علاقة الدِّين بالفطرة

من ویکي‌وحدت

هناك علاقة وثيقة بين الدِّين والفطرة يبدو من خلاله أن الدين الإلهي ينطبق المأة بالمأة مع ما يحتاجه الإنسان في حياته المادية والمعنوية.

علاقة الدِّين بالفطرة

ومن تتبع كلمة الدِّين في القرآن الكريم، مُعَرَّفـة أو منكـرة، مجـردة أو مضافة: يجد لها معاني كثيرة يحددها السياق. كالجزاء، مثل: >مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ<. والطاعة، كما في قوله تعالى: >وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ<. والأصول العقدية، كما في قوله تعالى: >شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ<. والحساب، قال تعالى: >إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً في‏ کِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِکَ الدِّينُ<. والقانون: قال تعالى: >فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخيهِ کَذلِکَ کِدْنا لِيُوسُفَ ما کانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ في‏ دينِ الْمَلِکِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ<. وقد يُراد بالدِّين الإسلام خاصة، كقوله تعالى: >هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ<. كما قد يُراد به العقيدة التي يدين بها قوم من الأقوام، وإنْ كانت باطلة، كما في أمره تعالى لرسوله أن يقول للمشركين الكافرين: >لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينٌِ<. وقال تعالى في شأن أهل الكتاب: >يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ<. والدِّين هنا الذي جاءت به الرسل كلُّهم كما قال الحافظ بن كثير هو: >عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال عز وجل: >وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ<. وقال النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): >الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ<. أي القدر المشترك بينهم هو: عبادة الله وحده لا شريك له، وإنْ اختلفت شرائعهم ومناهجهم، كقوله تعالى: >لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً<. لهذا قال تعالى ههنا: >أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ<؛ أي وصَّى الله تعالى جميع الأنبياء بالائتلاف والجماعة، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف<. وقال التهانوي: >أنَّه وضع إلهيٌ سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم، إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل<. ومن جانب آخر، قد أخبر أنَّ الناس أحرارٌ في قبول الدِّين، وذلك بعد أنْ تبيَّن الرُّشد من الغي: >لاَ إِكْراهَ فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِِّ<. مع أنَّ الأنبياء يدعون الناس إلى الدِّين الحق، ولكنَّ النَّاس قد يختلفون في الدِّين الذي أرسل إليهم؛ لأنَّ منهم يريدون تطويع الدِّين لأهوائهم، وعلى هذا حين يقال: متدينٌ أو متمسكٌ بدينه، يراد به الذي تمسَّك بالدِّين الذي طوَّعه لأهوائه، وهذا ما كشف عنه السِّتار القرآن: >وَکَذلِکَ زَيَّنَ لِکَثيرٍ مِنَ الْمُشْرِکينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَکاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ<. وقوله تعالى: >مِنَ الَّذينَ فَرَّقُوا دينَهُمْ وَکانُوا شِيَعاً کُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ<. وقوله تعالى: >وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُوني‏ أَقْتُلْ مُوسي‏ وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دينَکُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ<. وإنْ كان الأصل أنْ تجري الأمور كلُّها في هذا العالم وفق دين الله تعالى؛ أي حسب الفطرة؛ لأنَّ الفطرة هي دين الله، فأطلق تعالى مفردة الخلق وأراد منها الدين: >وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا<. قال مجاهد: >يَعْنِي دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». وعلى هذا فالدِّين هو إسم للقوانين التي تنظّم علاقة الإنسان بخالقه وبكلّ ما يحيط به من الموجودات. وبعبارة أخرى أنَّ الدِّين ليس منحصراً بمجموعة من الإعتقادات والعبادات والأخلاق والمعاملات، بل هو الحياة بذاته. كما أنَّ الوضوء والصَّلاة موضوع الدِّين كذلك العلوم الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والتَّقنيات البشرية كلُّها موضوع الدِّين؛ لأنَّ الذي وضع القوانين للشَّرعيات والتَّكوينيات هو الله وحده. فكلُّ ما في الوجود يقوم بما وكّل به من الأعمال والوظائف، إلاَّ الإنسان الذي أعطاه الله تعالى الإرادة الحرَّة. قال الله تعالى: «اَفَغَيْرَ د۪ينِ اللّٰهِ يَبْغُونَ وَلَهُۤ اَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَاِلَيْهِ يُرْجَعُونَ». فجميع ما في الكون يعمل وفق دين الله تعالى أي وفق سننه تعالى، ولا وجود لمخلوق يخالف سننه إلاَّ الإنسان. مع أنَّ عبادته مخلصين له الدين، ممَّا تطلبه الفطرة؛ حيث عبَّر سبحانه وتعالى عن الدِّين بالفطرة: «فَاَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا فِطْرَةَ اللّٰهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللّٰهِ ذٰلِكَ الدِّين الْقَيِّمُ وَلٰكِنَّ اَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ». كما إستغرب الهدهد من إشراك الناس بالله تعالى، حيث يقول: «وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ اَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ * اَلَّا يَسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذ۪ي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. اَللّٰهُ لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظيمِ». فللعلاقة الوثيقة بين الدِّين والفطرة تمنع إنتشار الخرافة والمفهوم الخاطئ للدِّين في المجتمع؛ لأنَّ الدِّين الذي يخالف الفطرة السَّليمة لا يمكن أنْ يكون دين الله تعالى الذي فيه طاقة وإمكانية تدبير وتنظيم حياة البشر بمختلف مجالاتها: الكونية والإعتبارية؛ وذلك لأنَّ الآيات تنقسم إلى قسمين؛ الأول: الآيات الكوينة؛ والثاني: الآيات الكتابية. والآيات الكونية مخلوقة؛ والآيات الكتابية منزَّلة. ولا فرق بين من قرأ آيات الله المسطورة في الكتاب وتفكَّر فيها، ومن وصل إلى النتائج الصَّحيحة بدراسة آيات الله المنثورة في الكون. فكلاهما بذل الجهود للوصول إلى الحكمة: «سَنُريهِمْ اٰيَاتِنَا فِي الْاٰفَاقِ وَفيۤ اَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ اَنَّهُ الْحَقُّ». وقوله تعالى: «وَفِي الْاَرْضِ اٰيَاتٌ لِلْمُوقِنينَ وَفيۤ اَنْفُسِكُمْ اَفَلَا تُبْصِرُونَ». والشاهد على أنَّ الدِّين يعمُّ معنى الفطرة وغيرها هو: أنَّ الكتاب أيضاً كما يحتوي على المعارف الإلهية، كذلك يحتوي على آيات الله المخلوقة؛ كما قال تعالى: «قَالَ الَّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ». وهو علم من درس آيات الله المنثورة في الكون وتدبَّرها، وقد إكتشف من سنن الله تعالى في الكون بعد ما بذل جهدا كبيرا للوصول إلى هذه السنن والقوانين. وهذا معناه أنَّ الكتاب له مصداقان: كتاب التشريع وهو المكتوب المنزَّل المجموع بين الدَّفَّتين الموجود بين أيدينا؛ وكتاب التكوين الذي نراه بأعيننا المخطوط المخلوق بيد قدرتة تعالى المطلقة. والتعبير عن الدِّين بالفطرة تعني أنَّه على الإنسان أنْ يعيش حسب الفطرة أي وفق سنن الله وقدره في الخلق. أي أنَّ الإنسان مأمور بما هو مجبول عليه. والنظريات والعلوم التي وصل إليها الدول غير الإسلامية معلومات ناقصة، لأنهم أهملوا الدراسة في الآيات المسطورة المنزلة. أي أنَّهم لن يصلوا إلى القمَّة ودرجة الطُّمأنينة من العلوم والتطورات. ومن المؤسف بسبب عدم النظر المسلمين إلى الآيات الكونية ودراستها مع هذه التَّأكيدات القرآنية أصبحوا يتبعون كلَّ جديد في العالم غير الإسلامي، ففقدوا الثقة بأنفسهم التي أدَّت إلى صدمة شديدة في جميع طبقات المجتمع الإسلامي؛ لأنَّه طريق محفوف بالمخاطر التَّربوية والثّقافية والدّينية، بالرَّغم ما يعطيه للمسلمين من راحة نفسية تجعلهم وبلادهم محتاجين إلى أعدائهم الموجب لتسلُّطهم على تغيير دين المسلمين وهويتهم. مع أنَّ القرآن يخاطب جميع البشرية، وأحكامه قيميَّة تنطبق مع طبيعة الإنسان إلى أنْ تقوم الساعة، وأنَّ الزمان غير قادر على جعل أحكامه غير فعالة أو عديمة القيمة. وأحكامه صالحة في كل مكان يعيش فيه الإنسان، ولا يوجد مكان ولا زمان لا يمكن تطبيق أحكامه فيهما. فالتغيير في سنن الله تعالى يكون حسب سننه أيضا؛ فمثلاً يوجد فرق بين الضغط الهوائي وبين النقطة التي يغلي فيها الماء. حيث يقل الضغط الهوائي حين يزداد الإرتفاع وتنخفض درجة غليان الماء. وقد بيَّن سبحانه وتعالى في كثير من الآيات القرآنية أهمية الفطرة متأكدا أنَّ دين الله تعالى هو الفطرة؛ لأنَّ الفطرة هي المبادئ والقوانين التي تحكم جميع الكائنات. فدين الله تعالى هو الحياة المنسجمة تمأمَّا مع ما وضعه الله تعالى من المبادئ والقوانين. وكون الدِّين هو الفطرة فهذا يعني الشُّمول، وأنَّ جميع النَّاس مكلَّفون باتباعه، وأمَّا الكافرون فقد جحدوا خلافاً لما إعترفت به فطرتهم: >وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوّاً<.