مقتضيات التقريب

من ویکي‌وحدت

مقتضيات التقريب ليس التقريب عملية قسرية أو مصطنعة أو حركة سياسية يراد بها ستر جانب من الضعف والنقص لكي تتمّ عملية تمويه على الطرف الآخر، بل هي عملية أصلية «تقتضيها» مجموعة أُمور واقعية، من أهمّها:
1 - إنّ الخلاف الفكري والاستنباطي أمر متوقّع تماماً، خصوصاً عندما يراد استنباط تشريع كامل للحياة من نصوص وتقريرات ونماذج عليا، الأمر الذي يقع فيه اختلاف في الاستنتاج بشكل طبيعي.
ويشتدّ ذلك عندما تفصلنا عن عصر النصّ عصور وقرون، ونبتلى بمضاعفات كثيرة، كضياع جملة من الأحاديث، ولزوم تمحيص الأسانيد، وتغيير أساليب التعبير وقرائن التفهيم، والملابسات التي تكتنف الكلام، ودخول شيء كثير من الدسّ والافتراء في مجاميع الروايات، الأمر الذي يتطلّب عناية بالغة التمحيص والتدقيق.
هذا بالإضافة إلىٰ أن تطوّر الحياة يفرض عدداً كبيراً من الوقائع والحوادث الجديدة التي لم يرد فيها نصّ خاصّ، فلا بدّ من استنباط حكمها على ضوء القواعد العامّة، كما قاله الشهيد محمّد باقر الصدر قدس سره.
2 - إنّ فتح باب الاجتهاد أمر طبيعي وضروري لتحقيق المرونة التشريعية والمسايرة الإسلامية لتطوّرات الحياة، ممّا يؤدّي إلىٰ وقوع اختلافات كثيرة في الاجتهاد، وهي اختلافات قبلها الإسلام بمقتضى واقعيته.
أمّا النصوص الناهية عن مثل ذلك فلا تنصبّ على الاختلاف الفكري، وإنّما تنصبّ على النزاع العملي. واذا سرت إلىٰ الجانب الفكري فإنّما تركّز على الجانب المعصوم منه الذي لا يتطرّق إليه الخطأ، وهو المعبّر عنه بحبل اللّٰه، فالقرآن المصون حبل اللّٰه، والسنّة الشريفة بنصوصها المقطوعة سنداً ودلالةً حبل اللّٰه، ولا مجال للنزاع في ذلك.
3 - إنّ الاختلاف الاجتهادي مسموح به انطلاقاً من واقع الفكر الإنساني القاصر من جهة، وتحقيقاً لعملية الإثراء العلمي من جهة أُخرىٰ.
وهذا يعني أنّه يجب أن يسير باتّجاه المصلحة للأُمّة وتراثها التشريعي والقانوني والتنظيمي، لا باتّجاه تمزيقها وإضاعة شخصيتها المتميّزة، ولا يتمّ ضمان السير الطبيعي إلّا بنفي كلّ العناصر التحريفية للمسيرة التي تعمل على تحويل وجهتها الطبيعية إلىٰ اتّجاه تخريبي ممزّق.
ومن هذه العناصر: الأهواء السياسية التي تسخّر بعض الفقهاء لصالح الحكّام ليحقّقوا بعض الأهداف الضيّقة، الجهل بمباني الآخرين وحدود فتواهم، عمليات الخروج عن مقتضيات الخلاف الفكري إلىٰ مساحات عملية، لا علاقة لها بها نتيجة عملية تجريد للأمر عن ظروفه وتحويله إلىٰ عامل نزاع عقائدي، وغير ذلك.
وعليه فالتقريب عملية تفاهم وتقارب ونفي لكلّ العناصر التحريفية، ووضع للمسيرة على الخطّ الطبيعي المثري، لا غير.
مقتضيات الوسطية متطلّبات الوسطية والتسامح، والتي منها: إقرار الحرّية للمؤمنين ولغير المسلمين في أن يختاروا ما يريدون، ثمّ يكون الحساب على ما اختاروه، فإن أساؤوا الاختيار عوقبوا، وإن أحسنوه كوفئوا وجوزوا الجزاء الأحسن؛ لاتّضاح الأُمور وظهور الحقّ وانكشاف زيف الباطل.
ومن مقتضيات الوسطية والتسامح أيضاً: الاعتراف بالآخرين وبالتعدّدية الدينية والمذهبية والعرقية والفلسفية في العالم، فكلّ ما يعارض هذا التوجّه يؤدّي إلىٰ الإخلال بالثقة وزرع التهمة وسوء الظنّ والحول دون ممارسة ظاهرة السماحة والتقارب والتعايش السلمي والودّي الذي عامل به المسلمون غيرهم، فظاهرة الاختلاف وضع قائم، وعلى الرغم من الاختلاف فلا بدّ من التعارف والتعاون في عالم الدنيا وترك حصيلة الاختلاف للحساب في الآخرة.
ومن مقتضياتها أيضاً: ضرورة الانفتاح على الآخرين ومواصلة الحوار معهم القائم على الاحترام المتبادل والذي يحقّق الآثار والنتائج الطيّبة والمرضية.