قاعدة الأخذ بالأخفّ

من ویکي‌وحدت

«قاعدة الأخذ بالأخفِّ»: هذه القاعدة وشبهها کـ : «قاعدة الأخذ بالأقل» اصطلاح أصولي يراد بها العمل بأخفّ التکليفين وترک الأثقل منهما، كالأخذ بحج الإفراد؛ باعتباره أخفّ ما قيل من حج القِران أو التمتع؛ وكما في دية الذمي التي اتفق الجمهور على أنّها لاتزيد على دية المسلم، وإن اختلفوا فيما زاد عليها، حيث حكموا بالأقل بدعوى الإجماع عليه والشك فيما زاد عليه.

أولاً: التعريف

هو الأخذ بأخفِّ ما قيل في مورد لم يدلّ على حكمه دليل[١]، كالأخذ بـ : حج الإفراد؛ باعتباره أخفّ ما قيل من حج القِران أو حج التمتع. [٢] وقد وسّع بعضهم من ماهية الأخذ بالأخفّ ليشمل الاحتمالات المتخالفة التي تعارضت في إثباتها الأمارات. [٣]

الفرق بين الأخذ بأقل ما قيل وأخفّ ماقيل

يختلف اصطلاح أقل ما قيل عن أخفّ ما قيل في: أنّه لابدّ في الأول من كون الأقل مسلّما به بين الطرفين، كما في دية الذمي التي اتفق الجمهور على أنّها لاتزيد على دية المسلم، وإن اختلفوا فيما زاد عليها، حيث حكموا بالأقل بدعوى الإجماع عليه والشك فيما زاد عليه. وليس في مورد الأخفّ كذلك؛ لأنّ موردها في المتباينين لا المتداخلين[٤]، كما في مثال الحج الذي لايوجد بين أفراده قاسم مشترك يمكن التمسّك فيه بالإجماع. [٥] وهناك فرق آخر بينهما وهو: أنّ الأخذ بالأخفّ كما يتمسك به في اختلاف الأقوال، يتمسك به في اختلاف الاحتمالات؛ بناءً على تعريفه الموسّع، بينما لابدّ من الاقتصار في أقل ما قيل على اختلاف الأقوال دون الاحتمالات. [٦]

ثانيا: الحكم

اختلف فقهاء الإسلام في حكم الأخذ بأخفِّ ما قيل على عدّة آراء: الأول: وجوب الأخذ بالأخفّ، وهو المعروف بينهم، وبه صرّح بعض علماء الجمهور[٧]، بل اعتبره الميرزا التبريزي[٨] من قواعدهم التي أسسوها في هذا المجال، واختاره الطباطبائي من الإمامية. [٩]. واستدلّ لهذا الرأي بعدة أدلة: منها: قوله تعالى: «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ».[١٠].[١١] وأورد عليه بعدم وجود عسر فيما شرّعه اللّه‏ تعالى حتى في التكاليف الثقيلة؛ لأنّه تعالى يريد في جميعها لعباده اليسر ولا يريد لهم العسر. [١٢] ومنها: قوله تعالى: «مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».[١٣].[١٤] وأورد عليه بأنّ المراد من الحرج عدم طاقة المكلّف على القيام بفعل من الأفعال، ولا إشكال في طاقته على فعل الأثقل وتمكنه منه. [١٥] ومنها: أنّ الأخذ بالأثقل وإن كان أوفق بالاحتياط؛ إلاّ أنّ اللّه‏ تعالى ليس بحاجة إليه. [١٦] وأورد عليه: بأنّ في ترك الأثقل ضررا على المكلّف؛ لحرمانه من المصلحة التي تفوق مصلحة الأخفّ لو كان هو مأمورا به واقعا، فلابدّ من الالتزام به وترك العمل بالأخفّ. [١٧] الرأي الثاني: وجوب الأخذ بالأثقل، واستدلّ له أيضا بعدّة أدلة: منها: ما نسب إلى النبيّ(ص) من أنّ «الحق ثقيل قوي، والباطل خفيف وبيء».[١٨].[١٩] وأورد عليه بأنّ قولنا كلّ حق ثقيل لايعني أنّ كلّ ثقيل حق، إذ قد يكون الثقيل غير مأمور به واقعا، فلا يكون حقا. [٢٠] ومنها: قوله(ص): «أفضل الأعمال أجرا أحمزها»[٢١]؛ فإنّ الأثقل أحمز على الإنسان وأشق من الأخفّ، فيكون أفضل منه ومقدّما عليه. [٢٢] وأورد عليه: بأ نّه إنّما يكون كذلك إذا كان مأمورا به في الشرع، وهو غير مسلّم؛ لاختلاف الفقهاء فيه، وعدم اتفاقهم عليه. [٢٣] الرأي الثالث: التخيير بين الأخفّ والأثقل؛ لعموم الأخبار الدالة على التخيير. [٢٤] وأورد عليه: بأنّ إيكال أمر الأحكام إلى إرادة الناس واختيارهم يؤدي إلى الاختلاف في دين اللّه‏، وهو مرفوض؛ لقوله تعالى: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفا كَثِيرا».[٢٥].[٢٦] وبأ نّه لا يوجد هنا إلاّ حكم واحد، وهو جواز الأخذ بأحدهما، والاختلاف إنّما هو في اختيار الناس وانتخابهم. [٢٧] الرأي الرابع: عدم وجوب الأخذ لا بالأخفِّ ولا بالأثقل؛ لأصالة البراءة من أي تكليف لم تنص عليه الشريعة. ولعلّ الإشكالات التي أوردوها على الآراء المتقدّمة دعت المحقّق الحلّي ـ وهو من كبار علماء الإمامية ـ إلى الأخذ بهذا الرأي ورفض تلك الآراء معتبرا إيّاها من الأمور الباطلة. [٢٨] لكن كلامه إنّما ينسجم مع الاعتقاد بعدم حجّية الإجماع المركّب المنعقد هنا؛ لأنّهم رغم اختلافهم فياختيار الأخفّ أو الأثقل إلاّ أنّهم متفقون على رفض انتفائهما معا، ويؤيده عبارة المحقّق المذكور الذي قال في مستهل بحثه عن هذه المسألة: «إذا اختلفت الأمة على قولين، هل يجب الأخذ بأخفهما؟».[٢٩] وهو يعني أنّهم متفقون على نفي ما دونهما، فمن رفض الأخذ بالأخفّ والأثقل معا فعليه الالتزام برفض الإجماع المركّب في هذا المجال ايضا.

المصادر

  1. انظر : الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 303، المحصول (الرازي) 2 : 576، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4 : 482، معارج الأصول : 214، نهاية الوصول 4 : 444.
  2. انظر : الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 304.
  3. البحر المحيط 6 : 31.
  4. المحصول الرازي 2 : 577، البحر المحيط 6 : 31.
  5. الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 304.
  6. البحر المحيط 6 : 31.
  7. الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 482.
  8. أوثق الوسائل : 375.
  9. مفاتيح الأصول : 711.
  10. البقرة : 185.
  11. انظر : الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 482، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 4 : 444.
  12. انظر : الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 304، معارج الأصول : 215.
  13. الحج : 78.
  14. انظر : الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 482، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 4 : 444.
  15. انظر : معارج الأصول : 215.
  16. المحصول الرازي : 2 : 576، معارج الأصول : 214.
  17. انظر : معارج الأصول : 216.
  18. نقل الحديث في عدّة مصادر باختلاف يسير عن الرسول(ص)تارةً وعن الإمام علي عليه السلام أخرى. انظر : نهج البلاغة مع شرح محمد عبده 4 : 105، الآمالي (الطوسي) : 533، كنز العمّال 13 : 385.
  19. انظر : نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 4 : 444.
  20. انظر : نهاية الوصول 4 : 445، المحصول الرازي 2 : 577.
  21. البحار 67 : 191.
  22. انظر : معارج الأصول : 215.
  23. انظر : المصدر السابق.
  24. الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 303، مفاتيح الأصول : 711.
  25. النساء : 82 .
  26. نقل ذلك عن أبي محمد في الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 303.
  27. انظر : الإحكام ابن حزم 5 ـ 8 : 303.
  28. معارج الأصول : 214.
  29. المصدر السابق.