موارد الاستدلال بدليل الانسداد

من ویکي‌وحدت

موارد الاستدلال بدليل الانسداد: الانسداد اصطلاحٌ أصوليٌ ويقابله الإنفتاح، وهو عبارة عن رفض الإنسداد والقول بإنفتاح باب العلم أو العلمي بالأحكام الشرعية، وأما المراد بالانسداد فهو سدّ باب العلم والعلمي، وفي هذا الموضوع انقسم الأصوليون إلی الانسدادي والانفتاحي، والمقصود في هذا البحث هو التعرّف علی مواضع الاستدلال بدليل الانسداد.

مواضع الاستدلال بدليل الانسداد

1 ـ مطلق الظنّ

مطلق الظنّ يعني الظنّ الناشئ عن أيِّ طريق يفيد الظنّ، سواء كان خبر آحاد أو شيئا آخر، وقد سيق دليل الانسداد أساسا للاستدلال على حجّية هذا النوع من الظنّ؛ وذلك باعتبار انسداد باب العلم ولزوم الأخذ بما هو دونه[١].
لكن الردود الواردة عليه غير قليلة، وقد مضى ذكر بعضها في تقريرات دليل الانسداد[٢].

2 ـ ظن المجتهد

استدلّ على شرعية الاجتهاد بدليل الانسداد، لانسداد باب العلم في كثير من الأحكام الشرعية وانحصار الطريق في العمل بالظنّ أو الأخذ بالوجوه الظنية التي دلّت على حجّيتها الأدلّة الخاصّة وهو المعني بالاجتهاد[٣].

3 ـ حجيَّة خبر الواحد

تارة يستدلُّ بدليل الانسداد الصغير على حجّية الظنّ بصدور الخبر عن المعصوم، وتارة اُخرى يستدلُّ بالانسداد الكبير على حجّية مطلق الظنّ الذي قد يكون خبر الواحد أحد مصادره[٤].
لكنَّ شأن الاستدلال به هنا شأن باقي الموارد التي استدلَّ به وتعرَّض فيها إلى نقود شديدة[٥].

4 ـ القياس

يمكن أن يستدلَّ بدليل الانسداد على حجّية القياس؛ باعتبار إفادته حجّية مطلق الظنّ حتَّى الناتج عن الأقيسة التي تفيد الظنّ، وهذا الدليل لم يرد عن القائلين بالقياس (بعض أهل السنّة) بهذا النحو بل بعبارات يبدو منها هذا المعنى، مثل ما ورد عن السرخسي[٦]، والغزالي[٧]، والآمدي[٨]، وكقول الشهرستاني: «فعلم قطعا ويقينا أنّ الحوادث والوقائع في العبادات والتصرّفات ممّا لايقبل الحصر والعدّ، ونعلم قطعا أ نّه لم يرد في كلّ حادثة نصٌّ، ولايتصوّر ذلك أيضا، والنصوص إذا كانت متناهية وما لايتناهى لايضبطه ما يتناهى علم قطعا...»[٩]، كما ساقه بعض أصوليي الشيعة ـ مثل: السيّد محمّد تقي الحكيم ـ بنحو فرضي وباعتباره ممَّا يمكن أن يُستدلَّ به على مبناهم في العمل بالظنّ.
لكنَّ يُردُّ هذا الأخير من قبل أصوليي الشيعة بوجهين:
الأول: عدم صحَّة دليل الإنسداد أصلاً.
الثاني: على فرض صحَّة دليل الإنسداد فإنَّ هناك روايات غير قليلة وردت عن أهل البيت عليهم‏السلام ردعت عن العمل بالقياس[١٠].
وقد سعى الشيخ الأنصاري و الآخوند الخراساني وغيرهما للتوفيق بين ما ورد من روايات رادعة وما يقتضيه دليل الإنسداد على فرض قبوله، فإنَّ قبوله يولّد إشكالاً، من حيث استلزام حكم العقل بكون الظنّ بمثابة العلم، حجيَّة هذا الظنّ، بينما ورد ردع ومنع عن العمل بالقياس المولّد لهكذا ظنّ، فكيف يمكن التوفيق بينهما؟
وقد وفِّق بين الأمرين تارة بمنع حرمة العمل بالقياس مع القول بالإنسداد، وتارة اُخرى بأنَّ القياس لايفيد الظنّ أصلاً، وثالثة بأنَّ باب العلم في مورد القياس مفتوح، ورابعة بأنَّ الإنسداد يفيد حجيَّة الأدلَّة الظنيَّة دون مطلق الظنّ، وخامسة بأنَّ دليل الإنسداد يفيد حجيَّة الظنّ الذي لم يقم دليل على عدم حجيّته، وسادسة بأنَّ النهي عن القياس يكشف عن وجود مفسدة غالبة على المصلحة الواقعية المدرَكة على تقدير العمل به[١١]. ومن الواضح أنَّ مع القول بفساد مقدّمات دليل الإنسداد لا طائل لبحوث من هذا القبيل.

5 ـ الاستصحاب

حُكي الاستدلال بدليل الإنسداد على حجيَّة الاستصحاب من باب أنَّ مقتضى إدراك العقل لمقدمات الإنسداد حجيَّة الظنّ الحاصل من مثل الاستصحاب؛ باعتباره راجحا على الظنون والشكوك البدوية التي يقتضي دليل الإنسداد حجيّتها.
لكن رُدَّ هذا الاستدلال بما رُدَّ به أصل الاستدلال بالانسداد مضافا إلى أنَّ الدور لايصل إلى الشكوك البدوية مع وجود ظنون معتبرة وحجَّة[١٢].

6 ـ قول اللغوي

استدلَّ بدليل الإنسداد الصغير على حجيَّة قول اللغوي، من حيث إنَّ الحاجة إلى قول اللغوي في الشؤون الشرعية أكثر من أن يحصى، وقد انسدَّ باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا، فإذا أفاد قوله الظنّ اعتبر من باب حجيَّة مطلق الظن[١٣].
لكنَّ رُدَّ هذا بأنَّ انسداد باب العلم في بعض الموضوعات التي يتوقَّف عليها العلم بالحكم لايوجب حجيَّة مطلق الظنّ، مع أنَّ الواقع انفتاح باب العلم بمعظم الألفاظ المستعملة في الكتاب والسنَّة ولو بمعونة القرائن الخارجيَّة[١٤]. ومع انفتاح باب العلم بالأحكام لا وجه للرجوع إلى قول اللغوي، سواء كان باب العلم مسدودا أو مفتوحا، فلايترتَّب أثر على انسداد باب العلم في اللغة[١٥].

7 ـ قول الرجالي

استدل بدليل الانسداد الصغير على حجية قول الرجالي، كقوله بأن الرواية وردت عن زرارة، وذلك بنفس النحو الذي ورد الاستدلال على حجية قول اللغوي[١٦].

الهوامش

  1. . القوانين المحكمة: 439 وما بعدها، المحكم في أصول الفقه 3: 305 ـ 322.
  2. . فرائد الأصول 1: 386 ـ 435، كفاية الأصول: 312 ـ 315، المحكم في أصول الفقه 3: 305 ـ 322.
  3. . هداية المسترشدين 3: 673 ـ 675.
  4. . معالم الدين: 192، الوافية: 159.
  5. . فرائد الأصول 1: 386 ـ 435، فوائد الأصول 3: 196 وما بعدها، كفاية الأصول: 312 ـ 315.
  6. . أصول السرخسي 2: 139 ـ 140.
  7. . المستصفى 2: 126 ـ 127.
  8. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 285.
  9. . الملل والنحل الشهرستاني 1: 180.
  10. . الأصول العامة للفقه المقارن: 341.
  11. . فرائد الأصول 1: 516 ـ 536، كفاية الأصول: 325 ـ 327.
  12. . تحريرات في الأصول 8: 322، الأصول العامة للفقه المقارن: 446 ـ 447.
  13. . هداية المسترشدين 1: 213، تقريرات المجدِّد الشيرازي 1: 23، كفاية الأصول: 287.
  14. . نهاية الأفكار 3: 96، وسيلة الوصول 2: 489، منتهى الأصول 2: 153.
  15. . مصباح الأُصول 2: 132 ـ 133، تحريرات في الأُصول 6: 349 ـ 350.
  16. . كفاية الأصول: 328، وسيلة الوصول إلى حقائق الأصول 1: 558 ـ 560، حقائق الأصول 2: 208، منتهى الدراية 5: 585 ـ 586.