انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مالك بن أنس بن مالك»

لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٣٧: سطر ٣٧:
ويروى‏ أنّه كان إذا أراد أن يحدّث توضّأ وجلس على‏ فراشه وسرّح لحيته، وتمكّن من الجلوس بوقار وهيبة ثم حدّث، فقيل له في ذلك، فقال: «أحبّ أن أُعظِّم حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ولا أُحدّث به إلّا على‏ طهارة متمكّناً» <ref> حلية الأولياء 6: 318، صفة الصفوة 2: 178.</ref>. ولشدّة احترامه لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان لايأخذ الحديث من عمرو بن دينار، ولمّا سُئل عن ذلك، قال: «أتيته، فوجدته يأخذون عنه قياماً، فأجللت حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن آخذه قائماً» <ref> سير أعلام النبلاء 8: 67.</ref>. وكان أيضاً يحتاط في نقل الحديث، فعن الشافعي قال: «كان مالك إذا شكّ في حديثٍ طرحه كلّه» <ref> المصدر السابق: 75.</ref>. وعن سعيد بن سليمان قال: قلّما سمعت مالكاً يفتي بشي‏ءٍ إلّا تلا هذه الآية «إِن نَّظُنُّ إِلّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ» <ref> حلية الأولياء 6: 323، والآية: 32 من سورة الجاثية المباركة.</ref>.
ويروى‏ أنّه كان إذا أراد أن يحدّث توضّأ وجلس على‏ فراشه وسرّح لحيته، وتمكّن من الجلوس بوقار وهيبة ثم حدّث، فقيل له في ذلك، فقال: «أحبّ أن أُعظِّم حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ولا أُحدّث به إلّا على‏ طهارة متمكّناً» <ref> حلية الأولياء 6: 318، صفة الصفوة 2: 178.</ref>. ولشدّة احترامه لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان لايأخذ الحديث من عمرو بن دينار، ولمّا سُئل عن ذلك، قال: «أتيته، فوجدته يأخذون عنه قياماً، فأجللت حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن آخذه قائماً» <ref> سير أعلام النبلاء 8: 67.</ref>. وكان أيضاً يحتاط في نقل الحديث، فعن الشافعي قال: «كان مالك إذا شكّ في حديثٍ طرحه كلّه» <ref> المصدر السابق: 75.</ref>. وعن سعيد بن سليمان قال: قلّما سمعت مالكاً يفتي بشي‏ءٍ إلّا تلا هذه الآية «إِن نَّظُنُّ إِلّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ» <ref> حلية الأولياء 6: 323، والآية: 32 من سورة الجاثية المباركة.</ref>.


ويُذكر أنّه كان مصاحباً لعبداللَّه بن يزيد بن هُرمُز، ومتأثّراً بأفكاره، فقد تعلّم منه أدباً رفيعاً، وهو كثرة قول: «لا أدري». وقد سمع مالك منه مراراً أنّه كان يقول: «ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: لا أدري، حتّى‏ يكون ذلك أصلاً يفزعون إليه» <ref> سير أعلام النبلاء 8: 77، مالك، حياته وعصره: 26.</ref>. وقال له عمرو بن يزيد مرةً: يا أبا عبداللَّه، يأتيك الناس من بلدان شتّى‏، قد أنضوا مطاياهم، وأنفقوا نفقاتهم، يسألونك عمّا جعل اللَّه عندك من العلم، وتقول: لاأدري! فقال: «يا عبداللَّه! يأتيني الشامي من شامه، والعراقي من عراقه، والمصري من مصره، فيسألونني عن الشي‏ء لعلّي أن يبدو لي فيه غير ما أُجيب به، فأين أجدهم؟» <ref> حلية الأولياء 6: 324. وذكر أهل السنّة الكثير من خصائصه الأخلاقية في مصنّفات مستقلّة كثيرة (أنظر: سير أعلام النبلاء 8: 81).</ref>.
ويُذكر أنّه كان مصاحباً ل[[عبداللَّه بن يزيد بن هُرمُز]]، ومتأثّراً بأفكاره، فقد تعلّم منه أدباً رفيعاً، وهو كثرة قول: «لا أدري». وقد سمع مالك منه مراراً أنّه كان يقول: «ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: لا أدري، حتّى‏ يكون ذلك أصلاً يفزعون إليه» <ref> سير أعلام النبلاء 8: 77، مالك، حياته وعصره: 26.</ref>. وقال له عمرو بن يزيد مرةً: يا أبا عبداللَّه، يأتيك الناس من بلدان شتّى‏، قد أنضوا مطاياهم، وأنفقوا نفقاتهم، يسألونك عمّا جعل اللَّه عندك من العلم، وتقول: لاأدري! فقال: «يا عبداللَّه! يأتيني الشامي من شامه، والعراقي من عراقه، والمصري من مصره، فيسألونني عن الشي‏ء لعلّي أن يبدو لي فيه غير ما أُجيب به، فأين أجدهم؟» <ref> حلية الأولياء 6: 324. وذكر أهل السنّة الكثير من خصائصه الأخلاقية في مصنّفات مستقلّة كثيرة (أنظر: سير أعلام النبلاء 8: 81).</ref>.


ومع ما عُرف عنه أنّه صاحب حديث فقد نُقل عنه أيضاً خلاف ذلك، حتّى‏ قال ابن معين: «إنّ مالكاً لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي» <ref> أضواء على‏ السنّة المحمدية: 299، مقدّمة التفريع 1: 84.</ref>. وقال الليث بن سعد: «أحصيت على‏ مالك سبعين مسألةً، وكلّها مخالفة لسنّة الرسول» <ref> المصدران السابقان. وقد ذكرنا سابقاً أ نّه على‏ أساس الاحتياط كان يترك الحديث، ولذا كان قد أعاد النظر في موطّئه مراراً، وحذف منه الكثير حتّى‏ صار عدد أحاديثه خمسمائة حديث فقط. ولذا يبدو أنّه في إفتائه، وعندما كان لايجد الحديث فإنّه كان يأخذ بالقياس مضطرّاً، وبهذا فإنّه كان يأخذ بما كان يأخذ به أبو حنيفة.</ref>.
ومع ما عُرف عنه أنّه صاحب حديث فقد نُقل عنه أيضاً خلاف ذلك، حتّى‏ قال ابن معين: «إنّ مالكاً لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي» <ref> أضواء على‏ السنّة المحمدية: 299، مقدّمة التفريع 1: 84.</ref>. وقال الليث بن سعد: «أحصيت على‏ مالك سبعين مسألةً، وكلّها مخالفة لسنّة الرسول» <ref> المصدران السابقان. وقد ذكرنا سابقاً أ نّه على‏ أساس الاحتياط كان يترك الحديث، ولذا كان قد أعاد النظر في موطّئه مراراً، وحذف منه الكثير حتّى‏ صار عدد أحاديثه خمسمائة حديث فقط. ولذا يبدو أنّه في إفتائه، وعندما كان لايجد الحديث فإنّه كان يأخذ بالقياس مضطرّاً، وبهذا فإنّه كان يأخذ بما كان يأخذ به أبو حنيفة.</ref>.
سطر ٤٧: سطر ٤٧:
ويروى‏ أنّه جاءه رجل فقال: يا أبا عبداللَّه «الرَّحْمَنُ عَلَى‏الْعَرْشِ اسْتَوَى» كيف استوى‏؟ فما وجد مالك من شي‏ءٍ ما وجد من مسألته، فنظر إلى‏ الأرض، وجعل ينكت بعودٍ في يده حتّى‏ علاه الرفضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى‏ بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنّك صاحب بدعة، وأمر به فأُخرج <ref> حلية الأولياء 6: 326.</ref>.
ويروى‏ أنّه جاءه رجل فقال: يا أبا عبداللَّه «الرَّحْمَنُ عَلَى‏الْعَرْشِ اسْتَوَى» كيف استوى‏؟ فما وجد مالك من شي‏ءٍ ما وجد من مسألته، فنظر إلى‏ الأرض، وجعل ينكت بعودٍ في يده حتّى‏ علاه الرفضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى‏ بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنّك صاحب بدعة، وأمر به فأُخرج <ref> حلية الأولياء 6: 326.</ref>.


وعن يحيى ‏بن بُكَير قال: قلت لمالك: إنّي سمعت الليث يقول: إن رأيت صاحب كلام يمشي على‏ الماء فلا تثقنّ به، فقال مالك: «إن رأيته يمشي على‏ الهواء فلا تأمننّ ناحيته، ولا تثقنّ به» <ref> تاريخ الإسلام 11: 326.</ref>.
وعن [[يحيى ‏بن بُكَير]] قال: قلت لمالك: إنّي سمعت الليث يقول: إن رأيت صاحب كلام يمشي على‏ الماء فلا تثقنّ به، فقال مالك: «إن رأيته يمشي على‏ الهواء فلا تأمننّ ناحيته، ولا تثقنّ به» <ref> تاريخ الإسلام 11: 326.</ref>.


وينحدر مالك من أُسرة علمية <ref> المعارف: 498. إذ كان عمه الربيع بن مالك يروي الحديث، وجدّه مالك بن أبي عامر يروي عن عمر وعثمان وطلحة وأبي هريرة.</ref>، وقد طلب العلم هو ابن بضع عشرة سنة، وتأهّل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى‏ وعشرون سنة، وكان ذلك بعد وفاة القاسم بن محمدابن أبي بكر وسالم بن عبداللَّه بن عمر من فقهاء المدينة السبعة <ref> سير أعلام النبلاء 8: 55. وذكر الذهبي أنّه بدأ بطلب العلم بحدود سنة 110 ه (تاريخ الإسلام 11: 318) وبحسب المشهور من تاريخ ولادته (سنة 93 ه ) ينبغي أن يكون عمره آنذاك سبع عشرة سنة.</ref>. وكان قد أخذ القراءة عرْضاً عن نافع بن أبي نعيم، وسمع الزُهري ونافعاً مولى‏ ابن عمر <ref> وفيات الأعيان 4: 135.</ref>.
وينحدر مالك من أُسرة علمية <ref> المعارف: 498. إذ كان عمه الربيع بن مالك يروي الحديث، وجدّه مالك بن أبي عامر يروي عن عمر وعثمان وطلحة وأبي هريرة.</ref>، وقد طلب العلم هو ابن بضع عشرة سنة، وتأهّل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى‏ وعشرون سنة، وكان ذلك بعد وفاة القاسم بن محمدابن أبي بكر وسالم بن عبداللَّه بن عمر من فقهاء المدينة السبعة <ref> سير أعلام النبلاء 8: 55. وذكر الذهبي أنّه بدأ بطلب العلم بحدود سنة 110 ه (تاريخ الإسلام 11: 318) وبحسب المشهور من تاريخ ولادته (سنة 93 ه ) ينبغي أن يكون عمره آنذاك سبع عشرة سنة.</ref>. وكان قد أخذ القراءة عرْضاً عن نافع بن أبي نعيم، وسمع الزُهري ونافعاً مولى‏ ابن عمر <ref> وفيات الأعيان 4: 135.</ref>.
سطر ٨٣: سطر ٨٣:


=موقف الرجاليّين منه=
=موقف الرجاليّين منه=
اكتفى‏ رجاليو الشيعة؛ كالشيخ الطوسي وغيره بالإشارة إلى‏ أنّه كان من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام <ref> رجال الطوسي: 308، منهج المقال: 271، تنقيح المقال 2: 48.</ref>، ونقلوا عنه كلامه في الثناء على‏ الإمام‏عليه السلام <ref> مناقب ابن شهرآشوب 4: 269، معجم رجال الحديث 15: 165.</ref>. وأمّا أهل السنّة فقد أجمعت طوائف علمائهم على‏ إمامته وجلالته، وعِظَم سيادته <ref> تهذيب الأسماء واللغات 2: 75، تهذيب التهذيب 10: 5 - 8.</ref>.
اكتفى‏ رجاليو الشيعة؛ كالشيخ الطوسي وغيره بالإشارة إلى‏ أنّه كان من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام <ref> رجال الطوسي: 308، منهج المقال: 271، تنقيح المقال 2: 48.</ref>، ونقلوا عنه كلامه في الثناء على‏ الإمام ‏عليه السلام <ref> مناقب ابن شهرآشوب 4: 269، معجم رجال الحديث 15: 165.</ref>. وأمّا أهل السنّة فقد أجمعت طوائف علمائهم على‏ إمامته وجلالته، وعِظَم سيادته <ref> تهذيب الأسماء واللغات 2: 75، تهذيب التهذيب 10: 5 - 8.</ref>.


=من روى‏ عنهم ومن رووا عنه <ref> سير أعلام النبلاء 8: 49 - 54.</ref>=
=من روى‏ عنهم ومن رووا عنه <ref> سير أعلام النبلاء 8: 49 - 54.</ref>=
روى‏ عن الإمام الصادق‏عليه السلام.
روى‏ عن الإمام الصادق‏عليه السلام.
وروى‏ أيضاً عن جماعة كثيرة <ref> ذكر الذهبي أسماء الذين روى عنهم مالك في الموطّأ، وعدّد روايات كلّ واحدٍ منهم، وعدّد الروايات التي نقلها مالك عن الإمام الصادق‏عليه السلام وهي سبع روايات (سير أعلام النبلاء 8: 49).</ref>، منهم: ربيعة الرأي، زيد بن أَسلَم، سعيد بن أبي سعيد، سَلَمة بن دينار، صالح بن كَيْسان، أبو الزِناد عبداللَّه بن ذَكْوان، عطاء بن أبي رباح، الزَهْري، محمد بن المُنكَدر، نافع مولى ‏ابن عمر، يحيى‏ بن سعيد الأنصاري، عائشة بنت سعد.
وروى‏ أيضاً عن جماعة كثيرة <ref> ذكر الذهبي أسماء الذين روى عنهم مالك في الموطّأ، وعدّد روايات كلّ واحدٍ منهم، وعدّد الروايات التي نقلها مالك عن الإمام الصادق‏ عليه السلام وهي سبع روايات (سير أعلام النبلاء 8: 49).</ref>، منهم: ربيعة الرأي، زيد بن أَسلَم، [[سعيد بن أبي سعيد]]، [[سَلَمة بن دينار]]، [[صالح بن كَيْسان]]، [[أبو الزِناد عبداللَّه بن ذَكْوان]]، [[عطاء بن أبي رباح]]، الزَهْري، [[محمد بن المُنكَدر]]، نافع مولى ‏ابن عمر، يحيى‏ بن سعيد الأنصاري، عائشة بنت سعد.
وروى‏ عنه جماعة، منهم: الثوري، سُفيان بن عُيَيْنَة، شُعبة بن الحجّاج، عبد الرحمان ابن مهدي، ابن جُرَيْج، أبو نُعَيْم الفَضْل بن دُكَيْن، الشافعي، وكيع، يحيى‏ بن سعيد الأنصاري، يحيى‏ بن سعيد القطّان، أبو إسحاق الفَزاري، أبو داود الطيالسي.
وروى‏ عنه جماعة، منهم: الثوري، [[سُفيان بن عُيَيْنَة]]، [[شُعبة بن الحجّاج]]، [[عبد الرحمان ابن مهدي]]، [[ابن جريج]]، [[أبو نعيم الفضل بن دكين]]، الشافعي، وكيع، [[يحيى‏ بن سعيد الأنصاري]]، [[يحيى‏ بن سعيد القطّان]]، [[أبو إسحاق الفَزاري]]، أبو داود الطيالسي.


=من رواياته=
=من رواياته=
٣٨٢

تعديل