انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «فهمي هويدي»

أُضيف ١٠ بايت ،  ١٣ أكتوبر ٢٠٢١
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٤٥: سطر ٤٥:
<br>لن أُعمّم، لكنّي سأضرب مثلًا بعلماء الأزهر الشريف، الذي هو أقدم وأعرق جامعة<br>إسلامية، حيث أزعم أنني قريب من أجوائه في مصر، بحكم الاعتبار الجغرافي على الأقلّ.
<br>لن أُعمّم، لكنّي سأضرب مثلًا بعلماء الأزهر الشريف، الذي هو أقدم وأعرق جامعة<br>إسلامية، حيث أزعم أنني قريب من أجوائه في مصر، بحكم الاعتبار الجغرافي على الأقلّ.
<br>وإذا ألقينا السؤال: لماذا كان حماس أهله في الأربعينيات للتقريب أكبر وأوضح منه في التسعينيات؟ فإنّ الإجابة الحاضرة في ذهني الآن هي: أنّ الفرق بين المرحلتين يمكن في اختلاف طبيعة العلاقة بين العلماء والسلطة في كلّ منهما. ففي ذلك الوقت المبكّر كان الأزهر وعلماؤه يتمتعون بقدر من الاستقلال سمح لهم بأن يتّخذوا مواقف ويعبّروا عن آراء حرّة يبتغون بها وجه اللَّه دون أن يكون للسلطة شأن بها. <br>
<br>وإذا ألقينا السؤال: لماذا كان حماس أهله في الأربعينيات للتقريب أكبر وأوضح منه في التسعينيات؟ فإنّ الإجابة الحاضرة في ذهني الآن هي: أنّ الفرق بين المرحلتين يمكن في اختلاف طبيعة العلاقة بين العلماء والسلطة في كلّ منهما. ففي ذلك الوقت المبكّر كان الأزهر وعلماؤه يتمتعون بقدر من الاستقلال سمح لهم بأن يتّخذوا مواقف ويعبّروا عن آراء حرّة يبتغون بها وجه اللَّه دون أن يكون للسلطة شأن بها. <br>
وكان ذلك بعضاً من تجلّيات المرحلة الليبرالية النسبية التي عاشتها مصر آنذاك. في التسعينيات، في ظلّ استمرار تراجع الهامش الديمقراطي وتعاظم دور الدولة، لم يكن بمقدور العلماء أو الأزهر أن يتحرّكوا بعيداً عن سلطان الدولة ولا سياساتها. ولذلك فإنّ الخلاف السياسي مع إيران أدّى تلقائياً إلى تراجع عملية التقريب، بل وفتح الباب في أقطار عربية عدّة- وليس في مصر وحدها- لتعميق التفريق، وتقديم التخاصم والتقاطع على التلاقي والتفاهم، وكانت النتيجة أن تراجعت علائق [[السنّة]] و[[الشيعة]] عمّا كانت عليه قبل نصف قرن مضى.
وكان ذلك بعضاً من تجلّيات المرحلة الليبرالية النسبية التي عاشتها مصر آنذاك. في التسعينيات، في ظلّ استمرار تراجع الهامش الديمقراطي وتعاظم دور الدولة، <br>
لم يكن بمقدور العلماء أو الأزهر أن يتحرّكوا بعيداً عن سلطان الدولة ولا سياساتها. ولذلك فإنّ الخلاف السياسي مع إيران أدّى تلقائياً إلى تراجع عملية التقريب، بل وفتح الباب في أقطار عربية عدّة- وليس في مصر وحدها- لتعميق التفريق، وتقديم التخاصم والتقاطع على التلاقي والتفاهم، وكانت النتيجة أن تراجعت علائق [[السنّة]] و[[الشيعة]] عمّا كانت عليه قبل نصف قرن مضى.
<br>بكلّ المقاييس فأوضاع التسعينيات أفضل بكثير من أوضاع الأربعينيات، فهذه الأخيرة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية كانت مسكونة بأجواء الإحباط واليأس... كانت الخلافة الإسلامية قد أُلغيت في تركيا، وكان العالم العربي كلّه تقريباً يرزح تحت الاحتلال، وبدا الغرب في أوج قوّته، <br>
<br>بكلّ المقاييس فأوضاع التسعينيات أفضل بكثير من أوضاع الأربعينيات، فهذه الأخيرة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية كانت مسكونة بأجواء الإحباط واليأس... كانت الخلافة الإسلامية قد أُلغيت في تركيا، وكان العالم العربي كلّه تقريباً يرزح تحت الاحتلال، وبدا الغرب في أوج قوّته، <br>
منتصراً في الحرب ومستعلياً كنموذج حضاري. ومع ذلك فقد انتعشت حركة التقريب على نحو مدهش كما سنرى بعد قليل.
منتصراً في الحرب ومستعلياً كنموذج حضاري. ومع ذلك فقد انتعشت حركة التقريب على نحو مدهش كما سنرى بعد قليل.
<br>في الثمانينيات والتسعينيات كانت المشاعر الدينية قد تعالت مؤشّراتها، وسرى الانتعاش بدرجة أكبر في المجتمعات الشيعية التي استقبلت بحفاوة حدث الثورة الإسلامية في إيران. ورغم أنّه من المفترض في هذه الأجواء أن تكون الظروف مواتية للتقريب بدرجة أكبر، إلّاأنّ ذلك لم يحدث للأسف الشديد؛ لأنّ رياح السياسة وضغوطها أصبحت أقوى، الأمر الذي لم يوفّر لجهود التقريب الدفعة القوية المرجوّة.
<br>في الثمانينيات والتسعينيات كانت المشاعر الدينية قد تعالت مؤشّراتها، وسرى الانتعاش بدرجة أكبر في المجتمعات الشيعية التي استقبلت بحفاوة حدث الثورة الإسلامية في إيران. ورغم أنّه من المفترض في هذه الأجواء أن تكون الظروف مواتية للتقريب بدرجة أكبر، <br>
إلّاأنّ ذلك لم يحدث للأسف الشديد؛ لأنّ رياح السياسة وضغوطها أصبحت أقوى، الأمر الذي لم يوفّر لجهود التقريب الدفعة القوية المرجوّة.
<br>وسواء اتّسمت جهود التقريب بالبطء والحذر الآن، أو أنّ أصوات دعاة التفريق ما زالت تجد من ينصت إليها ويستجيب لها، فإنّ تجربة التقريب التي تمّت في الأربعينيات وتواصلت حتّى أوائل التسعينيات تظلّ تجربة رائدة جديرة بأن نستحضرها ونتأمّلها ملياً.
<br>وسواء اتّسمت جهود التقريب بالبطء والحذر الآن، أو أنّ أصوات دعاة التفريق ما زالت تجد من ينصت إليها ويستجيب لها، فإنّ تجربة التقريب التي تمّت في الأربعينيات وتواصلت حتّى أوائل التسعينيات تظلّ تجربة رائدة جديرة بأن نستحضرها ونتأمّلها ملياً.
<br>وقبل استحضار تلك التجربة فإنّني أُلفت النظر إلى أنّ ما ذكرته عن أوضاع التقريب في الوقت الحاضر يصف الوضع على جملته، الأمر الذي لا ينبغي أن يصادر أصواتاً وجهوداً دافعت بإخلاص عن التقريب وعن وحدة الأُمّة الإسلامية، غير أنّ هذه الجهود ظلّت استثنائية، وتعبّر عن مواقف أفراد لا مؤسّسات، وبالتالي فإنّ ثمارها ظلّت محدودة الأثر والنطاق».
<br>وقبل استحضار تلك التجربة فإنّني أُلفت النظر إلى أنّ ما ذكرته عن أوضاع التقريب في الوقت الحاضر يصف الوضع على جملته، الأمر الذي لا ينبغي أن يصادر أصواتاً وجهوداً دافعت بإخلاص عن التقريب وعن وحدة الأُمّة الإسلامية، غير أنّ هذه الجهود ظلّت استثنائية، وتعبّر عن مواقف أفراد لا مؤسّسات، وبالتالي فإنّ ثمارها ظلّت محدودة الأثر والنطاق».
Write، confirmed، steward، إداريون
٣٬٣٠٦

تعديل