عوامل الوحدة
عوامل الوحدة هي العناصر المؤدّية إلى تعزيز الوحدة بين المسلمين. ويمكن تلخيصها فيما يلي :
عوامل الوحدة
وحدة المعتقد
إذا كان علماء الأُمّة في الغرب الصليبي يبعدون العامل الديني على أن يكون عامل توحيد، فإنّهم يقيسون الدين الإسلامي على دينهم الذي استبعدوه عن التأثير عليهم، وإذا حصل أن تواضعوا في التعامل معه فإنّهم يضعونه في ذيل قائمة العوامل الأُخرىٰ التي في مقدّمتها الجنس واللغة والثقافة.
وإذا كان هؤلاء الغربيّون يبعدون (الدين) عن التأثير في بناء وحدة أتباعهم فنحن كمسلمين نرىٰ تأثير الإسلام في بناء وحدتنا من الإيمان والانقياد كما تحدّث فيه كتاب لربّنا «القرآن الكريم»
الذي قرّر ذلك بآيتين كريمتين، هما : قوله تعالى : (إِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (سورة الأنبياء : 92)، وقوله تعالى : (وَ إِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (سورة المؤمنون : 52)، ثمّ في أمره الصريح للأُمّة في الاعتصام جميعاً بحبل اللّٰه ونهيه إيّاها عن التفرّق والاختلاف : (وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّٰهِ جَمِيعاً وَ لاٰ تَفَرَّقُوا) (سورة آل عمران : 103).
إنّ العقيدة الإسلامية هي العامل الأكبر من عوامل توحيد أُمّتنا في المشاعر والأهداف، بل في الآلام والآمال، لكلّ مسلم يشهد أن لا إلٰه إلّااللّٰه وأنّ محمّداً رسول اللّٰه وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحجّ البيت، بغضّ النظر عمّا وراء ذلك من اختلاف في الفروع قد يوجد مثيلها داخل مذهب من المذاهب.
وحدة التاريخ المشترك
إنّ المتابعة الواقعية لأحداث التاريخ تؤكّد أنّ ما وقع في تاريخ المسلمين من هزائم أو انتصارات عاش المسلمون نتائجه معاً وإن تباعدت بينهم الأقطار، وأنّ كلّ حدثٍ يقع يترك صداه وتنعكس أفعاله على الجميع أيّاً كان موقعهم.
وهذا يؤكّد وحدة التاريخ ووحدة الآلام والآمال التي عاشتها الأُمّة المسلمة عبر تاريخها الطويل، بل يؤكّد أنّ لهذا التاريخ آثاره التي يجب أخذها في الاعتبار عند تقويم أوضاع الأُمّة ودراسة الإيجابي والسلبي من المواقف والتصرّفات التي ينبغي أن تستفيد منها في التخطيط للمستقبل.
وحدة المستقبل والمصير
التحدّيات التي تواجهها الأُمّة توجب توحيد تعاملها مع المتغيّرات المستجدّة، بل يجب على الحكومات والشعوب الإسلامية بل وعلى الأفراد من المسلمين من ذوي الرأي والمشورة أن يعملوا على تحقيق ذلك، وأن يكونوا على وعي شامل بخطر ما يخبّئه المستقبل للإسلام والمسلمين.
إنّ بعض المفكّرين الغربيّين الحاقدين على الإسلام يصرّحون بأنّ المستقبل سيكون في صالحهم.
من ذلك ما صرّح به «صاموئيل هانتجتون» فيلسوف الاستراتيجية الغربية المعاصرة في كتابه الشهير «الإسلام والغرب.. آفاق الصِدام»، حيث زعم أنّ الصراع في القرن الحادي والعشرين هو صراع الحضارات،
وأنّ التفوّق الحتمي هو للحضارة الغربية - أي: المادّية العلمانية - وللعالم الصليبي، وليس للعالم الإسلامي! (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اَللّٰهِ بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ يَأْبَى اَللّٰهُ إِلاّٰ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكٰافِرُونَ) (سورة التوبة : 32).
بل إنّ الأمر في الغرب لم يقف عند تصريحات رجال الدين المخطّطين من صنّاع الفكر السياسي، بل جاوز الأمر إلى أن يعلن بعض مفكّريهم البارزين أنّه بعد القضاء على العدوّ الأحمر «الاتّحاد السوفيتي» لم يبق أمام الغرب بزعامة الولايات المتّحدة سوى العدوّ الأخضر، ويعنون بذلك الإسلام !
فهل يكون من المقبول أو المعقول شرعاً وسياسةً السماح بالتفريط ولو للحظة في إعلان الالتفاف حول شعار وحدة العمل للمسلمين في مواجهة هذه المخاطر الكبار.
رابعاً : وحدة العمل لأداء الواجب الإسلامي.
إنّ لقضية وحدة المسلمين وجهاً آخر إنسانياً مؤسّساً على ما هو منوط أن يقوم به المسلمون، كما في قول الحقّ سبحانه : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ) (سورة آل عمران : 110)، فالخيرية هنا لا تستند إلى تمييز للعرق أو الجنس أو اللون أو الشعب أو القبيلة على نحو ما يزعم به بنو إسرائيل من أنّهم شعب اللّٰه المختار
ولكنّها خيرية على العمل الصالح والتحذير من الشرور، وذلك في نطاق مرحلية الدعوة ومراعاة الظروف المحيطة بالداعي والدعوة.
إنّ مهمّة الأُمّة وواجبها أن تأخذ بما أمر الإسلام في قضايا العدل الاجتماعي وحقوق عباد اللّٰه في الحصول على نصيبهم من رزق اللّٰه تعالى، وأن تعلن للعالم موقف الإسلام من ذلك إعلان أعمال، وليس إعلان أقوال ؛ لتكون قدوة لبني البشر، وبذلك يتحقّق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما أنّ من واجبها أن تعلن موقف الإسلام واعتداده به وتكريمه للعلماء وأن يضعوه في الإطار الأخلاقي النافع للبشرية، لا أن يطلق العنان دون قيد أخلاقي للباحثين أو ديني، فيبحث الباحثون في موضوعات تقود البشرية إلى الفناء والدمار، مثل الاستنساخ، وتطوير أسلحة الدمار الشامل، والأوبئة الفيروسية.
ورغم أنّ الوحدة الإسلامية بعيدة التحقّق من الناحية السياسية، فإنّ وحدة العمل الإسلامي ممكنة، بل هي ذات فائدة كبرىٰ للمسلمين ؛ لأنّ بعضهم يكمّل بعضاً في نواحٍ عديدة.
ووحدة العمل الإسلامي تشير إلى وحدة المسلمين حيثما يتّجهون في جميع أقطار الأرض عند الصلاة إلى الكعبة المشرّفة في مكّة المكرّمة،، فلماذا لا تكثّف المساعي على وحدة المصالح والأهداف والآمال المشتركة ؟!
وحدة الشعائر المشتركة
إنّ القيام ببعض الشعائر التي لها الأثر الأكبر في تحقيق الوحدة، كإقامة صلاة الجمعة والجماعة وصلاة العيد التي تقام في كلّ بقعة من بقاع الأرض التي يسكنها المسلمون أو يتواجدون فيها وإن كان الوسط الجماهيري مسيحي التديّن أو يهودي أو غيرهما ؛
إذ أنّ اصطفاف المسلمين على كافّة مشاربهم وثقافاتهم ومستوياتهم العلمية والاجتماعية يخلق حالة خاصّة يمكن أن تقارب من وجهات النظر من خلال تبادل الأحاديث والأخبار الحادثة الراهنة وهم في وسط طقوسي عبادي روحي يُقرّب إلى اللّٰه زلفىٰ، فيعين على التآلف والتوادد، ويزيل البغضاء إلى أقصىٰ حدّ ممكن.
ولعلّ هذا هو الهدف الذي من أجله حثّ الشارع المقدّس على الالتزام بصلاة الجماعة في المساجد، وحضّ المسلمين على المداومة عليها دون انقطاع في روايات وأخبار كثيرة.
ومن الأعمال المساعدة على الوحدة إقامة المؤتمرات المخصّصة للبحث والدراسة في المسائل ذات العلاقة بهذا الاتّجاه ؛ لما تلعبه هذه المؤتمرات من دور حيوي على أكثر من صعيد :
- برمجة أُسلوب العمل وحيثيات تنظيمه.
- توجيه اهتمام الأُمّة واستقطابه باتّجاه الأزمات الراهنة التي تحيط بها.
- إيجاد التفاعل الحركي وبلورته على أرض الواقع.
- تحديد الأزمات المستجدّة، وتشخيص خطوطها العامّة ؛ لغرض التعرّف على عمقها ومقدار خطورتها.
- توجيه الخطاب السياسي والفكري والاجتماعي والثقافي والعلمي وحتّىٰ الأمني من خلاله بحيث يمكن إطلاق مفرداته في سبيل «تحريك» العناوين المشتركة بين العرب والمسلمين.
- فتح الحوار السياسي الحيوي الواسع بين الأطراف العربية والإسلامية ؛ لغرض صبّها في خطّ الصراع الحقيقي والمواجهات المصيرية.
- توجيه كافّة الاستعدادات والإمكانيات والقدرات لمواجهة العدوّ الصهيوني وعملائه في حرب متعدّدة الأغراض والأهداف.
- دفق القضية بالحيوية والروح النابضة بالحياة ؛ لتعيشها الأُمّة بكلّ جوارحها وتدرجها ضمن همومها.
فإقامة المؤتمرات الدورية المستمرّة ودعوة الثلّة المؤمنة والغيورة من كافّة الشرائح الثقافية والفكرية والعلمية المختلفة إنّما هو تشكيل حيوي يقوم بلا شكّ بدوره الفعّال ضمن عمليات المواجهة والتصدّي لكلّ المؤامرات التي تحيكها المراكز الغربية الأمريكية والدوائر الصهيونية العالمية التابعة لها في دهاليز وكالاتهم الاستخباراتية السيّئة الصيت لاحتواء الأُمّة الإسلامية وامتصاص خيراتها وثرواتها التي منّ اللّٰه تعالىٰ بها عليها.