تاريخ التدوين والتصنيف في علم الأصول

من ویکي‌وحدت

تأريخ التدوين والتصنيف في علم الأصول: والمقصود هنا هو البحث عن بداية استقلال مسائل علم الأصول ووضعها في كتاب على حدة والتعامل معها بمفردها بغضّ النظر عن علم الحديث و علم الفقه، فلما كان علم الأصول في بدايات عهد التشريع مجموعة من القواعد مبثوثة هنا وهناك في كلام النبي(ص) وأهل بيته(ع) وأصحابه، مثل: مسائل تعنى بالاجتهاد والرأي والقياس و الاستحسان و خبر الواحد و الاستصحاب والبراءة والاحتياط وأحكام التعارض، لكن وبمرور الزمن وظهور حوادث مستجدة اشتدت الحاجة إلى تلك القواعد الأصولية ممّا أدّى بالبعض إلى التفكير في تمحيص هذه القواعد وتبويبها فوضعت في كتاب أو تصنيف على حدة ليسهل التعامل معها ومعرفة حدودها وضوابطها.

أول من صنّف في علم الأصول

وقد وقع البحث في أنه من هو أوّل من صنف في مسائل علم الأصول، وهنا أقوال:

القول الأول

يذهب الشيعة الامامية إلى أنّ أوّل من صنّف في مسائل علم الأصول هو هشام بن الحكم الكوفي الشيباني (ت 169 ه ) في رسالته «الألفاظ»[١]، وكذلك يونس بن عبدالرحمن مولى آل يقطين في رسالته «اختلاف الحديث ومسائله».[٢]
يقول أسد حيدر: «فالإمام الباقر عليه‌السلام هو واضع علم الأصول وفاتح بابه، وأوّل من صنّف فيه هو هشام بن الحكم، صنف كتاب (الألفاظ ومباحثها)، وهو أهمّ مباحث علم الأصول، ثُمّ من بعده يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين صنّف كتاب (اختلاف الحديث ومسائله) وهو مبحث تعارض الحديثين ومسائل التعادل والتراجيح، ثُمّ أخذت حركة التأليف في الأصول من بعدهما بالتوسعة».[٣]

القول الثاني

أنّ الشافعي هو أوّل من صنّف في مسائل أصول الفقه وله كتاب معروف سمّي بـ «الرسالة» واحتوى جملة من المسائل الأصولية: كالاجتهاد والتقليد والاجماع والعموم والخصوص والاستحسان وبعض مسائل الأمر والنهي. [٤]
وصرح بذلك جملة من العلماء كابن خلكان[٥] وابن خلدون[٦] والتهانوي. [٧] يقول الأسنوي: «كان امامنا الشافعي رضى‏الله‏عنه هو المبتكر لهذا العلم بلا نزاع وأوّل من صنّف فيه بالإجماع».[٨]
ويقول الزركشي: «الشافعي أوّل من صنّف في أصول الفقه، صنّف فيه كتاب «الرسالة» وكتاب «أحكام القرآن» و«اختلاف الحديث» و«إبطال الاستحسان» و«القياس».[٩]

القول الثالث

أنّ أوّل من صنّف في مسائل أصول الفقه هم الأحناف، فقد ذُكر: «إنّ أوّل من صنّف في علم الأصول... أبو حنيفة النعمان رضى‏الله‏عنه حيث بيّن طرق الاستنباط في كتاب (الرأي) له».[١٠]
بينما ينقل ابن خلكان عن جماعة وهو يتحدّث عن أبي يوسف: «هو أوّل من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب الإمام ابي حنيفة وأملى المسائل ونشرها».[١١] ويقول المكّي: «إنّ أبا يوسف أوّل من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة».[١٢]
ويذكر ابن النديم في محمّد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ): إنّ له كتابا في أصول الفقه، وإنّ له كتابا في اجتهاد الرأي وآخر في الاستحسان. [١٣]
والذي يلاحظ على تأليفات وتصنيفات هذه المرحلة أنّها لم تدوّن إلاّ لمسائل معينة في أصول الفقه ولم تدون لعلم الأصول بعنوان أنّه شكله وملامحه وحدوده التي عرف فيها فيما بعد، ولم تكن تستوعب جميع مباحثه، لذلك نجد رسالة الشافعي تحتوي على كثير من المسائل والبحوث الفقهية، وحتّى المسائل الأصولية التي تطرّق لها لم يتمحّض البحث فيها بالبحث الأصولي، بل ضمنها كثير من المسائل الفقهية. [١٤]
لذلك ترى هناك اختلافا واضحا بين «الرسالة» وبين الكتب الأصولية التي كتبت في علم الأصول فيما بعد.

المصادر

  1. أنظر: رجال النجاشي: 432، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: 310.
  2. أنظر: تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: 311.
  3. الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 2: 304 ـ 305.
  4. أنظر: أصول الأحكام: 22، أصول الفقه تاريخه وتطوّره ورجاله: 29 ـ 30.
  5. وفيات الأعيان 4: 165.
  6. مقدّمة ابن خلدون: 455.
  7. كشف الظنون 1: 111.
  8. التمهيد الأسنوي: 45.
  9. البحر المحيط 1: 10.
  10. أصول السرخسي 1: 3 المقدّمة، الفوائد الطوسية: 236.
  11. وفيات الأعيان 6: 382.
  12. مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان 2: 124.
  13. الفهرست: 257.
  14. أنظر: نظرة عامة في أصول الفقه: 29 ـ 30.