تحريف المصحف
البحث عن تحريف المصحف من اهم مباحث العلوم القرآنية
تحريف المصحف
التحريف لغةً و اصطلاحاً
تحريف المصحف التَّحْرِيفُ لُغَةً: مَصْدَرُ حَرَّفَ الشَّيْءَ: إِذَا جَعلَهُ علَى جَانِبٍ، أَوْ أَخَذَ مِنْ جَانِبِهِ شَيْئًا، وَتَحْرِيفُ الْكَلاَمِ عنْ مَوَاضِعهِ تَغْيِيرُهُ وَالْعدُول بِهِ عنْ جِهَتِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعالَى فِي الْيَهُودِ: «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عنْ مَوَاضِعهِ» أَيْ يُغَيِّرُونَهُ . ، حرف الشيء: طرفه وجانبه، وتحريفه: إمالته والعدول به عن موضعه إلى طرفٍ أو جانب. قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبُدُ الله على حَرْفٍ». قال الزمخشري: أي على طرفٍ من الدين لا في وسطه وقلبه، وهذا مثلٌ لكونهم على قلقٍ واضطرابٍ في دينهم، لا على سكونٍ وطمأنينة. التحريف إصطلاحاً: تفسير الكلام على غير وجهه، يقال: حرّف الشيء عن وجهه: حرّفه وأماله، وبه يفسر قوله تعالى: «يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عنْ مَواضِعه». قال الطبرسي في تفسير الآية: يفسّرونها على غير ما أُنزلت، والمراد من المواضع هي المعاني و المقاصد.
إن للتحريف إصطلاحاً معاني عديدة
التحريف بالترتيب
هناك معنى للتحريف لا خلاف بين المسلمين في وقوعه في القرآن الكريم، يتفق الكل على أن القرآن الموجود ليس تدوينه بحسب ما نزل، يختلف وضع الموجود عن تنزيله وترتيبه في النزول، وهذا ما ينص عليه علماء القرآن في كتبهم ، فراجعوا إن شئتم كتاب الإتقان لجلال الدين السيوطي، ترونه يذكر أسامي السور ، سور القرآن الكريم بحسب نزولها وأي غرض كان عندهم من هذا الذي فعلوا؟ لماذا فعلوا هكذا؟ هذا بحث يجب أن يطرح، فقد قلت لكم إن المجلس الواحد لا يكفي.
ترتيب السور وترتيب الآيات يختلف عما نزل عليه القرآن الكريم، ترون آية المودة مثلا وضعت في غير موضعها، آية التطهير وضعت في غير موضعها، ترون آية (أكملت لكم دينكم) وضعت في غير موضعها، سورة المائدة التي هي بإجماع الفريقين آخر ما نزل من القرآن الكريم، ترونها ليست في آخر القرآن، بل في أوائل القرآن، ما الغرض من هذا؟ فهذا نوع من التحريف لا ريب في وقوعه،
وقد اتفق الكل على وقوعه في القرآن.
التحريف بالزيادة
وهناك معنى آخر من التحريف اتفقوا على عدم وقوعه في القرآن، ولا خلاف في ذلك، وهو التحريف بالزيادة، اتفق الكل وأجمعوا على أن القرآن الكريم لا زيادة فيه، أي ليس في القرآن الموجود شئ من كلام الآدميين وغير الآدميين، إنه كلام الله سبحانه وتعالى فقط. نعم ينقلون عن ابن مسعود الصحابي أنه لم يكتب في مصحفه المعوذتين، قال: لأنهما ليستا من القرآن.
إلا أن الكل خطأه، حتى في رواياتنا أيضا خطأه الأئمة سلام الله عليهم. فليس في القرآن زيادة، وهذا معنى آخر من التحريف.
التحريف بالنقصان
المعنى الذي وقع فيه النزاع هو التحريف بمعنى النقصان: بأن يكون القرآن الكريم قد وقع فيه نقص، بأن يكون غير مشتمل أو غير جامع لجميع ما نزل من الله سبحانه وتعالى بعنوان القرآن على رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا هو الأمر الذي يتهم الشيعة الإمامية بالاعتقاد به.
قال السيد الخويي: «يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدة معان على سبيل الاشتراك، فبعض منها واقع في القرآن باتفاق من المسلمين، وبعض منها لم يقع فيه باتفاق منهم أيضا،
وبعض منها وقع الخلاف بينهم. واليك تفصيل ذلك:
الأول: نقل الشئ عن موضعه وتحويله إلى غيره، ومنه قوله تعالى: «من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه». ولا خلاف بين المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب الله فإن كل من فسر القرآن بغير حقيقته، وحمله على غير معناه فقد حرفه. وترى كثيرا من أهل البدع، والمذاهب الفاسدة قد حرفوا القرآن بتأويلهم آياته على آرائهم وأهوائهم وقد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى،
وذم فاعله في عدة من الروايات منها: رواية الكافي بإسناده عن الباقر (عليه السلام) أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير: «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية».
الثاني: النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات، مع حفظ القرآن وعدم ضياعه،
وإن لم يكن متميزا في الخارج عن غيره. والتحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعا، فقد أثبتنا لك فيما تقدم عدم تواتر القراءات، ومعنى هذا أن القرآن المنزل إنما هو مطابق لاحدى القراءات، وأما غيرها فهو إما زيادة في القرآن وإما نقيصة فيه.
الثالث: النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين، مع التحفظ على نفس القرآن المنزل، والتحريك بهذا المعنى قد وقع في صدر الاسلام، وفي زمان الصحابة قطعا،
ويدلنا على ذلك إجماع المسلمين على أن عثمان أحرق جملة من المصاحف وأمر ولاته بحرق كل مصحف غير ما جمعه، وهذا يدل على أن هذه المصاحف كانت مخالفة لما جمعه، وإلا لم يكن هناك سبب موجب لاحراقها، وقد ضبط جماعة من العلماء موارد الاختلاف بين المصاحف، منهم عبد الله ابن أبي دود السجستاني، وقد سمى كتابه هذا بكتاب المصاحف. وعلى ذلك فالتحريف واقع لا محالة إما من عثمان أو من كتاب تلك المصاحف، ولكنا سنبين بعد هذا إن شاء الله تعالى أن ما جمعه عثمان كان هو القرآن المعروف بين المسلمين، الذي تداولوه على النبي (صلى الله عليه وآله) يدا بيد. فالتحريك بالزيادة والنقيصة إنما وقع في تلك المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان، وأما القرآن الموجود فليس فيه زيادة ولا نقيصة.
وجملة القول: إن من يقول بعدم تواتر تلك المصاحف - كما هو الصحيح - فالتحريف بهذا المعنى وإن كان قد وقع عنده في الصدر الأول إلا أنه قد انقطع في زمان عثمان، وانحصر المصحف بما ثبت تواتره عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأما القائل بتواتر المصاحف بأجمعها، فلا بد له من الالتزام بوقوع التحريف بالمعنى المتنازع فيه في القرآن المنزل، وبضياع شئ منه.
وقد مر عليك تصريح الطبري، وجماعة آخرين بإلغاء عثمان للحروف الستة التي نزل بها القرآن ، واقتصاره على حرف واحد.
الرابع: التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع التحفظ على القرآن المنزل، والتسالم على قراءة النبي (صلى الله عليه وآله) إياها، والتحريف بهذا المعنى أيضا واقع في القرآن قطعا. فالبسملة - مثلا – مما تسالم المسلمون على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قرأها قبل كل سورة غير سورة التوبة وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بين علماء السنة، فاختار جمع منهم أنها ليست من القرآن، بل ذهبت المالكية إلى كراهة الاتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة،
إلا إذا نوى به المصلي الخروج من الخلاف، وذهب جماعة أخرى إلى أن البسملة من القرآن. وأما الشيعة فهم متسالمون على جزئية البسملة من كل سورة غير سورة التوبة، واختار هذا القول جماعة من علماء السنة أيضا - وستعرف تفصيل ذلك عند تفسيرنا سورة الفاتحة - وإذن فالقرآن المنزل من السماء قد وقع فيه التحريف يقينا، بالزيادة أو بالنقيصة.
الخامس: التحريف بالزيادة بمعنى أن بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل، والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين، بل هو مما علم بطلانه بالضرورة.
السادس: التحريف بالنقيصة، بمعنى أن المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل من السماء، فقد ضاع بعضه على الناس، والتحريف بهذا المعنى هو الذي وقع فيه الخلاف فأثبته قوم ونفاه آخرون».
قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «لا ريبَ في أنّه مَحفوظ من النقصان، بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح القرآن، وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر. وما ورد من أخبار النقيصة تَمنع البديهة من العمل بظاهرها، ولا سيّما ما فيه نقص ثلث القرآن، أو كثير منه، فإنّه لو كان ذلك لتواتر نقله لتوفّر الدواعي عليه، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام وأهله.
ثمّ كيف يكون ذلك، وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته، وحروفه. وخصوصاً ما ورد أنّه صرّح فيه بأسماء كثير من المنافقين في بعض السور، ومنهم فلان وفلان. وكيف يمكن ذلك، وكان من حكم النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم الستر على المنافقين، ومعاملتهم بمعاملة أهل الدين. ثمّ كان صلوات اللَّه عليه يختشي على نفسه الشريفة منهم، حتّى أنّه حاول عدم التعرّض لنصب أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتّى جاءه التشديد التامّ من ربّ العالمين، فلا بدّ من تأويلها بأحد وجوه:
أحدها: النقص ممّا خلق، لا ممّا أُنزل.
ثانيها: النقص ممّا أُنزل إلى السماء، لا ممّا وصل إلى خاتم الأنبياء.
ثالثها: النقص في المعاني.
رابعها: أنّ الناقص من الأحاديث القدسيّة.
والذي اختاره أن المُنزل من الأصل ناقص في الرسم، وما نقص منه محفوظ عند النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم وآله (عليهم السلام). وأمّا ما كان للإعجاز الذي شاع في الحجاز وغير الحجاز، فهو مقصور على ما اشتهر بين الناس، لم يغيّره شيء من النقصان، من زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسلم إلى هذا الزمان، وكلَّما خطب أو خاطب به النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم على المنبر، لم يتبدّل، ولم يتغيّر».
قال السيد جعفر مرتضى العاملي: «إن هناك إجماعاً من المسلمين على عدم وقوع الزيادة في كتاب الله سبحانه بأي وجه وقد ذكر هذا الإجماع عدد من العلماء كالطوسي والطبرسي. أما النقيصة فالشيعة مجمعون على عدمها أيضاً، ولا يعتد بمخالفة بعض الحشوية، وبعض أهل الحديث، لنقلهم أخباراً ضعيفة ظنوا صحتها. بل لقد قال ابن حزم عن الشريف المرتضى: «إنه يكفّر من زعم أن القرآن بدِّل، أو زيد فيه أو نقّص منه، وكذا كان صاحباه: أبو القاسم الرازي، وأبو يعلي الطوسي». وعدا ذلك فإن الأدلة على سلامة القرآن من التحريف سواء من ناحية الزيادة، أم من ناحية النقيصة كثيرة، وقد استوفينا شطراً منها في كتابنا المعروف: «حقائق هامة حول القرآن» فليراجعه من يريد ذلك».
قال السيد علي الحسيني الميلاني: «لا ريب ولا خلاف في أن القرآن المجيد الموجود الآن بين أيدي المسلمين هو كلام الله المنزل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو المعجزة الخالدة له،
وهو الذي أوصى أمته بالرجوع إليه، والتحاكم إليه، وأفاد في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين أن القرآن والعترة هما الثقلان اللذان تركهما في أمته لئلا تضل ما دامت متمسكة بهذين الثقلين».
قال السيد الخوئي: «المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم (صلي الله عليه و آله و سلم)، وقد صرح بذلك كثير من الاعلام منهم رئيس المحدثين الصدوق محمد بن بابويه، وقد عد القول بعدم التحريف من معتقدات الامامية ومنه شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، وصرح بذلك في أول تفسيره «التبيان» ونقل القول بذلك أيضا عن شيخه علم الهدى السيد المرتضى، واستدلاله على ذلك بأتم دليل.
ومنهم المفسر الشهير الطبرسي في مقدمة تفسيره «مجمع البيان»، ومنهم شيخ الفقهاء الشيخ جعفر في بحث القرآن من كتابه «كشف الغطاء» وادعى الاجماع على ذلك ومنهم العلامة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه «العروة الوثقى» ونسب القول بعدم التحريف إلى جمهور المجتهدين.
ومنه المحدث الشهير المولى محسن القاساني في كتابيه. ومنهم بطل العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدمة تفسيره «آلاء الرحمن». وقد نسب جماعة القول بعدم التحريف إلى كثير من الأعاظم. منهم شيخ المشايخ المفيد، والمتبحر الجامع الشيخ البهائي، والمحقق القاضي نور الله، وأضرابهم. وممن يظهر منه القول بعدم التحريف: كل من كتب في الإمامة من علماء الشيعة وذكر فيه المثالب، ولم يتعرض للتحريف، فلو كان هؤلاء قائلين بالتحريف لكان ذلك أولى بالذكر من إحراق المصحف وغيره.
وجملة القول: أن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف. نعم ذهب جماعة من المحدثين من الشيعة، وجمع من علماء أهل السنة إلى وقوع التحريف. قال الرافعي: فذهب جماعة من أهل الكلام ممن لا صناعة لهم إلا الظن والتأويل، واستخراج الأساليب الجدلية من كل حكم وكل قول إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شئ، حملا على ما وصفوا من كيفية جمعه وقد نسب الطبرسي في «مجمع البيان» هذا القول إلى الحشوية من العامة».
فإذا تأملنا بدقة وشمول في أمر تحريف القرآن لوجدناه من سخف القول ومجافيا لنصوص القرآن والسنة ونعرض للأدلة على ذلك. ودلت بعض آيات الكتاب العزيز على سلامته من الانحراف والتلاعب،
وأنه على وضعه النازل من رب العالمين.
قال تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ». وحكمت الآية الكريمة حفظ الله تعالى لكتابه من الضياع والتحريف والتلاعب.
قال تعالى: «وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ». دلت الآية على نفي الباطل بجميع أنواعه وألوانه عن الكتاب العزيز، ومن المؤكد - حسب الصناعة - أن النفي إذا ورد على الطبيعة أفاد العموم، ولا شبهة أن التحريف من أفراد الباطل فيجب أن لا يتطرق إلى الكتاب العزيز.
وتضافرت الأخبار بسلامة الكتاب العزيز من أي تحريف زيادة كان أو نقصانا،
ومن أهم تلك الأخبار، الأحاديث الآمرة بعرض الحديث علي الکتاب ليعرف بذلک الصحيح منه فيواخذ به و السقيم فيترک و يعرض عنه و هي کثيرة منها حديث الإمام الصادق (عليه السلام) قال خطب النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) بمني فقال: «ايها الناس ما جاءکم عني يوافق کتاب الله فأنا قلته وما جاءکم يخالف کتاب الله فلم اقله». وعنه أيضاً بسند صحيح قال (عليه السلام) «إذا ورد عليکم حديثان مختلفان فأعرضوهما علي کتاب الله، فما وافق کتاب الله فخذوه، وما خالف کتاب الله فردوه».
وهذه القاعدة تتنافي تماماً مع احتمال التحريف في کتاب الله، لأن المعروض عليه يجب أن يکون مقطوعاً به لأنه المقياس الفارق بين الحق و الباطل، فلا موضع للشک في نفس المقياس و لولا أن السور القرآن و آياته مصونة من التحريف و محفوظة من النقصان منذ عصر الرسالة الأول و إلي الأبد لما کانت هذه القاعدة و لا أمکن الرکون اليها و الوثوق بها.