عبد المحسن الأُسطواني

من ویکي‌وحدت
عبد المحسن الأُسطواني
الاسم عبد المحسن الأُسطواني‏
الاسم الکامل عبد المحسن الأُسطواني‏
تاريخ الولادة 1372 ه / 1853 م
محل الولادة دمشق
تاريخ الوفاة 1385 هـ / 1963 م
المهنة
الأساتید
الآثار
المذهب سنّي

عبد المحسن بن عبد القادر بن عبد اللَّه بن حسن الشهير بالأُسطواني: العلّامة الفقيه، أمين الفتوى، قاضي الشرع الأوّل، أحد جهابذة العلم، الأديب، المشارك في السياسة.

الولادة

ولد في دمشق عام 1275 ه من أُسرة أنجبت العلماء، ترجع أُصولها إلى جبل نابلس في فلسطين، قدمت إلى دمشق، واستوطنت في الصالحية قبل القرن السابع، وقد كانوا يقلّدون مذهب أحمد بن حنبل، ثمّ أخذوا في القرن الحادي عشر بالمذهب الحنفي.

الدراسة

طلب علومه على العلّامة أبيه أوّلًا، ثمّ على كبار علماء دمشق، فلازم الشيخ سليم العطّار عشرين سنة، بدأ عليه أوّلًا، ثمّ بعد ثلاث سنوات رافقه في الطلب عطا الكسم بتزكية منه، فلازماه سبع عشرة سنة، وكان إذا سُئِل الشيخ سليم عن طلّابه قال: «الأُسطواني والكسم، والباقي رسم». وأخذ المترجم عن: الشيخ سعيد الأُسطواني، والشيخ محمود الحمزاوي، وغيرهم، وأجازوه بإجازات حافلة.
وبعد وفاة والده سنة 1314 ه عيّن إماماً في جامع البزورية القريب من بيت أسعد باشا العظم حتّى سنة 1326 ه.
كان كريم الخلق، لطيف المعاشرة، ذا نكتة، وله مواقف عظيمة في وجه الظلم والطغيان، جريئاً لا يخاف في اللَّه لوماً؛ ولهذا هابه الحكّام، صادقاً في حديثه، نزيهاً في حكمه،
يعطف على المضطهدين والمظلومين وينصفهم، ومع هذا فهو صاحب دُعَابة لا تفارقه غالب أحواله، كثير الجلوس في الجامع الأُموي وحوله أهل العلم والورع يتذاكرون.
وقد اتّفقت الألسنة على زهده وورعه وعلمه وديانته، وربّما لهذا السبب لقّبه العامّة (السبع الأحول) لِقَبَلٍ في عينه اليسرى وضمور فيها. رُزِقَ فهماً عميقاً، وبديهة سريعة، وظهر
نبوغه مبكّراً ممّا جعله محلّ إعجاب شيوخه وكبار رجال عصره، مثال الوفاء، وخاصّة لصديق عمره وزميله الشيخ عطا الكسم، عملا معاً على حفظ القرآن الكريم، ولم تغيّر المناصب ما بين الصاحبين، بل كانا يتوادّان ويتشاوران فيما يعرض لهما من أُمور، وكان الشيخ عطا المفتي لا يبثّ أمراً إلّابمشورته.
وكان بارّاً بوالديه يحبّهما، وقد حدّثوا عنه أنّه كان ذات مرّة في قافلة الحجّ ومعه والدته، وفي بعض الطريق اشتهت أن تأكل جبن (القشقوان)، وبحث طويلًا عمّا تريد حتّى وجد جبناً مع الشيخ عبد الرحيم دبس وزيت الذي كان يرافق القافلة... وبعد مدّة عزّ الماء وقلّ، وعطش الشيخ عبد الرحيم عطشاً شديداً، وخطر له أن يستسقي المترجم، فبحث عنه، وطلب منه ماء على استحياء خشية أن يثقل عليه،
فقال له: «كيف لا أُعطيك ماءً، وكنت أنت سبب رضاء أُمّي عليّ وابتهاجها؟!».
قدّره السلطان رشاد كلّ التقدير، فقد اتّفق أن ذهب في أثناء الحرب العالمية الأُولى مع الهيئة العلمية برئاسة الشيخ أبي الخير عابدين مفتي الشام إلى إسطنبول للاطّلاع على أحوال الجنود العرب في الجيش التركي المرابط في الدردنيل، فطلب منه السلطان إلقاء درس في جامع السلطان على غير استعداد منه، فلبّى ودار الموضوع حول الحديث الشريف: «إنّما الأعمال بالنيات»، وحضر الدرس كبار العلماء والأُمراء والقضاة وكبار رجال الدولة وطلّاب العلم يزيد عددهم عن خمسة آلاف، فاستحوذ على إعجابهم كلّهم، ثمّ أقام السلطان رشاد حفلًا تكريمياً للوفد، وخصّ المترجم بأكبر قسط من الحفاوة والرعاية،
وتقدّم إليه فقبّل يده أمام الأُمراء والوزراء، وهذه أوّل مرّة تقع من سلاطين بني عثمان الأواخر. وكان يرافقه في الوفد الشيخ عبد القادر الخطيب ممثّلًا عن خطباء دمشق، والشيخ تاج الدين الحسني نيابةً عن والده الشيخ بدر الدين، والسيّد عطا العجلاني نقيب الأشراف.
أحبّ العلماء وروى قصصهم، وقد عاصر بعضها، وهو يتحدّث عن وقوفهم في وجوه الطغاة. لم يعرف التعصّب أبداً، بل كان يتبادل الرأي مع صديقه السيّد محسن الأمين
المجتهد الشيعي المعروف يتعاونان معاً، ويسدّان طرق الدجّالين من أصحاب الطائفية.
تقلّب في وظائف عديدة علمية وسياسية منذ اكتمل شبابه إلى ما قبل وفاته بسنوات، فشغل أمانة الفتوى أوّل وظيفة له عند ستّة من مفتيّي الشام، وهم: الشيخ محمود حمزة، فالشيخ محمّد المنيني، فالشيخ صالح قطنا، فالشيخ رضا الحلبي، فالشيخ سليمان الجوخدار، وأخيراً الشيخ أبو الخير عابدين، وكان عمره يوم تسلّمها ثلاثين سنة، وبقي فيها حتّى قبيل الحرب العالمية الأُولى، إذ نجح في الانتخابات، وعيّن نائباً في مجلس المبعوثان عام 1913 م، وانتخب معه عن دمشق كلّ من: عبد الرحمان اليوسف، وأمين الطرزي، ومحمّد باشا العظم. وفي سنة 1329 ه/ 1911 م، تقدّم مرشحاً لإفتاء دمشق، وتقدّم كذلك معه الشيخ رضا الحلبي، فنجح الشيخ رضا بزيادة صوت واحد.
وبعد الحرب اختاره الملك فيصل ليكون عضواً في مجلس الشورى سنة 1919 م، وكانت مهمّة هذا المجلس تنظيم سياسة البلاد وإدارتها وتأليف حكومتها، ثمّ عيّن رئيساً للمجلس،
واستمرّ في رئاسته حتّى عام 1924 م، حينما حلّه الفرنسيّون بعد أن ضاقوا به.
وشغل في أثناء ذلك منصب أُستاذ في معهد الحقوق العربي (كلّية الحقوق) منذ تأسيسه عام 1923 م، فدرّس مجلّة «الأحكام العدلية» وأحكام الأوقاف، وترك أعمق الآثار في نفوس طلّابه وزملائه، وكان يدرّس النصّ من خلال أهداف روح التشريع.
ولمّا التهبت البلاد بالثورة السورية سنة 1926 م، شدّدت السلطات الرقابة عليه وعلى أعضاء مجلس الشورى، فاضطرّ للإقامة ببيروت مدّة، وعاد بعد انتهاء الثورة السورية إلى دمشق، فعيّن قاضياً شرعياً ممتازاً سنة 1345 ه وبقي فيها حتّى سنة 1359 ه حين عيّن رئيساً لمحكمة التمييز الشرعية مدى الحياة (مستثنىً من قانون التقاعد) بسبب علمه وكفاءته واستقامته،
ثمّ أُلغي هذا الاستثناء مع انقلاب حسني الزعيم 1369 ه/ 1949 م الذي ألغى جميع الاستثناءات، فأُحيل على التقاعد بعد أن خدم الأُمّة بما يزيد عن سبعين عاماً. والجدير بالذكر أنّه قيل لحسني الزعيم: «إنّك لن تستطيع أن تبدّل في قوانين المحاكم إلّا بإقالة الشيخ الأُسطواني»، فألغى الاستثناءات كلّها ليقيله هو.
بعد ذلك لزم داره، وعكف على مطالعة الكتب ومجالس العلم والأدب، وكان له في أواخر حياته مجلس أُسبوعي مع كبار الشخصيات العلمية والسياسية،
منهم الرئيس محمّد علي العابد، والرئيس هاشم الأتاسي، ورئيس البرلمان فارس الخوري، وغيرهم من شيوخ العلم والسياسة والأدب، وعرف مجلسهم هذا باسم (مجلس الشيوخ)، الذي كان له تاريخ حافل أسهم في تهيئة الرأي العامّ ضدّ المحتلّين.
والوطن عنده عزيز يحتاج إلى صيانة ونصح؛ فقد زاره في عهد الانتداب بعض العلماء يطلبون إليه التوجّه للجامع الأُموي للدعاء، وكانت الطائرات الفرنسية تضرب المدينة، فانتهرهم وقال: «الدعاء على الأعداء صنيع المقعدين، والعدوّ بحاجة إلى مقاومة، فإلى السلاح».
وزاره في بيته رئيس الجمهورية عام 1936 م في بداية عهد الاستقلال، وكان معه أقطاب الكتلة الوطنية، وطلبوا نصحه وإرشاده، فنصح لهم وحذّرهم من اتّخاذ البطانة السيّئة التي تضرّ بهم وتعين المستعمر عليهم، مستشهداً بالآية الكريمة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ‏ (سورة آل عمران: 118)، وبالحديث الشريف المروي في «صحيح البخاري» عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «ما بعث اللَّه نبيّاً ولا استخلف خليفة إلّاكانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضّه عليه،
وبطانة تأمره بالسوء وتحضّه عليه، والمعصوم من عصمه اللَّه». فلمّا أتم حديثه أخذ سعد اللَّه الجابري يد الشيخ فقبّلها، ثمّ تبعه الآخرون. وكان المترجم كثيراً ما يستشهد بهذا القول:
«من أراد عزّاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذلّ معصية اللَّه إلى عزّ طاعته».
وكانت تهتزّ نفسه اهتزاز الأُدباء، فينظم رائع الشعر، ومن آخر ما نظم قوله:
آمنت باللَّه العظيم جلاله‏
والرسل والأملاك والقرآن‏


وبسائر الكتب التي قد أُنزلتْ‏
والبعثِ يوم الحشر والميزانِ‏
آمنتُ بالقدر الإلهي خيره‏
مع شرِّه من خالِقِ الأكوانِ‏
أرجوك يا مولاي نظرة رحمةٍ
أنجو بها يا واسعَ الغُفْرانِ‏
عهدي بأنّك لا تعذِّب شيبة
شابت بدين الحقّ والإيمانِ‏
فاختم مدى أجَلي بحسنِ سعادةٍ
فلكَ البقاءُ وكلُّ شي‏ءٍ فانِ‏


ومن شعره تشطيره للبيتين اللذين طلب منه تشطيرهما إمام السادة الشافعية في الحرم المدني الشيخ محمّد جمال الدين، فقال:
مدينة خيرِ الخلق تحلو لناظري‏
بمجلا جمالٍ أخجل البدر والرقا
بَذَلتُ لها روحي بنفحةِ روحها
فلست أُبالي أن أموتَ بها عِشقاً
يقولون في زُرْق العيون شآمة
وليس الذي قالوه حقّاً ولا صِدقاً
فزرقَتُها حرزٌ منيع لعائنٍ‏
وعندي أنّ اليُمنَ في عينها الزرقا


له مؤلّفات مخطوطة، وهي رسائل أربع: «فتح الأغلاق عمّن مات أبوه بعد الاستحقاق، رفع الطلاوة عن رفع الغشاوة، هدى الرائد إلى ضالّة الناشد، ضوء الفجر في‏
ترجيح بيّنة الحَجْر».


الوفاة


عاش الشيخ عبد المحسن مئة سنة وثماني سنوات، ظلّ إلى آخر لحظة فيها محتفظاً بذاكرته العجيبة، ولم يلزم البيت إلّافي السنتين الأخيرتين من عمره.
سئل عن سبب طول عمره فقال: إنّه طوى الفراش منذ بلغ الستّين، وإنّه كان قليل الأكل، يتناول وجبتين خفيفتين كلّ يوم إحداهما في الصباح، والأُخرى في المساء لا يأكل بينهما طعاماً، وإنّه ينام مبكّراً بعد العشاء الآخرة على الغالب، ويستيقظ قبل الفجر، وإنّه يقول لأهله: «لا تخبروني عن أخبار البيت المزعجة»، والآجال على كلّ حال بيد اللَّه تعالى. توفّي يوم الاثنين 24/ رجب/ 1383 ه في يوم كثير الثلج والبرد من أيّام كانون الأوّل، وقد شيّعته دمشق علماؤها ورجالاتها بموكب جليل، ودفن بمقبرة الباب الصغير.

رثاء الآخرين له


وقد رثاه أحد العلماء بشعر يقول فيه:
خاتم الأعلام تاجُ العلما
عمدة الأعيان والركن العميدْ
ترك الدنيا وللَّه وَفَى‏
زاهداً والزهد في الدنيا زهيدْ
وأتاها ضاحكاً مستبشراً
ولقاء اللَّه للأخيار عِيدْ
فاجتباه اللَّه من خيرته‏
بجنان الخلد والعيش الرغيدْ

المراجع

(انظر ترجمته في: تاريخ علماء دمشق 2: 770- 776، نثر الجواهر والدرر 1: 824- 827).