انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «فلسفة الأحكام لدى المدرستين»

لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''فلسفة الأحكام الشرعية لدى المدرستين'''  من المسائل المهمّة الخلافية بين فقهاء [[الإسلام]] ويترتب عليها آثار فقهية في مختلف المجالات هي عبارة عن مسئلة القوانین الدینیة والاوامر والنواهی الالهیة هل هي تاخذ بنظر الاعتبار المصالح والمفاسد للانسان والمجتمع البشریّ، أم ليس كذلك؟ علماء الاسلام الاكثرية منهم ذهبوا الى القول بفلسفة الاحكام وهدفية افعال الله، ومنهم مدرسة أهل البيت بجميع شرائحها من الفقهاء والمتكلمين و العلماء متفقين على انّ جمیع افعال اللَّه معلّلة بالاغراض والاهداف، إتباعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام، حيث يقول جمیل بن درّاج : سالت [[الامام الصادق]] (علیه‌السّلام) عن علّة وجوب وحرمة بعض الافعال، فقال: «انَّه لمْ‌یُجْعَلْ شَی‌ءٌ الّالِشَیْ‌ءٍ». ویقول «العلّامة المجلسی» فی تعلیقه علی هذا الحدیث: ای لم یُشَرِّع اللَّه تعالی حُکْماً من الاحکام الّا لحِکمةً من الحِکَم، ولم یُحَلِّلِ الحَلالَ الّالِحُسْنِه، ولم یُحَرِّمِ الحَرامَ الّالِقُبْحِه». ثمّ یعمم دائرة الحدیث علی موارد عالم التکوین ایضاً ویقول: «ویمکن ان یَعُمّ بحیث یشمل الخَلق والتَّقدیر ایضاً، فانّه تعالی لم یخلق شیئاً الّالحکمةٍ کاملةٍ وعِلّةٍ باعثةٍ». وذلك «انّ القوانین الاسلامیة فی عین کونها سماویة، فهی ارضیة ایضاً، ‌ای تقوم علی اساس المصالح والمفاسد الموجودة فی حیاة البشر. بمعنی انّ هذه القوانین والاحکام لا تملک بعداً خفیّاً وسرّیاً مائة بالمائة بحیث یقول الانسان: انّ حکم اللَّه لا یرتبط بهذه الاسباب والمصالح، وانّ اللَّه قد وضع قانوناً هو الذی یعرف اسراره فقط» لانّ الاسلام قام اساساً ببیان انّ کلّ قانون وحکم ورد فی الشریعة السماویة انّما یقوم علی اساس مصالح معیّنة تتّصل امّا بجسم الانسان او بروحه وباخلاقه وعلاقاته الاجتماعیة، وأمّا [[الأشاعرة]]  [[الظاهرييون]] أمثال«ابن حزم الاندلسی» وایضاً من لا یری القیاس حجّة، فانّ هؤلاء ینکرون وجود فلسفة وحکمة فی الاحکام الشرعیة، بينما [[المعتزلة]] و[[الماتريدية]] يعتقدون بهدفية أفعال الله تعالى وبالتالي يقرون بوجود غاية  للأحكام الشريعية.
'''فلسفة الأحكام الشرعية لدى المدرستين'''  من المسائل المهمّة الخلافية بين فقهاء [[الإسلام]] ويترتب عليها آثار فقهية في مختلف المجالات هي عبارة عن مسئلة القوانین الدینیة والاوامر والنواهی الالهیة هل هي تاخذ بنظر الاعتبار المصالح والمفاسد للانسان والمجتمع البشریّ، أم ليس كذلك؟ علماء الاسلام الاكثرية منهم ذهبوا الى القول بفلسفة الاحكام وهدفية افعال الله، ومنهم مدرسة أهل البيت بجميع شرائحها من الفقهاء والمتكلمين و العلماء متفقين على انّ جمیع افعال اللَّه معلّلة بالاغراض والاهداف، إتباعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام، حيث يقول جمیل بن درّاج : سالت [[الامام الصادق]] (علیه‌السّلام) عن علّة وجوب وحرمة بعض الافعال، فقال: «انَّه لمْ‌یُجْعَلْ شَی‌ءٌ الّالِشَیْ‌ءٍ». ویقول «العلّامة المجلسی» فی تعلیقه علی هذا الحدیث: ای لم یُشَرِّع اللَّه تعالی حُکْماً من الاحکام الّا لحِکمةً من الحِکَم، ولم یُحَلِّلِ الحَلالَ الّالِحُسْنِه، ولم یُحَرِّمِ الحَرامَ الّالِقُبْحِه». ثمّ یعمم دائرة الحدیث علی موارد عالم التکوین ایضاً ویقول: «ویمکن ان یَعُمّ بحیث یشمل الخَلق والتَّقدیر ایضاً، فانّه تعالی لم یخلق شیئاً الّالحکمةٍ کاملةٍ وعِلّةٍ باعثةٍ». وذلك «انّ [[القوانین الاسلامیة]] فی عین کونها سماویة، فهی ارضیة ایضاً، ‌ای تقوم علی اساس المصالح والمفاسد الموجودة فی حیاة البشر. بمعنی انّ هذه القوانین والاحکام لا تملک بعداً خفیّاً وسرّیاً مائة بالمائة بحیث یقول الانسان: انّ حکم اللَّه لا یرتبط بهذه الاسباب والمصالح، وانّ اللَّه قد وضع قانوناً هو الذی یعرف اسراره فقط» لانّ [[الاسلام]] قام اساساً ببیان انّ کلّ قانون وحکم ورد فی الشریعة السماویة انّما یقوم علی اساس مصالح معیّنة تتّصل امّا بجسم الانسان او بروحه وباخلاقه وعلاقاته الاجتماعیة، وأمّا [[الأشاعرة]]  [[الظاهرييون]] أمثال«ابن حزم الاندلسی» وایضاً من لا یری القیاس حجّة، فانّ هؤلاء ینکرون وجود فلسفة وحکمة فی الاحکام الشرعیة، بينما [[المعتزلة]] و[[الماتريدية]] يعتقدون بهدفية أفعال الله تعالى وبالتالي يقرون بوجود غاية  للأحكام الشريعية.


==فلسفة الأحكام الشرعية لدى المدرستين==
==فلسفة الأحكام الشرعية لدى المدرستين==
سطر ٢٦: سطر ٢٦:
وذلک امّا جلب نفع الی المکلّف او دفع ضرر عنه، وکلاهما قد ینسبان الی الدنیا، وقد ینسبان الی الآخرة، فالاحکام الشرعیة لا تخلو من احد هذه الاربعة.
وذلک امّا جلب نفع الی المکلّف او دفع ضرر عنه، وکلاهما قد ینسبان الی الدنیا، وقد ینسبان الی الآخرة، فالاحکام الشرعیة لا تخلو من احد هذه الاربعة.
ثمّ قال: ربّما اجتمع فی‌الحکم اکثر من غرض واحد، فانّ المتکسّب لقوته وقوت عیاله الواجبی النفقة او المستحبّی النفقة، اذا انحصر وجهه فی التکسّب وقصد به التقرّب فانّ الاغراض الاربعة تحصل من تکسّبه:
ثمّ قال: ربّما اجتمع فی‌الحکم اکثر من غرض واحد، فانّ المتکسّب لقوته وقوت عیاله الواجبی النفقة او المستحبّی النفقة، اذا انحصر وجهه فی التکسّب وقصد به التقرّب فانّ الاغراض الاربعة تحصل من تکسّبه:
امّا النفع الدنیوی فلحفظ النفس من التلف، وامّا الاخروی فلاداء الفریضة المقصود بها القربة، وامّا دفع الضرر الاخروی فهو اللاحق بسبب ترک الواجب، وامّا دفع الضرر الدنیوی فهو الحاصل للنفس بترک القوت.<ref> الشهيد الاول، ابي عبد الله، القواعد والفوائد، ج1، ص33 و 34.</ref>. وفی هذا المجال یقول «الفاضل المقداد» (م 826): «اذا اعتقد الشخص بعدم وجود ایّ غرض لافعال اللَّه، فانّ لازم ذلک ان تکون افعال اللَّه عبثیة وبدون هدف، وهذا ینافی کون اللَّه حکیماً».
امّا النفع الدنیوی فلحفظ النفس من التلف، وامّا الاخروی فلاداء الفریضة المقصود بها القربة، وامّا دفع الضرر الاخروی فهو اللاحق بسبب ترک الواجب، وامّا دفع الضرر الدنیوی فهو الحاصل للنفس بترک القوت.<ref> الشهيد الاول، ابي عبد الله، القواعد والفوائد، ج1، ص33 و 34.</ref>. وفی هذا المجال یقول «[[الفاضل المقداد]]» (م 826): «اذا اعتقد الشخص بعدم وجود ایّ غرض لافعال اللَّه، فانّ لازم ذلک ان تکون افعال اللَّه عبثیة وبدون هدف، وهذا ینافی کون اللَّه حکیماً».
ثمّ یشیر الی ادلّة [[الاشاعرة]] الذین ینکرون وجود الغایات والاغراض فی افعال اللَّه تعالی، وبعد ان یقوم بردّ هذه الادلّة یقول:«مضافاً الی ذلک، فانّ الادلّة النقلیة تصرّح بانّ اللَّه لایفعل ایّ فعل بدون هدف، من قبیل قوله تعالی‌: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنسَ اِلَّا لِیَعْبُدُونِ»<ref> الذاریات، سوره51، آیه56. </ref><ref> الفاضل المقداد، مقداد، اللوامع الالهیّة فی المباحث الکلامیة، ص221.</ref>.
ثمّ یشیر الی ادلّة [[الاشاعرة]] الذین ینکرون وجود الغایات والاغراض فی افعال اللَّه تعالی، وبعد ان یقوم بردّ هذه الادلّة یقول:«مضافاً الی ذلک، فانّ الادلّة النقلیة تصرّح بانّ اللَّه لایفعل ایّ فعل بدون هدف، من قبیل قوله تعالی‌: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنسَ اِلَّا لِیَعْبُدُونِ»<ref> الذاریات، سوره51، آیه56. </ref><ref> الفاضل المقداد، مقداد، اللوامع الالهیّة فی المباحث الکلامیة، ص221.</ref>.


سطر ٣٦: سطر ٣٦:


====نفي فلسفة الأحكام يلازم جواز تعذیب افضل الخلق====
====نفي فلسفة الأحكام يلازم جواز تعذیب افضل الخلق====
والاهمّ من ذلک انّ کلام «الاشاعرة» یستلزم انّه لا مانع من ان یقوم اللَّه تعالی بتعذیب افضل الخلق واخلصهم الیه واشدّهم طاعة له کالنبیّ الاکرم (صلی‌الله‌علیه‌و‌آله‌وسلّم) ویعاقبه باشدّ انواع العذاب والعقاب، وفی نفس الوقت فانّه یثیب اشدّ الخلق عداوة له کابلیس وفرعون! لانّ المفروض انّ افعال اللَّه تعالی لیست معلّلة بغایات واغراض معقولة، ولا یوجد حسن وقبح فی ذات الافعال، ولا فرق حینئذٍ بین «سیّد المرسلین صلی الله علیه و آله» و «ابلیس» من حیث الثواب والعقاب<ref> الحلي، علامة، نهج الحق وکشف الصدق، ص89 و 90.</ref>. ویقول «ابن میثم البحرانی» (م 679) بعد التصریح بانّ افعال اللَّه تعالی معلّلة بالغایات والاغراض: ولا یوجد‌ای فعل من الافعال الالهیّة لا یتضمّن غرضاً معیناً بحیث یکون ذلک الغرض هو الداعی لذلک الفعل والّا یلزم منه الترجیح بلا مرجّح وهو محال، ویشیر بعد ذلک الی دلیلین للمنکرین ویجیب عنهما بشکل مفصّل ومشروح‌.<ref> البحراني، ابن ميثم، قواعد المرام فی علم الکلام، ص110.</ref>.
والاهمّ من ذلک انّ کلام «الاشاعرة» یستلزم انّه لا مانع من ان یقوم اللَّه تعالی بتعذیب افضل الخلق واخلصهم الیه واشدّهم طاعة له کالنبیّ الاکرم (صلی‌الله‌علیه‌و‌آله‌وسلّم) ویعاقبه باشدّ انواع العذاب والعقاب، وفی نفس الوقت فانّه یثیب اشدّ الخلق عداوة له کابلیس وفرعون! لانّ المفروض انّ افعال اللَّه تعالی لیست معلّلة بغایات واغراض معقولة، ولا یوجد حسن وقبح فی ذات الافعال، ولا فرق حینئذٍ بین «[[سیّد المرسلین]] صلی الله علیه و آله» و «ابلیس» من حیث الثواب والعقاب<ref> الحلي، علامة، نهج الحق وکشف الصدق، ص89 و 90.</ref>. ویقول «ابن میثم البحرانی» (م 679) بعد التصریح بانّ افعال اللَّه تعالی معلّلة بالغایات والاغراض: ولا یوجد‌ای فعل من الافعال الالهیّة لا یتضمّن غرضاً معیناً بحیث یکون ذلک الغرض هو الداعی لذلک الفعل والّا یلزم منه الترجیح بلا مرجّح وهو محال، ویشیر بعد ذلک الی دلیلین للمنکرین ویجیب عنهما بشکل مفصّل ومشروح‌.<ref> البحراني، ابن ميثم، قواعد المرام فی علم الکلام، ص110.</ref>.
===فلسفة الأحكام في نظر مدرسة الخلفاء===
===فلسفة الأحكام في نظر مدرسة الخلفاء===
بخلاف مدرسة أهل البيت ع لا يوجد هناك اتفاق في هذه المسئلة بل يوجد اختلاف شديد بين الأشاعرة والظاهرية من جهة والمعتزلة والماتريدية واصحاب القياس من جهة الثانية.
بخلاف مدرسة أهل البيت ع لا يوجد هناك اتفاق في هذه المسئلة بل يوجد اختلاف شديد بين الأشاعرة والظاهرية من جهة والمعتزلة والماتريدية واصحاب القياس من جهة الثانية.
سطر ٤٩: سطر ٤٩:


=====راي عبد الوهاب السبكي في هدفية افعال الله تعالى=====
=====راي عبد الوهاب السبكي في هدفية افعال الله تعالى=====
والآخر من علماء اهل السنّة القائلین بالهدفیة فی الاحکام هو«تاج الدین ابونصر عبدالوهاب السُبکی» (م 771) الذی استدلّ لهذه المطلب بالآیات والروایات الشریفة، وقال فی کتابه المعروف‌ «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» بالنسبة لبیان اهداف ومقاصد الشریعة وتقسیمات هذه المقاصد:«انّ مقاصد الشریعة الّتی شرّعت الاحکام لاجلها علی‌ قسمین:
والآخر من علماء اهل السنّة القائلین بالهدفیة فی الاحکام هو«تاج الدین ابونصر [[عبدالوهاب السُبکی]]» (م 771) الذی استدلّ لهذه المطلب بالآیات والروایات الشریفة، وقال فی کتابه المعروف‌ «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» بالنسبة لبیان اهداف ومقاصد الشریعة وتقسیمات هذه المقاصد:«انّ مقاصد الشریعة الّتی شرّعت الاحکام لاجلها علی‌ قسمین:
1. ضروریّ‌
1. ضروریّ‌
2.غیر ضروریّ‌: امّا الضروریّ فهو علی قسمین ایضاً:
2.غیر ضروریّ‌: امّا الضروریّ فهو علی قسمین ایضاً:
سطر ٥٧: سطر ٥٧:
ویقول«الغزالی‌»العالم المعروف من اهل السنّة (م 505) فی الاشارة الی الاصول الخمسة المذکورة:«وتحریم تفویت هذه الاصول الخمسة والزجر عنها یستحیل ان لا تشتمل علیه ملّة من الملل وشریعة من الشرائع التی ارید بها اصلاح الخلق.<ref> الغزالي، ابو حامد، المستصفی من علم الاصول، ج1، ص416.</ref>. والآخر من المحقّقین المعاصرین من اهل السنّة هو الدکتور«وهبة الزحیلی‌» الذی یقول بالنسبة للغرضیة فی الاحکام: «لقد ثبت بالاستقراء انّ احکام الشرع تراعی مصالح الناس».ثمّ ینطلق لاثبات هذا المدّعی من موقع الاستدلال علی هذا المطلب بالآیة الشریفة:«وَ ما ارْسَلْناکَ الَّا رَحْمَةً لِلْعالَمینَ<ref> انبیاء/سوره21، آیه107. </ref>. ویقول: «ومقتضی الرّحمة تحقیق مصالح الناس.<ref>الزحيلي، وهبة، اصول الفقه الاسلامی، ج2، ص762.</ref>. واللافت انّ«وهبة الزحیلی‌» یقول فی تفسیره‌ «المنیر» فی ذیل الآیة 32 من سورة المائدة: «مِنْ اَجْلِ ذلِکَ کَتَبْنا عَلی‌ بَنی اِسْرائیلَ...» حیث قرّرت هذه الآیة وضع قانون القصاص علی بنی اسرائیل، استناداً لما ورد فی قصة‌هابیل وقابیل والحکمة التی تضمّنتها هذه القصّة، بعد التصریح بانّ مسالة القصاص واردة فی جمیع الادیان الالهیة، یقول: «ودلّت الآیة ایضاً علی انّ احکام اللَّه تعالی قد تکون معللّة، لانّه تعالی قال: «مِنْ اَجْلِ ذلِکَ کَتَبْنا»ای انّ تشریع تلک الاحکام معلّلٌ بتلک المعانی.<ref>الزحيلي، وهبة، التفسیر المنیر، ج6، ص160.</ref>.
ویقول«الغزالی‌»العالم المعروف من اهل السنّة (م 505) فی الاشارة الی الاصول الخمسة المذکورة:«وتحریم تفویت هذه الاصول الخمسة والزجر عنها یستحیل ان لا تشتمل علیه ملّة من الملل وشریعة من الشرائع التی ارید بها اصلاح الخلق.<ref> الغزالي، ابو حامد، المستصفی من علم الاصول، ج1، ص416.</ref>. والآخر من المحقّقین المعاصرین من اهل السنّة هو الدکتور«وهبة الزحیلی‌» الذی یقول بالنسبة للغرضیة فی الاحکام: «لقد ثبت بالاستقراء انّ احکام الشرع تراعی مصالح الناس».ثمّ ینطلق لاثبات هذا المدّعی من موقع الاستدلال علی هذا المطلب بالآیة الشریفة:«وَ ما ارْسَلْناکَ الَّا رَحْمَةً لِلْعالَمینَ<ref> انبیاء/سوره21، آیه107. </ref>. ویقول: «ومقتضی الرّحمة تحقیق مصالح الناس.<ref>الزحيلي، وهبة، اصول الفقه الاسلامی، ج2، ص762.</ref>. واللافت انّ«وهبة الزحیلی‌» یقول فی تفسیره‌ «المنیر» فی ذیل الآیة 32 من سورة المائدة: «مِنْ اَجْلِ ذلِکَ کَتَبْنا عَلی‌ بَنی اِسْرائیلَ...» حیث قرّرت هذه الآیة وضع قانون القصاص علی بنی اسرائیل، استناداً لما ورد فی قصة‌هابیل وقابیل والحکمة التی تضمّنتها هذه القصّة، بعد التصریح بانّ مسالة القصاص واردة فی جمیع الادیان الالهیة، یقول: «ودلّت الآیة ایضاً علی انّ احکام اللَّه تعالی قد تکون معللّة، لانّه تعالی قال: «مِنْ اَجْلِ ذلِکَ کَتَبْنا»ای انّ تشریع تلک الاحکام معلّلٌ بتلک المعانی.<ref>الزحيلي، وهبة، التفسیر المنیر، ج6، ص160.</ref>.
=====راي محمد ابو زهرة في هدفية افعال الله تعالى=====
=====راي محمد ابو زهرة في هدفية افعال الله تعالى=====
والآخر من علماء اهل السنّة هو «محمّد ابوزهرة» یقول: «انّ المقصد النهائی الثابت فی جمیع احکام الشریعة ثابت وهو مصالح الناس، فلم یرد ایّ حکم فی القرآن والاحادیث الّاوفیه مصلحة حقیقیة فی حفظ هذه الامور الخمسة: الدین، النفس، المال، العقل، النسل. ثمّ یذکر لکلِّ واحدٍ منها مثالًا. ثمّ یقول:وانّ هذه الامور الخمسة هی الّتی جاءت من اجل المحافظة علیها الشرائع السماویة وتحاول الشرائع الوضعیة ان تحقّقها».
والآخر من علماء اهل السنّة هو «[[محمّد ابو زهرة]]» یقول: «انّ المقصد النهائی الثابت فی جمیع احکام الشریعة ثابت وهو مصالح الناس، فلم یرد ایّ حکم فی القرآن والاحادیث الّاوفیه مصلحة حقیقیة فی حفظ هذه الامور الخمسة: الدین، النفس، المال، العقل، النسل. ثمّ یذکر لکلِّ واحدٍ منها مثالًا. ثمّ یقول:وانّ هذه الامور الخمسة هی الّتی جاءت من اجل المحافظة علیها الشرائع السماویة وتحاول الشرائع الوضعیة ان تحقّقها».
ثمّ یشیر الی مخالفة «الاشاعرة» و «الظاهریة» الذین ینکرون الهدفیة فی الاحکام الشرعیة ومراعاتها لواقع المصالح والمفاسد، کما انّ بعض الشافعیة والحنفیة یعتقدون ایضاً بانّ المصالح والمفاسد لا یمکنها ان تقف حائلًا دون المشیئة الالهیّة «فعّال لما یشاء» بحیث تفرض علی اللَّه تعالی ان یتحرّک فی افعاله وتشریعاته وفق هذه المصالح، ثمّ یقول فی خاتمة هذا البحث «انّ هذا الخلاف نظریٌّ لا یبنی علیه عمل، وهو اقرب الی الآراء الفقهیة، لانّ الفقهاء اجمعین قرّروا انّ الاحکام الشرعیة هی وعاء المصالح الحقیقیّة وانّه لا حکم جاء به الاسلام الّاوفیه مصلحة لبنی الاسلام.<ref>ابو زهرة، محمد، اصول الفقه، ص316- 322.</ref>.
ثمّ یشیر الی مخالفة «الاشاعرة» و «الظاهریة» الذین ینکرون الهدفیة فی الاحکام الشرعیة ومراعاتها لواقع المصالح والمفاسد، کما انّ بعض الشافعیة والحنفیة یعتقدون ایضاً بانّ المصالح والمفاسد لا یمکنها ان تقف حائلًا دون المشیئة الالهیّة «فعّال لما یشاء» بحیث تفرض علی اللَّه تعالی ان یتحرّک فی افعاله وتشریعاته وفق هذه المصالح، ثمّ یقول فی خاتمة هذا البحث «انّ هذا الخلاف نظریٌّ لا یبنی علیه عمل، وهو اقرب الی الآراء الفقهیة، لانّ الفقهاء اجمعین قرّروا انّ الاحکام الشرعیة هی وعاء المصالح الحقیقیّة وانّه لا حکم جاء به الاسلام الّاوفیه مصلحة لبنی الاسلام.<ref>ابو زهرة، محمد، اصول الفقه، ص316- 322.</ref>.


=====راي محمد مصطفى الشلبي في هدفية افعال الله تعالى=====
=====راي محمد مصطفى الشلبي في هدفية افعال الله تعالى=====
والآخر من علماء اهل السنّة هو والآخر من الکتّاب المعاصرین «محمّد مصطفی الشلبی‌» الذی کتب کتاباً مستقلّاً فی فلسفة الاحکام باسم‌ «الشويخ، عادل، تعلیل الاحکام» ویقرّر ضمن عدّة فصول من هذا الکتاب مسالة الهدفیة والشويخ، عادل، تعلیل الاحکام فی نظر القرآن والسنّة والصحابة والتابعین، ویشیر فی الفصل الرابع الی‌«التعلیل فی عصر التدوین وتالیف اصول الفقه»، ویصرّح فی هذا الفصل بنقطة مهمّة وذلک فی قوله:«وفی هذه البرهة من الزمان حیث تمّ تالیف وتدوین کتب اصول الفقه، فقد ذهب البعض الی انّ مسالة التعلیل هی من اصول العقائد، وذهب بعض آخر الی انّها من الفروع، وانکر آخرون هذا الاصل من اساسه، وقبله بعض آخر فی دائرة محدودة.ثمّ یقول: «لا ارای‌ حاجة للدخول فی هذا البحث بعد ان طرحت الادلّة علی الشويخ، عادل، تعلیل الاحکام من القرآن والسنّة والصحابة والتابعین وتابعیهم، ولم اجد من یخالف ذلک فیهم.وهذا برهان قویّ وحجّة قاطعة علی انّ احکام اللَّه معلّلة بمصالح العباد، وهذا الامر قام علیه الاجماع او شبه الاجماع قبل ولادة بعض المنکرین للتعلیل.
والآخر من علماء اهل السنّة هو والآخر من الکتّاب المعاصرین «محمّد مصطفی الشلبی‌» الذی کتب کتاباً مستقلّاً فی فلسفة الاحکام باسم‌ «الشويخ، عادل، تعلیل الاحکام» ویقرّر ضمن عدّة فصول من هذا الکتاب مسالة الهدفیة والشويخ، عادل، تعلیل الاحکام فی نظر القرآن والسنّة والصحابة والتابعین، ویشیر فی الفصل الرابع الی‌«التعلیل فی عصر التدوین وتالیف [[اصول الفقه]]»، ویصرّح فی هذا الفصل بنقطة مهمّة وذلک فی قوله:«وفی هذه البرهة من الزمان حیث تمّ تالیف وتدوین کتب اصول الفقه، فقد ذهب البعض الی انّ مسالة التعلیل هی من اصول العقائد، وذهب بعض آخر الی انّها من الفروع، وانکر آخرون هذا الاصل من اساسه، وقبله بعض آخر فی دائرة محدودة.ثمّ یقول: «لا ارای‌ حاجة للدخول فی هذا البحث بعد ان طرحت الادلّة علی الشويخ، عادل، تعلیل الاحکام من القرآن والسنّة والصحابة والتابعین وتابعیهم، ولم اجد من یخالف ذلک فیهم.وهذا برهان قویّ وحجّة قاطعة علی انّ احکام اللَّه معلّلة بمصالح العباد، وهذا الامر قام علیه [[الاجماع]] او شبه الاجماع قبل ولادة بعض المنکرین للتعلیل.
ونظراً لما تقدّم آنفاً، فکیف یمکن ان یاخذ المسلم عقیدته من مجموعة من العبارات المشوّشة والکلمات الناشئة من التعصّب والمغالطة، او یقول کلاماً لااساس له، بل ربّما یکون هناک تضادّ بین کلمات المنکرین للتعلیل، بحیث یری‌ الانسان الذی یقرا تالیفاتهم انّ کلّ واحد منهم یعترف بما انکره مَن سبقه، لانّ الحجّة قد تبیّنت وانّ الحقیقة قد اتّضحت وقد نزع عنه جلباب التقلید والعصبیة، واکثر من ذلک انّ احدهم یبالغ فی بدایة کلامه فی انکار التعلیل، وفی آخره یذعن له‌ ویعترف به ویقبل بالتعلیل بحیث لایبقی‌ مجال حتی للنزاع اللفظی.<ref> الشويخ، عادل، تعلیل الاحکام، ص96.</ref>.
ونظراً لما تقدّم آنفاً، فکیف یمکن ان یاخذ المسلم عقیدته من مجموعة من العبارات المشوّشة والکلمات الناشئة من التعصّب والمغالطة، او یقول کلاماً لااساس له، بل ربّما یکون هناک تضادّ بین کلمات المنکرین للتعلیل، بحیث یری‌ الانسان الذی یقرا تالیفاتهم انّ کلّ واحد منهم یعترف بما انکره مَن سبقه، لانّ الحجّة قد تبیّنت وانّ الحقیقة قد اتّضحت وقد نزع عنه جلباب التقلید والعصبیة، واکثر من ذلک انّ احدهم یبالغ فی بدایة کلامه فی انکار التعلیل، وفی آخره یذعن له‌ ویعترف به ویقبل بالتعلیل بحیث لایبقی‌ مجال حتی للنزاع اللفظی.<ref> الشويخ، عادل، تعلیل الاحکام، ص96.</ref>.


confirmed
٩٠٤

تعديل