٢٬٧٩٦
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
تتناول هذه المقالة مسألة الوحدة الإسلامية | تتناول هذه المقالة مسألة [[الوحدة الإسلامية]] و[[التقريب بين المذاهب]] في [[العراق]] ، ولخطورتها وأهميتها في واقع [[الأمة الإسلامية]] كلا سنفصل البحث فيها أكثر فأكثر . | ||
[[ملف:التقريب.jpg|تصغير|صورة تعبيرية]] | [[ملف:التقريب.jpg|تصغير|صورة تعبيرية]] | ||
سطر ٩: | سطر ٩: | ||
==تعريف الوحدة== | ==تعريف الوحدة== | ||
أمّا تعريفها : فقد عرّفها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد علي الخامنئي بأنّها : مفهوم أساس في الإسلام ، ومبدأ يشكّل واحدة من القواعد التي تقوم عليها فلسفة الإسلام الاجتماعية ونظرته العامّة إلى الكون والحياة . | أمّا تعريفها : فقد عرّفها مرشد [[الجمهورية الإسلامية الإيرانية]] السيّد [[علي الخامنئي]] بأنّها : مفهوم أساس في [[الإسلام]] ، ومبدأ يشكّل واحدة من القواعد التي تقوم عليها فلسفة الإسلام الاجتماعية ونظرته العامّة إلى الكون والحياة . | ||
وعرّفها الشيخ محمّد علي التسخيري الأمين العامّ السابق للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بأنّها : التعاون بين أتباع المذاهب الإسلامية على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة ، واتّخاذ موقف موحّد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأُمّة الإسلامية والموقف الموحّد تجاه أعدائها ، مع احترام التزامات كلّ مسلم تجاه مذهبه عقيدة وعملاً . | وعرّفها الشيخ [[محمّد علي التسخيري]] الأمين العامّ السابق [[للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية]] بأنّها : التعاون بين أتباع [[المذاهب الإسلامية]] على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة ، واتّخاذ موقف موحّد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأُمّة الإسلامية والموقف الموحّد تجاه أعدائها ، مع احترام التزامات كلّ مسلم تجاه مذهبه عقيدة وعملاً . | ||
وعرّفها الأمين العامّ السابق للمجمع الشيخ محمّد واعظ زادة الخراساني بأنّها : وحدة كلمة الأُمّة تجاه قضاياها الأساسية وأهدافها المشتركة ، ووقوفها صفّاً واحداً أمام الاعداء ، وهي الغاية القصوى والغرض الأقصى . | وعرّفها الأمين العامّ السابق للمجمع الشيخ [[محمّد واعظ زادة الخراساني]] بأنّها : وحدة كلمة الأُمّة تجاه قضاياها الأساسية وأهدافها المشتركة ، ووقوفها صفّاً واحداً أمام الاعداء ، وهي الغاية القصوى والغرض الأقصى . | ||
وعرّفها الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان بأنّها : ما بدأت من الاعتراف بالآخر وجوداً وفكراً ، وما سعت لفعل تواصلي حواري ، ينمّي المشترك ، ويحدّد نقاط التغاير ، ويسعى نحو ترسيخ مستوى الفهم والاعتراف وفق أُصوله الموضوعية والعلمية ، وأهمّ وسائل المفهوم الحضاري للوحدة احترام التنوّع وقيم التسامح وحقوق الإنسان في المحيط الاجتماعي السائد . | وعرّفها الشيخ [[عبد الأمير قبلان]] نائب رئيس [[المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى]] في [[لبنان]] بأنّها : ما بدأت من الاعتراف بالآخر وجوداً وفكراً ، وما سعت لفعل تواصلي حواري ، ينمّي المشترك ، ويحدّد نقاط التغاير ، ويسعى نحو ترسيخ مستوى الفهم والاعتراف وفق أُصوله الموضوعية والعلمية ، وأهمّ وسائل المفهوم الحضاري للوحدة احترام التنوّع وقيم التسامح وحقوق الإنسان في المحيط الاجتماعي السائد . | ||
وعرّفها الدكتور أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية | وعرّفها الدكتور [[أحمد عمر هاشم]] عضو [[مجمع البحوث الإسلامية]] ب[[مصر]] ورئيس [[جامعة الأزهر]] سابقاً بأنّها : اتّحاد الدول أو البلاد والأفراد في أُمور حياتهم ومعاشهم ومسيرتهم وغايتهم ، وبموجبها يصبح الجميع وحدة واحدة أو أُمّة واحدة . | ||
وقريب من هذا التعريف تعريف الدكتور عبد العزيز الخيّاط وزير الأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية سابقاً . | وقريب من هذا التعريف تعريف الدكتور [[عبد العزيز الخيّاط]] وزير الأوقاف في [[المملكة الأردنية الهاشمية]] سابقاً . | ||
وأخيراً عرّفها الشيخ تاج الدين الهلالي مفتي مسلمي أُستراليا سابقا بأنّها : تحقيق أمر الله تعالى بتوحيد الكلمة القائمة على كلمة التوحيد ، بأن يكون المسلمون جميعاً تحت راية خلافة أو حكومة ، تكون لهم قيادة إسلامية أو سيادة واحدة ، فلا تفصل بينهم حواجز ولا حدود مصطنعة. | وأخيراً عرّفها الشيخ [[تاج الدين الهلالي]] مفتي مسلمي أُستراليا سابقا بأنّها : تحقيق أمر الله تعالى بتوحيد الكلمة القائمة على كلمة التوحيد ، بأن يكون المسلمون جميعاً تحت راية خلافة أو حكومة ، تكون لهم قيادة إسلامية أو سيادة واحدة ، فلا تفصل بينهم حواجز ولا حدود مصطنعة. | ||
هذا ، وللأُستاذ حيدر كامل حبّ الله اللبناني كلام لطيف في المقام أسماه بأزمة المفهوم ، ليس هنا محلّ ذكره . | هذا ، وللأُستاذ حيدر كامل حبّ الله اللبناني كلام لطيف في المقام أسماه بأزمة المفهوم ، ليس هنا محلّ ذكره . | ||
سطر ٥٥: | سطر ٥٥: | ||
الأوّل : وحدة العقيدة. | الأوّل : وحدة العقيدة. | ||
لا بدّ للأُمّة الواحدة أن تكون لها أُصول اعتقادية واحدة ، وهذه الأُصول لدى الأُمّة الإسلامية بإجماع كلّ علماء المذاهب : التوحيد ، والنبوّة ، والمعاد . وإنكار واحد من هذه الأُصول أو عدم الإيمان به يخرج الفرد من دائرة الإسلام بإجماع العلماء وبنصّ القرآن والسنّة ، وإذا كانت ثمّة أُصول أُخرى فهي أُصول المذهب ، لا أُصول الدين ، كالإمامة لدى الشيعة والعدل لدى الشيعة | لا بدّ للأُمّة الواحدة أن تكون لها أُصول اعتقادية واحدة ، وهذه الأُصول لدى الأُمّة الإسلامية بإجماع كلّ علماء المذاهب : التوحيد ، والنبوّة ، والمعاد . وإنكار واحد من هذه الأُصول أو عدم الإيمان به يخرج الفرد من دائرة الإسلام بإجماع العلماء وبنصّ القرآن والسنّة ، وإذا كانت ثمّة أُصول أُخرى فهي أُصول المذهب ، لا أُصول الدين ، كالإمامة لدى [[الشيعة]] والعدل لدى الشيعة و[[المعتزلة]] . والاعتقاد بهذه الأُصول الثلاثة كاف لإيجاد وحدة عقائدية بين أبناء الأُمّة الإسلامية . | ||
وتوجد هنا ثلاث ملاحظات : | وتوجد هنا ثلاث ملاحظات : | ||
سطر ١٣٩: | سطر ١٣٩: | ||
ثانياً : البعد الإنساني . | ثانياً : البعد الإنساني . | ||
ويتّضح البعد الإنساني لوحدة الأُمّة الإسلامية جلياً في القرآن الكريم | ويتّضح البعد الإنساني لوحدة الأُمّة الإسلامية جلياً في [[القرآن الكريم]] و[[السنّة النبوية]] المطهّرة ، فالله سبحانه وتعالى يلفت نظرنا إلى وحدة الأصل الإنساني . فالناس جميعاً قد خلقهم الله من نفس واحدة : ( '''يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْس وَاحِدَة''' )( سورة النساء : 1 ) ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤكّد هذا المعنى أيضاً في قوله : « يا أيّها الناس ، ألا إنّ ربّكم واحد وأباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر ، إلاّ بالتقوى » . | ||
والإسلام لا يفصل هذا البعد الإنساني عن البعد الديني المشار إليه كما كانت تفعل ـ ولاتزال ـ بعض الآيديولوجيات والفلسفات في القديم والحديث التي تصل بالإنسان إلى حدّ التأليه وتجعله صاحب السلطان الأوحد في هذا الكون ! | والإسلام لا يفصل هذا البعد الإنساني عن البعد الديني المشار إليه كما كانت تفعل ـ ولاتزال ـ بعض الآيديولوجيات والفلسفات في القديم والحديث التي تصل بالإنسان إلى حدّ التأليه وتجعله صاحب السلطان الأوحد في هذا الكون ! | ||
سطر ١٥١: | سطر ١٥١: | ||
ثالثاً : البعد الاجتماعي . | ثالثاً : البعد الاجتماعي . | ||
وإذا كانت الأُمّة الإسلامية ترتبط فيما بينها بروابط العقيدة والإنسانية فإنّ محصّلة هذين البعدين هي الأُخوّة التي هي أقوى من أُخوّة النسب . ومن هنا كان قول القرآن الكريم : ( '''إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ''' ) ( سورة الحجرات : 10 ) . وعندما أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يؤسّس قواعد المجتمع الإسلامي في المدينة بعد الهجرة آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فتآلفت قلوبهم بفضل الله ، وقد امتنّ الله على المؤمنين بهذا التآلف ، فقال : ( '''فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً''' ) ( سورة آل عمران : 103 ) . وهذه الأُخوّة لها حقّها ، فهي تتضمّن بعداً عاطفياً يتمثّل في المشاركة الوجدانية ، فكلّ فرد من أفراد الأُمّة الإسلامية يشعر بآلام وآمال أُمّته ; لأنّه جزء منها يحسّ بإحساسها ويسعد لسعادتها ويتألّم لألمها . ومن هنا كان قول النبي (صلى الله عليه وآله) : « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى » . | وإذا كانت الأُمّة الإسلامية ترتبط فيما بينها بروابط العقيدة والإنسانية فإنّ محصّلة هذين البعدين هي الأُخوّة التي هي أقوى من أُخوّة النسب . ومن هنا كان قول القرآن الكريم : ( '''إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ''' ) ( سورة الحجرات : 10 ) . وعندما أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يؤسّس قواعد المجتمع الإسلامي في [[المدينة]] بعد الهجرة آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فتآلفت قلوبهم بفضل الله ، وقد امتنّ الله على المؤمنين بهذا التآلف ، فقال : ( '''فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً''' ) ( سورة آل عمران : 103 ) . وهذه الأُخوّة لها حقّها ، فهي تتضمّن بعداً عاطفياً يتمثّل في المشاركة الوجدانية ، فكلّ فرد من أفراد الأُمّة الإسلامية يشعر بآلام وآمال أُمّته ; لأنّه جزء منها يحسّ بإحساسها ويسعد لسعادتها ويتألّم لألمها . ومن هنا كان قول النبي (صلى الله عليه وآله) : « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى » . | ||
ولكن مجرّد المشاركة الوجدانية ـ وذلك مع أهمّيتها ـ لا تكفي ، ولا بدّ أن يترجم هذا الشعور الداخلي إلى عمل فعّال يكون من شأنه النهوض بالأُمّة وبأفرادها . ومن هنا كان مبدأ التكافل في الإسلام بمثابة ترجمة عملية لذلك الشعور الباطني لدى المسلم . وقد جعل الإسلام هذا المبدأ عبادة مفروضة يتعبّد بها المسلم ويتقرّب بها إلى ربّه ، وهي فريضة الزكاة . | ولكن مجرّد المشاركة الوجدانية ـ وذلك مع أهمّيتها ـ لا تكفي ، ولا بدّ أن يترجم هذا الشعور الداخلي إلى عمل فعّال يكون من شأنه النهوض بالأُمّة وبأفرادها . ومن هنا كان مبدأ التكافل في الإسلام بمثابة ترجمة عملية لذلك الشعور الباطني لدى المسلم . وقد جعل الإسلام هذا المبدأ عبادة مفروضة يتعبّد بها المسلم ويتقرّب بها إلى ربّه ، وهي فريضة الزكاة . | ||
سطر ١٩٣: | سطر ١٩٣: | ||
ومثل هذه القوّة لا تتأتّى إلاّ بوحدة الأُمّة الإسلامية ، فهذه الوحدة هي السدّ المنيع والحصن الحصين في وجه كلّ الأطماع التي تستهدف إضعاف الأُمّة الإسلامية وإثارة الفتن والخصومات بين أبنائها . | ومثل هذه القوّة لا تتأتّى إلاّ بوحدة الأُمّة الإسلامية ، فهذه الوحدة هي السدّ المنيع والحصن الحصين في وجه كلّ الأطماع التي تستهدف إضعاف الأُمّة الإسلامية وإثارة الفتن والخصومات بين أبنائها . | ||
وعلى الأُمّة الإسلامية صاحبة المصير المشترك أن تعيد النظر في قائمة الأولويات للقضايا والهموم التي تحيط بها في عالمنا المعاصر ، فتشغل نفسها لا بالقضايا الهامشية ، بل | وعلى الأُمّة الإسلامية صاحبة المصير المشترك أن تعيد النظر في قائمة الأولويات للقضايا والهموم التي تحيط بها في عالمنا المعاصر ، فتشغل نفسها لا بالقضايا الهامشية ، بل ب[[القضايا المصيرية]] ، وعلى رأسها قضية التخلّف التي تمثّل الهمّ الأكبر للأُمّة الإسلامية اليوم . والتخلّف المعني هنا تخلّف متعدّد الجوانب يشمل المجالات الروحية والمادّية والأخلاقية والعلمية والحضارية بصفة عامّة ، وتلك قضية مصيرية لا يجوز التهاون فيها أو التفريط في معالجتها بما تستحقّه من اهتمام وعناية . | ||
هذا ، ويمكن تقرير مقومّات الوحدة الإسلامية بهذه الصورة أيضاً : | هذا ، ويمكن تقرير مقومّات الوحدة الإسلامية بهذه الصورة أيضاً : | ||
سطر ٢٠٣: | سطر ٢٠٣: | ||
ولا بدّ أن تكون هذه الأرض خاضعة لحكم الإسلام وسيطرة أهله ; مصداقاً لقوله عزّ وجلّ : ('''وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً''' )( سورة النور : 55 ) ، ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) : « بشّر هذه الأُمّة بالسناء والرفعة بالدين والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب » . | ولا بدّ أن تكون هذه الأرض خاضعة لحكم الإسلام وسيطرة أهله ; مصداقاً لقوله عزّ وجلّ : ('''وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً''' )( سورة النور : 55 ) ، ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) : « بشّر هذه الأُمّة بالسناء والرفعة بالدين والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب » . | ||
وأن تكون آمنة منيعة محمية الحدود والثغور ، كما أمر بذلك ربّ العباد ، فقال : ( '''يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا''' )( سورة آل عمران : 200 ) ، ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) : « رباط يوم خير من صيام شهر أو قيامه » . إنّ الأرض الموصوفة بهذه الصفات هي درع الإيمان ، | وأن تكون آمنة منيعة محمية الحدود والثغور ، كما أمر بذلك ربّ العباد ، فقال : ( '''يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا''' )( سورة آل عمران : 200 ) ، ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) : « رباط يوم خير من صيام شهر أو قيامه » . إنّ الأرض الموصوفة بهذه الصفات هي درع الإيمان ، و[[بيضة الإسلام]] ، ومهجر المستضعفين من المؤمنين ، وملجأ الخائفين ، ومأوى الفارّين بدينهم من الفتن . | ||
2 ـ تقرير الأُخوّة بين أفراد الأُمّة الإسلامية . | 2 ـ تقرير الأُخوّة بين أفراد الأُمّة الإسلامية . | ||
سطر ٢٦١: | سطر ٢٦١: | ||
أمّا تحدّيات وموانع الوحدة : فهي المشاكل التي تواجه الأُمّة الإسلامية في مسيرتها الوحدوية . . والتي منها : | أمّا تحدّيات وموانع الوحدة : فهي المشاكل التي تواجه الأُمّة الإسلامية في مسيرتها الوحدوية . . والتي منها : | ||
أوّلاً : النعرة الطائفية . | أوّلاً : [[النعرة الطائفية]] . | ||
ينبغي أن يُميّز بين الانتماء المذهبي والنعرة الطائفية ، فالانتماء المذهبي تعبير مشروع عن ارتباط المسلم بمذهب فقهي معيّن يعتقد هو ببراءة ذمّته حين يعمل بموجبه ، فيما تكون النعرة الطائفية حالة من العصبية تنطلق من تعصّب مقيت يولّد كراهية لأبناء الطوائف الأُخرى ، وفي الوقت الذدي يعزّز الانتماء المذهبي روح الأُخوّة الإسلامية بين كافّة أبناء المذاهب الإسلامية تكون النعرة الطائفية على عكس ذلك ; إذ تطرح نمطية الاحتراب وثقافة التشاتم بين أبناء الأُمّة الإسلامية ، حتّى أنّها قد تصل ـ أي : النعرة الطائفية ـ إلى أسوأ مدياتها في استباحة دماء المسلمين من أبناء الطوائف الأُخرى ! وقد تفرز هذه رموزاً طائفية وخطاباً طائفياً وفقهاً طائفياً يعطي للنعرة الطائفية مبرّراً شرعياً ويعبّئ أبناء الطائفة بالاتّجاه المضاد . | ينبغي أن يُميّز بين الانتماء المذهبي والنعرة الطائفية ، فالانتماء المذهبي تعبير مشروع عن ارتباط المسلم بمذهب فقهي معيّن يعتقد هو ببراءة ذمّته حين يعمل بموجبه ، فيما تكون النعرة الطائفية حالة من العصبية تنطلق من تعصّب مقيت يولّد كراهية لأبناء الطوائف الأُخرى ، وفي الوقت الذدي يعزّز الانتماء المذهبي روح [[الأُخوّة الإسلامية]] بين كافّة أبناء المذاهب الإسلامية تكون النعرة الطائفية على عكس ذلك ; إذ تطرح نمطية الاحتراب وثقافة التشاتم بين أبناء الأُمّة الإسلامية ، حتّى أنّها قد تصل ـ أي : النعرة الطائفية ـ إلى أسوأ مدياتها في استباحة دماء المسلمين من أبناء الطوائف الأُخرى ! وقد تفرز هذه رموزاً طائفية وخطاباً طائفياً وفقهاً طائفياً يعطي للنعرة الطائفية مبرّراً شرعياً ويعبّئ أبناء الطائفة بالاتّجاه المضاد . | ||
ثانياً : التسييس الطائفي . | ثانياً : [[التسييس الطائفي]] . | ||
المقصود به النظرة إلى الأفكار والمفاهيم إلى كلّ مذهب من المذاهب من منظور سياسي وليس من منظور معرفي محدّد . وتسييس الحالة الطائفية يحول دون التعرّف الإيجابي بين أبناء المذاهب ، وهو ما لا ينسجم مع المفاهيم القرآنية التي أرادت لكلّ المختلفين من أبناء الشعوب والقبائل التعارف فيما بينهم ، ومن موقع التعارف يجري بينهم الحوار والتعامل . | المقصود به النظرة إلى الأفكار والمفاهيم إلى كلّ مذهب من المذاهب من منظور سياسي وليس من منظور معرفي محدّد . وتسييس الحالة الطائفية يحول دون التعرّف الإيجابي بين أبناء المذاهب ، وهو ما لا ينسجم مع المفاهيم القرآنية التي أرادت لكلّ المختلفين من أبناء الشعوب والقبائل التعارف فيما بينهم ، ومن موقع التعارف يجري بينهم الحوار والتعامل . | ||
ثالثاً : العقدة الماضوية . | ثالثاً : [[العقدة الماضوية]] . | ||
إنّ قراءة التاريخ قراءة متأنّية تعبر بجيلنا الحاضر إلى الأجيال الماضية لاستلهام التجارب والاستفادة من العبر أمر مطلوب إلى حدّ كبير ، غير أنّ تحويل التاريخ إلى عقدة ماضوية تؤثّر على الحاضر تأثيراً سليباً يجعله حاجزاً يحول دون التعامل بين أبناء الأُمّة الإسلامية فهو أمر مختلف . من هنا كان علينا أن نقرأ التاريخ قراءة مستقبلية ، بمعنى : أنّنا نستفيد من نجاحاتنا في التاريخ ونجاحات الآخرين ; لدفع عجلة التعاون في مجال الوحدة نحو الأمام ، كما أنّنا نستفيد من أخطائنا التاريخية ، لتلافي تكرارها وعدم تحوّلها إلى عقبات في الطريق . | إنّ قراءة التاريخ قراءة متأنّية تعبر بجيلنا الحاضر إلى الأجيال الماضية لاستلهام التجارب والاستفادة من العبر أمر مطلوب إلى حدّ كبير ، غير أنّ تحويل التاريخ إلى عقدة ماضوية تؤثّر على الحاضر تأثيراً سليباً يجعله حاجزاً يحول دون التعامل بين أبناء الأُمّة الإسلامية فهو أمر مختلف . من هنا كان علينا أن نقرأ التاريخ قراءة مستقبلية ، بمعنى : أنّنا نستفيد من نجاحاتنا في التاريخ ونجاحات الآخرين ; لدفع عجلة التعاون في مجال الوحدة نحو الأمام ، كما أنّنا نستفيد من أخطائنا التاريخية ، لتلافي تكرارها وعدم تحوّلها إلى عقبات في الطريق . | ||
رابعاً : الانكفاء الذاتي . | رابعاً : [[الانكفاء الذاتي]] . | ||
ما تتميّز به بعض الفرق الإسلامية في التاريخ من انكفاء ذاتي أضفى عليها نمطية باطنية في الأداء ، وجعلها تعيش حصاراً داخلياً ربّما يولّد في لا شعورها وشعورها كراهية عارمة تجاه الآخرين . كما أنّها أصبحت ـ والحالة هذه ـ تعاني من عقدة الاضطهاد بسبب عزلتها عنهم . والانكفاء الذاتي هذا تتسبّب فيه عدّة عوامل ، منها ما ينطلق من الظرف الاجتماعي الضاغط على مجموعة ما أو طائفة معيّنة ، ومنها ما ينطلق من ذات المجموعة أو أبناء الطائفة ، ومن أجل التخلّص من هذه الظاهرة السلبية لا بدّ أن تتوفّر أجواء الصحّة الاجتماعية الكافية التي تحترم كلّ معتقدات ومتبنّيات أبناء الطوائف الأُخرى ، كما لا بدّ لذات الطائفة أن تتمتّع بالثقة الكافية والتخلّص من الشعور بعقدة الاضطهاد وتطوير خطابها للتعامل مع الوسط الاجتماعي الذي تتحرّك فيه . | ما تتميّز به بعض الفرق الإسلامية في التاريخ من انكفاء ذاتي أضفى عليها نمطية باطنية في الأداء ، وجعلها تعيش حصاراً داخلياً ربّما يولّد في لا شعورها وشعورها كراهية عارمة تجاه الآخرين . كما أنّها أصبحت ـ والحالة هذه ـ تعاني من عقدة الاضطهاد بسبب عزلتها عنهم . والانكفاء الذاتي هذا تتسبّب فيه عدّة عوامل ، منها ما ينطلق من الظرف الاجتماعي الضاغط على مجموعة ما أو طائفة معيّنة ، ومنها ما ينطلق من ذات المجموعة أو أبناء الطائفة ، ومن أجل التخلّص من هذه الظاهرة السلبية لا بدّ أن تتوفّر أجواء الصحّة الاجتماعية الكافية التي تحترم كلّ معتقدات ومتبنّيات أبناء الطوائف الأُخرى ، كما لا بدّ لذات الطائفة أن تتمتّع بالثقة الكافية والتخلّص من الشعور بعقدة الاضطهاد وتطوير خطابها للتعامل مع الوسط الاجتماعي الذي تتحرّك فيه . | ||
خامساً : عقدة الإقصاء والتسيّد الطائفي . | خامساً : [[عقدة الإقصاء والتسيّد الطائفي]] . | ||
حاول بعض السلاطين أن يقصي أبناء المذاهب الأُخرى ممّن لا ينتمون إلى مذهبه ، وقد أدّت هذه النعرة إلى وقوع ضحايا كثيرة ، وألحقت الظلم بأبناء المذاهب الأُخرى . إنّ مثل هذه السياسات والممارسات وإن حقّقت نتائج شخصية لواضيعها ، ولكنّها لا شكّ مضرّة في مصلحة الأُمّة ، وإنّها لا محالة زائلة في حسابات الأُمّة وعلى مدى عمرها الذي يتجاوز عمر واضعيها . | حاول بعض السلاطين أن يقصي أبناء المذاهب الأُخرى ممّن لا ينتمون إلى مذهبه ، وقد أدّت هذه النعرة إلى وقوع ضحايا كثيرة ، وألحقت الظلم بأبناء المذاهب الأُخرى . إنّ مثل هذه السياسات والممارسات وإن حقّقت نتائج شخصية لواضيعها ، ولكنّها لا شكّ مضرّة في مصلحة الأُمّة ، وإنّها لا محالة زائلة في حسابات الأُمّة وعلى مدى عمرها الذي يتجاوز عمر واضعيها . | ||
سطر ٢٨٣: | سطر ٢٨٣: | ||
سادساً : وجود المذاهب الكلامية والفقهية . | سادساً : وجود المذاهب الكلامية والفقهية . | ||
إنّ المسلمين ينقسمون في المذاهب الكلامية إلى طوائف ، | إنّ المسلمين ينقسمون في المذاهب الكلامية إلى طوائف ، ك[[الأشاعرة]] والمعتزلة و[[الماتريدية]] والشيعة . والشيعة تنقسم بدورها إلى [[زيدية]] و[[إسماعيلية]] و[[اثني عشرية]] ، فكيف يمكن توحيد الكلمة مع سيادة هذه المناهج الكلامية عليهم ؟ ! | ||
والحقّ أنّ هذه المذاهب تتراءى في بادئ النظر سدّاً منيعاً بوجه الوحدة ، ولكن بالنظر إلى أواصر الوحدة تبدو وكأنّها موانع ضعيفة لا تصدّ المسلمين عن التمسّك بأهداب الوحدة على كافّة الأصعدة . | والحقّ أنّ هذه المذاهب تتراءى في بادئ النظر سدّاً منيعاً بوجه الوحدة ، ولكن بالنظر إلى أواصر الوحدة تبدو وكأنّها موانع ضعيفة لا تصدّ المسلمين عن التمسّك بأهداب الوحدة على كافّة الأصعدة . | ||
سطر ٢٨٩: | سطر ٢٨٩: | ||
أمّا المناهج الكلامية فجوهر الاختلاف فيها يرجع إلى مسائل كلامية لا عقائدية ، مثلاً : أنّ الأشاعرة والمعتزلة يختلفون في المسائل التالية : هل صفاته تعالى عين ذاته أو زائدة عليها؟ هل القرآن الكريم قديم أو حادث؟ هل أفعال العباد مخلوقة لله أو للعباد؟ هل يمكن رؤية الله في الآخرة أو هي ممتنعة ؟ إلى غير ذلك من أمثال هذه المسائل ، ومع تثمين جهود الطائفتين فالاختلاف فيها اختلاف في مسائل عقلية لا يناط بها الإسلام ولا الكفر ، فالمطلوب من المسلم اعتقاده بكونه سبحانه عالماً وقادراً ، وأمّا كيفية العلم والقدرة بالزيادة أو العينية فليس من صميم الإسلام ، فلكلّ مجتهد دليله ومذهبه ، كذلك القرآن هو معجزة النبي (صلى الله عليه وآله) وكتابه سبحانه ، فليس الحدوث والقدم من صميم العقيدة ، وقس على ذلك ما تلوناه عليك من المسائل . | أمّا المناهج الكلامية فجوهر الاختلاف فيها يرجع إلى مسائل كلامية لا عقائدية ، مثلاً : أنّ الأشاعرة والمعتزلة يختلفون في المسائل التالية : هل صفاته تعالى عين ذاته أو زائدة عليها؟ هل القرآن الكريم قديم أو حادث؟ هل أفعال العباد مخلوقة لله أو للعباد؟ هل يمكن رؤية الله في الآخرة أو هي ممتنعة ؟ إلى غير ذلك من أمثال هذه المسائل ، ومع تثمين جهود الطائفتين فالاختلاف فيها اختلاف في مسائل عقلية لا يناط بها الإسلام ولا الكفر ، فالمطلوب من المسلم اعتقاده بكونه سبحانه عالماً وقادراً ، وأمّا كيفية العلم والقدرة بالزيادة أو العينية فليس من صميم الإسلام ، فلكلّ مجتهد دليله ومذهبه ، كذلك القرآن هو معجزة النبي (صلى الله عليه وآله) وكتابه سبحانه ، فليس الحدوث والقدم من صميم العقيدة ، وقس على ذلك ما تلوناه عليك من المسائل . | ||
وأمّا المناهج الفقهية فالمشهور هي المذاهب الأربعة مضافاً إلى الزيدية | وأمّا المناهج الفقهية فالمشهور هي المذاهب الأربعة مضافاً إلى الزيدية و[[الجعفرية]] ، فهذه المذاهب الستّة مذاهب فقهية ، والاختلاف يرجع إلى الاختلاف في فهم الآية والرواية ، فلو اختلفوا فإنّما يختلفون في فهم الكتاب والسنّة ، وهذا إنّ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على اهتمامهم بهما وإمعانهم في فهمهما ، و[[الاختلاف]] أمر طبيعي ، خصوصاً بعد مضي أربعة عشر قرناً من عصر الإسلام . | ||
ولكن اختلافهم في المناهج الفقهية لا يمسّ بصميم الفقه الإسلامي ، فهل هناك مَن يرى صلاة الفجر ثلاث ركعات أو يرى صلاة الظهر والعصر غير أربع ركعات ؟ ! وليس الاختلاف وليد اليوم ، بل بدأ الاختلاف بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)في أبسط المسائل الفقهية ، كعدد التكبيرات على الميّت ، إلى أعمقها ، فالاختلاف الموروث إنّما هو اختلاف في فهم النصوص لا في رفض النصوص وردّها . | ولكن اختلافهم في المناهج الفقهية لا يمسّ بصميم الفقه الإسلامي ، فهل هناك مَن يرى صلاة الفجر ثلاث ركعات أو يرى صلاة الظهر والعصر غير أربع ركعات ؟ ! وليس الاختلاف وليد اليوم ، بل بدأ الاختلاف بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)في أبسط المسائل الفقهية ، كعدد التكبيرات على الميّت ، إلى أعمقها ، فالاختلاف الموروث إنّما هو اختلاف في فهم النصوص لا في رفض النصوص وردّها . | ||
ولا شكّ أنّ الشيعة ترى جواز الجمع بين الصلاتين مع القول بأنّ التفريق هو الأفضل ، والسنّة تخصّ جواز الجمع بالسفر ومواقف خاصّة ، ولكلّ دليله ، وقس على ذلك سائر الاختلافات الفقهية ، حتّى الاختلاف في متعة النكاح ، فذهب جمهور السنّة إلى النسخ والشيعة إلى بقاء الجواز ، فالاختلاف فيها كالاختلاف في سائر المسائل الناشئة من الاختلاف في النسخ وعدمه . | ولا شكّ أنّ الشيعة ترى جواز [[الجمع بين الصلاتين]] مع القول بأنّ التفريق هو الأفضل ، والسنّة تخصّ جواز الجمع بالسفر ومواقف خاصّة ، ولكلّ دليله ، وقس على ذلك سائر الاختلافات الفقهية ، حتّى الاختلاف في متعة النكاح ، فذهب [[جمهور السنّة]] إلى النسخ والشيعة إلى بقاء الجواز ، فالاختلاف فيها كالاختلاف في سائر المسائل الناشئة من الاختلاف في النسخ وعدمه . | ||
سابعاً : وجود الاختلافات القومية . | سابعاً : وجود [[الاختلافات القومية]] . | ||
يتشكّل المسلمون من قوميات متعدّدة من عرب وعجم وترك وبربر إلى غير ذلك من الشعوب والقبائل ، ولكن هذا الاختلاف اختلاف تكويني لا يصلح لأن يكون مانعاً عن وحدة الكلمة ، وقد عالج سبحانه هذا النوع من الاخلاف قائلاً : ( '''يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ''' )( سورة الحجرات : 13 ) . | يتشكّل المسلمون من قوميات متعدّدة من عرب وعجم وترك وبربر إلى غير ذلك من الشعوب والقبائل ، ولكن هذا الاختلاف اختلاف تكويني لا يصلح لأن يكون مانعاً عن وحدة الكلمة ، وقد عالج سبحانه هذا النوع من الاخلاف قائلاً : ( '''يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ''' )( سورة الحجرات : 13 ) . | ||
سطر ٣٠٣: | سطر ٣٠٣: | ||
فالمسلم الشرقي إذا تعارف مع المسلم الغربي مع ما بينهما من الهوّة السحيقة يتآخيان ; لما بينهما من وحدة المبدأ والمعاد والقيادة والهدف ; وأمّا الأُخوان من أُمّ وأب واحد إذا كان أحدهما إلهياً والآخر مادّياً فإنّهما يتناكران . | فالمسلم الشرقي إذا تعارف مع المسلم الغربي مع ما بينهما من الهوّة السحيقة يتآخيان ; لما بينهما من وحدة المبدأ والمعاد والقيادة والهدف ; وأمّا الأُخوان من أُمّ وأب واحد إذا كان أحدهما إلهياً والآخر مادّياً فإنّهما يتناكران . | ||
ثامناً : الجهل بمعتقدات الطوائف . | ثامناً : الجهل بمعتقدات [[الطوائف]] . | ||
الحقيقة أنّ جهل كلّ طائفة بمعتقدات الطائفة الأُخرى يعدّ من أهمّ الموانع التي تشكّل حاجزاً منيعاً عن الوحدة ، وهذا ليس بالأمر المستسهل ، وإليك هذا المثال : إنّ الشيعة اقتداءً بالنبي وأئمّة أهل البيت لا يسجدون في الصلاة إلاّ على الأرض أو ما ينبت منها ، بشرط أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً ، فبما أنّ السجود على الأرض في المنازل وحتّى المساجد المفروشة غير ميسّرة ، لذا يتّخذون أقراصاً من التربة يسجدون عليها ، فعند ذلك نرى أنّ بعض إخواننا من السنّة يرمون الشيعة بالسجود للحجر والتراب كسجود عبّاد الوثن له ! مع أنّهم لا يفرّقون بين المسجود عليه والمسجود له ، فالتراب هو المسجود عليه ، وأمّا السجود له فهو الله سبحانه . | الحقيقة أنّ جهل كلّ طائفة بمعتقدات الطائفة الأُخرى يعدّ من أهمّ الموانع التي تشكّل حاجزاً منيعاً عن الوحدة ، وهذا ليس بالأمر المستسهل ، وإليك هذا المثال : إنّ الشيعة اقتداءً بالنبي وأئمّة [[أهل البيت]] لا يسجدون في الصلاة إلاّ على الأرض أو ما ينبت منها ، بشرط أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً ، فبما أنّ السجود على الأرض في المنازل وحتّى المساجد المفروشة غير ميسّرة ، لذا يتّخذون أقراصاً من التربة يسجدون عليها ، فعند ذلك نرى أنّ بعض إخواننا من السنّة يرمون الشيعة بالسجود للحجر والتراب كسجود عبّاد الوثن له ! مع أنّهم لا يفرّقون بين المسجود عليه والمسجود له ، فالتراب هو المسجود عليه ، وأمّا السجود له فهو الله سبحانه . | ||
وعلى ذلك فلو وقف فقهاء المذاهب على ما لدى الطوائف الأُخرى من الفقه والأُصول والاستدلال والاجتهاد لما عاب أحدهم الآخر ، وإنّما الخلاف في كيفية الاستدلال وحقيقة البرهان لا في الأخذ بالبرهان . | وعلى ذلك فلو وقف فقهاء المذاهب على ما لدى الطوائف الأُخرى من الفقه والأُصول والاستدلال والاجتهاد لما عاب أحدهم الآخر ، وإنّما الخلاف في كيفية الاستدلال وحقيقة البرهان لا في الأخذ بالبرهان . | ||
سطر ٣١١: | سطر ٣١١: | ||
تاسعاً : الجهل بمصطلحات الطرف الآخر . | تاسعاً : الجهل بمصطلحات الطرف الآخر . | ||
إنّ لكلّ طائفة مصطلحات خاصّة في العقيدة والشريعة ، يجب أن تؤخذ مفاهيمها من كتب تلك الطائفة ، وليس من الصحيح تفسيره اعتباطاً . ومثال ذلك اصطلاح التقية ، فالتقية من المفاهيم الإسلامية ، وهي سلاح الضعيف أمام القوي ، فإذا خاف المسلم على ماله وعرضه ودمه من أيّ إنسان سواء أكان كافراً أو مسلماً وأراد شخص قوي سلب حرّياته ، فلا محيص له إلاّ كتمان عقيدته ، وقد أمر به سبحانه وقال : ( '''إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ''' )( سورة النحل : 106 ) ، وقد نزلت في حقّ عمّار بن ياسر ، حيث أظهر الكفر وأخفى الإيمان ، وجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله)باكياً ، فقال (صلى الله عليه وآله) : « لا شيء عليك » ، فنزلت الآية ، ولكن اصطلاح التقية يفسّر عند بعض المخالفين بالنفاق ، مع أنّ بين التقية والنفاق بوناً شاسعاً ، فالتقية إظهار الكفر وإبطان الإيمان ، والنفاق على العكس ، وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر . | إنّ لكلّ طائفة مصطلحات خاصّة في العقيدة والشريعة ، يجب أن تؤخذ مفاهيمها من كتب تلك الطائفة ، وليس من الصحيح تفسيره اعتباطاً . ومثال ذلك اصطلاح [[التقية]] ، فالتقية من المفاهيم الإسلامية ، وهي سلاح الضعيف أمام القوي ، فإذا خاف المسلم على ماله وعرضه ودمه من أيّ إنسان سواء أكان كافراً أو مسلماً وأراد شخص قوي سلب حرّياته ، فلا محيص له إلاّ كتمان عقيدته ، وقد أمر به سبحانه وقال : ( '''إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ''' )( سورة النحل : 106 ) ، وقد نزلت في حقّ [[عمّار بن ياسر]] ، حيث أظهر [[الكفر]] وأخفى [[الإيمان]] ، وجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله)باكياً ، فقال (صلى الله عليه وآله) : « لا شيء عليك » ، فنزلت الآية ، ولكن اصطلاح التقية يفسّر عند بعض المخالفين بالنفاق ، مع أنّ بين التقية والنفاق بوناً شاسعاً ، فالتقية إظهار الكفر وإبطان الإيمان ، والنفاق على العكس ، وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر . | ||
==الحلول العلمية للوحدة== | ==الحلول العلمية للوحدة== | ||
سطر ٣١٩: | سطر ٣١٩: | ||
1 ـ الأخذ بالقواسم المشتركة بين المذاهب الإسلامية فقط ، والإعراض بالكامل عن القضايا الخلافية . | 1 ـ الأخذ بالقواسم المشتركة بين المذاهب الإسلامية فقط ، والإعراض بالكامل عن القضايا الخلافية . | ||
2 ـ اتّباع المنهج السلفي « الأصيل » للعودة إلى | 2 ـ اتّباع المنهج السلفي « الأصيل » للعودة إلى ما كان عليه [[الصحابة]] و[[التابعون]] ، والإعراض عن المذاهب المستحدثة بعدهم . | ||
3ـ ترجيح أحد المذاهب الموجودة واختياره ، والإعراض عن المذاهب الباقية . | 3ـ ترجيح أحد المذاهب الموجودة واختياره ، والإعراض عن المذاهب الباقية . | ||
سطر ٣٢٧: | سطر ٣٢٧: | ||
5 ـ القبول بالمذاهب جميعاً وتخيير المسلمين في الأخذ بأيّ منها . | 5 ـ القبول بالمذاهب جميعاً وتخيير المسلمين في الأخذ بأيّ منها . | ||
6 ـ نظرية ابن أبي الحديد المعتزلي الداعية إلى الالتفاف حول الإمام علي (عليه السلام)والاقتداء بمواقفه في إقرار خلافة من تقدّمه . | 6 ـ نظرية [[ابن أبي الحديد المعتزلي]] الداعية إلى الالتفاف حول [[الإمام علي]] (عليه السلام)والاقتداء بمواقفه في إقرار خلافة من تقدّمه . | ||
7 ـ نظرية السيّد أمير علي الهندي القائل بأنّ واقعة غدير خمّ تعني ترشيح الإمام علي (عليه السلام) للخلافة ، وليس تنصيبه خليفة . | 7 ـ نظرية السيّد [[أمير علي الهندي]] القائل بأنّ واقعة غدير خمّ تعني ترشيح الإمام علي (عليه السلام) للخلافة ، وليس تنصيبه خليفة . | ||
8 ـ نظرية الصوفية القائلة بحصر الولاية المعنوية ـ وليس الخلافة السياسية أو المرجعية العملية ـ في علي وأولاده (عليهم السلام) . | 8 ـ نظرية [[الصوفية]] القائلة بحصر الولاية المعنوية ـ وليس الخلافة السياسية أو المرجعية العملية ـ في علي وأولاده (عليهم السلام) . | ||
9 ـ نظرية | 9 ـ نظرية الشيخ [[محمّد صالح المازندراني]] القائلة بالتفريق بين [[الإمامة]] و[[الخلافة]] ، والقبول بالمرجعية العلمية للإمام علي (عليه السلام) وخلافة الخلفاء . | ||
10 ـ نظرية السيّد البروجردي القائلة بالتأكيد على المرجعية العلمية لأهل البيت (عليهم السلام) ، والسكوت عن قضية حقّ علي وأولاده (عليهم السلام) بالخلافة باعتبارها قضية تأريخية ترتبط بالماضي ، ولا ضرورة لها الآن ، وقد استند في ذلك إلى مقتضيات المصلحة العامّة ورعاية الأهمّ فالأهمّ والأخذ بنظر الاعتبار الأولويات الراهنة والاحتياجات الضرورية للمسلمين في العصر الحاضر . | 10 ـ نظرية السيّد [[حسين البروجردي]] القائلة بالتأكيد على المرجعية العلمية لأهل البيت (عليهم السلام) ، والسكوت عن قضية حقّ علي وأولاده (عليهم السلام) بالخلافة باعتبارها قضية تأريخية ترتبط بالماضي ، ولا ضرورة لها الآن ، وقد استند في ذلك إلى مقتضيات المصلحة العامّة ورعاية الأهمّ فالأهمّ والأخذ بنظر الاعتبار الأولويات الراهنة والاحتياجات الضرورية للمسلمين في العصر الحاضر . | ||
11 ـ القيام ببعض المشاريع التي من شأنها التقريب بين المذاهب الإسلامية ، كتجربة دار التقريب في القاهرة سابقاً ، وتجربة المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية حالياً . | 11 ـ القيام ببعض المشاريع التي من شأنها التقريب بين المذاهب الإسلامية ، كتجربة [[دار التقريب]] في [[القاهرة]] سابقاً ، وتجربة [[المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية]] حالياً . | ||
هذا ، ولا يخفى أنّ بعض المشاريع فيها محلّ للتأمّل بلا شكّ . | هذا ، ولا يخفى أنّ بعض المشاريع فيها محلّ للتأمّل بلا شكّ . | ||
سطر ٣٤٥: | سطر ٣٤٥: | ||
وأمّا الحلول السياسية لوحدة الأُمّة الإسلامية فـ : | وأمّا الحلول السياسية لوحدة الأُمّة الإسلامية فـ : | ||
( منها ): مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون ، وهو حلّ سياسي لغرض تحقيق الوحدة الإسلامية . لكن إذا كان المقصود من هذا المشروع إقامة حكم فدرالي واحد مثل اتّحاد الجمهوريات السوفيتية السابق أو الولايات المتّحدة الأمريكية ، فهو يكون شبيهاً للغاية بمشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة ; لأنّه يستلزم إقامة حكومة مركزية موحّدة تخضع لها جمهوريات حكم ذاتي محلّية ، ويبدو أنّه لا يختلف في هذه الحالة عن مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة سوى بالاسم وبعض الصلاحيات المحلّية . | ( منها ): [[مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون]] ، وهو حلّ سياسي لغرض تحقيق الوحدة الإسلامية . لكن إذا كان المقصود من هذا المشروع إقامة حكم فدرالي واحد مثل اتّحاد الجمهوريات السوفيتية السابق أو الولايات المتّحدة الأمريكية ، فهو يكون شبيهاً للغاية بمشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة ; لأنّه يستلزم إقامة حكومة مركزية موحّدة تخضع لها جمهوريات حكم ذاتي محلّية ، ويبدو أنّه لا يختلف في هذه الحالة عن مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة سوى بالاسم وبعض الصلاحيات المحلّية . | ||
أمّا إذا كان المقصود أن يقيم كلّ بلد إسلامي جمهورية مستقلّة مع حفظ خصوصيته القومية ولُغته وعَلَمه الوطني وعملته النقدية الوطنية ، ولكن تكون بين هذه الجمهوريات الإسلامية المستقلّة علاقات تضامن وتعاون فيما بينها في مجال السياسة الخارجية والاقتصادية والصناعية والعسكرية ، فهو في هذه الحالة مشروع آخر تنبغي دراسته وتدوين ضوابط هذا التعاون ، وهو مشروع عملي يمكن تحقيقه بلا شكّ ، فهو ليس خيالياً وأُمنية محضة مثلما هو حال المشروع سالف الذكر . | أمّا إذا كان المقصود أن يقيم كلّ بلد إسلامي جمهورية مستقلّة مع حفظ خصوصيته القومية ولُغته وعَلَمه الوطني وعملته النقدية الوطنية ، ولكن تكون بين هذه الجمهوريات الإسلامية المستقلّة علاقات تضامن وتعاون فيما بينها في مجال السياسة الخارجية والاقتصادية والصناعية والعسكرية ، فهو في هذه الحالة مشروع آخر تنبغي دراسته وتدوين ضوابط هذا التعاون ، وهو مشروع عملي يمكن تحقيقه بلا شكّ ، فهو ليس خيالياً وأُمنية محضة مثلما هو حال المشروع سالف الذكر . | ||
سطر ٣٥١: | سطر ٣٥١: | ||
ولكن ينبغي وضع خطط عملية لتنظيم التعاون المطلوب في مجالات السياسة الخارجية والاقتصادية والحفاظ على الثقافة المشتركة والحضارة الإسلامية والقوميات واللغات والمذاهب الإسلامية . | ولكن ينبغي وضع خطط عملية لتنظيم التعاون المطلوب في مجالات السياسة الخارجية والاقتصادية والحفاظ على الثقافة المشتركة والحضارة الإسلامية والقوميات واللغات والمذاهب الإسلامية . | ||
ويبدو أنّ هذا هو الهدف الأساس لمؤسّسي منظّمة المؤتمر الإسلامي ، ولكنّه لم يتحقّق عملياً سوى في حالات خاصّة ونادرة . | ويبدو أنّ هذا هو الهدف الأساس لمؤسّسي [[منظّمة المؤتمر الإسلامي]] ، ولكنّه لم يتحقّق عملياً سوى في حالات خاصّة ونادرة . | ||
وعلى أيّ حال فهذا المشروع جدير بالدراسة ، ومن اللازم تشكيل لجان من مندوبي البلدان الإسلامية يتمتّعون بخبرات جيدّة في الشؤون السياسية والاقتصادية والدينية ; لكي تتولّى مهمّة وضع البيان التأسيسي الكامل والنهائي . | وعلى أيّ حال فهذا المشروع جدير بالدراسة ، ومن اللازم تشكيل لجان من مندوبي البلدان الإسلامية يتمتّعون بخبرات جيدّة في الشؤون السياسية والاقتصادية والدينية ; لكي تتولّى مهمّة وضع البيان التأسيسي الكامل والنهائي . | ||
سطر ٣٥٩: | سطر ٣٥٩: | ||
إنّ الكثير من حكّام هذه البلدان وقسماً من شعوبها يعارضون لدوافع مختلفة قومية ومذهبية هذا المشروع ، ويقولون : إنّ آباءنا سعوا لتأسيس دولة مستقلّة لنا ذات نظام خاصّ ومذهب معيّن وقومية خاصّة ، وعلينا أن نقتفي آثارهم ونتّبع طريقهم . | إنّ الكثير من حكّام هذه البلدان وقسماً من شعوبها يعارضون لدوافع مختلفة قومية ومذهبية هذا المشروع ، ويقولون : إنّ آباءنا سعوا لتأسيس دولة مستقلّة لنا ذات نظام خاصّ ومذهب معيّن وقومية خاصّة ، وعلينا أن نقتفي آثارهم ونتّبع طريقهم . | ||
إذا أرادت حركات الصحوة الإسلامية في البلدان الإسلامية الحصول على ثمار مفيدة للإسلام والمسلمين ، فعليها أن تقيم فيما بينها حالةً من التعاون والتنسيق والالتفاف حول الأُصول المشتركة التي تتّفق عليها جميعاً ، وفي غير هذه الحالة ستقع في تناحر داخلي فيما بينها ، حتّى إذا انتصرت ; وذلك بسبب التناقضات الموجودة داخلها ، هذا فيما لو غضضنا النظر عن مؤامرات الاستكبار والصهاينة الذين يسعون لاستغلال هذه الاختلافات المذهبية والاجتهادية بأشبع صورة ممكنة . | إذا أرادت حركات [[الصحوة الإسلامية]] في البلدان الإسلامية الحصول على ثمار مفيدة للإسلام والمسلمين ، فعليها أن تقيم فيما بينها حالةً من التعاون والتنسيق والالتفاف حول الأُصول المشتركة التي تتّفق عليها جميعاً ، وفي غير هذه الحالة ستقع في تناحر داخلي فيما بينها ، حتّى إذا انتصرت ; وذلك بسبب التناقضات الموجودة داخلها ، هذا فيما لو غضضنا النظر عن مؤامرات الاستكبار والصهاينة الذين يسعون لاستغلال هذه الاختلافات المذهبية والاجتهادية بأشبع صورة ممكنة . | ||
و( منها ) : مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، ومعلوم أنّ هذا المشروع يجري تنفيذه عملياً بين بعض البلدان الإسلامية مثل : إيران | و( منها ) : [[مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون الإسلامي]] ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، ومعلوم أنّ هذا المشروع يجري تنفيذه عملياً بين بعض البلدان الإسلامية مثل : إيران و[[تركيا]] و[[الباكستان]] وبلدان أُخرى انضمّت إليها فيما بعد ضمن إطار [[منظّمة « أُكو »]] . | ||
ومن سبل تطبيقه المعاهدات المختلفة في المجالات الدفاعية والاقتصادية والثقافية المشتركة بين مجموعة من البلدان ، وهذه سنّة معروفة منذ أقدم العصور . | ومن سبل تطبيقه المعاهدات المختلفة في المجالات الدفاعية والاقتصادية والثقافية المشتركة بين مجموعة من البلدان ، وهذه سنّة معروفة منذ أقدم العصور . | ||
سطر ٣٧٧: | سطر ٣٧٧: | ||
رابعاً : أنّ ما يُقال من أنّ على المسلمين أن يعقدوا بصورة مستقلّة المعاهدات المطلوبة بعيداً عن تدخّل الأجانب ، لا يمنع البلدان الإسلامية من الدخول في المعاهدات الدولية مثل منظّمة الأُمم المتّحدة ومجلس الأمن والمعاهدات الثقافية والصحّية وأمثالها ، ولكن شريطة أن لا تصدّها هذه المعاهدات عن التعاون فيما بينها في سبيل تحقيق المصالح الإسلامية العامّة . | رابعاً : أنّ ما يُقال من أنّ على المسلمين أن يعقدوا بصورة مستقلّة المعاهدات المطلوبة بعيداً عن تدخّل الأجانب ، لا يمنع البلدان الإسلامية من الدخول في المعاهدات الدولية مثل منظّمة الأُمم المتّحدة ومجلس الأمن والمعاهدات الثقافية والصحّية وأمثالها ، ولكن شريطة أن لا تصدّها هذه المعاهدات عن التعاون فيما بينها في سبيل تحقيق المصالح الإسلامية العامّة . | ||
و( منها ) : مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية بين أبناء الأُمّة ، غير أنّ محلّه عالم الخيال ! ويمكن ذكره كأُمنية لا يمكن تجسيدها في الواقع العملي أبداً ، بل يكفي مجرّد عرضه على الأُمّة الإسلامية كمشروع مقترح ، وهو يدعو جميع الشعوب والبلدان الإسلامية إلى الاندماج في دولة إسلامية كبرى يجب أن تقيم مؤسّسات واسعة موحّدة ، وتدمج جميع الأجهزة السياسية والقضائية والمالية والعسكرية للبلدان الإسلامية ، وتوحيد اللغة الرسمية في لغة واحدة أو اثنتين ، وتشكيل علم واحد وعملة مشتركة . | و( منها ) : [[مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة]] ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية بين أبناء الأُمّة ، غير أنّ محلّه عالم الخيال ! ويمكن ذكره كأُمنية لا يمكن تجسيدها في الواقع العملي أبداً ، بل يكفي مجرّد عرضه على الأُمّة الإسلامية كمشروع مقترح ، وهو يدعو جميع الشعوب والبلدان الإسلامية إلى الاندماج في دولة إسلامية كبرى يجب أن تقيم مؤسّسات واسعة موحّدة ، وتدمج جميع الأجهزة السياسية والقضائية والمالية والعسكرية للبلدان الإسلامية ، وتوحيد اللغة الرسمية في لغة واحدة أو اثنتين ، وتشكيل علم واحد وعملة مشتركة . | ||
ويدعو لهذا المشروع عادة الذين ينظرون إلى ملحمة انتصار الإسلام في أيّامه الأُولى ، ويؤكّدون أنّها لا تختصّ بزمن خاصّ ، بل تمثّل قدوة دينية مقدّسة ومثالاً للحكومة الإسلامية ، دون أن ينتبهوا إلى المشاكل العملية التي تواجهها هذه الدعوة على الصعيد العملي . | ويدعو لهذا المشروع عادة الذين ينظرون إلى ملحمة انتصار الإسلام في أيّامه الأُولى ، ويؤكّدون أنّها لا تختصّ بزمن خاصّ ، بل تمثّل قدوة دينية مقدّسة ومثالاً للحكومة الإسلامية ، دون أن ينتبهوا إلى المشاكل العملية التي تواجهها هذه الدعوة على الصعيد العملي . | ||
صحيح أنّ العالم الإسلامي حظي بحكومة موحّدة ومركزية قويّة في عهد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وما بعده ، وأنّ حركات الخروج عليه لم تنجح في إقامة حكومات انفصالية ، وأنّ الحال استمرّ على هذا المنوال في بدايات العصر العبّاسي رغم وقوع العديد من ثورات العلويّين | صحيح أنّ [[العالم الإسلامي]] حظي بحكومة موحّدة ومركزية قويّة في عهد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وما بعده ، وأنّ حركات الخروج عليه لم تنجح في إقامة حكومات انفصالية ، وأنّ الحال استمرّ على هذا المنوال في بدايات العصر العبّاسي رغم وقوع العديد من ثورات العلويّين و[[الخوارج]] وحركات التمرّد المحلّية ، ولكن هذا الوضع تغيّر بعد ذلك ، ففي النصف الثاني من القرن الهجري الثاني أُقيمت حكومتان مستقلّتان في المغرب الإسلامي من قبل فريقين متخاصمين : الأُولى أسّسها في [[مراكش]] العلويّون [[الأدارسة]] على يد إدريس بن عبدالله ابن الحسن المثنّى بن الحسن ابن علي المتوفّى سنة 177 هـ ، والثانية في [[ليبيا]] و[[تونس]] ، وقد أسّسها عبدالرحمان بن رستم المتوفّى سنة 171 هـ ، وهو على مذهب الخوارج ، وقد استمرّ الحكم بيد آله مدّة طويلة في مقابل حكومة الأدارسة العلوية . | ||
كما أُقيمت حكومات انفصالية في شرق العالم الإسلامي تحدّثت عنها كتب التاريخ ، مثل دولة الصفّاريّين وغيرها . | كما أُقيمت حكومات انفصالية في شرق العالم الإسلامي تحدّثت عنها كتب التاريخ ، مثل دولة الصفّاريّين وغيرها . | ||
وقبل ذلك أسّس عبدالرحمان الداخل المتوفّى سنة 172 هـ الدولة الأُموية في الأندلس في عهد الخليفة العبّاسي المنصور الدوانيقي ، وأخرج الأندلس من سلطة العبّاسيّين إلى الأبد . | وقبل ذلك أسّس عبدالرحمان الداخل المتوفّى سنة 172 هـ [[الدولة الأُموية]] في [[الأندلس]] في عهد الخليفة العبّاسي [[المنصور الدوانيقي]] ، وأخرج الأندلس من سلطة العبّاسيّين إلى الأبد . | ||
وفي أواسط العصر العبّاسي وأواخره أُقيمت عدّة حكومات مستقلّة في الشرق الإسلامي نفسه ، وإن كانت في الظاهر تقرّ بالولاء للخليفة العبّاسي ، وتعاقبت على حكم بلدانه ، حتّى جاء المغول الذين أسقطوا الخلافة العبّاسية ، وتقاسمت العالم الإسلامي حكومات مستقلّة أقامها العديد من الأُسر المختلفة ، واستمرّ الوضع على هذا المنوال إلى اليوم رغم أنّ القرن الهجري العاشر شهد وجود ثلاث دول قويّة حكمت البلدان الإسلامية المهمّة ، وهذه الدول هي : | وفي أواسط العصر العبّاسي وأواخره أُقيمت عدّة حكومات مستقلّة في الشرق الإسلامي نفسه ، وإن كانت في الظاهر تقرّ بالولاء للخليفة العبّاسي ، وتعاقبت على حكم بلدانه ، حتّى جاء [[المغول]] الذين أسقطوا الخلافة العبّاسية ، وتقاسمت العالم الإسلامي حكومات مستقلّة أقامها العديد من الأُسر المختلفة ، واستمرّ الوضع على هذا المنوال إلى اليوم رغم أنّ القرن الهجري العاشر شهد وجود ثلاث دول قويّة حكمت البلدان الإسلامية المهمّة ، وهذه الدول هي : | ||
1 ـ الخلافة العثمانية التي سيطرت على مناطق كثيرة من العالم الإسلامي من سنة 1516 م حتّى عام 1924 م ، شملت أواسط أفريقية من الغرب إلى العراق من الشرق إضافة إلى جميع البلدان العربية ، وكانت تتبنّى المذهب الحنفي من بين المذاهب السنّية . | 1 ـ الخلافة العثمانية التي سيطرت على مناطق كثيرة من العالم الإسلامي من سنة 1516 م حتّى عام 1924 م ، شملت أواسط أفريقية من الغرب إلى العراق من الشرق إضافة إلى جميع البلدان العربية ، وكانت تتبنّى [[المذهب الحنفي]] من بين المذاهب السنّية . | ||
2 ـ الدولة الصفوية التي حكمت إيران ومناطق تمتدّ من حدود الدولة العثمانية إلى قسم مهمّ من البلدان الواقعة شمال إيران وشرقها ، وكانت تتبنّى المذهب الشيعي الاثني عشري ، واستمرّ عهدها من سنة 1602 م إلى سنة 1736 م . | 2 ـ [[الدولة الصفوية]] التي حكمت إيران ومناطق تمتدّ من حدود الدولة العثمانية إلى قسم مهمّ من البلدان الواقعة شمال إيران وشرقها ، وكانت تتبنّى المذهب الشيعي الاثني عشري ، واستمرّ عهدها من سنة 1602 م إلى سنة 1736 م . | ||
3 ـ الأُمبراطورية التيمورية العظيمة في شبه القارّة الهندية . | 3 ـ الأُمبراطورية التيمورية العظيمة في [[شبه القارّة الهندية]] . | ||
وقد شهدت كلّ من هذه الدول الثلاث تغييرات عديدة ، وتقاسمت الأراضي التي كانت تحكمها حكومات محلّية صغيرة ، ثمّ خضعت للاستعباد الشرقي أو الغربي ، كما هو مذكور في كتب التاريخ . | وقد شهدت كلّ من هذه الدول الثلاث تغييرات عديدة ، وتقاسمت الأراضي التي كانت تحكمها حكومات محلّية صغيرة ، ثمّ خضعت للاستعباد الشرقي أو الغربي ، كما هو مذكور في كتب التاريخ . | ||
سطر ٣٩٩: | سطر ٣٩٩: | ||
والعديد من المسلمين ـ وخاصّة من أهل السنّة ـ أخذوا يفكّرون بضرورة عودة الدولة الإسلامية القويّة والموحّدة ، وقد ظهر هذا التيّار في أواخر العهد العثماني وقبيل الحرب العالمية الأُولى داعياً إلى تجديد حياة الخلافة الإسلامية الموحّدة ، وأُسّست نهضة الخلافة في شبه القارّة الهندية ومصر كما هو معروف ، ومازال بعض المسلمين الثوريّين في مصر وغيرها يحلمون بتحقيق هذه الأُمنية . | والعديد من المسلمين ـ وخاصّة من أهل السنّة ـ أخذوا يفكّرون بضرورة عودة الدولة الإسلامية القويّة والموحّدة ، وقد ظهر هذا التيّار في أواخر العهد العثماني وقبيل الحرب العالمية الأُولى داعياً إلى تجديد حياة الخلافة الإسلامية الموحّدة ، وأُسّست نهضة الخلافة في شبه القارّة الهندية ومصر كما هو معروف ، ومازال بعض المسلمين الثوريّين في مصر وغيرها يحلمون بتحقيق هذه الأُمنية . | ||
ويذكر هنا أنّ السيّد جمال الدين الأسد آبادي الشهير بالأفغاني كان يحمل هذه الفكرة أيضاً ، وإن كان من غير المعروف على نحو الدقّة الهدف الحقيقي للسيّد من دعوته الوحدوية لزعماء البلدان الإسلامية ، وخاصّة الخليفة العثماني السلطان عبدالحميد والملك القاجاري الإيراني ناصر الدين شاه . والمقدار الثابت أنّ السيّد اهتمّ بدعوة المسلمين إلى اليقظة والوحدة السياسية طوال عمره ، وخاصّة في أواخر حياته عندما كان يدعو إلى الاتّحاد الإسلامي وهو يعيش في إسطنبول ، لكنّه لم يحقّق هدفه رغم كلّ المساعي التي بذلها ، ومن المهمّ هنا معرفة ما إذا كان قد أعدّ لتحقيق هذا الهدف أم لا . | ويذكر هنا أنّ السيّد [[جمال الدين الأسد آبادي]] الشهير بالأفغاني كان يحمل هذه الفكرة أيضاً ، وإن كان من غير المعروف على نحو الدقّة الهدف الحقيقي للسيّد من دعوته الوحدوية لزعماء البلدان الإسلامية ، وخاصّة الخليفة العثماني السلطان عبدالحميد والملك القاجاري الإيراني ناصر الدين شاه . والمقدار الثابت أنّ السيّد اهتمّ بدعوة المسلمين إلى اليقظة والوحدة السياسية طوال عمره ، وخاصّة في أواخر حياته عندما كان يدعو إلى الاتّحاد الإسلامي وهو يعيش في إسطنبول ، لكنّه لم يحقّق هدفه رغم كلّ المساعي التي بذلها ، ومن المهمّ هنا معرفة ما إذا كان قد أعدّ لتحقيق هذا الهدف أم لا . | ||
ولكن هذا المشروع مثالي محض ، وليس عملياً ; لأسباب عديدة ، أهمّها : | ولكن هذا المشروع مثالي محض ، وليس عملياً ; لأسباب عديدة ، أهمّها : | ||
سطر ٤٠٩: | سطر ٤٠٩: | ||
ثالثاً : حتّى لو نسّقت الشعوب الإسلامية تحرّكها واستعدّت لإقامة دولة إسلامية موحّدة وخضعت حكوماتها غير الإسلامية لمطاليبها ـ وهذه أُمنية فرضية بعيدة الحصول ـ فهل يمكن تصوّر أنّ الاستكبار الغربي سيسمح بذلك ، وهو الذي فرض سلطته سنين طويلة بل قروناً متمادية على العديد من بقاع العالم الإسلامي مستغلاًّ تفرّقها ؟ ! | ثالثاً : حتّى لو نسّقت الشعوب الإسلامية تحرّكها واستعدّت لإقامة دولة إسلامية موحّدة وخضعت حكوماتها غير الإسلامية لمطاليبها ـ وهذه أُمنية فرضية بعيدة الحصول ـ فهل يمكن تصوّر أنّ الاستكبار الغربي سيسمح بذلك ، وهو الذي فرض سلطته سنين طويلة بل قروناً متمادية على العديد من بقاع العالم الإسلامي مستغلاًّ تفرّقها ؟ ! | ||
و( منها ) : مشروع المجلس القيادي الموحّد ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، وقد ورد الحديث به أوّل مرّة في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ، وتناول مصداقين له : | و( منها ) : [[مشروع المجلس القيادي الموحّد]] ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، وقد ورد الحديث به أوّل مرّة في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ، وتناول مصداقين له : | ||
الأوّل : هو الذي ينتخبه مجلس خبراء القيادة الإسلامية عندما لا يبرز أحد الفقهاء بخصوصية قيادية مميّزة ، فينتخب الخبراء عدداً من الذين يتحلّون بشروط القيادة ; لكي يتولّوا قيادة الأُمّة بصورة جماعية وعلى أساس مبدأ الشورى ، ولكن الدستور لم يحدّد ضوابط طريقة عمل هذا المجلس ، وقد تمّ حذفه عند إعادة النظر في الدستور وإجراء الإصلاحات الدستورية ، وذلك في ضوء التجارب غير الناجحة لعمل المجالس المماثلة مثل المجلس القضائي وغيره ، ولعلّ الحذف جاء لأسباب أُخرى ، ولكن عنوان مجلس القيادة بقي في الفصل الثامن من الدستور ، والمقصود منه هو النوع الثاني . | الأوّل : هو الذي ينتخبه مجلس خبراء القيادة الإسلامية عندما لا يبرز أحد الفقهاء بخصوصية قيادية مميّزة ، فينتخب الخبراء عدداً من الذين يتحلّون بشروط القيادة ; لكي يتولّوا قيادة الأُمّة بصورة جماعية وعلى أساس مبدأ الشورى ، ولكن الدستور لم يحدّد ضوابط طريقة عمل هذا المجلس ، وقد تمّ حذفه عند إعادة النظر في الدستور وإجراء الإصلاحات الدستورية ، وذلك في ضوء التجارب غير الناجحة لعمل المجالس المماثلة مثل المجلس القضائي وغيره ، ولعلّ الحذف جاء لأسباب أُخرى ، ولكن عنوان مجلس القيادة بقي في الفصل الثامن من الدستور ، والمقصود منه هو النوع الثاني . | ||
سطر ٤٢٥: | سطر ٤٢٥: | ||
وثمّة صورة أُخرى يمكن فرضها كمصداق للمجلس القيادي ، وهي : أن تنتخب البلدان الإسلامية أعضاء مجلس قيادي استشاري يستعين قائد الثورة الإسلامية الإيرانية بآراء أعضائه فيما يرتبط بالقضايا الإسلامية العامّة ، أي : أنّ دور المجلس هو استشاري ، أمّا حقّ اتّخاذ القرار فهو بيد قائد الثورة . | وثمّة صورة أُخرى يمكن فرضها كمصداق للمجلس القيادي ، وهي : أن تنتخب البلدان الإسلامية أعضاء مجلس قيادي استشاري يستعين قائد الثورة الإسلامية الإيرانية بآراء أعضائه فيما يرتبط بالقضايا الإسلامية العامّة ، أي : أنّ دور المجلس هو استشاري ، أمّا حقّ اتّخاذ القرار فهو بيد قائد الثورة . | ||
و( منها ): مشروع وحدة القائد ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية . ولهذا المشروع أنصار أقوياء في الجمهورية الإسلامية ، ويُستفاد من طيّات كلام الإمام الخميني والإمام الخامنئي وعدد من قادة الثورة تأكيدهم على هذا النمط من الوحدة الإسلامية . | و( منها ): [[مشروع وحدة القائد]] ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية . ولهذا المشروع أنصار أقوياء في الجمهورية الإسلامية ، ويُستفاد من طيّات كلام الإمام الخميني والإمام الخامنئي وعدد من قادة الثورة تأكيدهم على هذا النمط من الوحدة الإسلامية . | ||
الداعون لوحدة القيادة ـ وذلك من بين دعاة الوحدة الإسلامية الذين لديهم اتّصالات بطريقة أو بأُخرى بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ـ ليسوا قلّة ، وبعضهم من أعضاء المجلس الأعلى للمجمع ، ويؤكّد العديد من المفكّرين الإسلاميّين ـ وذلك من أمثال الدكتور كليم صدّيقي (رحمه الله)رئيس مؤسّسة البحوث الإسلامية في لندن والأُستاذ إبراهيم | الداعون لوحدة القيادة ـ وذلك من بين دعاة الوحدة الإسلامية الذين لديهم اتّصالات بطريقة أو بأُخرى بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ـ ليسوا قلّة ، وبعضهم من أعضاء المجلس الأعلى للمجمع ، ويؤكّد العديد من المفكّرين الإسلاميّين ـ وذلك من أمثال الدكتور [[كليم صدّيقي]] (رحمه الله)رئيس [[مؤسّسة البحوث الإسلامية في لندن]] والأُستاذ [[إبراهيم زكزاكي]] زعيم [[حزب الوحدة الإسلامية في نيجيريا]] والأُستاذ [[محمّد هادي آونك]] الزعيم الثوري الماليزي وغيرهم ـ وحدة القيادة الإسلامية ، ويصرّون عليها في مقالاتهم أو الكلمات التي يلقونها في مؤتمرات الوحدة الإسلامية التي يقيمها المجمع العالمي للتقريب كلّ عام في [[أُسبوع الوحدة]] . | ||
وهذا المشروع أكثر واقعية بملاحظة خصوصيات الأوضاع الحالية للعالم الإسلامي ، كما أنّه أقرب إلى طبيعة السنن التي كانت تحكم العلاقات بين السنّة والشيعة في العصر الإسلامي الأوّل ، أي : سنّة الإمامة وسنّة الخلافة . يضاف إلى ذلك أنّ التجربة الناجحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بيّنت بوضوح ملموس الآثار المباركة لوحدة القيادة في حلّ المشاكل الداخلية للدولة الإسلامية وسائر المجتمعات الإسلامية قدر الإمكان ، حتّى أصبح نظام وحدة القيادة الثورية في إيران منار أمل للكثير من التيّارات والحركات الإسلامية ، وأصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية « أُم القرى » بالنسبة للعالم الإسلامي . يضاف لذلك أنّ عناصر هذا المشروع متوفّرة في الواقع خلافاً للمشاريع الأُخرى ، وغاية الأمر أنّ تنفيذه يحتاج إلى تحديد الخطط العملية لتوحيد القيادة الإسلامية للعالم الإسلامي وجميع الشعوب الإسلامية ، وهو يشتمل على بعدين عامٍّ وتفصيلي ، أو تحديد القضية الكبرى والصغرى ، أي : أنّنا نقول تارةً : إنّ توحيد القيادة الإسلامية هو طريق الوحدة الإسلامية ، وتارةً أُخرى نقول إضافة إلى هذا الحكم الكلّي العامّ : إنّ اتّباع قيادة إيران الإسلامية أفضل طريق للوحدة الإسلامية . | وهذا المشروع أكثر واقعية بملاحظة خصوصيات الأوضاع الحالية للعالم الإسلامي ، كما أنّه أقرب إلى طبيعة السنن التي كانت تحكم العلاقات بين السنّة والشيعة في العصر الإسلامي الأوّل ، أي : سنّة الإمامة وسنّة الخلافة . يضاف إلى ذلك أنّ التجربة الناجحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بيّنت بوضوح ملموس الآثار المباركة لوحدة القيادة في حلّ المشاكل الداخلية للدولة الإسلامية وسائر المجتمعات الإسلامية قدر الإمكان ، حتّى أصبح نظام وحدة القيادة الثورية في إيران منار أمل للكثير من التيّارات والحركات الإسلامية ، وأصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية « أُم القرى » بالنسبة للعالم الإسلامي . يضاف لذلك أنّ عناصر هذا المشروع متوفّرة في الواقع خلافاً للمشاريع الأُخرى ، وغاية الأمر أنّ تنفيذه يحتاج إلى تحديد الخطط العملية لتوحيد القيادة الإسلامية للعالم الإسلامي وجميع الشعوب الإسلامية ، وهو يشتمل على بعدين عامٍّ وتفصيلي ، أو تحديد القضية الكبرى والصغرى ، أي : أنّنا نقول تارةً : إنّ توحيد القيادة الإسلامية هو طريق الوحدة الإسلامية ، وتارةً أُخرى نقول إضافة إلى هذا الحكم الكلّي العامّ : إنّ اتّباع قيادة إيران الإسلامية أفضل طريق للوحدة الإسلامية . | ||
سطر ٤٣٩: | سطر ٤٣٩: | ||
2 ـ إنّ شرط نجاح كلّ نهضة سياسية هو وجود القيادة الموحّدة صاحبة الكلمة الفصل ، وهذا هو سرّ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في حين أنّ تعدّد القيادات هو السبب الرئيسي لإخفاق الحركات الإسلامية في بلدان المسلمين الأُخرى . | 2 ـ إنّ شرط نجاح كلّ نهضة سياسية هو وجود القيادة الموحّدة صاحبة الكلمة الفصل ، وهذا هو سرّ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في حين أنّ تعدّد القيادات هو السبب الرئيسي لإخفاق الحركات الإسلامية في بلدان المسلمين الأُخرى . | ||
أمّا القول الثاني فيمكن ترجيحه على النحو التالي : بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني حدّدت في دستور الجمهورية الإسلامية شروط وضوابط خاصّة بانتخاب القائد ، تنسجم تقريباً مع الشروط والضوابط التي تعتقد أغلب الفرق الإسلامية بلزوم توفّرها في الإمام أو الخليفة أو ولي الأمر ، كما توخّيت الدقّة الكاملة في تحديد ضوابط طريقة انتخابه ومسؤولياته وصلاحياته . وممّا لا شكّ فيه أنّه لا يوجد في العالم الإسلامي لا في الماضي ولا في العصر الحاضر مثل هذه الأُصول القانونية المدوّنة بشأن ولي أمر المسلمين ، خاصّة بعد إعادة النظر فيها وإصلاحها استناداً إلى معطيات تجربتها في الواقع العملي . | أمّا القول الثاني فيمكن ترجيحه على النحو التالي : بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني حدّدت في دستور الجمهورية الإسلامية شروط وضوابط خاصّة بانتخاب القائد ، تنسجم تقريباً مع الشروط والضوابط التي تعتقد أغلب الفرق الإسلامية بلزوم توفّرها في الإمام أو الخليفة أو [[ولي الأمر]] ، كما توخّيت الدقّة الكاملة في تحديد ضوابط طريقة انتخابه ومسؤولياته وصلاحياته . وممّا لا شكّ فيه أنّه لا يوجد في العالم الإسلامي لا في الماضي ولا في العصر الحاضر مثل هذه الأُصول القانونية المدوّنة بشأن ولي أمر المسلمين ، خاصّة بعد إعادة النظر فيها وإصلاحها استناداً إلى معطيات تجربتها في الواقع العملي . | ||
وبعبارة أُخرى : فإنّ نظام القيادة الإسلامية تمّ تطبيقه في إيران عمليّاً ، ولا نظير له في البدان الأُخرى ، كما أنّ من المستبعد إيجاد مثل هذا النظام خاصّة مع ملاحظة الأوضاع السائدة فيها . | وبعبارة أُخرى : فإنّ نظام القيادة الإسلامية تمّ تطبيقه في إيران عمليّاً ، ولا نظير له في البدان الأُخرى ، كما أنّ من المستبعد إيجاد مثل هذا النظام خاصّة مع ملاحظة الأوضاع السائدة فيها . | ||
سطر ٤٥٧: | سطر ٤٥٧: | ||
ثانياً : وجود مراكز مؤسّسات متمخّضة لخدمة الأهداف الوحدوية بين أبناء الأُمّة الإسلامية ، ممّا يجعل قضايا الوحدة أكثر جدّية وذات أبعاد فعلية ومستقبلية ، ويدفع بعجلة الوحدة إلى أمام ، ويخرجها من دائرة الحلم إلى ميدان الواقع . | ثانياً : وجود مراكز مؤسّسات متمخّضة لخدمة الأهداف الوحدوية بين أبناء الأُمّة الإسلامية ، ممّا يجعل قضايا الوحدة أكثر جدّية وذات أبعاد فعلية ومستقبلية ، ويدفع بعجلة الوحدة إلى أمام ، ويخرجها من دائرة الحلم إلى ميدان الواقع . | ||
ثالثاً : الظروف السياسية المحلّية والإقليمية والدولية التي تزداد جراحة يوماً بعد آخر ، والتي عجّلت في وعي الأُمّة وساهمت في تنضيج الذهنية الإسلامية وطموحات الرسالة ، وهذه الظروف وإن كانت في ظاهرها تشكّل عنصر ضغط لتذويب إرادة الأُمّة وتفتيت قدرتها ، إلاّ أنّ لكلّ فعل ردّ فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتّجاه ويقع وإيّاه على خطّ فعل واحد ، كما هو مقتضى القانون | ثالثاً : الظروف السياسية المحلّية والإقليمية والدولية التي تزداد جراحة يوماً بعد آخر ، والتي عجّلت في وعي الأُمّة وساهمت في تنضيج الذهنية الإسلامية وطموحات الرسالة ، وهذه الظروف وإن كانت في ظاهرها تشكّل عنصر ضغط لتذويب إرادة الأُمّة وتفتيت قدرتها ، إلاّ أنّ لكلّ فعل ردّ فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتّجاه ويقع وإيّاه على خطّ فعل واحد ، كما هو مقتضى القانون الثالث من قوانين « إسحاق نيوتن » . هذا على صعيد الموادّ الجامدة غير الواعية وغير العاقلة ، وأمّا على صعيد الأُمم والشعوب ـ وكما يستفاد ذلك من دراسة التاريخ بل والواقع المعاش ـ فإنّ ردّ الفعل قد يكون أضعافاً مضاعفة ، وقد يفوق حدّ التصوّر أحياناً وجود الطاقة الإيمانية التي لا يمكن أن تخضع للحسابات المختبرية الصامتة . وعلى أيّة حال فإنّ الأُمّة الإسلامية باتت اليوم أكثر من أيّ وقت مضى تحسّ بضرورة الوحدة ونبذ الخلافات جانباً ، ولا بدّ من التصدّي لأعداء الأُمّة الذين يريدون ابتلاعها ومصادرة شخصيتها وإلغاء هويتها . | ||
رابعاً : انفتاح نافذة الحوار الإيجابي الذي يحلّ كثيراً من الإشكاليات ويرفض العديد من حالات الغموض وسوء الظنّ . | رابعاً : انفتاح نافذة الحوار الإيجابي الذي يحلّ كثيراً من الإشكاليات ويرفض العديد من حالات الغموض وسوء الظنّ . |
تعديل