انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «محمد بيرم التونسي»

 
سطر ٤٣: سطر ٤٣:
<br>وتوجّه تلك السنة إلى باريس كالعادة، واغتنم وجوده هناك، فرفع إلى غمبتّا تقريراً مسهباً يشكو فيه سوء تصرّف القنصل ووقوفه في سبيل كلّ مشروع نافع للبلاد. وبلغ خبر ذلك إلى القنصل، <br>
<br>وتوجّه تلك السنة إلى باريس كالعادة، واغتنم وجوده هناك، فرفع إلى غمبتّا تقريراً مسهباً يشكو فيه سوء تصرّف القنصل ووقوفه في سبيل كلّ مشروع نافع للبلاد. وبلغ خبر ذلك إلى القنصل، <br>
فزاد غضباً ونقمةً، واتّفق في أثناء طلب التونسيّين الشورى أنّ الدول كانت مشغولة بخلع إسماعيل باشا خديوي مصر، وكان الصدر الأعظم في الآستانة يومئذٍ خير الدين باشا، ونظراً لما يعلمونه من علائق بيرم بخير الدين استنتج الفرنسيّون أنّ مطالب التونسيّين لم يكن الغرض منها إلّافتح السبيل لمداخلة الباب العالي، واتّهموا صاحب الترجمة أنّه الواسطة بذلك. ولمّا بلغه الخبر استعفى من منصبه في تونس، وعزم على البقاء<br>بعيداً عنها، لكنّه عاد إليها بعد إلحاح أصدقائه. وكان قد فهم- وهو في باريس- رغبة فرنسا في ضمّ تونس إلى أملاكها ضمّاً كلّياً، وأنّها أغرت الوزير مصطفى، فمالأها طمعاً بالترقّي، فذهبت آمال صاحب الترجمة بإنقاذ بلاده، فعزم على الخروج منها، فلم تأذن الحكومة بسفره، فاحتال بطلب الرخصة للحجّ، فأُذن له، فخرج سنة 1296 ه وجاء مصر، وسافر منها إلى الحرمين، ثمّ يمّم سوريا فالقسطنطينية،<br>
فزاد غضباً ونقمةً، واتّفق في أثناء طلب التونسيّين الشورى أنّ الدول كانت مشغولة بخلع إسماعيل باشا خديوي مصر، وكان الصدر الأعظم في الآستانة يومئذٍ خير الدين باشا، ونظراً لما يعلمونه من علائق بيرم بخير الدين استنتج الفرنسيّون أنّ مطالب التونسيّين لم يكن الغرض منها إلّافتح السبيل لمداخلة الباب العالي، واتّهموا صاحب الترجمة أنّه الواسطة بذلك. ولمّا بلغه الخبر استعفى من منصبه في تونس، وعزم على البقاء<br>بعيداً عنها، لكنّه عاد إليها بعد إلحاح أصدقائه. وكان قد فهم- وهو في باريس- رغبة فرنسا في ضمّ تونس إلى أملاكها ضمّاً كلّياً، وأنّها أغرت الوزير مصطفى، فمالأها طمعاً بالترقّي، فذهبت آمال صاحب الترجمة بإنقاذ بلاده، فعزم على الخروج منها، فلم تأذن الحكومة بسفره، فاحتال بطلب الرخصة للحجّ، فأُذن له، فخرج سنة 1296 ه وجاء مصر، وسافر منها إلى الحرمين، ثمّ يمّم سوريا فالقسطنطينية،<br>
فأحسنت الدولة وفادته. ولكن الوزير التونسي كتب إلى الباب العالي بإرجاع الشيخ بيرم؛ لأنّه لم يقدّم حساباً عن إدارة الأوقاف التي كانت في عهدته، فنصره خير الدين ولم يسلمه. ولما تمّ لفرنسا ضمّ تونس إلى أملاكها سنة 1298 ه عزلت الوزير مصطفى وعاملته معاملة الخائن.
فأحسنت الدولة وفادته. ولكن الوزير التونسي كتب إلى الباب العالي بإرجاع الشيخ بيرم؛ لأنّه لم يقدّم حساباً عن إدارة الأوقاف التي كانت في عهدته، فنصره خير الدين ولم يسلمه. ولما تمّ لفرنسا ضمّ تونس إلى أملاكها سنة 1298 ه عزلت الوزير مصطفى وعاملته معاملة الخائن.
<br>واشتغل الشيخ محمّد بيرم في أثناء إقامته في الآستانة بالكتابة والتحرير، وراعى صحّته فتحسّنت كثيراً وقلّ استعماله للمورفين، وكانت وجهته النظر في ما آل إليه حال البلاد الإسلامية من طمع الأجانب، ووصف الأدوية لملافاة ذلك، ولم يجد الكلام نفعاً.
<br>واشتغل الشيخ محمّد بيرم في أثناء إقامته في الآستانة بالكتابة والتحرير، وراعى صحّته فتحسّنت كثيراً وقلّ استعماله للمورفين، وكانت وجهته النظر في ما آل إليه حال البلاد الإسلامية من طمع الأجانب، ووصف الأدوية لملافاة ذلك، ولم يجد الكلام نفعاً.
<br>ولمّا تحقّق رسوخ قدم فرنسا بتونس يئس من العودة إليها، فأراد أن يكون قريباً من أهله، فانتقل إلى مصر بعد الحوادث العرابية سنة 1884 م، وقد باع أملاكه في تونس ونقل عائلته منها، وأنشأ في مصر جريدة سياسية اسمها «الأعلام» تصدر ثلاث مرّات في الأُسبوع، ثمّ صارت أُسبوعية، وكانت خطّتها محاسنة الإنجليز والاستفادة منهم، فانتقد بعضهم عليه هذه الخطّة؛ لأنّها تخالف ما كان عليه في تونس، وأنّه إنّما هجرها فراراً من الحكم الأجنبي، فكيف يكلّف المصريّين عكس ذلك؟ ولكن الذين يرون رأيه كانوا يعتذرون بأنّه إنّما حثّ على محاسنة الإنجليز والاستفادة منهم؛ لأنّ معاكستهم- وأمر البلاد في أيديهم- لا يجدي نفعاً، وأنّ مجافاة الفرنسيّين أوجدت أسباباً ساعدتهم على ضمّ تونس إلى بلادهم. وقد ألجأه إلى انتهاج هذا المسلك أيضاً ما قاساه من ظلم الحكم الاستبدادي في تونس، وما آنسه من العوامل المحرّكة في مصر بإغراء بعض الأجانب الذين يغرون صدور الناس على حكّامهم ممّا يعود بالضرر.
<br>ولمّا تحقّق رسوخ قدم فرنسا بتونس يئس من العودة إليها، فأراد أن يكون قريباً من أهله، فانتقل إلى مصر بعد الحوادث العرابية سنة 1884 م، وقد باع أملاكه في تونس ونقل عائلته منها، وأنشأ في مصر جريدة سياسية اسمها «الأعلام» تصدر ثلاث مرّات في الأُسبوع، ثمّ صارت أُسبوعية، وكانت خطّتها محاسنة الإنجليز والاستفادة منهم، فانتقد بعضهم عليه هذه الخطّة؛ لأنّها تخالف ما كان عليه في تونس، وأنّه إنّما هجرها فراراً من الحكم الأجنبي، فكيف يكلّف المصريّين عكس ذلك؟ ولكن الذين يرون رأيه كانوا يعتذرون بأنّه إنّما حثّ على محاسنة الإنجليز والاستفادة منهم؛ لأنّ معاكستهم- وأمر البلاد في أيديهم- لا يجدي نفعاً، وأنّ مجافاة الفرنسيّين أوجدت أسباباً ساعدتهم على ضمّ تونس إلى بلادهم. وقد ألجأه إلى انتهاج هذا المسلك أيضاً ما قاساه من ظلم الحكم الاستبدادي في تونس، وما آنسه من العوامل المحرّكة في مصر بإغراء بعض الأجانب الذين يغرون صدور الناس على حكّامهم ممّا يعود بالضرر.
<br>واضطرّ بعد إقامته سنتين بمصر أن يعود إلى أوروبّا، فتمّم سياحاته فيها، وعاد إلى‏<br>مصر، فعيّنته الحكومة سنة 1889 م قاضياً في محكمة مصر الابتدائية، وكثيراً ما كلّفته الوزارة كتابة ملاحظاته على القضاء الشرعي؛ لأنّه كان واسع الاطّلاع فيه.
<br>واضطرّ بعد إقامته سنتين بمصر أن يعود إلى أوروبّا، فتمّم سياحاته فيها، وعاد إلى‏<br>مصر، فعيّنته الحكومة سنة 1889 م قاضياً في محكمة مصر الابتدائية، وكثيراً ما كلّفته الوزارة كتابة ملاحظاته على القضاء الشرعي؛ لأنّه كان واسع الاطّلاع فيه.
=تأليفاته=
=تأليفاته=
وقد خلّف آثاراً كتابية، أكبرها كتاب «صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار»، طبع بمصر في خمسة أجزاء، وهو عبارة عن رحلة عامّة في أوروبّا ومصر والشام والحجاز وغيرها، وذكر فيها كثيراً من الحقائق التاريخية والاجتماعية عن بلاد العرب وتونس والجزائر لا تجدها في كتاب آخر، وأكثرها شاهده بنفسه أو كان داخلًا فيه ولا سيّما تاريخ تونس والجزائر.
وقد خلّف آثاراً كتابية، أكبرها كتاب «صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار»، طبع بمصر في خمسة أجزاء، وهو عبارة عن رحلة عامّة في أوروبّا ومصر والشام والحجاز وغيرها، وذكر فيها كثيراً من الحقائق التاريخية والاجتماعية عن بلاد العرب وتونس والجزائر لا تجدها في كتاب آخر، وأكثرها شاهده بنفسه أو كان داخلًا فيه ولا سيّما تاريخ تونس والجزائر.
Write، confirmed، steward، إداريون
٣٬٣٠٦

تعديل