك البلاد فليس أثراً طبيعياً لأمثال هذه الانقلابات ، وإنّما هو أثر لإرادة رجال الدين ، فإن أرادوه وسعوا إليه سعيه حصل الإصلاح ، فصانوا به دينهم وقوميتهم وعرف الله والتاريخ لهم سعيهم ومنزلتهم ، وإن لم يريدوه وجمدوا استغنى العمران الحديث عنهم ، وربّما عدّ نفسه مستغنياً عن تعاليمهم الدينية أيضاً ، فتكون تبعة ذلك عليهم ، وعاره لاحقاً بهم ! | ||
سطر ٦٨: | سطر ٨٣: | ||
أمثال هؤلاء هم المرجوون للبحث في الإصلاح ، لا أُولئك الرؤساء والعظماء الذين لا يشعرون بالحاجة إليه ، وقد يأنفون من الاشتغال به ، بل ربّما قاوموه أشدّ مقاومة ; لأنّه قلّما يخلو من تحطيم امتيازاتهم وزحزحتهم عن مستوى عظمتهم ! | أمثال هؤلاء هم المرجوون للبحث في الإصلاح ، لا أُولئك الرؤساء والعظماء الذين لا يشعرون بالحاجة إليه ، وقد يأنفون من الاشتغال به ، بل ربّما قاوموه أشدّ مقاومة ; لأنّه قلّما يخلو من تحطيم امتيازاتهم وزحزحتهم عن مستوى عظمتهم ! | ||
ومحصّل القول : إنّ أيّ نوع من الإصلاح لا يتمّ إلاّ بسعي الذين يعنيهم أمره ، وإصلاحنا الإسلامي إنّما يعني علماء الدين ، فهم المكلّفون به ، المخاطبون شرعاً بالعمل على تحصيله ، وليس العمل منهم سوى الدعوة إليه بخطبهم وكتاباتهم وتآليفهم ، حتّى إذا اقتنع بذلك جمهور الأُمّة ومعظم أفرادها هبّوا هبّة واحدة ، فاكتتبوا لمدارس يشيّدونها ، ونشرات يوزّعونها ، ومؤتمرات يعقدونها ، ومن كلّ ما فيه تحصيل هذا الإصلاح وتحقيق أمره . | ومحصّل القول : إنّ أيّ نوع من الإصلاح لا يتمّ إلاّ بسعي الذين يعنيهم أمره ، وإصلاحنا الإسلامي إنّما يعني علماء الدين ، فهم المكلّفون به ، المخاطبون شرعاً بالعمل على تحصيله ، وليس العمل منهم سوى الدعوة إليه بخطبهم وكتاباتهم وتآليفهم ، حتّى إذا اقتنع بذلك جمهور الأُمّة ومعظم أفرادها هبّوا هبّة واحدة ، فاكتتبوا لمدارس يشيّدونها ، ونشرات يوزّعونها ، ومؤتمرات يعقدونها ، ومن كلّ ما فيه تحصيل هذا الإصلاح وتحقيق أمره . | ||
=أركان وأصول الإصلاح= | |||
عماد الإصلاح بوجه عامّ أو أصل الأُصول في الإصلاح إنّما هو التربية والتعليم الإسلاميّان ، أو يقال : هو المدرسة الإسلامية . . هذا هو أصل الأُصول . | |||
أمّا بقية الأُصول والأركان فنأتي على ذكرها هنا موجزة بصفة فهرست يجمعها وكفاف يضمّ شتيتها : | أمّا بقية الأُصول والأركان فنأتي على ذكرها هنا موجزة بصفة فهرست يجمعها وكفاف يضمّ شتيتها : | ||
1 ـ أن نعلّم طلاّب العلوم الدينية تعليماً يؤهّلهم للاجتهاد ، ما دمنا على يقين أنّه لا يوجد اليوم في المسلمين من هو أهل للاجتهاد . | 1 ـ أن نعلّم طلاّب العلوم الدينية تعليماً يؤهّلهم للاجتهاد ، ما دمنا على يقين أنّه لا يوجد اليوم في المسلمين من هو أهل للاجتهاد . | ||
سطر ٨٦: | سطر ١٠٤: | ||
فالتجديد كان قائماً على مرّ التاريخ الإسلامي ، خاصّة في عصر الحركة الحضارية نرى ذلك التجديد في الفقه والأُصول والتفسير والحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية . الاجتهاد وشيوع حديث ظهور المجدّدين على رأس كلّ قرن من مظاهر هذا التجديد المستمرّ . | فالتجديد كان قائماً على مرّ التاريخ الإسلامي ، خاصّة في عصر الحركة الحضارية نرى ذلك التجديد في الفقه والأُصول والتفسير والحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية . الاجتهاد وشيوع حديث ظهور المجدّدين على رأس كلّ قرن من مظاهر هذا التجديد المستمرّ . | ||
وكان من المفروض في عصر الركود الحضاري أن لا تظهر في العالم الإسلامي مشاريع تجديدية ، غير أنّ الإسلام بما فيه من طاقات ذاتية يأبى على أتباعه الخضوع للوضع القائم ، ويثير فيهم الهمّة للإصلاح والتجديد . | وكان من المفروض في عصر الركود الحضاري أن لا تظهر في العالم الإسلامي مشاريع تجديدية ، غير أنّ الإسلام بما فيه من طاقات ذاتية يأبى على أتباعه الخضوع للوضع القائم ، ويثير فيهم الهمّة للإصلاح والتجديد . | ||
=مميزات المشاريع الإصلاحية للمجددين= | |||
من هنا نرى قائمة المجدّدين في عصرنا غنية بالأسماء والمشاريع النظرية والعلمية . | من هنا نرى قائمة المجدّدين في عصرنا غنية بالأسماء والمشاريع النظرية والعلمية . | ||
وقد قدّم بعض هؤلاء المجدّدين مشاريع لعملهم ، يمكن تلخيصها فيما يلي : | وقد قدّم بعض هؤلاء المجدّدين مشاريع لعملهم ، يمكن تلخيصها فيما يلي : |
تعديل