Write، بيروقراطيون، إداريون
٤٬٩٤١
تعديل
لا ملخص تعديل |
Mohsenmadani (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
سطر ٣١: | سطر ٣١: | ||
'''خير الدين باشا التونسي''': المفكّر، والسياسي، والمصلح، ورجل الدولة. | '''خير الدين باشا التونسي''': المفكّر، والسياسي، والمصلح، ورجل الدولة. | ||
=الولادة= | =الولادة= | ||
ولد سنة 1225 ه (1810 م) في إحدى القرى الصغيرة بجبال القوقاز بقبيلة «أباظة» | ولد سنة 1225 ه (1810 م) في إحدى القرى الصغيرة بجبال القوقاز بقبيلة «أباظة» الشركسية. | ||
=قصة اختطافه ورقيته حتى وصوله الى منصب الوزير الأكبر= | |||
واختطفه تجّار الرقيق صغيراً، وجاءت به قافلتهم إلى الأستانة عاصمة '''السلطنة العثمانية'''، حيث بيع كما يباع الرقيق في سوق النخاسة! ثمّ تناقلته الأيدي بالبيع والشراء رقيقاً، إلى أن وصل إلى قصر حاكم تونس [[الباي أحمد باشا]] (1252- 1272 ه/ 1836- 1856 م)، فتعلّم هناك القراءة والكتابة، وفرائض الدين الإسلامي، وفنون العسكرية والسياسة والتاريخ، وأجاد اللغة الفرنسية، إلى جانب العربية والتركية، وتدرّج مترقّياً- وذلك لألمعيته ونجابته ومثابرته وذكائه- في المناصب حتّى أصبح «الوزير الأكبر» في البلاد!<br>وبفضل إصلاحاته في [[تونس]] أعلن دستور المملكة التونسية سنة 1284 ه- 1867 م... فلمّا أُبعد عن الوزارة سنة 1294 ه- 1877 م ذهب إلى عاصمة السلطنة (الأستانة)، وتولّى الصدارة العظمى ل[[السلطان عبد الحميد|لسلطان عبد الحميد]] (1258- 1336 ه/ 1842- 1918 م)... فلمّا أعياه الإصلاح استقال في العام التالي، <br> | |||
وأصبح عضواً في مجلس الأعيان، حتّى وافته المنية هناك سنة 1308 ه/ 1890 م. | وأصبح عضواً في مجلس الأعيان، حتّى وافته المنية هناك سنة 1308 ه/ 1890 م. | ||
=اعتزاله وكتابة أقوم المسالك= | |||
وفي تونس وأثناء أزمة من أزماته مع [[الباي محمّد الصادق]] (1275- 1299 ه/ 1859- 1882 م) اعتزل خير الدين جميع مناصبه الحكومية لعدّة سنوات (1278- 1286 ه/ 1862- 1869 م)، واعتكف في بستان له، كما اعتزل [[ابن خلدون]] من قبل في إحدى قلاع تونس فكتب المقدّمة والتاريخ، اعتزل خير الدين واعتكف في بستانه، فكتب على غرار ابن خلدون كتابه «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» الذي طبع بتونس للمرّة الأُولى (1284 ه- 1868 م)، والذي أودع مقدّمته خلاصة آرائه في التمدّن والإصلاح. | |||
=مشروعه الإصلاحي= | |||
ولقد كان خير الدين بحكم عصره وموقعه بعد [[رفاعة الطهطاوي]] (1216- 1290 ه- 1801- 1873 م) أبرز من أطلّ على الحضارة الغربية، وجاء مشروعه للإصلاح في ضوء علاقة [[العالم الإسلامي]] يومئذٍ بها. فلقد كان تجاهل التأثير الأوربّي في ذلك التاريخ وتلك الملابسات ضرباً من المحال، ف[[فرنسا]] كانت قد شرعت في احتلال [[الجزائر]] سنة 1246 ه- 1830 م، وشرعت في مدّ نفوذها الاقتصادي إلى تونس بتقديم القروض، وأخذت تتدخّل في شؤونها المالية تمهيداً للسيطرة، فالاحتلال. | |||
<br>وكان الباي أحمد صاحب محاولات في الإصلاح، يترسّم فيها خطى [[محمّد علي باشا]] الكبير (1184- 1265 ه/ 1770- 1849 م) بمصر، فأنشأ في «باردوا» بفرنسا سنة 1256» ه- 1840 م «مكتب العلوم الحربية؛ ليتعلّم فيه الجنود التونسيّون علوم الهندسة والمساحة والحساب وغيرها، وعهد إلى خير الدين بالإشراف على هذا المكتب (المدرسة) الذي رأسه المستشرق الإيطالي «[[كاليفاريس]]»، وهناك عايش خير الدين الحضارة الأوروبّية ولمس تأثيراتها، ولقد اكتملت معرفته بها في سفارته للباي لدى عديد من ممالك [[أُوربّا]]، مثل فرنسا و[[السويد]] وب[[روسيا]] و[[بلجيكا]] و[[الدانمارك]] و[[هولندا]]. | <br>وكان الباي أحمد صاحب محاولات في الإصلاح، يترسّم فيها خطى [[محمّد علي باشا]] الكبير (1184- 1265 ه/ 1770- 1849 م) بمصر، فأنشأ في «باردوا» بفرنسا سنة 1256» ه- 1840 م «مكتب العلوم الحربية؛ ليتعلّم فيه الجنود التونسيّون علوم الهندسة والمساحة والحساب وغيرها، وعهد إلى خير الدين بالإشراف على هذا المكتب (المدرسة) الذي رأسه المستشرق الإيطالي «[[كاليفاريس]]»، وهناك عايش خير الدين الحضارة الأوروبّية ولمس تأثيراتها، ولقد اكتملت معرفته بها في سفارته للباي لدى عديد من ممالك [[أُوربّا]]، مثل فرنسا و[[السويد]] وب[[روسيا]] و[[بلجيكا]] و[[الدانمارك]] و[[هولندا]]. | ||
<br>ولقد تبلورت دعوة خير الدين إلى إصلاح أحوال المسلمين في ضرورة الأخذ عن الحضارة الغربية التنظيمات والتجارب والتراتيب الإدارية، وضرورة التجديد والاجتهاد في چ الشريعة الإسلامية كي تواكب المصالح المتجدّدة للمسلمين، فتحدّث عن العلاقة بأوروبّا قائلًا: «إنّه لن يتهيّأ لنا أن نميّز ما يليق بنا إلّابمعرفة أحوال من ليس من حزبنا!<br>فالدنيا بصورة بلدة متّحدة، تسكنها أُمم متعدّدة. حاجة بعضهم لبعض متأكّدة!». | <br>ولقد تبلورت دعوة خير الدين إلى إصلاح أحوال المسلمين في ضرورة الأخذ عن الحضارة الغربية التنظيمات والتجارب والتراتيب الإدارية، وضرورة التجديد والاجتهاد في چ الشريعة الإسلامية كي تواكب المصالح المتجدّدة للمسلمين، فتحدّث عن العلاقة بأوروبّا قائلًا: «إنّه لن يتهيّأ لنا أن نميّز ما يليق بنا إلّابمعرفة أحوال من ليس من حزبنا!<br>فالدنيا بصورة بلدة متّحدة، تسكنها أُمم متعدّدة. حاجة بعضهم لبعض متأكّدة!». | ||
<br>أمّا هذا الرأي الذي رآه لائقاً بالمسلمين لينهضوا به من ثمرات الحضارة الغربية ... فإنّ في مقدّمته:<br>1- التنظيمات السياسية: والتي هي في الحقيقة السبب في تقدّم الأوربيّين في المعارف، وهذه التنظيمات لا بدّ أن تكون مؤسّسة على العدل والحرّية. ولذلك أدان التونسي الاستبداد بالسلطة وحكم الفرد، ودعا إلى إحياء [[هيئة أهل الحلّ والعقد الإسلامية|هيئة «أهل الحلّ والعقد» الإسلامية]]، وزكّى في مذكّراته تكوين المجالس النيابية بالانتخاب العامّ، وألحّ على ضرورة تقييد جهاز الدولة بالقوانين، سواء منها تلك التي تنظّم علاقة الرعية بالدولة، أو العلاقة بين المواطنين، وطالب بأن تكون مباشرة الحكم التنفيذي من اختصاص الوزراء لا الحاكم الأعلى، وأن يكون الوزراء مسؤولين أمام وكلاء الأُمّة ونوّابها المنتخبين، وقال: «إنّ أوروبّا إذا كانت قد صنعت وأقامت هذه التنظيمات السياسية انطلاقاً من القوانين العقلية الطبيعية غير الإلهية، فإنّ المسلمين أولى من الأوربيّين بذلك؛ لأنّ هذه التنظيمات ممّا يحقّق غاية [[الشريعة الإسلامية]] ومقاصدها». | <br>أمّا هذا الرأي الذي رآه لائقاً بالمسلمين لينهضوا به من ثمرات الحضارة الغربية ... فإنّ في مقدّمته: | ||
<br>1- التنظيمات السياسية: والتي هي في الحقيقة السبب في تقدّم الأوربيّين في المعارف، وهذه التنظيمات لا بدّ أن تكون مؤسّسة على العدل والحرّية. ولذلك أدان التونسي الاستبداد بالسلطة وحكم الفرد، ودعا إلى إحياء [[هيئة أهل الحلّ والعقد الإسلامية|هيئة «أهل الحلّ والعقد» الإسلامية]]، وزكّى في مذكّراته تكوين المجالس النيابية بالانتخاب العامّ، وألحّ على ضرورة تقييد جهاز الدولة بالقوانين، سواء منها تلك التي تنظّم علاقة الرعية بالدولة، أو العلاقة بين المواطنين، وطالب بأن تكون مباشرة الحكم التنفيذي من اختصاص الوزراء لا الحاكم الأعلى، وأن يكون الوزراء مسؤولين أمام وكلاء الأُمّة ونوّابها المنتخبين، وقال: «إنّ أوروبّا إذا كانت قد صنعت وأقامت هذه التنظيمات السياسية انطلاقاً من القوانين العقلية الطبيعية غير الإلهية، فإنّ المسلمين أولى من الأوربيّين بذلك؛ لأنّ هذه التنظيمات ممّا يحقّق غاية [[الشريعة الإسلامية]] ومقاصدها». | |||
<br>2- الحرّية السياسية: والغاية من التنظيمات السياسية عند خير الدين التونسي هي تحقيق العمران للبلاد، وأساس هذا العمران هو العدل، أي: الحرّية السياسية للمواطنين. كما أنّ اتّساع نطاق المعارف في المجتمع إنّما يرجع كذلك إلى اتّساع نطاق الحرّية. وإذا كانت الحرّية الشخصية ضرورة ليتصرّف الإنسان في ذاته وكسبه وهو آمن على نفسه وعرضه وماله مطمئن إلى تساويه مع أبناء جنسه، فإنّ الحرّية السياسية أدخل في الضرورة واللزوم؛ لأنّها هي التي تحقّق اشتراك الرعية في توجيه سياسة الدولة كي تأتي على وفق المصلحة العامّة للمجموع. وتدخل في الحرّية السياسية حرّية نشر الأفكار التي يسمّيها التونسي:<br>«حرّية المطبعة!»، حيث لا يمنع الإنسان من أن يكتب ويذيع ما يعتقده صواباً ومصلحة، أو يعرض ذلك على أجهزة الدولة ومجالسها حتّى ولو تضمّن ذلك الاعتراض على مناهجها. | <br>2- الحرّية السياسية: والغاية من التنظيمات السياسية عند خير الدين التونسي هي تحقيق العمران للبلاد، وأساس هذا العمران هو العدل، أي: الحرّية السياسية للمواطنين. كما أنّ اتّساع نطاق المعارف في المجتمع إنّما يرجع كذلك إلى اتّساع نطاق الحرّية. وإذا كانت الحرّية الشخصية ضرورة ليتصرّف الإنسان في ذاته وكسبه وهو آمن على نفسه وعرضه وماله مطمئن إلى تساويه مع أبناء جنسه، فإنّ الحرّية السياسية أدخل في الضرورة واللزوم؛ لأنّها هي التي تحقّق اشتراك الرعية في توجيه سياسة الدولة كي تأتي على وفق المصلحة العامّة للمجموع. وتدخل في الحرّية السياسية حرّية نشر الأفكار التي يسمّيها التونسي:<br>«حرّية المطبعة!»، حيث لا يمنع الإنسان من أن يكتب ويذيع ما يعتقده صواباً ومصلحة، أو يعرض ذلك على أجهزة الدولة ومجالسها حتّى ولو تضمّن ذلك الاعتراض على مناهجها. | ||
<br>3- الحرّية الاقتصادية: فلقد ارتبطت في فكر خير الدين الحرّية السياسية بالحرّية<br>الاقتصادية، كما ارتبط نمو المعارف بنمو الصنائع، <br> | <br>3- الحرّية الاقتصادية: فلقد ارتبطت في فكر خير الدين الحرّية السياسية بالحرّية<br>الاقتصادية، كما ارتبط نمو المعارف بنمو الصنائع، <br> | ||
سطر ٤٨: | سطر ٥٣: | ||
<br>توفّي خير الدين سنة 1308 ه/ 1890 م. | <br>توفّي خير الدين سنة 1308 ه/ 1890 م. | ||
= المراجع = | |||
(انظر ترجمته في: زعماء الإصلاح: 112- 139، موسوعة السياسة 2: 637، الموسوعة العربية العالمية 10: 200، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 341- 344، نثر الجواهر والدرر 1: 417، شخصيات لها تاريخ لمحمّد عمارة: 163- 170، موسوعة الأعلام 2: 45). | (انظر ترجمته في: زعماء الإصلاح: 112- 139، موسوعة السياسة 2: 637، الموسوعة العربية العالمية 10: 200، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 341- 344، نثر الجواهر والدرر 1: 417، شخصيات لها تاريخ لمحمّد عمارة: 163- 170، موسوعة الأعلام 2: 45). | ||
<br> | <br> | ||
[[تصنيف:روّاد التقريب]] | [[تصنيف:روّاد التقريب]] | ||
[[تصنيف:دعاة الوحدة الإسلامية]] | [[تصنيف:دعاة الوحدة الإسلامية]] |