باريس
باريس عاصمة دولة فرنسا وتقع في شمال البلاد، ويعبر نهر السين وسطها[١]. هذه المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 12 مليون نسمة تعد من أكثر المدن الكبرى سكانًا في أوروبا.
بتاريخ يمتد لأكثر من ألفي عام، أصبحت باريس اليوم عاصمة فرنسا واحدة من المراكز التجارية والثقافية العالمية.
تاريخ المدينة
تعود أولى علامات استيطان الإنسان في منطقة باريس إلى حوالي 4200 سنة قبل الميلاد. قبل 250 سنة من الميلاد، أصبحت هذه المنطقة موطنًا لقبيلة الباريسي، وفي عام 52 قبل الميلاد وقعت المدينة تحت حكم الإمبراطورية الرومانية. في تلك الحقبة، تغير اسم باريس إلى لوتس ونمت مع ازدهار الإمبراطورية الرومانية. خلال فترة حكم الرومان، شُيدت في المدينة العديد من المعابد والحمامات والقصور وقاعات المسرح.
لكن سقوط الإمبراطورية الرومانية وهجوم الجرمان في القرن الثالث الميلادي أضعفا مكانة باريس. تدريجيًا، بدأ السكان في مغادرة المدينة، وكان الحدث المهم الوحيد هو استعادة اسم باريس القديم.
في القرن السادس الميلادي، وبعد وفاة الملك كلوفيس، انقسمت مملكة الفرنجة في فرنسا إلى عدة دويلات، وأصبحت باريس عاصمة لإحدى الولايات المستقلة. وفي القرن التاسع، كانت باريس إقطاعية.
في هذه الفترة، زادت قوة كونتية باريس تدريجيًا. تعرضت باريس لهجوم الفايكنج في القرن العاشر، لكنها قاومت ولم تقع تحت سيطرتهم.
في عام 987، تم انتخاب هوجو كابيه، كونت باريس، ملكًا لـفرنسا، مؤسسًا سلالة الكابيتيين؛ وفي هذا التاريخ تم اختيار باريس لأول مرة كعاصمة لـفرنسا.
في أواخر القرن الثاني عشر، شهدت باريس تغييرات جذرية؛ أصبح الضفة اليسرى لنهر السين مزدهرة مع تأسيس الجامعة وعدة مؤسسات أكاديمية، لتصبح مركزًا أكاديميًا. في نفس الفترة، ازدهرت التجارة في الضفة اليمنى للنهر.
في القرن الثالث عشر وأثناء حروب المئة عام، احتلت سلالة بورغندي المدينة وفقدت باريس لقب العاصمة، لكنها استعادت مكانتها عام 1437 مع صعود شارل السابع.
لكن هذه المرة لم تعد القصر الملكي إلى المدينة وبقي في لوار. في عام 1594، أعاد هنري الرابع القصر الملكي إلى باريس.
في القرن السابع عشر، نُقل القصر الملكي مرة أخرى من باريس إلى فرساي. بعد قرن، اندلعت ثورة الغضب وأصبحت الثورة سببًا في إنهاء الحكم الملكي عام 1792.
في القرن التاسع عشر، شهدت المدينة العديد من الأحداث التاريخية. الثورة الصناعية، الإمبراطورية الفرنسية الثانية وعصر Belle Époque (العصر الذهبي لأوروبا الذي بدأ في أواخر القرن التاسع عشر واستمر حتى الحرب العالمية الأولى حيث كانت القوى الأوروبية تعيش في سلام) أدت إلى تغييرات كبيرة في بنية المدينة.
خلال هذه الفترة، تم إنشاء شبكة السكك الحديدية داخل المدينة، مما زاد من عدد سكان المناطق المحيطة بها. في عهد الإمبراطورية الثانية وحكم نابليون الثالث، نُفذ مخطط هاوسمان العمراني في باريس.
هذا المخطط هو أساس الهيكل الحضري الحديث لباريس اليوم، حيث حسّن من تنظيم الشوارع وجعلها أوسع وأكثر جمالًا، كما حسّن من الظروف الصحية.
بين عامي 1832 و1849، قضى وباء الكوليرا على حوالي 20 ألف نسمة من سكان المدينة. كما ألحق الحروب بين فرنسا وبروسيا في عام 1871 أضرارًا كبيرة بباريس.
في نفس العام، حدثت حرب بين حكومة باريس الذاتية والحكومة المركزية الفرنسية، مما أدى إلى فقدان 20 ألف نسمة من سكان المدينة. لكن في أواخر القرن التاسع عشر، تحولت باريس إلى مدينة عالمية، حيث بُني برج إيفل تخليدًا للثورة الفرنسية، وأُنشئ مترو الأنفاق، وأصبحت المعارض العالمية رمزًا للتقدم ووجهة للسياح.
في بداية القرن العشرين، تحولت باريس إلى جبهة قتال بين الإنجليز والفرنسيين ضد ألمانيا. خلال الفترة بين الحربين العالميتين (1918-1939)، برزت باريس كمدينة لا تنام وعاصمة ثقافية وفنية للعالم.
في هذه السنوات، أصبحت موطنًا للعديد من الفنانين والشخصيات الثقافية، من سترافينسكي الرسام الروسي إلى بيكاسو، دالي وإرنست همنغواي الأمريكي. في يونيو 1940، احتلتها القوات النازية وظلت تحت الاحتلال حتى أغسطس 1944. خلال الحرب العالمية الثانية، لم تتعرض باريس لأضرار كبيرة.
بعد الحرب، شهدت باريس تطورًا جديدًا. توسعت ضواحي المدينة وتغيرت وسائل النقل الحضري مع إنشاء شبكات سكك حديدية جديدة، وأُنشئت عدة طرق سريعة حول المدينة، مما شكل الحزام المروري لباريس.
منذ السبعينيات، أُغلقت العديد من الصناعات في مناطق متعددة من المدينة، خاصة في الشرق، بينما اعتمدت مناطق أخرى على التكنولوجيا الحديثة كمصدر للدخل، مما أدى إلى زيادة دخل سكان تلك المناطق. هذا تسبب في فجوة طبقية وأدى إلى اضطرابات، مثل أحداث 2005.
الجغرافيا والمناخ
تقع باريس في شمال فرنسا، ولا تمتلك تضاريس جغرافية معقدة. أهم معالمها الجغرافية نهر السين وجزيرتا سانت لويس والدولاسيتي. باريس مدينة مسطحة تقريبًا، وأدنى ارتفاع فيها 35 مترًا فوق سطح البحر. تضم المدينة عدة تلال، وأعلىها مونمارتر بارتفاع 130 مترًا.
تتمتع باريس بمناخ محيطي، ويتأثر مناخها بتدفق التيارات الأطلسية الشمالية، لذا نادرًا ما تشهد المدينة حرًا شديدًا أو بردًا قارسًا.
متوسط درجة الحرارة السنوي حوالي 15 درجة مئوية. أعلى درجة حرارة سجلت هي 40.4 درجة مئوية في عام 1948، وأدنى درجة حرارة كانت -23.9 درجة مئوية في عام 1879.
يمكن أن تهطل الأمطار في باريس في أي فصل من السنة، وتشتهر المدينة بالأمطار الغزيرة المفاجئة. يبلغ متوسط هطول الأمطار 641.6 ملم. تسقط الثلوج نادرًا في الشتاء، ولا تكفي لتغطية الشوارع باللون الأبيض.
الديموغرافيا
بلغ عدد سكان المنطقة الحضرية لباريس وفقًا لتعداد يناير 2008 نحو 2,167,994 نسمة، مما يجعلها الأعلى كثافة سكانية في فرنسا.
يبلغ متوسط الكثافة السكانية 24,948 نسمة لكل كيلومتر مربع. في عام 1999، بلغ عدد سكان باريس وضواحيها 9,644,507 نسمة، وعدد سكان منطقة باريس الكبرى 12,067,000 نسمة.
تعيش في المدينة أقليات عرقية متعددة تعود أصول هجرتها إلى باريس إلى عام 1820. في تعداد 1999، كان 19.4% من سكان منطقة باريس الكبرى مولودين خارجها، و4.2% من السكان مهاجرين جدد، مثل الصينيين والأفارقة.
بدأت أول موجة هجرة كبيرة إلى باريس في عام 1820، حيث هاجر الفلاحون الألمان بسبب أزمات في أعمالهم. في القرن التاسع عشر، كان الإيطاليون وسكان أوروبا الوسطى واليهود من أكبر المهاجرين إلى باريس.
من بين المهاجرين الرئيسيين الآخرين الروس بعد ثورة 1917، ومواطنو المستعمرات خلال الحرب العالمية الأولى، والبولنديون بين الحربين العالميتين، والإسبان والبرتغاليون والأمريكيون في خمسينيات إلى سبعينيات القرن العشرين، بالإضافة إلى الأفارقة والآسيويين منذ ذلك الحين وحتى الآن.
المعالم السياحية
تحتوي باريس على العديد من المعالم التاريخية والسياحية المهمة، منها برج إيفل، متحف اللوفر، كاتدرائية نوتردام، وشارع الشانزليزيه.
برج إيفل: برج معدني يقع في ساحة Champ de Mars على ضفة نهر السين في باريس. يُعتبر برج إيفل اليوم رمزًا عالميًا لـفرنسا وأحد أشهر المباني في العالم. بدأ بناؤه عام 1887 واكتمل في 31 مارس 1889، بمناسبة المعرض الدولي وبمناسبة الذكرى المئوية للثورة الفرنسية.
في البداية، لم يحظَ البرج بقبول الجميع، حيث اعترض عليه 300 شخص من بينهم إميل زولا، موباسان، شارل غارنييه (مهندس أوبرا غارنييه)، ودوما بشدة. سُمي البرج باسم مهندسه غوستاف إيفل.
متحف اللوفر: يُعتبر أكبر متحف في العالم، وهو مفتوح للجمهور منذ عام 1793. يركز المتحف على الفن، تاريخ الإنسان والثقافة، ويضم العديد من الأعمال الفنية المهمة مثل شريعة حمورابي، لوحة سيدة الصخور، ولوحة الموناليزا لليوناردو دافنشي.
كان مبنى المتحف قبل الثورة الفرنسية الكبرى قصرًا ملكيًا يُحتفظ فيه بالأعمال الفنية القيمة (كمتحف ملكي). بعد الثورة في عام 1789، تم تقديم المتحف وأعماله للشعب الفرنسي، وأصبح في 1793 متحفًا وطنيًا.
من أبرز الأعمال الفنية في المتحف: الموناليزا (ليوناردو دافنشي)، العشاء الأخير (ليوناردو دافنشي)، سيدة الصخور (ليوناردو دافنشي)، شريعة حمورابي، الثور المجنح الآشوري، لوح نرام سين، نقوش آشورية، أواني فخارية آشورية، أجزاء مهمة من تخت جمشيد، الماعز المجنح الذهبي (الفرس)، الكاتب الجالس (سقارة-مصر).
كاتدرائية نوتردام: هذه الكنيسة الشهيرة تقع في جزيرة سيت وسط نهر السين في قلب باريس. أبراج الكنيسة التوأم معروفة في رواية "أحدب نوتردام" للكاتب فيكتور هوغو حيث يعيش كوازيمودو الأعرج.
شارع الشانزليزيه: يُعرف بأفلامه، مقاهيه، ومتاجره الفاخرة، وهو من أشهر شوارع العالم. اسمه يعني "سهل الإليزيه"، وقصر الإليزيه يقع بالقرب منه. في الأساطير اليونانية، الإليزيه تعني "المبارك".
يسميه الفرنسيون "la plus belle avenue du monde" أي أجمل شارع في العالم.
قوس النصر: أكبر تقاطع في العالم تؤدي إليه 12 شارعًا. بُني هذا النصب عام 1806 بأمر من نابليون لتخليد انتصاراته الكبرى.