نهج البلاغة (کتاب)
نَهْجُ الْبَلَاغَة، كتاب يشتمل على خطب، ورسائل، وجمل قصيرة، وأقوال حكيمة الإمام علي (عليه السلام)، ويعتبر من المصادر المهمة والغنية لفهم الدين الإسلام ومذهب التشيع. السيد الرضي، الذي يُعد من العلماء البارزين في تاريخ الشيعة، جمع هذا الكتاب في أواخر القرن الرابع الهجري. نَهْجُ الْبَلَاغَة ليس جامعًا لجميع الأقوال والأحاديث المنقولة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل كما يدل اسمه، هو مجموعة من الأقوال التي تتميز بالفصاحة والبلاغة والتي خلفها الإمام علي (عليه السلام).
تأليف نَهْجُ الْبَلَاغَة
نَهْجُ الْبَلَاغَة هو أحد الكتب المعتمدة في المذهب الشيعي، حيث تم جمع مختارات من أقوال الإمام علي (عليه السلام).
لغة الكتاب
لغة كتاب نَهْجُ الْبَلَاغَة هي نفس لغة كلام وكتابة الإمام علي (عليه السلام)، أي اللغة العربية. وقد تُرجم هذا الكتاب إلى معظم اللغات الحية في العالم، بما في ذلك الفارسية، والإنجليزية، والفرنسية، والتركية، والأردية، والمالاوية، واليابانية، والصينية، والإسبانية، وغيرها. كما كُتبت شروح كثيرة حول هذا الكتاب، حيث ذكر البعض أن عدد هذه الشروح بلغ أكثر من 300 عنوان.
أقسام نَهْجُ الْبَلَاغَة
السيد الرضي قام بتصنيف محتوى كتاب نَهْجُ الْبَلَاغَة إلى ثلاثة أقسام:
الخطب
يتضمن القسم الأول من نَهْجُ الْبَلَاغَة 241 خطبة من أمير المؤمنين، التي قيلت في مراحل مختلفة من حياته، وتتناول مواضيع متنوعة مثل الإلهيات، وعالم الرؤية، وخصائص الإنسان، والحكم، وغيرها. من أبرز وأشهر خطب الإمام يمكن الإشارة إلى خطبة الشقشقية، وخطبة المتقين.
الرسائل
يتضمن القسم الثاني من نَهْجُ الْبَلَاغَة 72 رسالة من أمير المؤمنين (عليه السلام). تشمل هذه الرسائل وصايا الإمام (عليه السلام)، وأوامره، وتوجيهاته للأفراد، والعقود، والرسائل المكتوبة. من أهم وأشهر الرسائل يمكن الإشارة إلى وصية الإمام علي (عليه السلام) إلى الإمام حسن (عليه السلام)، وأمره إلى مالك الأشتر.
الحكم
يغطي القسم الثالث من نَهْجُ الْبَلَاغَة 480 قولًا قصيرًا وموعظة من الإمام علي (عليه السلام). في الترجمات المختلفة، يُدرج لهذا القسم عناوين مثل الكلمات القصار، والحكم، والمواعظ، وغيرها. هذه المجموعة القيمة التي أضافت مرور الزمن وظهور أفكار جديدة وواضحة إلى قيمتها. هي مختارات من الخطب، والدعوات، والوصايا، والرسائل، والجمل القصيرة من مولى المتقين، علي (عليه السلام)، وقد جمعها العلامة السيد الشريف الرضي (رضوان الله عليه) من بين مئات الكتب والمصادر[١].
مؤلف نَهْجُ الْبَلَاغَة
مؤلف نَهْجُ الْبَلَاغَة هو أبو الحسن محمد بن حسين الموسوي المعروف بـ السيد الرضي والشريف الرضي. وُلد في عام 359 هجري، وتوفي في عام 406 هجري. كان السيد الرضي من جهة الأب ومن جهة الأم ذا نسب شريف. من جهة الأب يصل إلى الإمام السابع موسى بن جعفر (عليه السلام) بخمس وسائط، ومن جهة الأم يصل إلى الإمام الرابع حضرة علي بن الحسين (عليه السلام) بست وسائط[٢]. لذلك، لقبه بهاء الدولة الديلمي بـ "ذي الحسبين" و"الشريف الرضي"[٣].
بدأ السيد الرضي منذ طفولته مع أخيه سيد مرتضى دراسة العلوم الأولية وأظهر ذكاءً فائقًا وموهبة نادرة في مجالات مختلفة. لم يتجاوز عشر سنوات من عمر الشريف الرضي حتى بدأ في نظم الشعر، وأظهر موهبة لم يسبق لها مثيل. ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره حتى أصبح بارزًا في جميع المعارف والعلوم الإسلامية، وحقق مقامًا في نظم الشعر لم يصل إليه أحد.
كان السيد الرضي في عزة النفس والسمو، والسخاء والكرم، والالتزام بالأمور الشرعية، والابتعاد عن التملق والنفاق، والتقوى والورع في عصره لا يُضاهى. كانت روح الحرية في الشريف الرضي واضحة إلى حد أنه كان لديه علاقة صميمية مع أبو إسحاق صابي[٤] غير المسلم، وكان بينهما مراسلات علمية وأدبية؛ وعندما توفي، نظم السيد الرضي قصيدة رائعة وحزينة مرثية له[٥]. وقد استنكر بعضهم هذه المرثية، وعاتبوا السيد الرضي على أنه يترحم على شخص من نسل النبي، مثل أبو إسحاق صابي كافر، ويعبر عن حزنه لفقدانه! فأجاب السيد الرضي بأنه قد أثنى على فضله وكماله، لا على جسده[٦].
كتب الثعالبي، الأديب المعاصر للسيد الرضي، في عام 429 هجري عنه قائلاً: هو الآن نابغة العصر وأشرف أعلام العراق، وفي نفس الوقت شريف النسب وفخر الحسب، مزين بأدب ظاهر وفضل بارز، وحظ وافر من جميع الخيرات والفضائل. بالإضافة إلى ذلك، هو متفوق بين الشعراء الذين جاءوا من نسل أبي طالب، سواء من السابقين أو المعاصرين، وإذا قلت إنه متفوق بين شعراء قريش، فلن أكون مبالغًا، إذ أن الشاهد الصادق على ذلك هو أشعاره التي يمكن اكتشاف هذا الادعاء من خلالها؛ أشعار رائعة وثابتة، خالية من الضعف والعيوب، وفي نفس الوقت سلسة وسهلة، محكمة، وبمعاني رفيعة وعالية، وكأنها ثمار ناضجة ومشرقة[٧].
على الرغم من انشغالاته السياسية والاجتماعية والثقافية العديدة، ورغم المناصب المهمة والحساسة التي شغلها مثل نقابة الطالبين وإمارة الحج ورئاسة ديوان المظالم[٨]، ترك السيد الرضي في عمره الذي بلغ 47 عامًا آثارًا مهمة جدًا، حيث كانت كل واحدة منها متميزة ومهمة، وبعضها لا يزال موجودًا بينما فقد الكثير منها ولم يبقَ منها سوى اسمها. ومن بين آثار الشريف الرضي، يُعتبر نَهْجُ الْبَلَاغَة الأهم والأبرز، حيث لا يُضاهى أي كتاب بعد القرآن الكريم في علوه وبلاغته، وقيمته الخالدة، وقد ألفه السيد الرضي في عام 400 هجري، أي ست سنوات قبل وفاته.
نَهْجُ الْبَلَاغَة هو عنوان اختاره السيد الرضي لمختارات من الخطب والمواعظ، والرسائل والعهود، والكلمات القصيرة والكلمات القصار لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)[٩]، وهذا الكتاب يضيء في الثقافة الإسلامية كالشمس في منتصف النهار، ويعد صدفًا مليئًا بجواهر من الحكم العالية[١٠].
اسم نَهْجُ الْبَلَاغَة
السيد الرضي (ره) سمى هذا الكتاب نَهْجُ الْبَلَاغَة، أي الطريق والأسلوب البلاغي؛ لأن هذا الكتاب يفتح أبواب البلاغة أمام القارئ، ويقرب الباحثين عن البلاغة منه. يلبي حاجة العلماء والطلاب، ويحقق ما يبحث عنه البلاغيون والزهاد. منذ أن دخل هذا الكتاب عالم الثقافة والأدب، أصبح مشهورًا بين العلماء والخطباء وأهل الأدب، وبرز نجمه في الشام والعراق ونجد وتهامة...[١١].
المصادر، الشروح، الترجمات
هذا العمل العظيم يدل على المتحدث الكبير، ويقول عباس محمود العقاد، الكاتب والمؤرخ المصري المعروف: «عندما تتأمل جيدًا، تسمع صوت الإمام من وراء الكلمات، وليس صوتاً آخر»[١٢]. نَهْجُ الْبَلَاغَة، على مدار حوالي ألف عام من عمره، كان في متناول العلماء والطلاب وأهل العلم. كانوا يدرسون ويحفظون، ويستشهدون به في الخطب والخطابات. كتب المفكرون والباحثون شروحًا وتفسيرات له، وقاموا بترجمته. جميع الشارحين والمترجمين لنَهْجُ الْبَلَاغَة، الذين يزيد عددهم عن ثلاثمائة شخص، يعتقدون أن هذا الكتاب من تأليف العلامة الشريف الرضي، وقد حقق هذا التوفيق في جمع وتنظيم أقوال أمير المؤمنين، علي (عليه السلام) بأسلوب جذاب[١٣].
نَهْجُ الْبَلَاغَة في كلام العلماء والمفكرين
على عكس الكتب الروائية والحديثية الأخرى، تجاوز نَهْجُ الْبَلَاغَة حدود معتقدات التشيع والدين الإسلامي، وجذب العديد من العلماء من الأديان ومدارس أخرى. الدكتور طه حسين المصري، يضع فقط الوحي وكلام الله فوق كلام الإمام. ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي، إنه من الجدير بجميع علماء اللغة العربية أن يسجدوا أمام كلمات الإمام علي (عليه السلام)[١٤]. وفيما يلي بعض أقوال العلماء حول هذه الأثر الثمين: قال الإمام الإمام خميني: إن كتاب نَهْجُ الْبَلَاغَة، بعد القرآن، هو أعظم دستور للحياة المادية والروحية وأعلى كتاب لتحرير البشرية، وإن أوامره الروحية والحكومية هي أعلى طرق النجاة[١٥]. وقال الشيخ محمود شكري الآلوسي: إن نَهْجُ الْبَلَاغَة يشتمل على خطب أمير المؤمنين التي تفوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، وتقترب من مرتبة الإعجاز، وهي مبتكرة لطرق الحقيقة والمجاز[١٦].
وصلات خارجية
الهوامش
- ↑ حسن منتظري، آشنایی با نهجالبلاغه، مرکز مطالعات و پژوهشهای فرهنگی حوزه علمیه.
- ↑ أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبى، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، شرح وتحقيق مفيد محمد قميحة، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 ق، ص 3، ص 155؛ جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، أشرف على مراجعته ومقابلته الأصول لجنة إحياء التراث، دار مكتبة الحياة، بيروت، ص 236.
- ↑ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، دار الكتب العلمية، بيروت، ج 2، ص 246؛ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطاء، مصطفى عبد القادر عطاء، راجعه وصححه نعيم زرزور، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1412 ق، ج 15، ص 115؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج 12، ص 4؛ محمد باقر الخوانساري، روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، الطبعة الأولى، الدار الإسلامية، بيروت، 1411 ق، ج 6، ص 178؛ كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية عبد الحليم النجار، الطبعة الثانية، أفست دار الكتاب الإسلامي، قم، ج 2، ص 62.
- ↑ أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الحرانى
- ↑ أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي (الشريف الرضي)، ديوان الشريف الرضي، الطبعة الأولى، وزارة الإرشاد الإسلامي 1406 ق. ج 1، ص 381 - 385
- ↑ الكنى والألقاب، ج 2، ص 368.
- ↑ يتيمة الدهر، ج 3، ص 155.
- ↑ يتيمة الدهر، ج 3، ص 155؛ عمده الطالب، ص 237.
- ↑ السيد عبد الزهرة الحسيني الخطيب، مصادر نَهْجُ الْبَلَاغَة وأسانيده، الطبعة الثانية، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1395 ق. ج 1، ص 87.
- ↑ سيد هبة الدين الشيرازي، في حول نَهْجُ الْبَلَاغَة، ترجمة سيد عباس ميرزاده أهرى، الطبعة الثالثة، مؤسسة نَهْجُ الْبَلَاغَة، 1359 ش.
- ↑ شرح نَهْجُ الْبَلَاغَة، ص 7.
- ↑ عبقرية الإمام، ص 132 - 178.
- ↑ فهارس أبي العباس النجاشي وفهرس الشيخ منتجب الدين.
- ↑ محمد دشتي، معرفة نَهْجُ الْبَلَاغَة وفهرست نَهْجُ الْبَلَاغَة الكلي، نشر مؤلف، ص 151 - 163.
- ↑ الوصية السياسية الإلهية للإمام خميني (ره)، طهران، منظمة الإعلانات الإسلامية، ص 8.
- ↑ نفس المصدر، ج 1، ص 91.