عوائق التقريب

من ویکي‌وحدت

عوائق التقريب: ما يقف حاجزاً وعملية التقريب بين المذاهب، والتي منها :
1 - بعض الإخفاقات السياسية والاجتماعية - كائناً مَن كان المسؤول عنها - التي ابتليت بها بعض الدول ذات المشروع الإسلامي، وبعض الحركات الإسلامية.
إنّ الإخفاق الاجتماعي والسياسي يخلق تيّاراً نكوصياً مرتدّاً في تفكيره إلى الماضي، لتفجير غضب الذات فيه، والمجال المذهبي هو أحد المجالات الخصبة لنموّ مثل هذا الواقع.
2 - ومن هذه المشكلات المعيقة أيضاً : الصورة النمطية للشيعة في العقل الجمعي لدىٰ الكثير من أهل السنّة.
إنّ الإصرار على تصوير الشيعة - وهم أُمّة بكاملها - بأنّهم جماعة مغالية مشركة تعبد القبور والمراقد، وتؤلّه أهل البيت عليهم السلام، وتسجد للحجارة، وتقول بتحريف القرآن و... يعيق أيّ إمكانية أو فرصة لفتح صفحة جديدة في التعامل بين المذاهب، وذهاب بعض علماء الشيعة إلى قولٍ ما لا ينبغي تضخيمه لنسبة ذلك القول إلى المذهب برمّته، إنّ هذه السياسة سياسة تصعيدية تحاول تعظيم الأحداث الطفيفة، ومن ثمّ فمن المفترض دراسة هذه الموضوعات بذهنية محايدة، يمكنها تفهّم الآخر، وتفسير تصرّفاته تفسيراً منطقياً سليماً.
3 - ومن هذه المشكلات أيضاً : الصور الخاطئة عن أهل السنّة والجماعة في وعي بعض أبناء الطائفة الشيعية.
إنّ تصوّر أهل السنّة مبغضين لأهل البيت عليهم السلام، أو ناصبين بما يعنيه معنىٰ النصب في الفقه الإمامي وما يحمله من دلالات ومستتبعات، أو أنّهم مجسّمة، وافتراض أهل السنّة جماعة واحدة، فما قاله فقيه أو متكلّم منهم ألزمنا عمومهم به، وتصوّرهم قديماً أعداءً أشدّاء للشيعة لا توجد في قلوبهم رحمة عليهم أو محبّة دينية لهم، ذلك كلّه يعيق مجال التقارب والتعاون، ويخلق حواجز صلدة في وجه مشروع التقريب، ذلك أنّ أحد أسباب هذه الصور المغلوطة عند الطرفين عن بعضهما البعض هو الانفصال واللاتعايش الإنساني بين الجماعات، إضافة إلى عدم استعداد البعض لتغيير صورته النمطية التي كوّنها عن البعض الآخر.
إنّ سياسة تضخيم الأحداث الطفيفة أو بعض المقولات المحدودة التأثير لا تخدم، لا الحركة العلمية السليمة ولا الاجتماع ولا السياسة.
ومن اللازم الاعتقاد بضرورة دراسة حدود الإسلام، وما به يخرج الإنسان عنه أو يدخل فيه، لكن دراسة علمية دقيقة محايدة، تستهدف رسم المعالم العقيدية والفقهية للموضوع، بعيداً عن أيّ أحكام مسبقة أو تعصّبات ضاغطة.
إنّ بعض الناس يعتبرون الكفرة خيراً من بعض المسلمين، حتّى لو لم يطلق عليهم عنوان الكفر أو الشرك، فضلاً عمّا إذا أُطلق ! وهذه مشكلة حقيقية. إنّ إسلاماً لا نرضىٰ عن بعض تفاصيله أفضل من كفر لا نلتقي معه في أيّ شيء.. ولن يكون من الواقعي ومن الإخلاص للإسلام أن نتحدّث كما يتحدّث بعض الناس بأنّ الكفر أقرب إلينا من إسلام مخلوط ببعض الكفر، أو ببعض الشرك، أو ببعض الانحراف، فيما تتصوّره اجتهاداتنا الكلامية أو الفقهية، أو أنّه يتساوى معه ؛ لأنّ مثل هذا الكلام يوحي بالتعصّب الذي يريد أن يدمّر خصمه، حتّى لو كان في ذلك تدمير نفسه.
4 - ومن عوائق التقريب الأُخرىٰ : استبعاد المشروع لجماعةٍ أو فريقٍ من المسلمين، أو استبعاد فريقٍ من المسلمين نفسه عن مثل هذا المشروع.
5 - وثمّة نوع آخر من المشكلات التي تعيق حركة التقريب والوحدة، وهو : الأداء الذي تمارسه الأطراف في الواقع الميداني، إنّ بعض ظواهر القمع والإقصاء ومنع الحرّيات الدينية والتضييق على شعائر الطوائف المختلفة وما شابه ذلك، يؤدّي إلى تكريس منطق العداء بين الأطراف.
من هنا فإنّ اللازم على الدول السنّية وغيرها أن تفسح في المجال لأقلّياتها المذهبية بممارسة شعائرها وطقوسها بحرّية معقولة، حتّى يكون ذلك تنفيساً للاحتقان المختزن عبر العصور، ومؤكّداً على جدّية التعامل الوحدوي بين الأطراف.
إنّ الحرّيات الدينية بإمكانها أن تزيل واحدةً من أكبر عوائق التقارب، ألا وهي إشكالية التقيّة.. إنّ استخدام الشيعة للتقية على نطاقٍ واسع كانت له أسبابه التاريخية القمعية التي استخدمت عبر العصور ضدّ العلويّين والموالين لأهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله، وقد ظلّت ثقافة التقية حاضرةً في الوعي الشيعي والفقه الإمامي حتّىٰ عصرٍ قريب، انطلاقاً من إحساس الشيعة بالخطر على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم فيما لو أفصحوا عن آرائهم ومعتقداتهم، فإذا تعزّزت الحرّيات الدينية بشكلٍ هادئٍ ومنطقي، فبالتأكيد لن يشعر الشيعة بعد اليوم بأنّهم مضطرّون لممارسة التقية حفاظاً على أنفسهم، بل سيجهرون بأفكارهم، ممّا يدفع التعارف والتكاشف إلى مزيدٍ من وضوح الأفكار، وتزايد الثقة المتبادلة بالأطراف، وهذا ما يعزّز الحوار والتفاهم والتعاضد بلا مرية.
على صعيد آخر، يفترض بالأقلّيات أن تستفيد منطقياً من هامش الحرّية التدريجي الذي منحتها إيّاه الأكثرية، وأن لا تتعسّف في استخدام الحقّ أو تتهوّر في توظيفه، بما يفضي إلى إعادة الأُمور كما كانت، وهو الأمر الحاصل جدّاً في حياتنا السياسية عموماً، نحن العرب والمسلمين.
يجدر عدم إحراق المراحل، وعدم الاستعجال في التنفّس داخل مناخ الحرّية، وعدم إحراق الأوراق كافّة.
إنّ العلاقة الجدلية بين أداء الحاكم والمحكوم علاقة لا يمكن تفكيكها، فينبغي التعامل مع الحاكم بوصفه إنساناً لا ملاكاً.
ينبغي على علماء الأطراف المسلمة وفقهائها إعادة قراءة بعضهم بعضاً بعيداً عن السياق الجدلي السجالي، كما يفترض بهم إعادة قراءة ذواتهم أيضاً بعيداً عن الخوف أو القلق من الإصلاح الداخلي المفضي للإطاحة بكلّ ما لا يثبته الفقه بمدارسه المختلفة، غاية الأمر أنّه قد علق في الوعي الجمعي والذاكرة الجماعية عبر العصور.