الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الأصحاب»

'''الأصحاب:''' جمع صحابي، وهو الذي عاشر الرسول فترة. وتستعمل مضافة إلى مفردة الأئمَّة أو أئمَّة إحدى المدارس، من قبيل أصحاب الصادق(ع) وأصحاب الباقر(ع) وأصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي وغير ذلک.

فهذه الکلمة تستعمل غالباً إلی ما يضاف إليه، والمضاف إليه مختلفٌ حسبَ معنی المراد من المستعمل فيه، فاللازم أن نبحث عن هذه الکلمة بالنظر إلی ما يضاف إليه.

وفي مراحل استخدامه اللاحقة اتَّخذ معاني إيجابية، فأصبح يطلق على المجتهدين ومن يمارسون استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها، سواء كانوا في عهد أئمَّة الشيعة المعصومين أو ما بعد ذلك العهد، ويرادفه اصطلاح أهل الاجتهاد. ويقابل هذا اصطلاح أهل الحديث ومدرسته التي هي عبارة عن نهج نقل الحديث وتدوينه وإن لم يكن مذهبا خاصّا. <ref> دروس في علم الأصول 1: 57 ـ 62، تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره: 220، 226.</ref>

وقد جاء تسميتهم بالنحو التالي: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي<ref> اختيار معرفة الرجال: 2: 507، الترجمة رقم 431.</ref>، وجميل بن دراج، وعبداللّه‏ بن مسكان، وعبداللّه‏ بن بكير، وحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، وأبان بن عثمان<ref> المصدر السابق: 673، الترجمة رقم 705.</ref>، ويونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه‏ بن المغيرة، والحسن بن محبوب وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضّال وفضالة بن أيوب. وقال بعضهم مكان ابن فضّال: عيسى بن عثمان. <ref> المصدر نفسه: 830 ـ 831، الترجمة رقم 1050.</ref>

الأوّل: أصحاب الأئمَّة عليهم‏السلام الَّذين كانت لهم مدوَّنات في الحديث، تلقّوها عن الأئمَّة، وحاليا نفقد جلّها، وما بلغنا منها إلاّ القليل جدّا ضمن الموسوعات الحديثية كالكتب الأربعة<ref> أنظر: مشرق الشمسين: 274، الحدائق الناضرة 1: 479.</ref>. وقد عدَّ الحر العاملي بعضهم. <ref> وسائل الشيعة 30: 227 ـ 231، وأنظر: الأصول الأربعمائة، والأصول الستّة عشر.</ref>

الثاني: أصحاب الاجتهاد أو أهل الاجتهاد، ويقابله أهل الحديث، وهو استعمال درج لدى بعض [[أهل السنّة]]. <ref> أنظر: المجموع شرح المهذّب 1: 43، 60، 168.</ref>

وهناك نقاش في عدِّ اجتهادهم اجتهادا بالمعنى المصطلح<ref> الأصول العامة للفقه المقارن: 572 - 574.</ref>، بل عدَّهم البعض مقلّدين لا أكثر، أو مقلّدين لإمامهم على أقلّ تقدير. <ref> أنظر: الفصول في الأصول المقدّمة 1: 19، المجموع شرح المهذب 1: 43 ـ 44.</ref>

وهناك نقاش في عدِّ اجتهادهم اجتهادا بالمعنى المصطلح. <ref> الأصول العامة للفقه المقارن 572 ـ 574.</ref>. بل هم كأصحاب التخريج عدُّوا مقلّدين، أو مقلّدين لإمامهم على أقلّ تقدير. <ref> أنظر: الفصول في الأصول المقدّمة 1: 19.</ref>

الأوّل: أصحاب الجوامع الحديثية، كالبخاري والترمذي والكليني والصدوق والعلاّمة المجلسي.

الثاني: رواة الحديث من التابعين ومن لحقهم. وهذا الإطلاق نادر غير دارج كثيرا، وقد يكون ناشئا عن اتّباعهم مدرسة الحديث.

الثالث: هم ما يسمّون بأهل الحديث، وتدعى مدرستهم، التي تقع في النقطة المقابلة لمدرسة الرأي، بمدرسة أهل الحديث و [[مدرسة المدينة]] و [[مدرسة الحجاز]]<ref> كتاب [[أدوار علم الفقه]] وأطواره: 45.</ref>، ومن المحتمل أنَّ ذلك باعتبار كون أرباب هذه المدرسة يرون فقهاء الحجاز والمدينة هم الأثبت في الحديث، مضافا إلى أنَّ جلّ فقهاء الحجاز كانوا من أصحاب الحديث عكس فقهاء العراق<ref> تاريخ التشريع الإسلامي الخضري بك: 103.</ref>. على أنَّ هذا لايعني انحسار هذا التوجُّه بعلماء الحجاز، بل بعض [[علماء العراق]] من قبيل عامر الشعبي الذي كان من [[فقهاء الكوفة]] حمل هكذا توجُّه ويصنَّف ضمن [[أصحاب الحديث]]، وكذلك [[سفيان الثوري]] و [[الأوزاعي الشامي]]. <ref> أنظر: كتاب أدوار علم الفقه وأطواره: 45 - 46.</ref>

وهم فريق من التابعين من [[علماء الحجاز]] الذين توقَّفوا على النصوص والآثار الواردة عن الرسول (ص) وسعوا إلى عدم اللجوء إلى الرأي إلاَّ عند الضرورة القصوى، وعلى رأسهم سعيد بن المسيب، إذ كان يرى هو وأصحابه أنَّ أهل الحرمين الشريفين (مكّة والمدينة) أثبت الناس في الحديث والفقه، فعكفوا على حفظ ما لديهم من آثار وفتاوى صادرة عن الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي قبل الخلافة وعائشة وابن عبّاس وابن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وقضاة المدينة. <ref> تاريخ الفقه الإسلامي السايس: 85.</ref>

وقد تبلور هذا المذهب في أواسط القرن الأوَّل من الهجرة، وتزامن ذلك مع رفع المنع عن التحديث واضطرابات سياسية واختلافات فقهيَّة ومذهبية. <ref> تاريخ التشريع الإسلامي الخضري بك: 98.</ref>

الأوّل: اتِّباعهم وتأثُّرهم بالصحابة الذين توقّفوا في الحديث احتياطا من قبيل العبّاس والزبير وعبد اللّه‏ بن عمر بن الخطاب وعبد اللّه‏ بن عمرو بن العاص.

الثاني: كثرة الآثار والأحاديث التي كانت في متناول أيديهم، فقد زادت عليه قياسا إلى [[عصر الصحابة]].

الثالث: بداوة أهل الحجاز وعدم حصول المستجدات بالسرعة التي نشهدها في عصور أو أمصار اُخرى. <ref> تاريخ الفقه الإسلامي السايس: 84 - 85.</ref>

وينقل عن الشعبي قوله: الرأي بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلتها.

ويروى عن حفص بن عبد اللّه‏ النيسابوري (ت  209هـ ) إنَّه اشتغل بالقضاء عشرين عاما من غير أن يحكم مرَّة واحدة بالرأي. <ref> المصدر السابق: 211 - 218.</ref>

عن علي عليه‏السلام قوله: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه».<ref> نيل الاوطار 1: 231.</ref>

وقال: «اتَّقوا الرأي في دينكم».<ref> فتح الباري ابن حجر 13: 246.</ref>

وقول [[عبداللّه‏ بن مسعود]]: «لايأتي عليكم عام إلاَّ وهو شرٌّ من الذي قبله، أمّا إنّي لا أقول: أمير خير من أمير، ولا عام أخصب من عام، ولكن فقهاؤكم يذهبون ثُمَّ لا تجدون منهم خلفا، ويجيء قوم يقيسون الاُمور برأيهم».<ref> سنن الدارمي 1: 65 باب تغير الزمان.</ref>

وعن ابن عبّاس: «من أحدث رأيا ليس في كتاب اللّه‏، ولم تمضِ به سنَّة من رسول اللّه‏ (ص) لم يدر على ما هو منه إذا لقي اللّه‏ عزّوجلّ».<ref> المصدر السابق: 57 باب الفتيا وما فيه من الشدة.</ref>

ويمكن أن يضاف إلى ذلك ما ورد عن [[أهل البيت]] من أحاديث في ذمّ القياس و [[الاجتهاد بالرأي]]. <ref> وسائل الشيعة 27: 35 ـ 66 كتاب القضاء، باب 6 عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد والمقاييس، أحاديث الباب.</ref>

لقد قسَّم هؤلاء الرأي إلى باطل وصحيح وموضع اشتباه، والباطل قسَّموه إلى خمسة أقسام من قبيل كونه مخالفا للنصّ أو ظنّيا أو بدعا، وحملوا الروايات الذامَّة للرأي على هذا القسم من الرأي، وجوَّزوا الأخذ بالرأي المحمود أو المشتبه به عند الضرورة. <ref> أنظر: أعلام الموقّعين 1: 67ـ73، نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: 216 ـ 218.</ref>

اعتبر البعض أبا داود في أقصى التطرُّف من حيث الأخذ بمذهب الحديث، وهو يقابل بالتمام أبا حنيفة باعتباره يمثِّل أقصى التطرُّف في الأخذ بمذهب الرأي، أمَّا  مثل [[الإمام مالك]] و [[الشافعي]] و [[أحمد بن حنبل]] فيمثِّلون الحدّ الوسط. <ref> نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي: 223 - 224.</ref>

وصنِّف سالم بن عمر من أعلام هذه المدرسة باعتباره كان يرفض الإفتاء بالرأي، فإذا سئل عن حكم واقعة لم يسمع فيها شيئا قال: «لا أدري لعلّي إذا أفتيت لك برأي، ثُمَّ  تذهب فأرى بعد ذلك رأيا غيره فلا أجدك فماذا يكون  مصيري».<ref> كتاب أدوار علم الفقه وأطواره: 45.</ref>

وهكذا زيد بن ثابت وعامر الشعبي ويزيد بن حبيب المعري والأوزاعي الشامي. <ref> المصدر السابق: 45 - 46.</ref>

=المصادر=