انتقل إلى المحتوى

تكفيري

من ویکي‌وحدت

تيار السلفي التكفيري هو حالياً أحد العوامل المهمة في الفتنة في المنطقة، حيث يسير في طريق مصالح الغربيين متنكراً بلباس الدفاع عن السنة. وجود هؤلاء الأشخاص في المجالس والمجتمعات ونشر آثارهم ومنتجاتهم الثقافية في بعض المراكز جذب انتباه بعض الشباب الحماسيين الذين تعبوا من إجراءات القمع التي يمارسها المحتلون.

مسار التطور

السلفيون يستمدون رواياتهم مباشرة من أحمد بن حنبل (ولد 241 هـ)، وأحمد بن تيمية (ولد 728 هـ)، وابن القيم الجوزية (ولد 751 هـ)، ومحمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي (1115-1206 هـ). بعد محمد بن عبد الوهاب، تحول التيار السلفي إلى شكل وهيكل سياسي، وسرع تحالفه مع محمد بن سعود مؤسس حكم آل سعود في السعودية هذا المسار. رغم التغيرات التي طرأت على العلاقة بين العلماء والحكام السعوديين، والتي أدت إلى فقدان بعض الصلاحيات مثل الاعتقال والقضاء لبعض شيوخ الوهابية، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون بمكانة جيدة في النظام السياسي السعودي. بالإضافة إلى منطقة الحجاز، لم تسلم مصر من التغيرات العقائدية، حيث شهد السلفيون هناك تجارب جديدة في المعتقدات السنية عبر نشاطات حسن البناء وحركة الإخوان المسلمين، مما فتح آفاقاً جديدة لهذه الجماعة في مجال الاجتهاد المحدود. لكن بعد وفاة حسن البناء المبكرة، تأثرت حركة الإخوان بفكريْن هما أبو الأعلى المودودي وسيد قطب، واللذان رسّخا منهج التكفير إلى جانب التمسك بالنصوص الدينية وفق رؤاهما الفقهية الخاصة.

كان سيد قطب، المتأثر بأفكار ابن القيم الجوزي حول التعامل مع أهل الكتاب، يرى أن أهل الكتاب يمكنهم العيش بسلام في الأراضي الإسلامية طالما دفعوا الجزية، وإلا فيجب على المسلمين الجهاد معهم. دعم السعودية ودول الخليج أدى إلى تنسيق كبير بين السلفيين التقليديين وحركة الإخوان المسلمين. من جهة أخرى، لقي الموقف المناهض للاشتراكية عند السلفيين الجدد، خصوصاً خلال حروب المجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي، اهتمام شيوخ الوهابية في السعودية.

نمو التيار التكفيري

أعلن السلفيون في نهاية المطاف تشكيل جبهة إسلامية عالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين بقيادة بن لادن السعودي والظواهري المصري، مع التركيز أكثر على الاتجاهات القتالية. بلا شك، كان حادث 11 سبتمبر نقطة تحول في تاريخ التطورات المعاصرة. التيار السلفي الإسلامي، الذي ظهر بعد السعودية في شكل مجاهدين طالبان، هدد مصالح العديد من دول المنطقة.

القراءة المتشددة والمتزمتة للسنة النبوية والتفسيرات الظاهرية لآيات القرآن دفعت طالبان إلى فرض وصاية حتى على معارضيها الفكريين والسياسيين، معتبرين أن لهم رسالة تفوق حجمهم الحقيقي. لم يقتصر هذا التيار الفكري على الجغرافيا الأفغانية، بل اعتبر نفسه مسؤولاً عن نشر تعاليم الإسلام على أساس القراءة السلفية في بقية دول المنطقة. رغم خلافاتهم مع باقي الجماعات السنية، كانوا يحملون كراهية شديدة للشيعة، مما دفعهم إلى اتباع سياسة عنيفة تجاههم. أدت أحداث 11 سبتمبر إلى تعزيز مكانة الجماعات العسكرية وشبه العسكرية وجعلت فكر القاعدة محورياً. دعم هذا الظاهرة كان في البداية من قبل الاستراتيجية الأمريكية في البيت الأبيض، لكن مع تصادم المصالح في المنطقة نشب صراع عميق أدى في النهاية إلى الغزو الأمريكي لأفغانستان.

التيار التكفيري في لبنان

إلى جانب أفغانستان، يعد لبنان مركزاً آخر لنمو السلفية. ظهر التيار السلفي الشامي في دمشق على يد ناصر الدين الألباني. دخل الفكر السلفي لبنان أواخر خمسينيات القرن الماضي عبر عدد من طلبة المراكز الدينية السعودية. من أهم هؤلاء الشيخ سالم الشهال والشيخ عبد الرزاق الزغبي، اللذان حولا طرابلس إلى مركز نشر الفكر السلفي في لبنان. بدأت نشاطات السلفيين في لبنان من طرابلس، ومنذ عام 1977 نشطوا بشكل ملحوظ تحت قيادة الشيخ سالم الشهال. في 1981 أسسوا تنظيمًا منظمًا أطلقوا عليه اسم "جمعية نواة الجيش الإسلامي". هذا التنظيم كان له حضور ضعيف إلى جانب باقي التنظيمات والقوى الإسلامية السنية التي كانت تسيطر على الساحة، مثل حركة التوحيد الإسلامي أو الجماعة الإسلامية. بعد انهيار حركة التوحيد الإسلامي عقب أحداث طرابلس عام 1985، تمكن السلفيون من التوسع وإظهار سماتهم العقائدية كجماعة مستقلة. تتركز حضورهم بقوة في طرابلس وبعض مناطق الشمال مثل عكار والضنية. شمال لبنان يحظى بأهمية خاصة للسلفيين بسبب وجود معظم شخصياتهم ومؤسساتهم هناك. كما أن الأحداث الأخيرة في هذه المناطق مثل أحداث الضنية، انفجارات الكنائس، والهجمات على المصالح الغربية، بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية الحكومية، جعلت من الشمال قاعدة ومركز تجمع للسلفيين.

في منتصف التسعينيات، تعرضت حركة السلفية لأزمات وأحداث حاسمة أضعفت نشاطها، حيث تعرضوا لضغوط أمنية من الأجهزة اللبنانية بسبب التفجيرات والجرائم والاغتيالات التي ارتكبها أتباعهم. بعد 11 سبتمبر 2001، تصاعدت الضغوط الأمنية على الجماعات السلفية. من خلال توزيع المساجد والمدارس الدينية والسلفية وبناء مساجد في القرى الفقيرة واستخدامها لنشر المذهب السلفي، يمكن ملاحظة التوسع الكبير للسلفيين في شمال لبنان. على سبيل المثال، من بين 70 مسجدًا في طرابلس، 16 مسجدًا مملوك للسلفيين، في حين أن دار الإفتاء مع وجود العديد من الأئمة التابعين لها تمتلك فقط 13 مسجدًا، وحركتا التوحيد والجماعة تمتلكان 7 مساجد لكل منهما فقط. في عكار، هناك حوالي 210 مساجد موزعة في القرى والبلدات الصغيرة، منها 27 مسجدًا مملوكًا للوهابيين الذين يؤدون فيها صلاة الجماعة ويدرسون.

كان التيار المشبوه "فتح الإسلام" في لبنان والتحركات العسكرية لهذه الجماعة في مخيم نهر البارد نتيجة لمحاولات التيارات المتطرفة السنية للتأثير على التطورات الإقليمية، خصوصاً في لبنان. تشير التقارير إلى أن قيادة هذا التيار كانت لشخص يدعى "أبو خالد العلّامة"، الذي كان له تاريخ في العمليات الإرهابية في العراق وتعاون مع "أيمن الظواهري وزرقاوي". تم ملاحقته بسبب بعض الأعمال التخريبية ضد الشيعة وسُجن لفترة في سوريا.

بعد خروجه من السجن، تعاون مع أردني فلسطيني يُدعى شاكر العبسي لتأسيس مجموعة فتح الإسلام. العبسي، الذي انضم إلى منظمة فتح عام 1970، أصبح لاحقًا من المتمردين ضد عرفات وانضم إلى القاعدة عام 1990. كان مطلوبًا في سوريا وقضى ثلاث سنوات في السجن هناك. التقى العبسي بزرقاوي بعد إطلاق سراحه، وبعد اتفاق مع العلّامة تشكلت مجموعة فتح الإسلام. دخلت هذه المجموعة الأراضي اللبنانية ونفذت عدة هجمات إرهابية مثل تفجير حافلة صغيرة، تعطيل إضرابات مناهضة لسنيورة، وإثارة النزاعات بين الشيعة والسنة. انتهى ملف فتح الإسلام بتدخل حكومة سنيورة وضبط النفس من حزب الله، لكن الخبراء والسياسيين يرون أن هذه المحاولات كانت تهدف إلى تقليل نفوذ حزب الله. وفقًا للمحللين، ما حدث في لبنان كان جزءًا من سيناريو أمريكي-إسرائيلي غير مكتمل يُختبر منذ حرب الثلاثة وثلاثين يومًا بقوة أكبر.

التيار التكفيري في العراق

من المناطق الأخرى التي يلعب فيها التيار التكفيري دورًا نشطًا في الأحداث السياسية هي العراق المحتل. حالياً، هناك حكومة شيعية تدير الشؤون التنفيذية في العراق، لكن وجود عناصر شيعية يهدد مصالح بعض قادة المنطقة، البعثيين، والجماعات السنية المتشددة. بسبب الذاكرة الحربية التي استمرت ثماني سنوات بين إيران والعراق ودعم العرب الإقليميين لصدام حسين في الحرب، ترسخت صورة الديكتاتور البعثي كمدافع عن العروبة والمذهب السني ضد خطر الشيعة الإيرانيين في أذهان السنة العراقيين ودول المنطقة، مما جعلهم يعتقدون أن وجود الإيرانيين في العراق وتعزيز الروابط بين الشيعة في المنطقة يهدد الحياة السياسية العربية ونفوذ المذهب السني. علاوة على ذلك، أدت الأحداث التي أضعفت حزب البعث إلى تشكيل تحالف استراتيجي بين السنة الغاضبين وعناصر حزب البعث. من الناحية الدينية، أتاح ذلك للقاعدة حرية أكبر للتحرك في المناطق السنية. بعد ذلك، تسارعت وتيرة العنف في العراق ورأى التكفيريون أن العراق ساحة مناسبة لأعمالهم. رغم أن الحروب الطائفية ليست جديدة في الشرق الأوسط، إلا أن تصاعد النزاعات في باكستان والعراق أصبح مصدر قلق كبير، ولم تسفر اللقاءات المشتركة بين الشيعة والسنة، مثل مؤتمر مكة في مهر 85، عن نتائج ملموسة.

أحد العوامل المهمة للصراعات الدامية في المنطقة هو موضوع تكفير الشيعة الذي يطرحه بعض علماء ورجال الدين الوهابيين والسلفيين المتطرفين، مما أدى إلى سقوط العديد من الشيعة الأبرياء ضحايا. اللافت أن بدلاً من التعامل الحكيم والمنطقي مع هذه الظاهرة وإعلان البراءة من الأعمال العنيفة والقمعية، أصدر 38 من علماء السلفية السعوديين بيانًا في آذر 1385 (ديسمبر 2006) أعربوا فيه عن أسفهم لسقوط بغداد واعتبروه مؤامرة صليبية، روافض وصفوية، وهدفها حماية المحتلين وتضييق نفوذ أهل السنة وخلق هلال شيعي وتقسيم العراق إلى مناطق كردية وشيعية وسنية. كان واضحًا في هذا التصنيف أن الروافض هم الشيعة، والصفويون هم الإيرانيون، والمحتلون هم جنود الصليبيين. من الحجج الرئيسية لعلماء أهل السنة لاستخدام التكفير ضد الشيعة هو موضوع الغلو في أئمة الأطهار. كما أن إهانة الصحابة وزوجات النبي، ومنع أهل السنة من المناصب السياسية، ومنع بناء المساجد في بعض المراكز الحضرية هي من ادعاءات السنة حول حكم إيران الشيعية. الغرب لم يغفل هذه الخلافات، بل خلق ظروفًا لإثارة الفتنة بين الشيعة والسنة، كما بثوا الخوف الوهمي من الإسلام.

القاعدة في العراق

المنظمات والحركات التي تنشط حول محور القاعدة في العراق تشمل:

1- تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين هذا التنظيم هو أخطر الجماعات الإرهابية في العراق، تشمل نشاطاته تفجير السيارات، الاغتيالات، خطف الأبرياء، والقتل والتمثيل بالجثث. له ارتباط قوي مع التنظيمات العسكرية البعثية مثل "الجيش الإسلامي العراقي - كتائب ثورة العشرين" وله علاقات وثيقة مع التنظيمات الإرهابية العالمية. نشاطه في مناطق الأنبار، الموصل، تكريت، ديالى، وضواحي بغداد الجنوبية والشمالية والغربية. يتألف هيكله العسكري من متطرفين داخليين وخارجيين، وكان يقوده أبو مصعب الزرقاوي منذ تأسيسه.

2- جيش أنصار السنة يتكون من سنيين متطرفين عراقيين وغير عراقيين وبعض عناصر النظام السابق. ينشط في وسط وشمال العراق، وهو من حلفاء تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين". من قادته البارزين محمد الجحيشي.

3- الجيش الإسلامي في العراق مجموعة من الإسلاميين المتطرفين وعناصر من النظام السابق، ينشطون في وسط العراق ولديهم خلايا في الموصل والبصرة.

4- حزب التحرير هدفهم إقامة دولة خلافة في العراق وطرد الكفار منه. لهم علاقة بتنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، وينشطون في ديالى وبعض مناطق بغداد.

5- جيش الطائفة المنصورة ظهر في أواخر يوليو 2005. تبنى إطلاق قذائف هاون على زوار الإمام موسى الكاظم في 13 أغسطس 2005، وأصدر أول بيان له في 26 يوليو 2005 عبر الإنترنت، وأعلن تأسيسه بعد سقوط نظام صدام. قائدهم "أبو عمر الأنصاري" والمتحدث باسمهم "أبو سامة". ينشطون في مناطق الطارمية المشاهدة، التاجي، الطيفية، وعويريج.

6- مجموعة أنصار أهل السنة (مناصروا أهل السنة) ظهرت في يونيو 2005 وأصدرت بيان تأسيسها في 13 يونيو 2005. تنشط في وسط وجنوب العراق (البصرة)، ولها نشاطات في الدورة، بغداد وأبورشيد. تبنت تفجير حزام ناسف في مسجد شيعي على طريق بغداد-البصرة أدى لمقتل 46 مدنياً، وخطف وقتل رئيس اتحاد الكراطي في بابل وهو شيعي. كما قتلت أعضاء من منظمة بدر في منطقة الطليعة بين بغداد والحلة.

7- لواء عمر أعلن تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" تأسيسه في 5 يوليو 2005، وزعم مسؤوليته عن قتل أعضاء منظمة بدر. زعيمه جمال التكريتي الملقب "أبو إسلام"، من عشيرة البوناصر في تكريت وأحد معاوني الزرقاوي. حتى 29 أغسطس 2005 قام بـ200 عملية اغتيال استهدفت نشطاء إسلاميين ووطنين، من بينهم سكرتير مكتب عادل عبد المهدي ومدير مكتب أحمد الجلبي. تبنى تفجير مبنى مؤسسة شهيد محراب في تلعفر في 23 يوليو 2005.

8- مجموعة الأنصار التابعة لكتيبة براء بن مالك تبنت 11 عملية بين 9 و29 يونيو 2006، وعمليات أخرى بين 17 و20 يوليو 2006، منها سيارة مفخخة وتفجير حزام ناسف.

9- جيش محمد (الحق) يتكون من تكفيريين وبعثيين يدعمون التمييز العرقي على أساس الانتماءات العشائرية. يسعى لإعادة حزب البعث، وشعاره "الحكم للعرب السنة في العراق".

10- مجموعة أبو أيمن نشاطها في الموصل والفلوجة، وتعتمد على خبرة التكفيريين السابقين في الجيش العراقي، وتدير دورات في المدائن ببغداد.

11- كتيبة زبير بن عوام تنشط في أبو غريب، الرضوية، خان ضاري والزيدان، وقائدها أبو زبيدة البابلي. أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة في 26 سبتمبر 2005، لكنها كانت سابقاً تابعة لكتيبة ثورة العشرين. تعتمد على السيارات المفخخة، التفجيرات، وإطلاق الصواريخ.

12- كتيبة حسن بصري أعلنت ولاءها للقاعدة في العراق في 31 سبتمبر 2005، وتنشط في أبو الخطاب، الامتحية والزبير. نفذت عمليات إرهابية ضد القوات البريطانية والعراقية والمدنيين الشيعة في البصرة، باستخدام التفجيرات، السيارات المفخخة، العمليات الانتحارية والاغتيالات. ظهرت بين أغسطس وسبتمبر 2004، وأعضاؤها من عشيرة غائم البصرة ذات التوجه الإرهابي. قائدها أبو حذيفة عراقي، ونفذت 24 هجومًا بين سبتمبر 2004 ومارس 2005، منها 16 تفجيرًا وعدة عمليات اغتيال في البصرة.

الخلاصة

أحد العوامل المهمة للفتنة في المنطقة هو التيار السلفي التكفيري الذي يتنكر بلباس الدفاع عن السنة، لكنه يسير عمليًا في خدمة مصالح الغربيين. وجود هؤلاء في المجالس والمجتمعات ونشر منتجاتهم الثقافية في بعض المراكز جذب انتباه الشباب المتحمس الذين تعبوا من القمع، ورأوا في هذا التيار ملاذًا للخلاص من الضغوط. من المهم أن نلاحظ أن أحد أهم الإجراءات الثقافية لمواجهة هذه التفسيرات الخاطئة للإسلام والسنة هو الاستفادة من جميع الإمكانات والقدرات التنظيمية للتقريب بين المذاهب. مع ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن بعض التحريضات المبالغ فيها من بعض الشيعة ساهمت أيضًا في تعميق الكراهية والريبة بين أهل السنة.

المصادر